2
“هل أنتِ بخير؟ وجهكِ لا يبدو بخير”
“آه، نعم. أنا بخير.”
كانت سينثيا هي من اقتربت. وبمجرد أن رأت إيفيريا وجهها، ارتخى جسدها من الارتياح.
أرخت إيفيريا جسدها مرة أخرى على المكتب وتمتمت.
“هل كتبتِ ملاحظات مادة تاريخ الإمبراطورية؟”
“نعم، كتبتها.”
“إذاً أريني إياها من فضلك، سأشتري لكِ شيئاً لذيذاً.”
“حقاً، هل حصل معكِ شيء؟”
بدت الدهشة في عيني سينثيا، بينما لم تفعل إيفيريا شيئاً سوى التنهد بعمق مراراً.
انتهى أمر ذلك اليوم بحصولها على دفتر الملاحظات من سينثيا ونسخها عنه.
***
كانت أكاديمية لاكانيل تضج بالأحاديث عن الأمير نيسبيروس.
قالوا أنه جادل أحد الأساتذة، أو تبرع بمبلغ مالي، أو أهان أحدهم علناً.
و حتى اليوم، ما إن يجتمع الطلاب حتى يبدأوا الحديث عن الأمير نيسبيروس.
سارت إيفيريا نحو المبنى الذي تقام فيه المحاضرات.
وبجانب المدخل، كان بعض الطلاب يتحدثون بصوت مرتفع.
“إذاً هذا الفصل سيكون الأمير مع إيفيريا ديل…….”
“أنتَ، اصمت. إنها تمر من هنا.”
كانت تسمع ما يقولونه بوضوح شديد، لكنها تجاهلت الأمر وعدّلت إمساكها بالكتاب. فلو بدأت ترد على كل تعليق، لن تنتهي أبداً.
إن أرادوا الحديث عن الأمير نيسبيروس، فليتحدثوا عنه فقط، لا داعي لزجّها في الأمر.
نعم، بصراحة كان الوضع مثيراً للاهتمام.
طالبةٌ من العامة تتصدر ترتيب الأكاديمية، وظهر فجأة نبيل عبقري ينافسها.
لو أن الأمر كان يخص شخصاً آخر، لكانت إيفيريا قد تابعت الوضع باهتمامٍ بالغ.
‘المشكلة أن الأمر يتعلق بي…….’
كونها حديث الناس دون قصد، وأيضاً ذلك الشخص الذي يشغل زاويةً من عقلها، كل ذلك لم يعجبها.
تنهدت إيفيريا بعمق. فلم يكن هناك شيء يرضيها في الآونة الأخيرة.
وصلت إلى قاعة المحاضرات وجلست في مقعدها المعتاد، ثم رتبت القلم والكتب كما اعتادت.
“مرحباً، إيفيريا.”
“نعم، مرحباً بكَ، الأمير نيسبيروس.”
عندما همّت إيفيريا بالنهوض على استحياء، لوّح بيده كأنه يطلب منها أن تبقى جالسة. فجلست مجدداً في مكانها ونظرت إليه.
“هل ستجلس هنا؟”
“نعم.”
“حسناً، سأتنحى لكَ عن المكان.”
بدأت إيفيريا ببطء في ترتيب أغراضها. وعلى وجهها ظهرت مشاعرٌ لم تستطع إخفاءها، فقد وجدت نفسها مجبرةً مجدداً على التنازل عن مقعدها، كما حصل في محاضرة تاريخ الإمبراطورية السابقة.
ألقى الأمير نيسبيروس كتابه على المقعد بجانبها بطريقةٍ بدا فيها شيء من الخشونه، حتى صدر صوت مرتفع جعل إيفيريا تنتفض لا إرادياً.
“لا، سأجلس بجانبكِ فحسب.”
“ماذا؟ لا، لا بأس، سأذهب إلى الخلف.”
ردت إيفيريا بذعر. كان اعتراضاً خجولاً، اعتراضاً ضعيفاً سيتلاشى خلال ثوانٍ إن هو أصرّ.
تلاقت عيناهما، ثم مال نيسبيروس برأسه قليلاً إلى الجانب،
“لقد وعدتني في المرة السابقة، أم أنك تعانين من ضعفٍ في الذاكرة؟”
أطبقت إيفيريا فكّيها بقوة.
هل يجب أن أنسحب من الأكاديمية؟
رغم كل شيء، كان وجهه مشوباً بقلق حقيقي، الأمر الذي أشعرها بصداعٍ خفيف.
لم تجبه. و اكتفت بالتحديق إليه بصمت بعينيها الزرقاوين الصافيتين. فقد كانت تعلم أنها إن فتحت فمها الآن، قد تتفوه بشتيمةٍ ما.
لكن مهما كانت نظراتها، ظل وجه نيسبيروس يحمل ملامح بريئة كعادته.
“لماذا لا تجيبين؟ هل الأمر سيئٌ فعلاً؟ هل ذكرياتكِ القديمة لا تزال سليمة؟”
اتسعت عينا إيفيريا فجأة. و شعرت وكأنه يعرف شيئاً. فلم تكن ذكرياتها عن طفولتها واضحة.
ضحكت بسخرية وأعادت ترتيب أغراضها.
و راودتها فكرة، لكنها كانت سخيفة. الأمير نيسبيروس ينتمي لعالم مختلف تماماً عن عالمها. و لا يمكن أن يكون له أي علاقةٍ بماضيها.
ما زال من المستحيل فهم دواخله. فقد كان شخصيةً يصعب فهمها من نواحٍ كثيرة.
ألقى الأمير نيسبيروس نظرةً على وجهها، ثم ابتسم بعينيه.
“هل يمكنني أن أجلس بجانبكِ؟”
“نعم.”
أجابت إيفيريا بإيجاز ثم أدارت وجهها إلى الجهة الأخرى و اتكأت على الطاولة.
ولحسن الحظ، لم يتحدث إليها أكثر من ذلك. وعندما تمكنت من ترتيب أفكارها قليلاً، دخل الأستاذ المسؤول.
“قلتُ أنني سأشرح اليوم عن المشروع الجماعي، أليس كذلك؟”
كالعادة، حان وقت المهام. وكانت المشاريع الجماعية أكثر ما يُتعب إيفيريا.
تنهدت بهدوء ومسحت على شعرها بيدها.
الغريب أن جميع النبلاء الذين كانوا في مجموعة واحدة مع إيفيريا في السابق، بدَوا وكأنهم لا يفقهون شيئاً عن المشاريع الجماعية. ومع ذلك، كانوا يحصلون على درجات جيدة حتى عندما تشتكي للأستاذ.
ضغطت على جبهتها بقلق، وشعرت بنظراتٍ موجهة نحوها من الجهة المقابلة.
ثم التقت بعينين بنفسجيتين غامضتي التعبير، فتسرب إلى قلبها قلقٌ غير مبرر.
“هكذا جاءت تقسيمات المجموعات-”
“أستاذ.”
قاطع الأمير نيسبيروس حديث الأستاذ ورفع يده.
فتوقف الأستاذ قليلاً وبدت عليه ملامح تردد، ثم عدّل نظارته وأشار له بذقنه كي يتكلم.
“أظن أن تقسيم المجموعات لن يعجب البعض، فهل يمكننا فقط أن نعمل حسب أماكن جلوسنا الآن؟”
تغيّر جو القاعة فجأة.
كان معظم الطلاب ينظرون إليه بملامح مفعمة بالفضول والتشويق. وزاد الوضع سوءاً كونهم في الصفوف الأمامية، مما جعل الأنظار كلها تتجه نحوهما.
راود إيفيريا ندمٌ مفاجئ: لو أنها جلست في الزاوية الخلفية لكان أفضل.
من أول الأمر حتى آخره، كل شيءٍ يثير التوتر، لدرجة أن عقلها بدأ يستفيق من شدته.
لم يكتفِ بقطع حديث الأستاذ، بل تحدث وكأنه يُصدر أمراً، رغم أنه استخدم صيغة الاحترام في نهايات الجمل.
جلسته المتراخية، وتعابير وجهه التي لا تعرف التردد أو الحرج، كانت تُشعر من حوله بالاضطراب.
أغمضت إيفيريا عينيها بقوة وفركت جبهتها.
لو فكرت قليلاً في ما قاله، فذلك يعني أنها ستكون معه في نفس المجموعة. فبدأ رأسها يؤلمها فجأة.
***
“هل أقدم انسحابي؟ أم أترك هذه الأكاديمية وأذهب لأخرى.”
“ماذا؟ فجأة؟ هل حدث شيء؟”
“نعم، هذا هو الحل. سأذهب إلى أكاديمية هوريتين. أين كانت استمارة الانسحاب؟ آه، عليّ أن أبدأ بحزم أشيائي أولاً.”
“مهلاً، مهلاً! إيفيريا!”
ما إن نهضت إيفيريا فجأة، حتى أمسكت بها سينثيا من خصرها بسرعة بعدما وضعت كتبها وأدواتها على الطاولة.
و كانت عينا إيفيريا نصف مقلوبتين من شدة الانفعال.
“لو فكرت في الأمر، لا يوجد سببٌ حقيقي يجعلني مضطرةً للتخرج من هنا، صحيح؟ واو، كم كنت غبية!”
“استفيقي، إيفيريا؟ إيفيريا!”
تحررت من قبضة سينثيا، ثم فتحت حقيبتها وبدأت تحشوها بأي شيء تقع عليه يدها.
لكنها، وفجأة، جلست منهارةً على الأرض.
“……أنا أكره هذا. الأمر يثير الغضب. يُرعبني. أتمنى لو أن هذا العالم يختفي.”
“من؟ لا تقصدينني أنا، صحيح؟”
“لماذا أتيتُ إلى لاكانيل؟ لماذا لم أعش حياتي بهدوء فقط……؟”
“آه….”
شعرت سينثيا بذلك فوراً. لا بد أن شيئاً ما حدث بين الأمير نيسبيروس وإيفيريا.
حتى سينثيا كانت قد سمعت اليوم أصوات بعض الطلاب يتحدثون. قالوا إن الأمير نيسبيروس جادل أحد الأساتذة. ويبدو أن ما يُقال عنه ليس مجرد شائعات.
في الأكاديمية، لم تكن الشائعات تنتشر كثيراً كما يُظن. بل الأدق أن الأحداث التي تستحق أن تتحول إلى شائعات لم تكن كثيرةً أساساً.
مثل أن هذا يواعد تلك، أو أن أحدهم حصل على منحة، أو أن شخصاً ما انسحب من الدراسة، كانت هذه الأمور تُعرف في الخفاء، ولا يعلم بها سوى من يهتم بهذا النوع من الأحاديث.
لكن منذ وصول الأمير نيسبيروس، لم تتوقف الأحاديث المتعلقة به، مما يؤكد أنه شخصيةٌ استثنائية بكل المقاييس.
وكان من المؤكد أن إيفيريا قد تورطت في أمر ما يدور حوله. فأطلقت سينثيا تنهيدةً عميقة.
“ما الذي حدث؟ هل الأمير نيسبيروس يضايقكِ؟”
“عليّ أن أعمل معه في المشروع الجماعي.”
أغلقت إيفيريا عينيها بإحكام، كأنها تحاول إنكار الواقع. بينما فتحت سينثيا فمها بدهشة.
“قد أموت قريباً بسبب مرض ناتج عن التوتر. أو ربما أفقد أعصابي وأتجرأ عليه فيُقطع رأسي.”
“هكذا إذاً……لكن هناك احتمالٌ أن يكون أقل جنوناً مما نتخيل…..لا، لا يوجد هذا الاحتمال. فهمت.”
بدلاً من الكلام، أجابت إيفيريا بعينين حزينتين، ثم ضمت ركبتيها ودفنت وجهها فيهما.
ما حدث قبل قليل ما زال واضحاً في ذهنها. فتنفست ببطء وبهدوء.
***
وفي النهاية، سارت الأمور تماماً كما أرادها الأمير نيسبيروس. حتى الأستاذ الذي بدا حازماً وقوياً، لم يصمد طويلاً أمام منطقه غير المنطقي وسلطته النافذة.
وبعد أن جرى تقسيم المجموعات حسب رغبته، توجه الأمير نيسبيروس نحو إيفيريا ليكلمها، وعلى وجهه ابتسامةٌ لا تُفهم.
“إيفيريا، بما أننا سنعمل معاً على المشروع، متى نلتقي؟”
“سأحاول أن أضبط وقتي حسب ما يناسب الأمير.”
“هل نلتقي هذا المساء؟”
أُعجبت إيفيريا بذلك بصدق. حتى في ترتيب موعد، الأمير نيسبيروس لم يكن شخصاً عادياً.
أمام نظرته التي تطالِب بردّ سريع، سارعت إيفيريا إلى تذكّر جدولها. و سرعان ما بدت على وجهها ملامح حرج.
“آه…..أعتذر، لكن لدي عرضٌ تقديمي غداً، لذا سيكون الأمر صعباً. هل يمكننا تأجيله إلى يوم آخر؟”
“إذاً، ماذا عن الغد؟”
في الغد، كان لديها محاضراتٌ بعد الظهر وتجربة مخبرية. ورغم أن الجدول لا يبدو طويلاً، فإن تنظيف الأدوات في نهاية اليوم قد يستغرق وقتاً غير محدد.
قالت أنها ستضبط وقتها حسب راحته، لكنها توشك أن ترفض مرتين متتاليتين.
ربما من الأفضل أن تعتذر عن تنظيف الأدوات وتغادر باكراً، حتى لو نظر لها بقية الطلاب بانزعاج، فذلك أهون من أن تضع حياتها على المحك.
نظرت إيفيريا إلى وجهه بتردد و تحدثت بتأنٍ.
“أممم، غداً عندي محاضراتٌ وتجربة بعد الظهر. لكن مع ذلك……”
“يعني هذا أنكِ لا تريدينني أن أعود إلى المنزل في عطلة نهاية الأسبوع؟”
“عفواً؟”
تلألأت عينا الأمير نيسبيروس. و كانت النظرة في عينيه، في رأي إيليريا، نظرةَ مجنون يتلذذ بإحراج الآخرين.
تراجعت إيفيريا بضع خطوات دون أن تشعر، وملأ صوتها المرتجف المكان.
“لا، كنت سأقول إنني أستطيع توفير وقت بعد العشاء. هل نلتقي حينها؟”
“أنا أحب الأمور الواضحة.”
“حسناً، سأؤكد الوقت وأبلغكَ لاحقاً.”
أشرق وجهه أكثر مما كان عليه. و لم تستطع إيفيريا إخفاء شعورها بالارتياح حين رأته كذلك.
ابتسم الأمير نيسبيروس و ردّ بنبرةٍ مرِحة،
“حسناً، لنلتقي لاحقاً إذاً.”
شعرت وكأن كل طاقتها استُنزفت في تلك اللحظات القليلة.
ثم انحنت إيفيريا بتحيةٍ متعبة و استدارت مبتعدة.
____________________
اها شكلهم يعرفون بعض وهم بزران 😂
يقولك في كيميتشيه ماسوتها في رواية وفطست
ايفيريا تجنن توقعتها هاديه شوي طلعت مهبوله وتاخذ راحتها عند صديقتها😭
شسمه والامير ذاه مجنون يضحك هوسه
بس وش اسمه ؟ هذا الي ماندري عنه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 منذ 3 أيام
- 2 منذ 3 أيام
- 1 منذ 3 أيام
- 0 - المقدمة: في يومٍ ما من المستقبل منذ 3 أيام
التعليقات لهذا الفصل " 2"