ولهذا السبب، غيّر سيد برج السحر الموضوع بشكل مفاجئ.
“ما الذي يقلقكَ تحديدًا؟ أنت تعلم أنني طالما أنا هنا، فلن تموت إيفيريا ديل.”
“…….”
ساد صمتٌ ثقيل في الغرفة.
لكن صمت إيرميت لم يكن لأنه لم يسمع السؤال. وسيد البرج كان يعلم ذلك جيدًا، ولهذا لم يكرر سؤاله.
أمال رأسه قليلًا، فتلاقت عيناه مع وجه إيفيريا الشاحب. حينها، أسرع إيرميت بصرف نظره نحو الغطاء الذي كانت إيفيريا تضعه فوقها.
وسأل نفسه: ما الذي يقلقه الآن؟
لم يكن الأمر قلقًا حقًا…..بل لم يكن يريد أن يُنسى.
هذا فقط.
أن تختفي ذكراه من عقل إيفيريا. لم يكن حتى يحتمل مجرد احتمال أن يحدث ذلك.
لكنه لم يكن “قلقًا عليها” حقًا.
ارتجف فمه قليلًا، وكأنه يريد قول شيء لكنه تراجع.
لقد كان يحاول إقناع نفسه بشيء لا يصح. و عقله المعتاد على التحليل والفهم كان يدرك جيدًا حقيقة مشاعره.
خوفٌ بغيض، متجذر. تمامًا كطفلٍ يخاف أن يهجره والداه، فيتشبث بهم بتوسلاتٍ يائسة كي لا يتركوه.
وحين لا يستطيع التعبير عن خوفه، يظهر هذا الخوف بوجه آخر.
أو لعلّها كانت صورةً أخرى لنفس الخوف. فهو يخشى إن اعترف بخوفه مباشرة، أن يكتسب هذا الخوف قوةً حقيقية عليه.
في الماضي، كان يخاف من أن تنساه إيفيريا. وفي النهاية…..لقد نسيته. ذكرياتهما معًا صارت وكأنها لم تكن.
حتى إن كانت تلك النتيجة لا تستند إلى منطق صحيح من حيث الأسباب والنتائج، إلا أن العقل حين يُواجه بمشاعر حادة، لا يقوى على مقاومة الأحكام الشخصية.
رمش إيرميت بعينيه مرارًا.
الآن، هو شخصٌ يملك القدرة والسلطة. حتى لو اعترف بخوفه، فلن يخسر كما خسر في الماضي.
هو الآن يستطيع السيطرة على كل شيء.
وحين أقنع نفسه بذلك، أصبح العثور على الجواب أسهل بكثير.
‘هل يُمكن أن أُسمي هذا قلقًا؟’
لا، لم يكن قلقًا…..
“أنا…..أخشى أن أنسى. أخشى ألا أكون موجودًا في ذاكرة إيفيريا..…”
أخيرًا نطق بخوفه. و كان في ذلك راحةً خفيفة، لكنها جلبت معها رهبةً غامضة.
بدأت حرارة خفيفة تغمر عينيه دون أن يدري، واهتزت حدقتاه قليلًا تحت وطأة المشاعر، لكن دموعه لم تسقط في النهاية.
بينما حدّق سيد برج السحر في إيرميت بنظرة يصعب تفسيرها.
“في هذه الحالة…..لا يبدو أن هناك ما أستطيع فعله الآن.”
اكتفى بالقول أن إيفيريا ستستعيد وعيها حالما تستقر طاقتها السحرية، ثم صمت تمامًا بعد ذلك.
وساد الصمت بينهما. و لم يكن أيّ منهما راغبًا في بدء الحديث مجددًا.
عندها، سُمعت خطوات شخص ما من خارج الغرفة. و بدت وكأنها لامرأة صغيرة الجسد.
فتوتّر إيرميت فورًا بردّة فعل غريزية.
“إيفيريا!”
كانت تلك الطالبة التي لا تفارق إيفيريا. فأعاد إيرميت بصره من سينثيا إلى إيفيريا مجددًا بعد أن تأكد.
لم يكن يهتم لسينثيا كثيرًا. فقط، كان هناك شعور غامض…..انزعاجٌ من أنها شاركت إيفيريا في الوقت الذي لم يستطع هو أن يكون فيه معها.
تمكنت سينثيا من الدخول إلى هذا المكان بصعوبة، مستعينةً ببطاقة هوية أكاديمية، وبعض المال، وعدد من الشهود الذين يثبتون معرفتها الشخصية بإيفيريا.
كانت تدخل الغرفة ونصف وعيها غائب، لكنها تجمّدت تمامًا حين رأت من يجلس بجانب إيفيريا.
ذلك كان الأمير نيسبيروس، الذي كان السبب الرئيسي في توتر إيفيريا خلال بداية الفصل الدراسي.
فخرج همسٌ لا إرادي من بين شفتيها.
“لماذا…..أنتَ هنا؟”
“ألا ينبغي لي أن أكون هنا؟”
كان سؤاله بعيدًا تمامًا عن البراءة.
ثم ابتسم الأمير نيسبيروس ابتسامةً خافتة. لم تكن تلك الابتسامة المبللة بالدموع لتبدو بهذا الجمال لو كانت من أي شخص آخر، لكنها بدت مؤثرةً لأن وجهه وحده كان كافيًا ليغفر له كل شيء.
فتوقفت سينثيا قليلًا تتأمل ملامحه المذهلة، قبل أن تستعيد وعيها وتنحني له بسرعة. ر لم يكن لديها أدنى فكرة عمّا يفعله الأمير نيسبيروس في هذا المكان.
ارتجف بصرها، وأخذ عقلها يسير نحو أسوأ الاحتمالات. ثم جثت على ركبتيها أمامه، وجسدها يرتجف بشدة.
“إيفيريا…..ليست مذنبة.”
“أعلم ذلك.”
“هل تمضي وقتكَ في الأكاديمية بينما تضرب الطلاب؟”
سأله سيد برج السحر بنبرة ساخرة، وكأنه وجد فرصةً نادرة للسخرية. ولم يستطع إيرميت أن يرد. لأنه، لسبب أو لآخر، كان قد ضرب بعض الطلاب بالفعل.
صحيحٌ أنه تلقّى بعض الضرب قبلها، لكن ذلك لا يُعدّ مبررًا كافيًا.
عندما سمعت سينثيا صوت شخص غريب يتحدث، أخذت عيناها تبحثان في الغرفة حتى توقفتا عند الرجل ذي الشعر الأسود.
فاتسعت عيناها بذهول. كانت تعرف شكل شعره وملامحه بشكل عام، إذ لا أحد يجهل هيئة سيد برج السحر.
ثم بدأت تنقل نظراتها المتجمدة بين الأمير نيسبيروس وسيد البرج ببطء.
فتنهد إيرميت. لو كانت فتاةً أخرى، لترَكها تجثو أو تعتذر كما تشاء، لكنه لم يستطع أن يفعل ذلك وهي صديقة إيفيريا.
أدار نظره مجددًا نحو الغطاء الذي كان يُغطي إيفيريا وتحدّث.
“انهضي…..واجلسي.”
“نـ-نعم!”
“آه، كم هو مرعب.”
نظر إيرميت نحو سيد البرج بحدة، وكأن لسان حاله يقول: كيف يمكنكَ المزاح بينما إيليريا ممددة هكذا أمامك؟
لكن سيد البرج لم يكترث، وتوجّه إلى سينثيا بالكلام دون أن يبالي بنظرات إيرميت.
“الوقت متأخر، أليس كذلك؟ جئتِ فقط لرؤية وجهها ثم ستغادرين، أليس كذلك؟ لديكِ دروسٌ غدًا.”
رغم نبرته التي بدت مرحة، إلا أن عينيه حملتا الحزم ذاته الذي في عيني ولي العهد. و لو رأت إيفيريا هذا، لارتجف جسدها من فرط ما تعنيه لها هذه النظرة.
لحسن الحظ، عاشت سينثيا عامين بجانب إيفيريا، العامية المتفوقة، فبدأت تعتاد على الطريقة الملتوية التي يتحدث بها النبلاء.
هزّت رأسها بعنف، رغم أن قلبها كان يصرخ بالبقاء إلى جانب صديقتها. لكنها شعرت أنها لو تلفظت بتلك الرغبة، فلن تخرج من هنا سالمة.
ثم نظرت طويلاً إلى وجه إيفيريا الشاحب، و خطت خطواتها بتثاقل نحو الخارج، وكأن قدميها تأبيان الفراق.
كانت نظراتها تقول أن لديها الكثير من الأسئلة، لكن إيرميت لم يسألها عما يدور في ذهنها.
ففي وضع كهذا، لم يكن في الأمر متسعٌ للّطف أو الاهتمام. بل وحتى هو…..لم يكن راغبًا بذلك تمامًا.
***
في الليلة الأخيرة من المهرجان، زارت سينثيا إيفيريا مرةً أخرى في ساعة متأخرة من الليل.
كانت ملامحها توحي بأنها على وشك البكاء حين أخبرتها بأن جناحهما قد حصل على عدد كبير من الأصوات.
أما لقب البطولة في مسابقة السحر، فقد ذهب إلى ولي العهد.
و كانت تتوقع ذلك، فمن يملك مكانته البارزة وقدرته على الإقناع لا بد أن يفوز، ومع ذلك، لم يسعدها فوزه؛ فهو أحد أسباب سقوط إيفيريا.
وبما أن ولي العهد كان يشارك في المسابقة كل عام، قرر إيرميت بدوره المشاركة في مسابقة قسم المبارزة. ولم يكن مفاجئًا أن يفوز بها؛ فذلك كان أمرًا طبيعيًا.
بعد فوزه مباشرة، قدّم إيرميت طلبًا إلى إدارة الأكاديمية بالسماح بتصنيف تفصيلي لمراكز المشاركين في كل من مسابقة السحر والمبارزة، وقد كان بذلك يطالب بمنحه فرصةً لمواجهة أحد المشاركين في مسابقة السحر.
من لا يعرفون التفاصيل اعتقدوا أن ابن الدوق نيسبيروس قد قام بحماقة أخرى تليق بسمعته، لكن من يعرفون حقيقة الأمر كانوا يدركون أن إيرميت كان يطلب بشكل قانوني فرصةً لإلحاق الأذى بولي العهد.
ورغم أنه قوبل بالرفض، إلا أن ولي العهد وسيد برج السحر أبديا إعجابًا حقيقيًا بما فعله، فمن الواضح أن هذا الشاب المختلف قليلًا عن الآخرين، كان مجنونًا بطريقةٍ مدهشة.
جلس إيرميت إلى جوار سرير إيفيريا، يحدق بصمت في الغطاء الذي يغطي جسدها.
لا يزال يؤمن بسيد برج السحر، ورغم شعوره بالقلق، إلا أن ثقته به كانت أقوى. على الأقل، في الوقت الحالي.
أمسك سيد البرج بمعصم إيفيريا، وبدأ يضخ فيها سحره بحذر. و كان يفعل ذلك ليعوّض النقص في العناصر الغذائية، وليمنع جسدها من التوقف عن العمل.
فحين يُستنزف السحر تمامًا من الجسد، يتوقف نشاطه الحيوي كأن صاحبه ميت، حتى يُعاد شحنه بما يكفي للحفاظ على الوظائف الأساسية.
وخلال تلك الفترة، يعيش الجسد بصعوبة، بالكاد يتنفس ويستهلك ما تبقى من العناصر المغذية، و إن لم يتحمّل هذه المرحلة، تكون النتيجة الموت.
ولسوء الحظ، كان جسد إيفيريا ضعيفًا بطبيعته.
صحيحٌ أنها بدأت مؤخرًا تتناول الطعام جيدًا وتعتني بنفسها، لكن ما فعلته لم يكن كافيًا لتعويض السنوات التي عاشتها بإهمال.
وفي اليوم التالي لسقوطها، انتهز سيد البرج فرصة غياب إيرميت، وضخّ فيها سحره دون علمه، لكن ابتداءً من اليوم الذي يليه، صار يفعل ذلك علنًا حتى أمام عينيه.
لو أبدى إيرميت فضوله بشكلٍ غير مباشر، كان سيد برج السحر ينوي أن يرد ببساطة بأنه قادر على ذلك لأنه “سيد البرج”.
ومن عساه يجادل من يقول “أنا أستطيع” وهو سيد البرج؟
أما إيرميت، فقد نسي حياته في الأكاديمية تمامًا، وجلس بجانب إيفيريا معظم الوقت.
و يبدو أنه لم يغادر هذا المكان إلا حين اضطر للمشاركة في المباريات. و حتى حين حاولوا دفعه بلطف ليبتعد قليلًا، لم يُبدِ أي استجابة.
كان يراقب ما يفعله سيد البرج بصمت، وفي داخله شعورٌ خفيف بالذنب، لذا تجاهل سيد البرج نظراته وكأنه لم يلاحظها.
“متى ستستيقظ إيفيريا؟”
“كيف لي أن أعرف؟ لكن على الأرجح قريبًا.”
“وما معنى ‘قريبًا’ تحديدًا؟”
“…..لا تفكّر حتى في أخذها معكَ.”
تغيّر تعبير وجه إيرميت إلى شيء يصعب تفسيره، حتى سيد البرج، الذي عاش عمرًا أطول منه بكثير، لم يكن دائمًا قادرًا على فهم تلك النظرة.
قد تبدو المحادثة بلا سياق في نظر الآخرين، لكنها كانت تحذيرًا منطقيًا من وجهة نظر سيد البرج، فأضاف توضيحًا قصيرًا.
“ولي العهد أخبرني بكل شيء. كنت تنوي أخذ إيفيريا إلى قصر الدوق، أليس كذلك؟”
“…….”
صمته كان بمثابة اعتراف. فتنهد سيد البرج تنهيدةً قصيرة ثم رمقه بنظرة حادة.
“يا لكَ من أناني.”
“لا أريد شيئًا…..فقط أن تتذكرني إيفيريا، هذا يكفيني.”
لكن مع تلك الطبيعة التملكية وذلك الهوس في السيطرة على كل شيء، كانت الأمور أكثر تعقيدًا.
خصوصًا في صغره، حين أصر على امتلاك كل ما يتعلق بإيفيريا، بل وصل به الأمر إلى درجة أنه قيّد قدراتها السحرية.
تنهد سيد البرج مرةً أخرى، هذه المرة بعمق أكبر من ذي قبل.
منذ فترة وجيزة، كان قلقه منصبًا على إيفيريا ديل، أما الآن، فقد بات قلقه الأكبر هو إيرميت.
بسبب هذين الاثنين، لم يعد يستطيع أن يغادر هذا المكان. و أصبح عالقاً في هذه الغرفة كأنه سجين، لا يدري حتى ما الذي يفعله هنا.
حينها، ملأ التنهد مرة أخرى أجواء الغرفة.
***
مرّت ثلاثة أيام منذ انتهاء المهرجان. وإيرميت بات أكثر توترًا مع مرور كل يوم.
ومع ذلك، لم يُهمل نفسه قط، فقد كان يغتسل بانتظام كما اعتاد دومًا. و برّر ذلك بأنه لا يريد أن تبدو هيئته سيئة حين تستيقظ إيفيريا.
كانت ثقته الصلبة في سيد برج السحر بدأت تتصدّع شيئًا فشيئًا، وكان سيد البرج، رغم علمه بذلك، يبدو دائمًا هادئًا وغير مبالٍ، على عكس إيرميت، الذي ازداد قلقه يوماً بعد يوم.
حينها فقط، بدأ يفهم ولو قليلًا ما شعرت به إيفيريا تجاهه من قبل.
لم يستطع أن يشيح بنظره عن عينيها المغمضتين، وظل يحدق بها حتى نهض بهدوء من مقعده.
“سأعود بعد قليل، فلتعتنِ بها جيدًا في غيابي..…”
“بدلًا من كثرة الاغتسال، لماذا لا تحاول أن تملأ وجهكَ لحمًا أولًا؟”
“حتى لو نحفت، سيظل وجهي جذابًا بما يكفي.”
قال ذلك بجدية لا تُظهر أي نية للمزاح، فبقي فم سيد البرج مفتوحاً من الذهول.
و تساءل في نفسه ما الذي يمكن فعله حيال تلك الثقة المفرطة، لكن بعد برهة، توصّل إلى قناعة: طالما كان يملك هذا الوجه، فله الحق أن يعيش بكل تلك الثقة.
ومع ذلك، لم يرق له الأمر، دون أن يعرف السبب تمامًا.
بينما لوّح بيده بعصبية، وكأنه يقول له: “اذهب وعد سريعًا.”
___________________
ايرميت وهو صغير وقف سحر ايفيريا؟😃 وش ذاه مب على كيفهم يعطونا معلومه ولا يكملون ماضيهم
المهم كأن سيد البرج يعرف ايفيريا وايرميت من قبل ولا؟ وشعره اسود نفس ايفيريا…
سينثيا ياعمري عليها😭
وايرميت مجنون كان بيقطع ولي العهد ولا ش😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"