وقفت إيفيريا فوق أرضية الساحة، ثم انحنت مرةً أخرى لتحية ولي العهد.
ثم دوّى صوت الجرس معلنًا بداية المباراة، وفي اللحظة نفسها، ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة.
‘انتبهي…..وركزي على الدفاع.’
لكن لم يُمهلها حتى لحظةً للاستعداد. فانطلقت كرةٌ من المانا بسرعة باتجاهها.
كان الوقت قد فات لإلغائها، لذا حسبت إيفيريا مسارها بسرعة، وشكّلت حاجزًا سحريًا صغيرًا أمامها. فاصطدمت الكرتان السحريتان ببعضهما وتلاشتا في الهواء.
قبضت إيفيريا على أسنانها بقوة.
كانت تعرف مسبقًا أن أفراد العائلة الإمبراطورية من سلالة كايتنر يولدون بطبيعة مانا تختلف عن غيرهم، سواءً في الكمية أو الجودة.
لو كان يمتلك هذه الموهبة الفطرية، فليكتفِ بالدراسة في أكاديميةٍ فرعية تابعة لبرج السحر، ما الذي يدفعه للمجيء إلى لاكانيل وتحطيم معنويات باقي الطلاب؟
رغم أنها كانت تعلم أن أفكارها مجحفة، لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور بالضيق الخفي، فطالما أنها لا تعبّر عنه بصوتٍ عالٍ، فهي لا ترى في ذلك خطأ.
ظهر عددٌ من رماح الجليد إلى جانب ولي العهد، بدأت تتكوّن بهدوء. و لحسن الحظ، شعرت إيفيريا هذه المرة بتدفق المانا قبل أن تكتمل التعويذة.
رغم أن الوقت كان ضيقًا، إلا أنه كان كافيًا لحساباتها.
و قبل أن تُطلق رماح الجليد بلحظة، تمكنت من إبطالها بنجاح.
عضّت على شفتها برفق.
“أوه..…”
فاتسعت عينا ولي العهد قليلًا، وكأنه أُعجب بحساباتها الدقيقة.
لكن لا بد لها من الهجوم. فلا يمكنها البقاء في وضع الدفاع إلى الأبد.
ضاقت عيناها قليلًا، ومدّت يدها لتُبعد خصلات شعرها التي سقطت على وجهها، وأعاقت رؤيتها. و رغم أنها ربطت شعرها قبل قليل، إلا أن بعض الخصلات علقت برموشها المبللة.
لكن…..كيف تهاجم؟
ترددت للحظة، ثم قررت أن تستدعي وهماً سحريًا.
كان وهمًا متقنًا بدقة، ربما أكثر تعويذةٍ بصرية تعقيدًا نفذتها حتى الآن.
نقطةٌ صغيرة من اللهب بدأت تتضخم تدريجيًا، ثم أخذت شكلًا واضحًا. كان هذا الوهم هو الأكبر بين كل ما سبق لها استدعاؤه.
أطلق الطائر العملاق، الذي يشبه النار، لهبًا نحو درع ولي العهد. فذُهل الجمهور، لكن الرجل نفسه لم يرمش حتى.
“آنسة إيفيريا، ألم أخبرك بهذا من قبل؟”
“…….”
“لقد تابعتُ مبارياتكِ السابقة جيدًا.”
كلماته كانت تحمل معنى واضحًا: أوهامكِ لا تؤثر فيّ. فشدّت إيفيريا فكّها غيظًا.
كان الوهم مذهلًا في واقعيته وجماله، لدرجة أنه منح انطباعًا حقيقيًا بالاحتراق. ومع ذلك، اختار ولي العهد أن يثبت عينيه في عينيها مباشرة.
“لا تضيّعي المانا لديكِ عبثًا. لماذا لا تحاولين تنفيذ هجومٍ أكثر واقعية؟”
شعرت فجأة بشيء مألوف…..لقد كان أسلوب حديثه يشبه إلى حد بعيد أسلوب الأمير نيسبيروس. فقطبت حاجبيها بضيق.
هل كل النبلاء بهذا الشكل المزعج؟ أم أنهما قريبان إلى حد التأثير في بعضهما؟
هي الآن تعرف أن الوهم لن يجدي معه. ثم إن الحفاظ على شكل الوهم يستهلك طاقة مانا لا يستهان بها بالنسبة لها.
كانت بعض أوهامها، مثل لهب المباراة الأولى، تعتمد على التوافق مع تدفق الطبيعة، لذا لا تحتاج إلا إلى نقطة انطلاق بسيطة. أما الوهم الذي يستدعي تشكيلًا ثابتًا، فيحتاج إلى تغذية مستمرة بالطاقة.
صحيح أن كمية المانا المطلوبة لم تكن كبيرةً من حيث المبدأ، لكنها كانت كثيرةً بالنسبة لإيفيريا التي تمتلك قدرًا محدودًا جدًا من الطاقة.
لذا، دون أن تُعلّق على كلامه، سحبت الوهم وأخفت أثره.
لم يكن من الصعب عليها صدّ تعاويذه حتى الآن، لكن مشكلتها الحقيقية كانت أن طاقتها تقترب من النفاذ. وإذا نفذت بالكامل، وأخطأت في حساب التوقيت كما حدث سابقًا، فلن يكون بوسعها حتى تشكيل درع دفاعي.
لاحظ ولي العهد ارتباكها وتعبها، فأضاف،
“رجاءً، صدّي تعاويذي جيدًا. لا أريد أن أتعرض للتوبيخ من إيرميت.”
ثم ابتسم ابتسامةً خفيفة.
كادت الشتيمة أن تفلت من فمها، لكنها ابتلعتها بقوة. فعيناه الحادتان وابتسامته المسترخية لم تكن تتناسب أبدًا، وهذا ما جعل قشعريرة غريبة تسري في جسدها.
انكمشت إيفبريا قليلًا وهي تنشر حاجزًا سحريًا رقيقًا ليصدّ الرياح التي أطلقها ولي العهد نحوها.
وكما كانت تشعر دائمًا، فإن السحر المعتمد على الرياح يصعب اكتشافه في لحظاته الأولى.
و يبدو أنه أدرك أنها تعاني من نقص في المانا، لذا بدأ يستخدم تعاويذ ذات نطاق واسع، تمنعها من بناء حواجز ضيقة ومركزة.
ولأنها لم تتمكن من جعل الحاجز أكثر سماكة، تمزّق تحت ضغط السحر، وخلف على جسدها جروحًا وخدوشًا صغيرة. حتى درعها تمزق في بعض مواضعه.
أطلقت إيفيريا زفرةً قصيرة. فقد كانت الجراح تنتشر شيئًا فشيئًا في أنحاء جسدها.
هي تبذل كل ما تملك من طاقة ذهنية وجسدية لصد هجماته المستمرة، لكن هذا لن ينفع إلى الأبد. لا بد من ضربةٍ قوية واحدة تغيّر المعادلة.
طاقتها السحرية كانت تقترب من نهايتها، وكانت متأكدةً أن أي تعويذة أخرى حقيقية ستقضي على ما تبقى منها.
تابعها ولي العهد بعينيه، يراقب صراعها الداخلي، ثم رفع رأسه قليلًا ومرر يده بين خصلات شعره.
و في تلك اللحظة، شعرت إيفيريا بشيء غريب. شيءٍ ضخم قادم نحوهـا.
انطلقت عيناها بحدة، لتحدق تلقائيًا في ولي العهد.
“ما الأمر؟”
“لا…..لا شيء.”
ردّ عليها بنفس ابتسامته الهادئة، لكن إيفيريا كانت قد بدأت تتحرك بالفعل، تتفادى الجذور العملاقة التي اندفعت من الأرض فجأة.
كانت تتبعها بإصرار مزعج، لا تترك لها فرصةً لالتقاط أنفاسها.
عضت شفتيها بعنف، ثم بدأت تحسب اتجاهاتها وسرعتها، لكن حركتها كانت معقدةً وغير منتظمة، كما لو كانت لتلك الجذور إرادة خاصة بها، ما جعل عقلها يكاد ينفجر من شدة التركيز.
وفي الوقت نفسه، استدعت لهبًا لتحرق الجذور التي اقتربت أكثر مما يجب.
لكن…..سواءً كان ولي العهد قد ضخ فيها المانا بقوة هائلة، أو لسبب آخر، لم تكن تحترق بسهولة.
وأثناء محاولتها لرفع حرارة اللهب أكثر، توقفت حركتها فجأة. بينما ارتجف فمها المغلق بقوة.
المانا…..نفذت.
طاقتها السحرية، التي كانت تدير بها كل شيء، انتهت تمامًا.
لا، ليس بعد…..كان عليها أن تصد هذه الهجمة، لو بقي لها القليل فقط…..القليل!
لماذا الآن؟ لماذا بالتحديد الآن؟
تضاءل حجم اللهب الذي نجحت بالكاد في إنشائه، شيئًا فشيئًا، كشمعة تحتضر.
‘لم يسبق لي أن شعرت بالكراهية تجاه كمية السحر التي أمتلكها كما شعرت بها اليوم.’
كنت أود لو استطعت استخدام السحر العائم في الهواء، لكن القوانين كانت تمنع ذلك.
إذًا، من أين لي أن أستجلب السحر؟
لم يكن هناك سوى جواب واحد. مهما كانت العواقب، كان عليّ أن أستخرج السحر من جسدي.
جمعت إيفيريا ما تبقى من طاقتها السحرية بعينين مرتجفتين.
فشعرت وكأن شيئًا ما يتمزق داخل جسدها. و خيّل إليها أن أعضاءها الداخلية تنهار تحت ضغط هائل.
انقبض فكّها بشدة. و لهيبها الذي كان قد خبا بدأ يتعاظم من جديد.
وبينما كان العرق البارد ينساب من جبينها، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ خافتة. لكن في تلك اللحظة، شعرت بألم حاد في قلبها وبدأ بصرها يتشوش.
ثم ضربها صداع حاد كالسكاكين. واتسعت عيناها في ذعر.
“هَه..…!”
لم يكن هناك ما يكفي من الهواء. و مع كل شهيق، كان قلبها يصرخ من الألم.
ارتعشتا قدماها. و لم تعد حتى تملك القوة للوقوف.
فترنّح جسدها وبدأ في الانهيار، وبدأت همهمات القلق تنتشر بين الجماهير.
انكمشت إيثيريا على نفسها تلهث بحثًا عن أنفاسها. ثم تجمعت الدموع في عينيها.
كان هذا جسدها…..جسدها هي، لكنها لم تعد تشعر به.
يديها وقدميها كانتا باردتين كالجليد. وربما حتى رأسها أيضًا. كأن جسدها بأكمله غُمر في ماء متجمد.
وببطء، بدأت جفونها تنغلق.
ثم انحدرت دموعٌ دافئة على وجنتيها.
وآخر ما لمحته كان تعبير الذهول على وجه ولي العهد. ثم انطفأ وعيها.
***
توقفت المباراة. بينم إيفيريا ديل وولي العهد، خريجة القمة من عامة الشعب، وولي العهد الذي شارف على التخرج.
و سرعان ما انتشرت شائعة سقوط إيفيريا أثناء مبارزتها معه.
وكان من الطبيعي أن يعرف إيرميت، الذي كان دائم التركيز على إيفيريا، بالخبر في وقت قصير. لكن لسوء الحظ، علم بذلك قبل دقائق فقط من بدء مباراته في نادي المبارزة.
ولم يصمد خصمه أكثر من عشر ثوانٍ على الحلبة. فمع بدء المباراة، أسقط إيرميت سيف خصمه بضربة واحدة. ثم هرع إلى غرفة الإسعاف التي نُقلت إليها إيفيريا، بالكاد متماسكًا.
إيفيريا ديل قد انهارت.
إيفيريا…..قد سقطت.
ما زالت ملامحها من الأمس محفورةً في ذاكرته بوضوح، حين وافقت على اقتراحه بابتسامةٍ خجولة.
بل ويتذكر كيف ارتبكت هي نفسها بعد أن قالت نعم، وكأنها لم تصدق ما خرج من فمها.
كان من المفترض أن يخرجا معًا اليوم. كان ينوي هذه المرة أن يفي بوعده.
لكن الشخص الذي كان عليه أن يلتقيه…..لم يعد موجودًا.
إيفيريا قد انهارت.
قبل سنوات، ومنذ ذلك الوعد الوحيد الذي فشل في الوفاء به، لم يتمكن إيرميت من رؤيتها بعدها.
حتى إيفيريا…..قد محته من ذاكرتها.
والموقف الآن بدا له وكأنه تكرارٌ لما حدث وقتها.
‘لا…..لا يمكن..…’
فتح باب غرفة الإسعاف بقوة، وتقدم بخطى مرتجفة. و اقترب من حيث شعر بوجود شخص، وأزاح الستار…..
فكانت إيفيريا هناك، مستلقيةً بوجه شاحب كالموتى.
توقف قلبه لحظة. فقد كانت بشرتها دائمًا باهتة، لكن هذه المرة كانت كجسد بلا حياة.
وبدون وعي، حبس أنفاسه واقترب منها مرتجفًا، وامتدت يده ليتحقق إن كانت تتنفس.
مرت تلك اللحظة التي بدت له كعمر كامل. و نعم، كانت تتنفس. إنها على قيد الحياة.
فزفر نفسًا ضاحكًا وهو يوشك أن ينهار من الارتياح.
“هاه…..هاه.…”
أغمض عينيه بقوة، وحين فتحهما، رأى ولي العهد واقفًا بجوارها يحدق فيه. حينها، تلألأت عينا إيرميت ببريق بارد.
ومن دون تردد، أمسك بياقة ثياب ولي العهد بعنف.
“لماذا-؟”
“نعتّكَ بالمجنون، وها أنت تثبت أنكَ كذلك فعلًا.”
قاطع ولي العهد سؤاله ببرود، ثم أبعد يد إيرميت عن ثيابه بهدوء. و انسحبت يده بسهولة، بلا مقاومة.
كان قد أفرغ الغرفة من الناس قبل مجيء إيرميت، تحسّبًا لأي تصرف مجنون قد يصدر منه.
وفعلاً، كان يتوقع أن يتلقى لكمةً منه، لكن يبدو أن إيرميت لم يفقد عقله إلى ذلك الحد بعد.
ومع ذلك…..لم يكن يتخيل أن يجرؤ أحد على الإمساك بياقة أحد أفراد العائلة المالكة.
فابتسم ولي العهد بسخرية، وهو ينفض التجاعيد عن ثيابه بهدوء.
__________________
وش صار صدق حسبتها بتموت لأن بطلاتي الفترة الاخيره يحبون ذا الحركة😭
المهم ياويل ولي العهد هاهاعاعاعا
بس صدق متى نعرف ماضيهم😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"