الآن فقط لاحظ ولي العهد حال إيرميت، وكانت حالته لا توصف.
شعره، الذي كان دائمًا مرتبًا بعناية، بدا مبعثرًا وفوضويًا. أما ملابسه، فكانت مجعدةً هنا وهناك، وكأنه أتى مباشرةً من ساحة المعركة.
أقسم ولي العهد أنه لم يرَ إيرميت في هذا الشكل من قبل.
كان أحيانًا، بل كثيرًا، يبدو وكأنه فقد صوابه، لكن في الجوهر، كان دومًا يعرف كيف يُظهر نفسه بأفضل صورة ممكنة.
لذلك، نظر إليه ولي العهد بنظرةٍ غريبة، مليئة بالتساؤل.
بينما انحنى إيرميت على ركبتيه بجوار إيفيريا، وقد ابتلعه القلق تمامًا.
خوفٌ قاتم اجتاحه، ماذا لو لم تنهض مجددًا؟
ماذا لو لم يستطع النظر في عينيها الزرقاوين مرةً أخرى؟
ماذا لو بدا أنها نائمة، لكنها في الحقيقة توقفت عن التنفس؟
ذلك الخوف الذي لم يرغب حتى بالاعتراف بوجوده، انفجر من فمه رغماً عنه.
فناداها بنداء ممزوج بالرجاء والذعر.
“إيفيريا، إيفيريا ديل..…”
“لم تمت. على الأرجح، لن تموت.”
قال ولي العهد ذلك بجفاف، عابس الملامح.
في الحقيقة، لم يكن هو نفسه متأكدًا تمامًا من سبب سقوط إيفيريا. فقد تصدت لجميع تعاويذه أو تفادتها، والتعاويذ الوحيدة التي لم تصدها هي تلك التي سحبها قبل أن تصيبها بلحظاتٍ وهي تنهار.
ثم باغتته نظرةٌ بنفسجية حادة.
“ماذا فعلت بها لتنهار بهذه الطريقة؟”
“إيفيريا ديل لم تُصَب بسحري.”
لكن إيرميت لم يكن ينتظر جوابًا. فقد صرف بصره عنه كأن كلماته لا تعنيه. لكن في قرارة نفسه، كان يعلم جيدًا أن سقوط إيفيريا لم يكن بسبب سحر ولي العهد.
ترددت يده المرتجفة قليلًا، ثم لامست ظهر يدها بخفة شديدة. وقد كانت باردة.
تلك اليد التي لامست ظهر يد إيفيريا برفق، هذه المرة غطّتها بالكامل.
بدا على إيرميت وكأنه على وشك البكاء، لكن دموعه لم تسقط في النهاية. بينما راقب ولي العهد المشهد بصمت، وهو يشعر كمن أصبح فجأةً الجاني والدخيل في آنٍ واحد.
‘ما الذي يحدث بينهما ليبدو المشهد بهذا القدر من الألم والعاطفة؟’
تساؤلاتٌ كثيرة طفت على سطح ذهنه، لكنه اختار أن لا يعبّر عنها.
حسب تقديره، السبب الأرجح لسقوط إيفيريا ديل هو نقص السحر. فحين استعاد في ذهنه اللحظة التي سقطت فيها، بدا هذا التفسير الأقرب للمنطق.
ومع ذلك، لم يكن بريئًا تمامًا. من المؤكد أن له، ولو جزءًا ضئيلًا، يدًا في انهيارها.
ومع ذلك، بدأ شعور طفيفٌ بالذنب يتسلل إلى صدره.
إيرميت، من جهته، كان يحدّق في وجه إيفبريا بعينين يصعب تفسير ما فيهما.
إيفيريا كانت أول حُبٍ في حياته، وكان هو أول حُبٍ في حياتها. لكن ذلك الماضي، المليء بالتعلق الأعمى، أصبح شيئًا باهتًا خلف ستار النسيان.
هي ما زالت حاضرةً في قلبه، و ما زالت أول وآخر من سكن فيه.
أما هو، فلم يعد أول من سكن في قلبها.
إذاً، ماذا بعد؟
خرج صوته مبحوحًا، بالكاد يُسمع.
“…..سآخذها إلى قصر الدوق لتلقي العلاج.”
“وبأي حق؟ هل تنوي أن تصبح النبيل المجنون الذي أغرم بفتاة من العامة؟”
“لا أجد في ذلك ما يمنع.”
‘لقد جُنّ. لا شك أنه جُنّ تمامًا.’
لو قالها أي شخص آخر، لظنّ الناس أنه يمزح. لكن حين تخرج من فم إيرميت، لا تبدو كمزحةٍ على الإطلاق.
وخاصةً مع تلك النظرة في عينيه…..النظرة نفسها التي رآها فيه ذات مرة، حين جاءه يومًا عارضًا أن يتظاهر بخطبته للأميرة.
رغم أن تعبير وجهه يومها كان أكثر هدوءًا من الآن.
ثم فتح ولي العهد فمه ببطء،
“…..استدعِ سيد برج السحر. عائلتكَ لها صلاتٌ جيدة به.”
“أتسمي نفسكَ صديقاً الآن؟”
“وإن لم تكن كذلك……لا بأس. في كل الأحوال، سيكون أفضل من التعامل مع القصر الإمبراطوري.”
فالعلاقة بين العائلة المالكة وسيد برج السحر الحالي…..كانت في أسوأ حالاتها.
كان أفراد العائلة المالكة يمقتون تصرفات سيد برج السحر المنفلتة من كل قيد، فقد كان لا يقيم وزنًا للبروتوكولات، ولا يعير اهتمامًا لما يُسمّى بالآداب.
أما سيد البرج، الذي يختص بالسحر العقلي، فكان بدوره لا يكنّ كثيرًا من المودة للملكيين، الذين امتلكوا مقاومةً طبيعية، وإن كانت بسيطة، ضد السحر العقلي.
وفوق كل هذا، كان أفراد العائلة المالكة يملكون القدرة على قراءة طاقة السحر لدى الآخرين بمجرد لمسهم.
وسيد البرج، الذي خاض تلك التجربة مرةً واحدة، وصفها بشيء مقزز لا يرغب في تكراره أبدًا.
حتى وإن لم يتمكنوا من قراءة سحره فعليًا، إلا أن مجرد المحاولة كانت كافيةً لجعله يشعر بعدم الراحة.
كانت علاقةً قائمة على النفور المتبادل، لم يسعَ فيها أي طرف للتقرب من الآخر أو التظاهر بالود.
بل وكانت تلك العلاقة سببًا في الكثير من الحوادث، كبيرةً كانت أم صغيرة، على مرّ السنين.
أسدل ظل رموش إيرميت على نظراته المتأملة، ثم عضّ شفته بنفاذ صبر ونهض من مكانه. و لم يشعر يومًا بالندم لجهله مكان وجود سيد برج السحر كما يشعر به الآن.
ثم بدأ يسترجع في ذهنه ما يتذكره.
“في العام الماضي، جاء سيد البرج إلى لاكانيل.”
“ومن يدري، لعلّه جاء هذا العام أيضًا.”
أجاب ولي العهد بنبرةٍ هادئة، وكأن الأمر لا يحمل أهميةً تُذكر.
في العادة، لا يُفترض الإفصاح عن هوية الضيوف الرفيعي المستوى المشاركين في مهرجان الأكاديمية. لكن كلماته، رغم بساطتها، حملت تلميحًا متعمّدًا، ربما نتج عن شعور خفيف بالذنب.
ولم يفت هذا التلميح على إيرميت، الذي مدّ ساقيه ونهض في الحال.
“وأنت في طريقكَ للبحث، حاول أن تهدأ قليلًا. حين تعود، سيكون هنا شخصٌ آخر أيضًا.”
لم يجب إيرميت، بل اكتفى بأن رتّب الغطاء فوق جسد إيفيريا بعناية، ثم خطا خطواته الأولى مبتعدًا.
بات شبه متأكد أن سيد برج السحر موجودٌ حاليًا في لاكانيل، لا سيما وأن من قال ذلك هو ولي العهد نفسه.
وحتى لو رحل بالفعل، فلن يتردد لحظةً في اللحاق به وجلبه بنفسه، مهما كلّف الأمر.
أولًا، سيرسل رسالةً من قصر الدوق، وإن لم تجدِ، سيذهب بنفسه إلى برج السحر.
زيارة برج السحر لا تعني بالضرورة أن سيد البرج سيقابله، لكن إن حطم بعض أبوابه وغرفه، فلا بد أن يظهر في النهاية، أليس كذلك؟
فقط عليه أن يعرف كيف يتجاوز الحد بما يكفي ليجبره على الظهور، دون أن يجعل معاقبته أمرًا مستساغًا، أو تجاهله ممكنًا.
في تلك اللحظة، استشعر الاثنان وجود شخص ثالث في الغرفة.
حدّق إيرميت بنظرات حادة صوب المكان الذي جاء منه الشعور، خلف الستار مباشرة. وما لبث رجلٌ ذو شعر أسود أن مدّ يده وسحب الستار بلا اهتمام.
“ما كل هذه الأجواء الجنائزية؟ الجو ثقيلٌ لدرجة تسحب طاقتي.”
صوته الخفيف صدح في الغرفة، لينثر فيه موجةً من الخفّة غير المألوفة.
وما إن رأى إيرميت صاحب ذلك الصوت، حتى ارتسمت على وجهه ملامح رجاء خافت.
***
كان الأمر أشبه بشعور أحدهم يجذبها نحو الأعماق.
عبس حاجبا إيفيريا في حيرة. فجسدها كان يهبط ببطء داخل ظلام سحيق لا قرار له.
كانت تعلم أن المقاومة لا جدوى منها، لكنها رغم ذلك، قاومت بكل ما أوتيت من قوة، تحاول الخروج من هذا السواد.
[مرحبًا…..مضىوقتٌطويل،أليسكذلك؟]
حين خاطبها ذلك الكيان الأسود، الذي بدا مألوفًا بشكل غريب، شعرت إيفيريا براحة عجيبة دون أن تدري لماذا.
للحظة، اعتقدت أنها تحلم. لكن هذاليسحلمًا،بالمناسبة.
تبعت الكلمات ضحكة خفيفة. و عبس حاجباها من جديد. فالأمر لم يُعجبها.
صدرها كان يضيق وكأن شيئًا مهمًا مفقود…..وكأن هناك أمرًا ما نسيته.
[الآن،سأحتفظبه. خذيقسطًامنالراحة،اتفقنا؟]
لم تكن تدري ما الذي سيحتفظ به هذا الكيان الأسود، لكنها أحست على الفور أن ذلك الشعور الخانق له علاقةٌ وثيقة بالأمر.
فمدّت يدها للأمام، تحاول استعادته.
[ليسبعد. عليكِأنتعرفيكيفتتحكمينبيأولًا.]
كان صوته هادئًا، كمن يحاول تهدئتها بلطف.
لكن ذلك الكيان الغامض، وبعد كلماته الأخيرة، اختفى صوته تمامًا.
ثم شعرت إيفيريا وكأنها تطفو في الفراغ، فتركت جسدها ينساب كما يشاء دون مقاومة.
***
مع ظهور سيد برج السحر، لم تعد هناك حاجةٌ لاستدعاء الطاقم الطبي مجددًا.
و إيرميت، الذي كان ممتلئًا بالسخط من ظروف غرفة الإسعاف، قرر في النهاية نقل إيفيريا إلى غرفةٍ خاصة في المستشفى المجاور للأكاديمية.
أما ولي العهد، فبعد أن أنهى تحيته مع سيد البرج، قرر البقاء في الأكاديمية لتنظيم ما تبقى من فعاليات البطولة التي توقفت مؤقتًا.
ومن بين الثلاثة، لم يكن هناك من هو أصلح منه لتلك المهمة، لذا لم يعارضه لا إيرميت ولا سيد البرج، بل وافقا بصمت على قراره.
جلس سيد البرج إلى جوار إيفيريا، وكانت هناك ابتسامةٌ هادئة تعلو وجهه، لا تتناسب البتّة مع جو الغرفة.
و في ملامحه، بَدت إشاراتٌ واضحة على نوعٍ ما من الحماس المكبوت.
“عندما تتعافى…..سأصطحبها إلى برج السحر.”
كان سيد البرج يتحدث كما لو كان خاطفًا.
قد لا يحق لإيرميت، الذي خطط لاصطحابها إلى قصر الدوق خشية أن تنساه، أن ينتقد كلام غيره، ومع ذلك، حاول تجاهل نواياه قريبة الشبه بنوايا الماضي القريب له.
و رغم تحسن الوضع بوجود سيد البرج، إلا أن القلق لم يغادر صدره بعد.
و لم يُخفِ مشاعره، بل سأل بوضوح،
“ما حالة إيفيريا الآن؟”
“همم، يمكن القول أنها-”
“ما السبب الحقيقي وراء سقوطها؟”
ضحك لوانيس ضحكةً باهتة، لا طعم لها.
لم يكن قادرًا على إخبار إيرميت بالحقيقة كاملة، لأنه إن فعل، فلن تكون إيفيريا وحدها طريحة الفراش، بل قد يسقط شخص ثانٍ مغشيًا عليه في نفس اللحظة.
ولذلك، بدلًا من الإجابة الصريحة، فضّل الاكتفاء بجوابٍ عامٍ مكرر.
“استنفاذٌ سحري…..هذا كل شيء.”
“….آه.…”
“لو وُضِعت بالقرب منها طاقةٌ سحرية مشابهة، ربما تتحسن حالتها قليلًا…..لحظة، هل جُننتَ؟!”
سيد برج السحر صاح بغضبٍ وهو يرى إيرميت يغمر سحرها بسحره الخاص.
لم يكن قد أنهى حتى كلامه، عندما بادر إيرميت بإمساك يد إيفيريا بإحكام وأطلق طاقته السحرية.
ضوءٌ بنفسجي انبعث للحظة، وملأ الغرفة بأكملها، ثم ما لبث أن امتصه جسد إيفيريا.
لكن قبل أن يكتمل الامتصاص، التهمته طاقةٌ مظلمة…..طاقةٌ تشبه الظلام ذاته.
وكانت تلك الظلمة في طريقها لتُمتص بدورها داخل جسد إيفيريا.
فزفر سيد البرج أنفاسًا ثقيلة وهو يسترد سحره على الفور.
“ما لم تكن لديكَ سيطرةٌ دقيقة للغاية، لا تفعل ذلك! أما كان بإمكانك على الأقل أن تنتظر حتى أنهي كلامي؟”
“أعلم.”
أجاب إيرميت بإيجاز، دون جدال.
عندما يُستنزف السحر تمامًا من جسد شخص ما، يبدأ غريزيًا بجذب أي طاقة معالجة قريبة منه.
لكن من لم يكن يملك سيطرةً دقيقة على سحره، قد ينتهي به الأمر إلى أن يُسحب سحره بالكامل، ويدخل هو نفسه في حالةٍ من الانهيار.
وكان إيرميت يعلم ذلك جيدًا.
من حيث المبدأ، امتلك إيرميت تحكمًا جيدًا، وكان بإمكانه معالجة شخص يعاني من استنزاف عادي للسحر، دون ضرر يُذكر.
لكن المشكلة أن إيفيريا لم تكن ساحرةً عادية. بل كانت من فئة نادرة: ساحرة من نوع السحر العقلي.
وسحر السحرة العقليين لا يمكن أن يختلط بسحر الآخرين. وليس لأن الاختلاط يشكل خطرًا، بل لأن السحر ببساطة لا يندمج.
ولو ترك الأمر كما هو، لكانت طاقة إيرميت قد دارت داخل جسد إيفيريا للحظات، ثم خرجت كما دخلت، بلا فائدة.
وذلك كان هو الخطر بعينه.
إيرميت لا يجب أن يعرف…..لا يجب أن يتأكد من أن إيفيريا ساحرة عقلية.
ليس الآن.
حتى وإن لم يدرك الأمر بالكامل، يجب ألّا تُمنح له أي فرصة لربط سحرها العقلي بماضيه.
___________________
يعني ايفيريا نست نفسها ماضيهم بسحرها ؟ بعدين من ذا الظلام الي داخلها
تصنيف الروايه مافيه غموض بس عني اشوف الغموض والهوس قبل الرومانسيه😭
المهم اتمنى ماتتأخر قصة ماضيهم☹️
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 24"