اتسعت عينا إيرميت على آخرهما. فرموش إيفيريا كانت ترتجف بخفة.
“…..آه.”
حبس أنفاسه تمامًا، يراقب المشهد دون أن يرمش حتى. وبعد لحظات، انزاحت رموشها، وبدأت عيناها الزرقاوان، الملبدتان بضباب الغيبوبة، تتجولان ببطء في السقف.
عقلها كان مشوشًا. فأغمضت عينيها وفتحتهمت مرارًا، قبل أن تبدأ بتحريك حدقتيها تدريجيًا.
كانت الغرفة غريبةً عنها، لكن هناك لمحةٌ فضية مألوفة ظهرت في مجال رؤيتها.
ثم أخذت نفسًا عميقًا بشكل تلقائي، فلسعها الهواء الجاف في حلقها كما لو كان شفرات حادة.
وفجأة التقت نظراتها بنظرات الأمير نيسبيروس.
“كح…..كح….هه..…”
“اشربي الماء.”
أسند وسادةً خلف ظهرها ليرفع جسدها قليلاً، ثم ناولها كوب الماء.
لكن حين رأى يديها ترتجفان، لم يسمح لها بالإمساك به، بل أمسكه بنفسه وقربه من شفتيها وسكبه ببطء.
و رغم السعال، لم تستطع إخفاء إحراجها. فاحمرت أطراف أذنيها قليلًا.
وبعد أن بللت حلقها برشفة صغيرة، تمالكت نفسها و تحدثت بصوتٍ خافت،
“شكرًا لكَ.”
كان يحمل على وجهه تعبيرًا لم تره من قبل.
و تأملت ملامحه، التي بدت أكثر هزالًا من ذي قبل، وقد جعل ذلك ملامحه أكثر حدة و وحدة.
نظرت إليه بخجل، وأمسكت بالكوب المرتعش بيديها بتردد.
ثم، دون أي مقدّمات، تحدّث بنبرةٍ مفاجئة،
“إيفيريا، هل تتذكرين يوم لقائنا الأول؟”
كان السؤال غريبًا، خصوصًا لشخصٍ بالكاد أفاق لتوه من غيبوبة، لكن تعبيره كان ممتلئًا برجاء يائس.
ورغم ارتباكها، أغمضت عينيها قليلًا واستحضرت الذكرى.
لقاؤهما الأول…..لم يكن شيئًا يمكن نسيانه بسهولة. فلا تزال مشاعرها آنذاك وأفكارها حيةً في ذاكرتها، وكأنها حدثت بالأمس فقط.
ترددت إيفيريا في كيفية بدء الحديث، لكنها فتحت فمها أخيرًا بحذر.
“في وقتٍ متأخر من بعد ظهر الأول من يوليو هذا العام..…”
وصلت إلى هذا الحد، ثم رمقت وجه الأمير نيسبيروس بنظرة خاطفة. و لحسن الحظ، لم يبدُ عليه أي انزعاج.
فتنفّست إيفيريا الصعداء وتابعت.
“أتذكّر اليوم الذي قلت فيه أن نظارتي تبدو جيدة عليّ.”
رفعت يدها الممسكة بكأس الماء، وشربت رشفةً أخرى. بينما ظل الأمير نيسبيروس صامتًا، دون أن ينبس ببنت شفة.
راحت عيناها تتنقّلان في المكان كأنها تبحث عن مهرب، ثم أضافت شرحًا خافتًا.
“بالمناسبة، تلك النظارة هي نظارة لحماية البصر فقط…..فنظري جيد، في الحقيقة.”
عندها فقط ارتسمت على وجه الأمير نيسبيروس ابتسامة. لم تكن ابتسامةً حقيقية، بل كانت أقرب إلى ضحكة جافة، لكنها كانت كافيةً لتشعر إيفيريا بالارتياح.
نظر إليها مبتسمًا بتلك الابتسامة الهادئة، والتقت عيناهما. فشعرت بتوتر مباغت يجتاحها، وبلعت ريقها بصعوبة.
“أشعر وكأننا…..قدرٌ محتوم.”
كانت كلمات تحمل بعض الأسف، ومع ذلك بدا الأمير نيسبيروس غريبًا على نحوٍ ما وهو يقولها.
لم تستطع إيفيريا أن ترد، واكتفت بالرمش في ذهول.
و ربما بدا له أن كأس الماء في يدها مهددٌ بالسقوط، فمدّ يده واستعاد الكأس منها بهدوء.
“هل أبدو غريبًا؟ مجنونًا بعض الشيء؟”
أدارت إيفيريا عينيها بسرعة، محاولةً إخفاء ارتباكها، لكن تلك الحركة الصغيرة خانت ما في داخلها من اضطراب.
في هذا المكان الغريب، كان الأمير نيسبيروس هو الشيء الوحيد المألوف بالنسبة لها. لكن تصرّفاته لم تكن مألوفة. أو لعلّ عدم مألوفيته بحد ذاته كان هو الشيء المعتاد؟
ثم بدأت تشعر بالارتباك حتى من أفكارها.
حين رأى ملامح الحيرة على وجهها، سحب ابتسامته فجأة، كأنها لم تكن.
“هذا مريح.”
لم يكن يضحك، ولم يكن حزينًا…..لكن ملامحه كانت رمادية بلا لون، على غير عادته.
وفي عينيه البنفسجيتين، اللامعتين على نحو غريب، بدت مشاعرٌ متناقضة، لا اسم لها. فمدّت إيفيريا يدها نحوه من دون تفكير.
“…..لا تبكِ، أرجوكَ.”
ارتجفت يد إيفيريا بعنف. كان ذلك بسبب استخدامها فجأةً لعضلات لم تتحرك منذ وقت طويل. فاتسعت عينا الأمير نيسبيروس بدهشة.
شعرت بحرارة تصعد إلى أذنيها، وسرعان ما حاولت سحب يدها. لكنه ابتسم بعينيه المنحنيتين برقة، ثم أمسك بكمها بلطف.
“نعم، لن أبكي.”
ثم شعرت بدفئه ينتقل إلى راحة يدها. و رغم أن أطراف أصابعها ارتجفت، لم تسحب يدها عن خده.
أغمض الأمير نيسبيروس عينيه للحظة، ثم فتحهما ببطء. وجهه كان شاحبًا، نحيلًا بشكل مؤلم، لكن عينيه البنفسجيتين تألقتا ببريق مذهل.
نظر مباشرة في عينيها، وسأل بهدوء.
“ما رأيكِ في ولي العهد؟”
“ماذا؟”
اتسعت عينا إيفيريا قليلاً بدهشة.
لماذا يسألها عن هذا الآن؟
وقبل أن تهدأ دهشتها، تابع الأمير نيسبيروس بنبرة لا تحمل أي انفعال.
“هل تتمنين ألا تريه مجددًا؟”
“هاه؟ كح كح..…”
فاجأها سؤاله الهادئ، فاختنقت بأنفاسها وسعلت دون أن تتمكن من الرد.
لم تكن تتمنى ذلك، أبدًا، لكنها شعرت أن سؤاله يحمل في طياته وعدًا مبطنًا: إن رغبتِ، فلن تريه مرةً أخرى.
فرغ عقلها فجأة، كأن كل أفكارها غادرت رأسها دفعةً واحدة. فسحبت يدها عن خده ومدّتها نحو كأس الماء على الطاولة الجانبية.
لكن يدها المرتعشة لم تلتقط الكأس، بل دفعتها فقط. ثم رنّ صوت زجاج مرتطم، وارتعش كتفها بغتة.
“آسـ، آسفة..…”
“لا تعتذري. أنا من أخطأ حين ناول مريضة كأسًا زجاجيًا.”
أغمضت إيفيريا عينيها بإحكام. و راودها خاطر يائس…
‘ليتني فقط أفقد الوعي من جديد.’
***
كانت تود العودة إلى الأكاديمية في الحال، لكن كل من يعرفها منعها من ذلك.
و لو أصرت على العودة إلى الأكاديمية رغم معارضة الجميع، لربطوها في الفراش حتى تستقر حالتها. ولهذا اضطرت إيفيريا، التي نادرًا ما تفعل، إلى التراجع عن قرارها.
بسبب دموع سينثيا، والتهديدات المبطّنة من ولي العهد، ونظرات الأمير نيسبيروس الجادة….لم تكن لديها القدرة على مقاومة كل ذلك.
وبعد أن قضت عدة أيام تمضي معظمها في السرير، بدأت تشعر بأنها على وشك الجنون.
الملل، والفراغ، وقلقٌ داخلي لا تعرف سببه، كل ذلك تآمر عليها. وفي المقابل، كان الزوّار الذين يتوافدون لرؤيتها يبدون في منتهى الهدوء والطمأنينة.
كانت مستلقيةً بلا حراك على السرير، ترمق الرجل ذو الشعر الأسود الجالس بجانبها بنظرات طويلة.
“إيفيريا دِيل؟”
“نعم، سيدي رئيس برج السحر.”
كان يبتسم بوجه مشرق، وهو شخصيةٌ من ذات النوع الذي ينتمي إليه الأمير نيسبيروس.
لا تعلم كيف يراهم الآخرون، لكن بالنسبة لإيفيريا، هما ينتميان لنوع نادر من الأشخاص.
ربّت على ظاهر يدها برفق، وكلما لامست أنامله بشرتها، شعرت بتحسّن خفيف يسري في جسدها، فتوسّعت عيناها في دهشة.
و رأى دهشتها، فابتسم ابتسامةً رقيقة.
“أرجو أن أعتني بكِ جيدًا من الآن فصاعدًا.”
“نعم؟ آه، نعم.”
“سأبقى في لاكانيل لبعض الوقت. أظن أنه يمكننا القول أنني أستاذٌ مؤقت؟ أو أستاذ زائر؟”
اتسعت عينا إيفيريا من المفاجأة.
رئيس برج السحر…..أستاذٌ في لاكانيل؟ كلمتان لا يُفترض أن تُجمعا في جملة واحدة.
فعلى مر الأجيال، كان رؤساء أبراج السحر، وإن كانت مناصبهم أقرب إلى الشرفية، يشغلون منصب المدير في الأكاديمية المتخصصة التابعة للبرج، ولم يكن من المعتاد أبدًا أن يعمل أحدهم أستاذًا في أكاديمية أخرى.
نظر إلى إيفيريا التي غمرها الارتباك، وابتسم بعينيه.
“سأتواجد غالبًا في الطابق الثالث، في الركن من الجناح الثاني لمبنى السحر. تعرفين أين يقع، صحيح؟”
ترددت إيفيريا في الإجابة، لا تدري ما تقول، وفي تلك اللحظة، كان الأمير نيسبيروس إلى جانبها، يرمق رئيس البرج بنظرة تنم عن عدم ارتياح.
“فقط أخبرها بما جئت من أجله، وارحل.”
“يا له من تعامل قاسٍ…..مع أنني رئيس برج السحر ومنقذكم، لا أقلّ.”
نظرت إيفيريا إلى الرجلَين بعينين مضطربتين، ثم أغلقت عينيها بإحكام.
لم تكن تفهم تمامًا ما الذي يجري الآن. فقبل لحظات، وكما في الأيام السابقة، دخل الأمير نيسبيروس الغرفة، لكن هذه المرة تبعه رجلٌ آخر.
وعندما أمعنت النظر فيه، بدا مطابقًا تمامًا لرئيس البرج الذي تعرفه. وكان هو فعلًا.
“إذا شعرتِ بأي تعب حتى ولو بسيط في الأكاديمية، تعالي إليّ فورًا. اتفقنا؟”
“نعم، شكرًا جزيلًا.”
كان رئيس البرج يلفّ أطراف شعرها بين أصابعه ويلويها برفق، وقد جلس متقاطع الساقين، منحنِيًا بجسده إليها. دون وعي، فتراجعت إيفيريا إلى الوراء.
ثم ارتسمت على فمه ابتسامةٌ ماكرة ومتمهّلة.
“استخدامكِ لسحر الوهم على ولي العهد…..كان تهورًا. أفراد العائلة المالكة غالبًا ما يتمتعون بمناعة جزئية ضده، ولو كان على علم به، لما تأثر به أصلًا.”
“آه..…”
اهتزت نظرات إيفيريا بقوة، وزفرت بصوت خافت وهي تشدّ الغطاء بين يديها.
“لقد…..رأيتَ حالتي، إذاً..…”
“نعم، رأيتها.”
شعرت بغصة في صدرها، مزيجٌ من الحرج والامتنان، لكنه جعل قلبها يهدأ فجأة بدفء لم تستطع مقاومته.
ابتسمت ابتسامةً صغيرة وسحبت نفسًا عميقًا. فرآها لوانيس على هذا الحال، وفجأة تذكّر مشاهد الوهم الرائعة التي خلقتها. لقد كانت فاتنةً بحق.
لكن سرعان ما تبعها وجه ولي العهد المزعج، فانعكست ملامحه مجددًا إلى العبوس.
أما إيفيريا، فبعد أن هدأت قليلًا، راحت تنظر حولها بتردد.
قال قبل قليل أنه منقذها…..إذاً كان من الواجب أن تشكره. و لاحظ لوانيس ذلك فورًا، فتحرّك وكأنه سيقف، ثم غيّر رأيه وجلس مجددًا.
“هل لديكِ ما تقولينه؟”
“نعم….شكرًا…..لأنكَ ساعدتني.”
كان هناك أمرٌ واحد مؤكد…..إيفيريا لم تكن موهوبةً في تقديم الشكر.
أخفضت رأسها بعمق، وعضّت على أسنانها بصمت كي لا يظهر ارتباكها. بينما أومأ رئيس برج السحر برأسه ببطء.
ثم ترك خصلات شعر إيفيريا التي كان يمسك بها، وراح يفكّ الأطراف المتشابكة بلطف. و نهض من مقعده وتابع حديثه وهو واقف.
“أنتِ تعرفين أين يقع الجناح الثاني للسحر، صحيح؟ إنه المبنى الملاصق لغرفة التدريب على السحر. تذكّري ذلك جيدًا.”
“نعم!”
أجابت إيفيريا بصوت متحمّس ممتلئ بالعزم، وفي اللحظة نفسها، نهض الأمير نيسبيروس بدوره وفتح الباب لرئيس البرج.
قرمقه بنظرة جانبية، ثم أطلق ضحكةً قصيرة أشبه بسخرية مكتومة.
___________________
وش ذا الميانه قاعد يلف شعرها ؟ ابوها؟
المهم ايرميت بغا يبكي ياعمرييي😭 وايفيريا قربت منه اول هاعاعاهاعاهاها✨
سيد البرج يضحك الناس تقول اعتني بي جيداً وهو يقول ارجوا ان اعتني بس ؟
مافيه شي طبيعي ذا الرجال 😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 27"