في أفضل المقاعد في ساحة المباريات، جلس النبلاء رفيعو المقام وأفراد العائلة الإمبراطورية، إلى جانب سيد برج السحر وعددٌ من السحرة.
و كان هناك رجلٌ بشعر أسود يميل بجذعه إلى الأمام، مسندًا مرفقيه على ركبتيه، بوضوحٍ شديد يعكس مدى تركيزه على مجريات المباراة.
نظراته، وإن بدت للوهلة الأولى لا مبالية، كانت ترصد كل موجة سحر تمر في الأجواء، تقيس دقتها الحسابية، وكثافتها.
وعندما تأكد فوز الفتاة، وغادرت الساحة إلى أسفل المدرجات، أسند الرجل ظهره للخلف وهو يعقد ذراعيه أمام صدره.
“لقد نضجت جيدًا.”
قال سيد برج السحر ذلك، لوآنس هيستيرون، وهو يرسم على وجهه ابتسامة رضا.
لولا تدفق السحر الذي كان يتسرب بغزارة حول إيفيريا ديل بفعل سحرها العقلي، لكانت المباراة مثاليةً تمامًا.
ومع ذلك، فإن تسرب السحر بذلك الشكل لا يمكن أن يمر دون أن يتسبب بشيء ما قريبًا، لا محالة.
على الأرجح، شيء ممتع…..ومزعج في الوقت نفسه، كان على وشك الحدوث.
انعكست في عينيه ومضاتٌ من مشاعر مختلفة، تألقت بها نظرته للحظة.
***
كانت المباراة التالية في عصر اليوم نفسه. فتناولت إيفيريا غداءً خفيفًا، وتوجهت باكرًا إلى غرفة الانتظار، وقد ارتدت درعها بعناية تامة.
و في معصمها كان يتأرجح سوار خيطٍ أعطاها إياه الأمير نيسبيروس.
وبينما كانت تعبث بمعصمها بلا وعي، تعلقت أطراف أصابعها بالسوار. وما إن رأته حتى تبادر إلى ذهنها وجه الأمير نيسبيروس تلقائيًا.
ثم قبضت إيفيريا على السوار بقوة. ربما كان مجرد وهم، لكن إحساسًا غريبًا بالبرودة انتشر في رأسها، وكأن ذهنها قد أصبح أكثر صفاءً.
حتى الأعصاب التي كانت مشدودةً دون أن تشعر، تراخت شيئًا فشيئًا.
فأغمضت عينيها بهدوء، وما لبثت أن شعرت بحركة خفيفة قربها، ففتحت عينيها.
“مرحبًا.”
حيّت خصميتها التي دخلت الغرفة أولًا، لكنها لم ترد، بل توجهت إلى الجهة المقابلة وجلست بصمت.
ارتبكت إيفيريا قليلًا، فعادت تغمض عينيها وتراجع في ذهنها تلك المعادلات التي حفظتها حتى الملل.
وبعد برهة، دوّى نداءٌ في المكان معلنًا بدء المباراة، فتقدمت إيفيريا إلى ساحة القتال.
كان الجمهور كثيفًا، والأنظار مصوبةً نحوها. فتنفست بعمق وضبطت وقفتها.
“أول مرة تشاركين، أليس كذلك؟”
جاءها صوتٌ مباغت، فوجهت نظراتها الزرقاء نحو خصميتها.
تجاهلتها عندما سلّمت، والآن تحاول أن تثير توترها بكلمات رخيصة؟
“علامات التوتر باديةٌ عليكِ بوضوح. خففي من توتركِ قليلًا.”
لكن إيفيريا لم تضحك، ولم تعبس. بل اكتفت بأن تنظر إليها بصمت هادئ.
والنتيجة؟ هي من شعرت بالحرج في النهاية.
‘أي نوع من الناس هذا، لا يُظهر أي رد فعل؟’
قطبت حاجبيها بضيق، وحدّقت إلى جهة إيفيريا بنظرة حادة.
وسرعان ما دقّ جرس بدء المباراة. فاندفعت خصيمتها تطلق السحر بعنف شديد، بأسلوبٍ مليء بالثغرات، ما جعلها بالنسبة لإيفيريا خصمًا سهلًا ومريحًا للغاية.
الشرارات التي استدعتها لم تصمد حتى لحظة تفتحها، إذ انطفأت جميعها قبل أن تتحول إلى لهب حقيقي.
وثلاث رماح من الريح أطلقتها تواليًا، لم تلامس جسد إيفيريا، بل تلاشت في الهواء قبل أن تقترب منها.
ملامح الخصمة بدت عليها الحيرة، وأدركت إيفيريا أنها بدأت تفقد سيطرتها. فرفعت طرفي شفتيها بابتسامةٍ خفيفة.
“هاه..…”
ابتسامتها في هذا التوقيت كان لها أثر سلبيٌ هائل على نفسية خصيمتها.
و فجأة، بدأت تطلق السحر بشكل عشوائي، وكأنها عازمةٌ على استنزاف كل ما تملك من طاقة.
بتلك الطريقة في الاستهلاك، لن يتبقى لها شيء، فلو فازت، كيف ستتابع الجولة القادمة؟
تسللت هذه الأسئلة إلى ذهن إيفيريا، لكنها لم تكن لتتساهل بدافع الفضول. و في الواقع، بدأت تشعر بأن استهلاكها للسحر في هذه المواجهة تافهٌ ومهدر.
بخفة، وجهت إيفيريا لهبًا صغيرًا نحو عُقدة في درع خصيمتها، حرارته كانت محددة بدقة ليحرق الخيط فقط دون أن يصيب الجسد.
تبادل الطرفان بضع ضربات أخرى، حتى مرت لحظاتٌ وانفصل الدرع عن جسد خصيمتها.
ثم أعلن الحكم فوز إيفيريا، فابتسمت بشعور عميق بالرضا والانتصار.
***
في اليوم الثاني والثالث من التصفيات، واصلت إيفيريا تحقيق الانتصارات. و لم يتبقَ سوى ثلاث مباريات أخرى لتصل إلى النهائيات.
مسابقة قسم السحر لا تفرّق بين المراحل الدراسية.
من السنة الأولى إلى الرابعة، يشارك الجميع، ولهذا، كان عدد المباريات كثيفًا للغاية.
راحت إيفيريا تدلك صدغيها بإرهاق. فطاقتها السحرية بدأت تنفد تدريجيًا، ولا تكاد تتذكر عدد المباريات التي خاضتها على مدار الأيام الثلاثة.
المباريات المتلاحقة، دون فرصةٍ للراحة، كانت مرهقةً بحق. حتى وإن تجاوزت الإرهاق العقلي، فإن كمية المانا المتبقية لديها كانت المشكلة الحقيقية.
رغم شعورها المتزايد بالتوتر، لم تُظهر إيفيريا شيئًا من ذلك أمام الآخرين.
كان هذا اليوم هو اليوم الثالث من التصفيات، وكان من المقرر إعلان جدول المباريات الجديد قبل المساء.
وقفت إيفيريا أمام كشك ناديها، تراقب سينثيا التي بدت منشغلةً للغاية، ثم سألتها بخفة.
“سينثيا، هل أنتِ مشغولةٌ جدًا؟”
“آه، طبعًا! كشكنا مشهورْ بجنون، صحيح؟”
لو تحدثت إيفيريا عن جدول المباريات، لكانت سينثيا قد عرضت عليها أن تذهبا معًا رغم انشغالها. لذلك، تراجعت عن الكلام وغادرت الكشك على الفور دون أن تقول المزيد.
كانت قائمة المباريات معلّقةً على الجدار بجوار المكتبة.
أثناء توجهها إلى هناك، ظلت إيفيريا تدوّر المانا داخل جسدها دون انقطاع، حتى لا تفقد الإحساس بها.
فخارج قاعات التدريب، استخدام السحر ممنوع، ولا يمكنها الاستفادة من المانا المحيطة. ومادامت لا تستهلك شيئًا من المانا الداخلية بمجرد تدويرها، فلا داعي للجوء إلى مصادر خارجية.
وقفت أمام القائمة وبدأت تبحث عن اسمها ببطء.
وحين وجدت الاسم المجاور، اتسعت عيناها بذهول، فعادت تتأكد مرة أخرى، لعلّها تكون مخطئة.
حتى أنها تمنت في سرّها أن تكون قد قرأته بشكل خاطئ.
‘…..هل هذا جنون؟’
رفعت يدها إلى رأسها مصدومة. فخصمها في المباراة القادمة…..كان ولي العهد.
ما الذي يفعله خريج من الصف الأخير في هذه البطولة؟
بدأت إيفيريا تلوم ولي العهد في داخلها دون وعي، قبل أن تنتبه فجأة وتنتفض لتطرد الفكرة من رأسها.
الطلبة في سنة التخرج يُسمح لهم بالمشاركة، و لم يكن هناك ما يمنع ذلك من حيث المبدأ، وإن كان الأمر نادرًا، لكنه ليس مستحيلًا.
صحيح أن ولي العهد لا يحتاج إلى مزيد من الترقي في مكانته، ولا إلى إثبات نفسه أمام أحد. ومع ذلك، وجدت نفسها تغرق أكثر في مشاعر اللوم والاستياء.
عندها، ناداها صوتٌ مألوف من الخلف.
“إيفيريا؟”
و تعرّفت إلى الصوت فورًا، فاستعادت هدوء ملامحها واستدارت نحو من ناداها.
“مرحبًا، سيد نيسبيروس.”
“جئتِ لرؤية جدول المباريات؟”
“نعم.”
أومأ الأمير نيسبيروس برأسه ردًا على إجابة إيفيريا، ثم حول نظره إلى جدول المباريات.
و سريعًا، وقعت عينه على اسمها.
“إيفيريا ديل. آكيل داميان كايتنر.”
قرأ الاسمين بصوت خافت، ثم التفت ليراقب تعابير وجهها بدقة.
“لا تجهدي نفسكِ.”
“…….”
“ولا تقلقي أيضًا.”
لم تجبه إيفبريا، بل أشاحت بنظرها بعيدًا. فحتى لو قال لها ألا تقلق، لم يكن بوسعها فعل ذلك ببساطة.
تابع التحديق فيها، كما لو أنه ينتظر منها جوابًا، ثم تحدث بنبرةٍ خفيفة.
“المباراة غدًا، صحيح؟”
“نعم.”
“هل تودين أن نتعشى سويًا بعد المباراة؟ سمعت أن سوق الليل في مهرجان لاكانيل شهيرٌ جدًا، بإمكاننا التجول قليلًا.”
“…..إن أنهيت المباراة بسلام، فلنذهب معًا.”
كان ردها ذلك أشبه بقبولٍ اندفع من شفتيها دون تفكير.
وما إن قالتها، حتى شعرت بالدهشة من نفسها، ورفّت جفناها بارتباك.
في تلك اللحظة، هبّت نسمةٌ قوية، فبعثرت خصلات شعرها في الهواء.
و لعلّها كانت مجرد ريح…..لكنها شعرت أن قلبها تاه أكثر معها.
ابتسم الأمير نيسبيروس ابتسامةً هادئة وجميلة. حتى لو كان قبولها مشروطًا، فإن مجرد أنها قالت “نعم” له، كان بالنسبة إليه إشارةً جديدة…..مختلفة.
***
أزاحت إيفيريا ذكرى الأمس من رأسها وهزّت رأسها بقوة، وكأنها تحاول أن تنفض شيئًا عالقًا في عقلها.
لم تفهم حتى الآن لماذا قالت ذلك، ولماذا وافقت على دعوة الأمير نيسبيروس أصلًا.
بعد لحظات، ستدخل في مواجهةٍ مباشرة مع ولي العهد، ومع ذلك كانت أفكارها مشتتةً إلى هذا الحد؟
كيف لها أن تركّز في المباراة؟
كانت تشعر وكأنها لا تلمس الأرض، وكأن ذهنها عالقٌ في الفراغ. فقطبت جبينها وشدّت قبضتها بقوة. حنى أن أظافرها المرتبة تركت أثرًا واضحًا في باطن كفها المغطى بالقفاز.
كان هواء غرفة الانتظار باردًا. وما إن أسندت ظهرها إلى الحائط البارد حتى شعرت، ولو قليلًا، أنها قد عادت إلى أرض الواقع.
وفي تلك اللحظة، سمعت صوت خطوات بالخارج. فتوتر جسدها وتصلب.
لا يزال هناك بعض الوقت قبل بدء المباراة، لكن الشخص الوحيد الذي يمكنه الدخول إلى غرفة الانتظار في هذه اللحظة……هو ولي العهد.
أخيرًا، فُتح الباب، ودخل رجلٌ أشقر.
كل خطوةٍ من خطواته كانت ناعمةً ومتزنة، من النوع الذي يمكنه أن ينسجم بسهولة مع أي مكان، و رغم ذلك، لا يمكن للعين أن تغفل حضوره.
عينا ذلك الرجل، بلونهما الذي تردد بين الأزرق الفاتح والرمادي، مسحتا غرفة الانتظار بهدوء.
فوقفت إيفيريا من مكانها وانحنت بعمق.
“احيي صاحب السمو، ولي العهد..…”
“أتمنى لكِ التوفيق، آنسة إيفيريا.”
قاطعها ولي العهد مباشرة، دون تردد، ثم مدّ يده نحوها. و من خلال تجاربها السابقة، فهمت أنه يعرض عليها مصافحته.
يدها اليمنى، التي كان عليها أن تلامس يده، بدأت ترتجف قليلاً. وبينما كانت تقبض على يده، أجابت بصوت قصير متماسك.
“نعم، أرجو أن تكون مباراةً جيدة.”
كانت يدها باردة بطبيعتها، لكن الآن، بدت وكأنها فقدت صلتها بجسدها، فقد كانت تنبعث منها برودةٌ قاتلة.
ثم ساد الصمت التام أرجاء غرفة الانتظار.
‘لا يمكن أن يقتلني هنا، أليس كذلك؟’
راودتها هذه الفكرة للحظة، لكنها طردتها بسرعة.
إن كان ولي العهد قد تركها حيةً رغم علمه بأنها سمعت محادثته…..فهل كان ذلك فقط ليقتلها داخل المباراة؟
أطلقت زفيرًا خافتًا، فقد وجدت نفسها تحسب الاحتمالات تلقائيًا من جديد.
و كان عليها أن تكف عن التفكير، فهذا النوع من التفكير لن ينفعها الآن.
كان ولي العهد قد جلس على أحد المقاعد، متكئًا براحة، وقد عقد ساقيه، بينما راح يتأملها بصمت.
بدلًا من القلق، كان من الأفضل لها أن تركز على ما ينفعها. فبدأت تستعرض في ذهنها بعض المعادلات السحرية التي قد تساعدها على البقاء حيّة.
لو تراجعت فور دخولها إلى الساحة وأعلنت انسحابها، فستكون بأمان على الأرجح.
لكنها لم ترد فعل ذلك. فذلك كان سيسحق كبرياءها.
كانت تنوي على الأقل أن تبذل ما في وسعها.
و بعد قليل، دوّى صوت النداء من مكبرات الصوت، يطلب منها التوجه إلى ساحة القتال.
___________________
كأنها رايحه لساحة الاعدام😭
ايرميت ياخي قل لولي العهد اركد تراك اكبر ورجال
بس صدق غش ليه يدخل هو ولي عهد يعني اكيد غصب يفوز
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"