منذ ذلك الحين، حبست إيفيريا نفسها في قاعة التدريب.
و كان استخدامها لأساليب متعددة لتفعيل تعويذة واحدة أحد التمارين التي تعتمدها كثيرًا لتعزيز قدراتها الحسابية.
كانت الآن تجلس على الأرض، تكتب شيئًا على ورقة، وقد امتلأت الورقة أمامها بأرقام كثيرة.
النتيجة الأولى لم تطابق الثانية. فالمعادلة التي استخدمتها أولًا كانت الأكثر اعتمادًا لديها، بينما الثانية كانت معادلةً معدّلة دمجت فيها عدة صيغ أساسية.
ثم عضّت على طرف القلم الذي كانت تمسك به. فقد كانت تشعر بالقلق.
“في المرة الأولى كانت النتيجة اثنين، فلماذا الآن أحد عشر؟”
“عادةً ما يكون الخطأ في الحسابات الفراغية إذا تراوح الفارق بين ثمانية واثني عشر.”
صوت الأمير نيسبيروس علّا بجانب أذنها، فانتفضت إيفيريا مرتجفة من الذعر.
“هل أفزعتكِ؟”
قال ذلك وهو يبتسم بعينيه، ثم جلس أمامها على الأرض دون تكلف.
أومأت إيفيريا برأسها ببطء والتقطت الورقة بيد مرتجفة.
لم تستطع أن تفهم أبدًا ما الذي جاء بالأمير نيسبيروس لقاعة تدريب السحر. فعلى حد علمها، هو ليس من قسم السحر، بل من قسم السيف، فما الذي يفعله هنا؟
نقر بأصابعه فأصاب هدف التدريب بطاقة سحرية، وانطلق صوت “طانغ” مسموع، مما جذب أنظار من حوله.
“جئت لأتدرّب على السحر.”
كل ما يتعلق به كان يثير التساؤلات، لكن إيفيريا اكتفت بالإيماء برأسها. فابتسم مجددًا، راسمًا قوسًا صغيرًا بشفتيه.
لكنه لم يكلّف نفسه عناء الحديث معها مجددًا، وهو ما كان مريحًا لها. فعادت تُركّز على حساباتها، متناسيةً وجوده خلفها.
“همم..…”
مسترشدةً بنصيحته، حاولت هذه المرة الانتباه إلى حسابات الفراغ، فكانت النتيجة اثنين.
لقد كان محقًا. لماذا يجيد الأمير نيسبيروس السحر والحساب معًا؟
تساءلت إيفيريا بضيق، ونظرت إلى الجهة التي يجلس فيها، وهي تشعر مجددًا بمدى ظلم هذا العالم.
قرأ نظرة عينيها فابتسم ابتسامةً خفيفة،
“أنا أيضًا تدربتُ كثيرًا.”
“صحيح..…”
أمام رده الذي بدا وكأنه قرأ ما بداخلها، أطبقت إيفيريا شفتيها وأنزلت بصرها مجددًا.
حين وقعت عيناها على الأرقام المدوّنة على الورقة، شعرت فجأةً بالغثيان.
و كما فعل الأمير نيسبيروس سابقًا، نقرت إيفيريا بإصبعها فأصابت الكراتُ هدف التدريب. ثم دوى صوتٌ مكتوم، واخترقت إحدى الكرات اللوحة.
فتجمعت الأنظار نحوها من جديد. لكنها حاولت التظاهر بعدم الانتباه، فلم تكن ممن يحبون لفت الانتباه.
“لا ترهقي نفسكِ كثيرًا.”
قال الأمير نيسبيروس ذلك بلطف يشبه التهدئة. حينها خطرت في ذهنها كلمات ولي العهد.
وما إن مرّت تلك الذكرى حتى نطقت شفتيها بكلماتٍ غريبة، قبل أن تمر بعقلها.
“سيد…..أنا لا أريد أن أموت.”
“وهل قال لكِ أحدٌ أنكِ ستموتين؟”
انعكس في عينيه بريقٌ غريب. فأسرعت إيفيريا وهزّت رأسها نفيًا.
هل فقدت قدرتها على التعلم؟ كلما كانت برفقته، شعرت وكأن عقلها يفقد السيطرة. فهي تتصرف بعفوية وتتكلم دون تفكير.
“لا، فقط أردت أن أقولها.”
“آه، فهمت. لا تقلقي.”
تقلصت عيناه بابتسامةٍ هادئة. لكنها لم تستطع أن تتخيل ما الذي فهمه بالضبط.
جلست في مكانها مجددًا وهي تراقب تصرفاته بحذر. بينما لوّح هو بيده مرارًا كأنما يطرد شيئًا غير مرئي.
فحرّكت إيفيريا عينيها في حيرة. ما الذي يعنيه بهذه الإيماءات؟
وحين قرأ حيرتها سريعًا أضاف تفسيرًا لتصرفه.
“لن أزعجكِ. تابعي تدريبكِ بتركيز.”
أومأت برأسها بخفة. لم تكن تنوي ممارسة السحر اليوم أصلًا، وكان من الصعب أن تركز تحت وقع نظراته القوية، لكنها رغم ذلك لم تستطع إلا أن تجيب بالموافقة.
ثم شدد الأمير نيسبيروس مجددًا،
“حقًا، سأكتفي بالمراقبة، فلا تشغلي بالكِ بي.”
“نعم..…”
لم تستطع إيفيريا أن تصرح له بأن مجرد وجوده يُشتت تركيزها. فابتعدت عنه قدر المستطاع.
“آه، ما هذا الآن..…”
استمرت ضرباتها تخطئ الهدف. فعبست قليلًا وأغمضت عينيها بإحكام ثم فتحتهما من جديد.
لكن مع الاستمرار في التمرين، بدأت تركز أكثر.
و ظلت تتدرّب فترة طويلة، ثم عادت إلى مكانها تبحث عن منشفة. و وضعت يدها على رأسها وتنهدت بعمق. فهي لم تجد المنشفة التي كانت تقصدها.
عندها فقط تذكرت أنها لم تحضر معها لا منشفةً ولا ماء، فقد كانت تخطط للتركيز فقط على الحسابات اليوم.
صحيحٌ أن هناك مناشف وماء عند مدخل قاعة التدريب، لكن مكانها كان في أبعد زاوية ممكنة عن ذلك المدخل.
أسندت ظهرها إلى الحائط وأرجعت رأسها للخلف. فقد كانت تنوي أخذ قسط من الراحة لبضع لحظات ثم الذهاب لإحضار ما تحتاجه.
و في تلك اللحظة، اقترب منها الأمير نيسبيروس ومدّ نحوها منشفة.
حدقت إيفيريا به وبالمنشفة دون أن تفهم. فلم يخطر ببالها أبدًا أنه أحضرها خصيصًا لها. و لم تسمح لنفسها حتى بأن تشك بذلك.
“تفضلي.”
“…..شكرًا جزيلاً.”
لوّح بالمنشفة مرتين وكأنه يدعوها لاستلامها، وعندها فقط مدت يدها و استلمتها.
لكن حين أمسكت بها، لامست أطراف أصابعه عن غير قصد. فتقلصت عضلات جبينها بشكل لا إرادي وسحبت يدها بخفة.
لاحظ الأنير نيسبيروس رد فعلها، فثبت عينيه في عينيها وجلس أمامها.
“سألمسكِ للحظة فقط.”
أومأت إيفيريا بخفة. فأمسك يدها وشبك أصابعه بين أصابعها. بينما ارتجف كتفاها قليلًا.
ومن نقطة التلامس بينهما، انبعث ضوءٌ أرجواني خافت. و انتقل إليها شعورٌ منعش عبر راحة يده، فتوسعت عيناها دهشة.
صحيحٌ أن طاقتها السحرية لم تُسترجع بالكامل، فقد كانت شبه فارغة، لكن حالتها الجسدية تحسنت بوضوح. فقد شعرت أن التعب الذي كان متراكمًا في جسدها قد تبدد، ومعه أصبح ذهنها أكثر صفاءً.
بعد أن سحب الأمير نيسبيروس يده، نظرت إيفيريا إلى يديهما بالتناوب وكأن الأمر لا يزال يثير دهشتها.
“ما رأيكِ؟ أفضل بكثير، أليس كذلك؟”
“نعم، شكرًا جزيلاً.”
ابتسم الأمير نيسبيروس على طريقتها في الشكر، وتقلّصت عيناه بلطفٍ وهو يبتسم.
“لا أجيد تعاويذ الهجوم كثيرًا، لكن هذا النوع من السحر…..تدربت عليه كثيرًا في الماضي. كنت مهتمًا به.”
حتى بين طلاب قسم المبارزة، كان هناك عددٌ لا بأس به ممن يهتمون بالسحر. ويبدو أن الأمير نيسبيروس كان من بينهم.
ومع ذلك، لم تكن تتوقع أبدًا أن اهتمامه ليس في السحر الهجومي، بل في التعاويذ العلاجية والداعمة.
فأومأت برأسها بهدوء، غير قادرة على كبح فضولها.
كانت ترغب في سؤاله كيف فعلها بالضبط.
ثم تذكرت الإحساس الذي شعرت به قبل قليل، وحاولت تدوير طاقتها السحرية داخليًا. لكن لا فائدة. فبدا على وجهها علامات خيبة الأمل.
وحين فكرت في الأمر، أدركت أن من يفهم طريقةً ما من أول تجربة هو عبقري…..لكنها لم تكن عبقرية.
***
من بين أنواع السحر التي كانت إيفيريا تعتبرها الأقرب لمهارتها، كانت تعاويذ الأوهام. وهي نوعٌ من السحر العقلي، يقلّ تأثيره إذا كان الخصم على دراية مسبقة به.
صحيحٌ أن التأثير لا يختفي تمامًا، لكنه يضعف، ولذا لم تكن تحب كشف أوراقها قبل بدء المنافسة.
ولهذا السبب، كانت إيفيريا دائمًا ما تتدرب على هذا النوع من السحر في ساعات متأخرة من الليل حين يخلو المكان من الطلاب.
لكن مواجهتها لولي العهد و الأمير نيسبيروس في قاعة التدريب حينها، خاصةً ولي العهد، تركت بداخلها أثرًا أقرب للصدمة.
نظرت بطرف عينها إلى الأمير نيسبيروس الجالس أمامها، وزفرت بخفة.
كانت تنوي أن تتدرّب لمرة واحدة فقط باستخدام طاقتها الخاصة، ثم تنصرف. ولم تشأ أن تطلب من سينثيا مرافقتها، فقد شعرت بالذنب تجاهها.
ربما إن تورطت سينثيا معها في أمر لا يعنيها، ستتسبب لها بالمتاعب، لا سيما مع اقتراب موعد المهرجان.
وكانت سينثيا تبدو مشغولةً للغاية هذه الأيام. وأثناء مراقبتها لها وهي تركض في كل اتجاه باستمرار، بدأت إيفيريا تدرك أخيرًا لماذا كانت سينثيا تقلق عليها خلال فترة الامتحانات.
كانت دائرتها الاجتماعية الضيقة محصورةً داخل قسم السحر، وحتى هؤلاء لم تكن علاقتها بهم وثيقة لدرجة أن تطلب منهم شيئًا كهذا.
تنهدت إيفيريا مرة أخرى.
لم تشعر يومًا بالندم على ذلك، لكن في لحظات كهذه، شعرت بالسخط على علاقاتها البشرية المحدودة للغاية.
هل تغضّ الطرف وتذهب مرةً واحدة فقط؟ فقط اليوم.
انغمست في تقطيع اللحم أمامها بلا داع، محاولةً تفريغ قلقها، عندها جاءها صوت من الجهة المقابلة يحمل نبرةً ضاحكة،
“حين أكون معكِ…..ألا يمكنك التركيز عليّ فقط؟”
“آه، آسفة…..”
تابع الأمير نيسبيروس تناول طعامه بأناقة.
و بينما تراقب حركاته، تذكّرت المشهد الذي رأت فيه حديثه مع ولي العهد.
شخصٌ لا يمكن للولي العهد أن يؤذيه بسهولة. شخصٌ يشكل نوعًا من الأمان بالنسبة لها…..هل تطلب المساعدة من الأمير نيسبيروس؟
هذا جنون. لا بد أنها فقدت عقلها أخيرًا.
ما إن راودتها الفكرة، حتى انتفضت داخليًا وهزّت رأسها نفيًا.
ثم رتب الأمير نيسبيروس صحونه إلى جانب الطاولة، وأسند ذقنه إلى يده، مائلًا برأسه بخفة.
“إن كان هناك أمرٌ يشغلكِ…..فتحدثي براحتكِ.”
“آه…..نعم.”
“أي شيء أقدر عليه، سوف أساعدك فيه. فلدي الوقت، و لدي المال، و همم…..نوعًا ما لدي النفوذ كذلك.”
بلعت إيفيريا ريقها بصعوبة. و راحت تقارن بين احتمال أن تبقى وحدها في قاعة التدريب وتواجه ولي العهد، وبين احتمال أن تُغضب الأمير نيسبيروس بطلبها.
بدا الاحتمال الأول أخطر بكثير. إذاً، هل تجرؤ وتسأله مرةً واحدة فقط؟
حرّكت عينيها قليلًا، ثم رفعت بصرها نحو وجه الأمير نيسبيروس.
“هل..…”
اتسعت عيناه بتركيز، كأنهما تقولان لها: “أنا أُصغي.” و جعلها ذلك تشعر بإحراج غريب، فلم تستطع تثبيت نظرتها.
“هل لديكَ وقتٌ الليلة؟”
رغم غرابة السؤال، كان من الضروري أن تسأله.
فابتسم نيسبيروس ابتسامةً صغيرة.
“نعم، لدي وقت فراغٍ دائماً.”
“إذاً، هل يمكنكَ أن…..ترافقني إلى قاعة التدريب؟”
“طبعًا. لنذهب معًا.”
ضحكت إيفيريا ضحكةً باهتة. فلم تُكمل طلبها، ومع ذلك قاطعها ليمنحها الموافقة فورًا.
ما هذا الشخص؟
ومع ذلك، ابتسم الأمير نيسبيروس حتى اختفت عيناه من شدة الابتسامة.
وعندما رأت ذلك، شعرت فجأة أنها ربما، في أعماقها، كانت تعرف مسبقًا أنه سيوافق بلا تردد.
__________________
ياعمري ماصدق انها حاكته اول وسألته😭😭😭
المهم ليته يهدد ولي العهد هاهعاهتاهت
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"