أخذت إيفيريا منشفةً وقارورة ماء وسارت نحو الركن المعتاد لها.
و ما كان يميز هذه المرة عن كل مرة هو وجود الأمير نيسبيروس إلى جوارها.
لابد أن ما فعلته قبل ساعات كان ضربًا من الجنون. فكيف استطاعت أن تطلب ذلك من الأمير نيسبيروس، من بين كل الناس؟
أثناء سيره بهدوء إلى جانبها، ألقى نظرةً على ملامح وجهها الجانبية التي غطتها لمحة من الندم الطفيف.
“سيد، سأحرص على التحكم جيدًا، لكن فقط للاحتياط…..هل لي أن ألمسكَ قليلًا؟”
“تفضلي.”
توقفت إيفيريا فجأة، ومدّت يدها كما لو أنها تنوي الإمساك بذراع الأمير نيسبيروس.
كانت تقصد استخدام تعويذة حماية عليه. فترددت قليلًا وهي تلوّح بأطراف أصابعها، وعندها وضع الأمير نيسبيروس يده فوق يدها دون أن يقول شيئًا.
ومض نورٌ رمادي خافت بينهما، ثم تلاشى. وفي اللحظة التالية، تشكّل حول الأمير نيسبيروس حاجزٌ شفاف.
وبما أن نوع السحر الذي ستستخدمه إيفيريا لا يعتمد على القوة المادية المباشرة، فقد كان الغرض من هذا الحاجز هو التمييز بين الوهم والحقيقة.
وربما، كان من الأدق تسميته بـ “حدٍّ فاصل”.
سحر الأوهام كان أحد فروع السحر العقلي. و بالطبع، الفوارق بين الفروع لم تكن تمنع مستخدمًا من استخدام نوع مختلف، لكنها كانت تحدد ما إن كان بإمكانه إتقانه.
وإيفيريا كانت قادرةً على استخدام هذا النوع لأنها تتقنه. فهو يتطلب حسابًا بالغ الدقة وتحكمًا فائق الحساسية في السحر — وكلها نقاط قوتها.
لاختبار صلابة الحاجز، استدعت وهمًا بسيطًا.
لكن الأمير نيسبيروس أمسك بذراعها بلطف وأوقفها.
“ما سأراه هنا…..يبقى سرًا بيننا، صحيح؟”
“…..نعم.”
أجابت بتردد، فأرخى قبضته عن ذراعها.
كان سريع البديهة بدرجة مزعجة أحيانًا، لكن في هذه اللحظة شعرت بالامتنان أكثر من أي شيء آخر.
خفضت عينيها قليلاً، ثم فتحت كفّها. فارتفعت منها شعلةٌ صغيرة وهمية.
لو لم يكن هناك حاجز، لما كان للوهم أي خصائص مادية.
لكنه ارتطم بالحاجز بخفة، ثم تلاشى. فابتسمت إيفيريا ابتسامةً صغيرة.
لا بأس، بالنظر إلى أنها توقفت عن التدريب لفترة طويلة.
راقب الأمير نيسبيروس ذلك المشهد بصمت. بينما ابتعدت إيفيريا بضع خطوات، وأغمضت عينيها، واستنشقت نفسًا عميقًا.
ثم ارتفعت من جسدها هالةٌ سوداء قاتمة، بدأت تلتف حولها. وسرعان ما تغير لونها تدريجيًا.
فقد كانت طاقة إيفيريا تتلون أحيانًا بالسواد العميق، وأحيانًا بلون أحمر فاقع كلهيب متأجج.
بماذا تبدأ؟
ترددت إيفيريا للحظة، ثم قرّبت يديها من بعضهما قليلًا. فبدأ السحر يتجمع بين كفيها، ومع الوقت أخذ يكتسب شكلًا ولونًا.
كان مخلوقًا ضخمًا بلون الماء، يدور حولها مرات عدّة، ثم اقترب ووضع رأسه في راحة يدها.
وبما أنها هي من أنشأته، فلم يكن يمكنها لمسه بوضوح، لكن الإحساس بوجوده كان حاضرًا، ولو بشكل ضبابي.
راقب الأمير نيسبيروس المشهد كالعادة، بابتسامة هادئة على وجهه. بينما نظرت إليه إيفيريا بطرف عينها، ثم سألته بخفة،
“هل تود لمسه؟”
أومأ برأسه ومدّ يده خارج الحاجز. فلفّت برودةٌ رطبة راحة كفه، وشعر ببلل خفيف على جلده.
ثم رفع يده ونظر إليها. و كانت قطرات الماء لا تزال واضحة، وكأنها حقيقية، لكن ما إن عاد إلى داخل الحاجز حتى اختفت تمامًا.
الآن، لم يستطع منع نفسه من تذكّر الماضي.
رمش ببطء، ثم خفَت بريق عينيه واختفى. أما إيفيريا، فقد كانت تتابع عرض أوهامها بوجه صافٍ لا يوحي بشيء.
لكن خلف تلك الملامح الهادئة، لا بد أن عقلها كان يعج بالمعادلات والتفاصيل الدقيقة.
وسرعان ما شعر الأمير نيسبيروس بألم حاد في رأسه، وكأنه على وشك الانفجار.
هل رأى هذا المشهد من قبل؟ لا…..لم يره.
إذًا كيف تذكّر شيئًا لم يحدث؟
ذلك الإحساس الغريب تلاشى بسرعة. ونسي الأمير نيسبيروس ما الذي فكّر فيه قبل لحظات، تاركًا نفسه منساقًا بجمال ما تُريه له إيفيريا.
***
أشرقت شمس اليوم الأول من المهرجان.
في أكاديمية لاكانيل، يستمر المهرجان لمدة أسبوع كامل.
اليومان الأولان خُصّصا للتصفيات التمهيدية لمنافسات قسم السحر وقسم المبارزة، وخلالهما كانت الفرق تعمل على تحضير الأجنحة والفعاليات.
و بعد ذلك تُفتَح الأجنحة لأربعة أيام متواصلة، وتتواصل خلالها مباريات التصفيات النهائية.
أما اليوم الأخير، فتُقام فيه مباريات النهائيات ويتم التصويت لأفضل جناح.
في القارة، توجد ثلاث أكاديميات رئيسية، أكاديمية لاكانيل، أكاديمية هوريتين، والأكاديمية المتخصصة التابعة لبرج السحر.
بوصفها مؤسسات تعليمية متخصصة على مستوى القارة، كانت الأكاديميات الثلاث على اتصال وثيق دائم. ولهذا، كان من المعتاد أن يزور طلاب الأكاديميات الأخرى مهرجان الأكاديمية المستضيفة بصفة جولة استطلاعية، بشرط رغبتهم في ذلك.
يقام مهرجان أكاديمية هوريتين بعد امتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول، أما مهرجان الأكاديمية المتخصصة التابعة لبرج السحر فكان في نهاية الفصل الأول، بينما يُقام مهرجان أكاديمية لاكانيل بعد امتحانات منتصف الفصل الثاني.
وكان مهرجان لاكانيل، خصوصًا المنافسات التي تجري خلاله، يحظى بزيارة أساتذة من الأكاديميات الأخرى. ففي حال تميّز أحد الطلاب، قد يحصل بعد التخرّج على فرصة لإجراء أبحاث أكثر تخصصًا.
حتى سينثيا كانت تتهيّأ لإطلاق جناحها الخاص، ولم تستطع إخفاء حماستها.
وبينما كانت إيفيريا تراقبها، شعرت بعدوى ذلك التوتر، فاندفعت تساعدها بنشاط أكبر في تجهيز الجناح.
أثناء نقل طاولة كبيرة مع إيفيريا، تحدثت سينثيا بصوت مفعم بالحيوية،
“الأميرة تدرس في أكاديمية هوريتين، أليس كذلك؟”
“واو، حقًا؟”
“نعم. قد نراها هذه المرة.”
تظاهرت إيفيريا بالدهشة، رغم أن الأمر لم يثر فيها الكثير من الاهتمام. لكن فكرة رؤية الأميرة، جعلتها تتساءل للحظة عن طبيعة هذه الشخصية.
أخفت فضولها، الذي لم تدرك حتى متى بدأ، وواصلت مساعدة سينثيا في ترتيب مستلزمات الجناح.
ومع الجري هنا وهناك، مر الوقت بسرعة. و كان من المفترض أن يبدأ إعلان تصفيات المنافسة والقرعة في الساعة الثالثة، ولم يتبقَ سوى ثلاثين دقيقة.
دفعت إيفيريا آخر كرسي كانت تحمله، ثم مدّت ظهرها بعد أن أنهت الانحناء. وفي تلك اللحظة، دوّى جرس إعلان البث الأكاديمي.
رفعت إيفيريا نظرها إلى مصدر الصوت، بينما اقتربت منها سينثيا بعد أن جمعت بعض الأغراض.
“بعد قليل، سيتم الإعلان عن تفاصيل تصفيات قسم السحر، لذا على الطلاب المشاركين التوجّه إلى القاعة الكبرى.”
تكرّر الإعلان عدة مرات، ودفع ذلك إيفيريا إلى التأكد مرةً أخيرة من موضع الكرسي الذي كانت قد رتّبته.
“أليس عليكِ الذهاب الآن؟”
“نعم.”
عند تأكيد سينثيا، أومأت إيفيريا برأسها بوجه جاد.
ثم ناولتها سينثيا حزمةً صغيرة من الحلوى.
“عودي بسلام، مفهوم؟ لا تؤذي نفسكِ.”
أخذت إيفيريا الحلوى بعناية وخرجت من الجناح مبتسمة.
كانت المسافة بين المبنى الرئيسي للأكاديمية حيث تقام الأجنحة، والقاعة الكبرى، طويلةً نسبيًا. وبما أنها اعتادت دائمًا على الوصول مبكرًا، بدأت إيفيريا تسير بسرعة وقد سيطر عليها شعورٌ غامض بالقلق.
“آه، إيفيريا.”
في الخارج، كانت تمشي شبه راكضةً عندما ناداها أحدهم. وظهر في مجال بصرها شعرٌ فضي مألوف، وعينان بنفسجيتان ناعمتا الانحناء.كان الأمير نيسبيروس.
انحنت له إيفيريا برأسها تحية.
“مرحبًا.”
“خذي هذا.”
ناولها الأمير نيسبيروس خيطًا بنفسجي اللون. فحدّقت إيفيريا فيه وهي ترمش، تتساءل عن ماهيته.
وعندما التقت نظراتها به مطالبةً بالشرح، تأنّى قليلًا قبل أن يتحدث بهدوء.
“في مسابقات المبارزة، من المعتاد أن يُعطى المتسابقون زينةً أو منديلًا يربطونه بمقبض السيف.”
“أجل.”
“وهذا…..سوار.”
كان الشرح مختصراً للغاية، مما جعل إيفيريا تزمّ حاجبيها وهي تنظر إليه.
فضحك الأمير نيسبيروس،
“لقد بدا عليك التوتر، أعطني معصمكِ، سأربطه لكِ.”
“…..حسنًا.”
مدّت إيفيريا معصمها بهدوء، فربط الأمير السوار حول يدها بعناية، متجنبًا لمس بشرتها بأصابعه.
وقد كان السوار ينبعث منه سحرٌ لطيف.
أدارت إيفيريا معصمها المزدان بالسوار مرارًا وهي تحدق فيه بعيون مندهشة.
“ما رأيكِ؟”
“إنه جميل. شكرًا جزيلًا.”
رغم أنها شكرت الأمير بكلمات مهذبة، إلا أن عقلها لم يتوقف عن التفكير في السبب وراء تقديمه لها شيئًا كهذا.
ورغم أنها لم تتفحصه طويلًا، فقد شعرت أنه ثمينٌ بدرجة تثير القلق أكثر من الامتنان.
ثم التقت عينا الأمير بعينيها وهو يتحدث،
“أضفت عليه التعويذة التي ألقيتها عليكِ سابقًا.”
أطلقت إيفيريا شهقة إعجاب صغيرة. فقد كانت قد بدأت تشعر بالفعل بتحسن في حالتها الجسدية منذ ارتدائها للسوار.
ثن ترددت. ‘هل يليق بي قبول شيء ثمين كهذا؟’
لاحظ الأمير نيسبيروس نظرة التردد في عينيها فأردف وهو يشرح،
“راجعت قوانين المسابقة، واكتشفت أن منشطات استعادة الطاقة السحرية ممنوعة، لكن ما يحسّن الحالة الجسدية مسموحٌ به.”
“آه…..فهمت. شكرًا مرةً أخرى.”
كانت إيفيريا على دراية بتلك القوانين، لذا لم تكن قلقة من الناحية القانونية، لكنها أومأت برأسها على أي حال.
وكان من المستحيل أن الأمير نيسبيروس لا يقرأ أفكارها أو يفهم ما يدور في داخلها، لذا كان ما فعله بمثابة رسالة صامتة تقول: “لا تناقشي، فقط خذيه.”
“سأذهب الآن إذًا. إلى اللقاء يا سيد.”
“حسنًا. احرصي على سلامتكِ.”
بدأت إيفيريا تسير بخطًى سريعة، أما هو، فقد أنزل يده التي كان يلوّح بها ببطء.
***
في ذلك المساء، كان على إيفيريا أن تخوض جولة التصفيات.
خوض الجولة في اليوم الأول كان ميزة، إذ سيمنحها اليوم التالي وقتًا لاستعادة طاقتها السحرية، وهو أمرٌ بالغ الأهمية بالنسبة لإيفيريا التي لا تملك مخزونًا كبيرًا منها.
وبحسب ما ذُكر في التوضيحات، فإن جولة التصفيات لمسابقة قسم السحر تعتمد على التقييم المطلق، حيث يقيّم الأساتذة مدى تحكم الطالب في سحره، ودقته، وغيرها من المعايير، ويمنحونه درجات بناءً على ذلك.
معظم الطلاب الذين استعدوا ولو قليلًا لم يُقصَوا بسهولة. و كان ذلك من باب حرص الأكاديمية على منح أكبر عدد ممكن من الطلاب فرصة الظهور وإثبات أنفسهم.
“إيفيريا ديل، هل تفكرين بالالتحاق بمختبرات هوريتين بعد التخرج..…؟”
“ألا ترين أن البقاء في لاكانيل سيكون أفضل، إيفيريا ديل؟”
رغم وقوع حادثة صغيرة بعد الاختبار، إلا أن إيفيريا اجتازت التصفيات بسلاسة.
وعندما علمت سينثيا بخبر نجاحها، فرحت أكثر من إيفيريا نفسها. حتى أنها توقفت عن تجهيز الكشك وبدأت تقفز من الفرح.
“ألا تعتقدين أنكِ عبقريةٌ حقيقية؟”
“لا، لستُ كذلك.”
“لمَ هذا الجواب القاطع؟”
قالت سينثيا ذلك متظاهرةً بالعبوس وشدت حاجبيها، لكن الحق يقال، فما ليس صحيحًا لا يمكن قبوله.
ضحكت إيفيريا بخفة بينما كانت تضع أدوات الكشك التي جهزتها سينثيا في مكانها.
رغم أن الأمر لم يتعدَ اجتياز تصفيات غالبًا ما ينجح فيها الجميع، إلا أن قلبها ظل يخفق دون سبب.
____________________
يحلييييلهن يفرحون لأبسط سبب🤏🏻
ايرميت شكله عطاها رساله مبطنه يعني ترا بعد انت عطيني سوار بس للافس ايفيريا توها على الرومانسيه ذام ذي نظرتها للسوار في يدها😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"