في مساء اليوم الذي زار فيه سيد برج السحر المشفى، جاء ولي العهد لزيارة إيفيريا في غرفتها.
كانت إيفيريا جالسةً وهي تسند ظهرها إلى الوسادة، لكنها ما إن رأت ولي العهد يدخل حتى استقامت في جلستها على الفور. كان ذلك توتراً انعكاسيًا.
منذ أن سألها إن كانت تود البقاء في المستشفى لفترة أطول، لم تره بعدها، وهذه أول مرة تراه منذ ذلك الحين.
ثم انحنت إيفيريا انحناءةً عميقة وهي تلقي التحية.
“تشرفت برؤية سمو ولي العهد.”
“اجلسي براحتكِ.”
جلس ولي العهد على الكرسي المجاور للسرير، فرفعت إيفيريا رأسها، لكن عينيها بقيتا مثبتتين على الأرض.
رمقها بنظرة فاحصة كمن يراقبها ثم تحدث ببساطة،
“لا تقلقي كثيرًا بشأن تكاليف العلاج. هناك دعمٌ من الأكاديمية، كما أن العائلة المالكة أيضًا ستساهم.”
“نعم، شكرًا جزيلًا.”
ابتسمت إيفيريا ابتسامةً متوترة.
إن لم تكن المبالغ المطلوبة باهظة، فقد تتمكن من تغطيتها بما ادخرته أثناء دراستها في الأكاديمية، إن استخدمت كل ما وفرته من منح دراسية ومدخرات.
لكنها ستضطر حينها إلى شد الحزام قليلًا لبعض الوقت.
لكن ولي العهد أعاد التأكيد بصوت هادئ،
“على الأرجح، لن تضطري لدفع أي مبلغ.”
“نعم، شكرًا لكَ.”
أجابت إيفيريا بصوت جاف. كانت تدرك أن ما يفعله ليس معروفًا حقيقيًا، وإنما يشبه الاعتذار. لكنها لم تكن تعرف كيف يجب أن ترد عليه.
رمقها ولي العهد مطولًا، يتفحص ملامحها المتصلبة كأنما يحاول فك رموز انزعاجها. وحين شعرت إيفيريا بنظراته، رمشت بعينيها أكثر من المعتاد.
ابتسم قليلاً، ثم نهض من مكانه ببطء.
“تعافي بسرعة. أراكِ في الأكاديمية.”
“نعم، حاضر. شكرًا جزيلاً.”
غادر ولي العهد دون صوت، وأُغلِق باب الغرفة بهدوء.
عندها فقط، دفنت إيفيريا نصف جسدها في الوسادة، وشعرت بأن العضلات المتصلبة في ظهرها بدأت ترتخي أخيرًا.
***
كان الأمير نيسبيروس يلازم إيفيريا بشكل لافت للنظر، حتى أن الأمر جعل المرء يشك إن كان لا يزال يمارس حياته في الأكاديمية بشكل طبيعي.
عند حساب عدد ساعات الدروس الأسبوعية، لم يكن من المنطقي أبدًا أن يقضي الأمير نيسبيروس كل هذا الوقت بجوار إيفيريا.
نظرت إليه بعين يغمرها القلق، بينما كان هو يتنقل بنظره بين وجهها والصينية الموضوعة أمامها. ثم سألها بصوتٍ يحمل نبرةً واضحة من القلق،
“هل تستطيعين الأكل وحدكِ؟”
“نعم، أنا بخير.”
لم تكن مصابةً في يدها، ولم تكن حالتها الصحية تستدعي البقاء في المستشفى من الأساس. لقد كان هذا إفراطًا في الحماية.
رفعت إيفيريا الملعقة ببطء وبدأت بتناول الطعام. ومع ذلك، لم تتوقف نظراته عنها.
تجاهلت الأمر قدر ما استطاعت، وخفضت عينيها نحو الطعام في صمت.
“أمركَ غريب يا سيد..…”
“همم؟”
“ألن تؤثر غياباتكَ في الصفوف؟”
دوّى في الغرفة صوت ضحكة خافتة. فرفعت إيفيريا عينيها إليه بتردد، وحين التقت نظراتهما، سارعت إلى خفض رأسها من جديد.
“لا تقلقي، أنا أتابع كل ما يتقاطع مع جدولكِ.”
لم تفهم ما علاقة جدول دراستها بجدوله هو. فأومأت برأسها ببطء، وعلى وجهها علامات عدم الاقتناع.
***
لم يُسمح لإيفيريا بالعودة إلى الأكاديمية إلا بعد أن أكد الأطباء وسيد برج السحر أنها بخير تمامًا.
وما إن عادت، حتى وجدت نفسها تركض هنا وهناك في محاولة لتعويض كل ما فاتها من دروس.
لقد كان الطريق طويلًا ولا نهاية له.
“أشعر باليأس..…”
تمتمت بذلك وهي تغطي وجهها براحة يدها، ثم ارتمت فوق الطاولة في غرفة الدراسة.
لم تكن فترة الامتحانات قد بدأت بعد، لذلك كانت الغرفة خاليةً من الطلاب.
رغم أن الأمير نيسبيروس، وسينثيا، وحتى بعض الأساتذة نصحوها بأخذ قسط من الراحة، إلا أنها بدأت تندم لأنها لم تعد إلى الأكاديمية فور أن فتحت عينيها.
بعد موجة المهام التي أغرقتهم، جاءت فترة الامتحانات لتخنق الأنفاس أكثر.
كانت إيقيريا على وشك الانهيار، حينها اقتربت منها سينثيا.
“سأعيركِ دفاتري.”
“شكرًا لكِ..…”
في الأوقات العادية، لم تكن إيفيريا لتقبل معروفًا بسهولة، لكنها في هذه المرة لم يكن أمامها خيارٌ آخر.
أغمضت عينيها بقوة وأخذت الدفتر الذي مدّته إليها سينثيا.
“كنت أكتب كل شيء بدقة لأريكِ إياه، ركّزت جدًا في المحاضرات، وكتبت كل شيء بوضوح.”
“أنا ممتنةٌ لكِ فعلًا..…”
خلافًا لعادتها، لم تُطِل سينثيا الحديث. فقد كانت تعرف أن إيفيريا لا تملك ترف الوقت.
وقد شعرت إيفيريا بذلك، فابتسمت لها ابتسامةً صغيرة وفتحت الدفتر.
و على غير عادة دفاتر سينثيا، كان هذا الدفتر مليئًا بالملاحظات الدقيقة، بل حتى النكات التي ألقاها الأستاذ دون أهمية، دونتها.
فلم تستطع إيقيريا كتم ضحكةٍ صغيرة خرجت منها بلا إرادة.
وبينما كانت منهمكةً في تنظيم ما كُتب، ظهرت أمامها ورقةٌ صغيرة.
[هل أساعدكِ؟]
رفعت إيفيريا رأسها بسرعة، وكان الأمير نيسبيروس واقفًا أمامها.
ربّت على رأسه بخفة وهمس بصوت بالكاد يُسمع.
“لا أملك دفترًا، لكني أتذكر كل شيء.”
شعرت إيفيريا بدهشة لم تستطع إخفاءها. و خطر في بالها لوهلة أنه حضر نفس دروسها عمدًا من البداية لهذا السبب، لكنها سرعان ما طردت تلك الفكرة باعتبارها مبالغة.
جلس الأمير نيسبيروس أمامها مباشرة، وأخذ الورقة التي كانت لا تزال أمامها، وبدأ يكتب عليها شيئًا.
[هل نذهب إلى غرفة الدراسة بجانب المكتبة؟]
كانت غرفة الدراسة المجاورة لمكتبة الأكاديمية من الأماكن القليلة التي يُسمح فيها ببعض الهمس والحديث. ويبدو أن الأمير نيسبيروس كان يعلم ذلك، ولهذا سألها.
كادت إيفيريا أن تهز رأسها بالموافقة تلقائيًا، لكنها سرعان ما عبست حين أدركت أنها كانت يتوافق حقاً على عرضه.
كيف لها أن تقبل معروفًا من شخص لا تدري ما الذي يدور في ذهنه؟ امتلأ قلبها بمشاعر متضاربة في لحظة واحدة.
فقد كان كلام الأمير نيسبيروس وتصرفاته تنساب بسلاسة كجريان الماء.
“لا تقولي أنكِ سترفضين؟ المفترض أن يكون هذا مفيدًا لكِ.”
كانت ملامحه هادئةً وابتسامته لطيفة، لكن كلماته حملت في طيّاتها ضغطًا خفيًا.
مهما كانت نيته، بالنسبة لإيفيريا، بدا الأمر وكأنه يُجبرها على القبول بلُطف.
وحين أومأت بالموافقة على مضض، ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا.
و لأول مرة، شعرت إيفيريا بأن ابتسامته مزعجة بهذا الشكل. فحولت نظرها إلى الدفتر متجنبةً النظر إلى وجهه.
ثم سمعت صوته الخفيف يداعب أذنيها.
“ما رأيكِ بعطلة نهاية الأسبوع؟”
“نعم، لا بأس.”
“حسنًا، إذاً أراكِ في نهاية الأسبوع.”
وما إن ابتعد عنها، حتى أغمضت عينيها وارتمت فوق الطاولة.
أثقل قلبها شعورٌ لا يُحتمل، فقط لأنها لم تستطع تقبّل معروفه كما هو. ولأنها لا تكف عن التساؤل حول السبب الحقيقي وراء كل تصرف يصدر منه.
فتنهدت بعمق، رغماً عنها.
***
على مدار الأيام التالية، عاشت إيفيريا وكأنها داخل فترة امتحانات حقيقية.
حتى في هذا اليوم، ما إن انتهت محاضراتها في الأكاديمية حتى أسرعت عائدةً إلى السكن، لتبدأ معركتها مع الكتب.
و كانت سينثيا تراقبها بعين قلقة.
“ألا تودين أن تأخذي قسطًا من الراحة.…؟”
قالت ذلك بنبرة تنضح بالحذر.
لم يمضِ وقتٌ طويل على انهيار إيفيريا، وها هي تُجهد نفسها من جديد وكأن شيئًا لم يكن، وهذا ما جعل سينثيا تشعر بالقلق الشديد.
في بعض الأحيان، كانت إيفيريا تتصرف وكأن لا معنى لحياتها إن لم تُنجز كل شيء على أكمل وجه.
وكان ذلك السلوك يزداد وضوحًا في الآونة الأخيرة.
وكما هو متوقّع، ردّت إيفيريا ببرود وبساطة.
“أنتِ تعرفين، لقد أخذت قسطًا كافيًا من الراحة حتى الآن.”
“تسمّين ما حدث راحة؟ لقد كنتِ طريحة الفراش!”
حاولت سينثيا أن تتحدث بهدوء، لكن كلماتها خرجت تلقائيًا بنبرة معاتبة.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 28"