كلما شعرت أنه اقترب، ابتعد، ثم عاد ليقترب بلا تردد، كأنه لا يعرف للخوف طريقًا.
حدّقت إيفيريا في الأمير نيسبيروس بعينين يصعب قراءة ما تخفيانه.
“سيد، ماذا عن خطوبتكَ؟”
“آه، تلك؟ ماذا عساي أن أقول؟”
أجاب الأمير نيسبيروس بانتعاش، وكأن الرفض الموارب الذي أخفى فضولًا طفيفًا لم يكن له أي معنى.
“إنها مؤجلةٌ في الوقت الحالي، لا تشغلي بالكِ.”
لم يُجب بصدق، واكتفى بابتسامة مشرقة كأن وجهه وحده يكفي. فارتبك تعبير إيفيريا، و تاهت ملامحها بلا وجهة محددة.
فراقبها الأمير نيسبيروس ثم لوّح بيده مبتسمًا.
“أراكِ غدًا، ولا تقلقي بشأن الشائعات.”
قبضت إيفيريا يدها بقوة، متأكدةً أنه قد فهم المغزى الحقيقي لسؤالها، بينما هي على يقين أنها مهما عاشت فلن تعرف ما يدور في أعماقه.
***
بعد ذلك، انقضت حياة إيفيريا ببساطة وازدحام.
انشغلت بالتحضيرات لمهرجان لم يتبقَّ عليه سوى عشرة أيام، تركض هنا وهناك في كل اتجاه.
بينما تناولت العشاء مع الأمير نيسبيروس، وكانت تلقي عليه التحية كلما جمعتهما المحاضرات المشتركة.
ظاهريًا، لم يختلف شيء عن السابق. باستثناء ذلك الحاجز النفسي الذي باتت تشعر به نحوه.
كان يعاملها دومًا بالأسلوب نفسه، مبتسمًا وهو يمنحها شيئًا أو يلقي بكلماتٍ غامضة المعنى.
“قائمة عشاء اليوم مليئةٌ بالأطباق اللذيذة، لماذا اخترتِ السلطة مجددًا؟”
“لأن السلطة لذيذةٌ هذه الأيام.”
“همم، فهمت، خذي هذا أيضًا. أذكر أنك كنتِ تأكلينه بشهية من قبل.”
ناولها الأمير نيسبيروس قطعة لحم من الطبق الذي أمامه، بكميةٍ وفيرة لم يلمسها هو نفسه.
أيعقل أنه لا يدرك أنها اختارت وجبةً خفيفة لأنها تجد وجوده معها مربكًا؟ بل لا بد أنه يدرك. فأحيانًا يبدو و كأنه يعرفها أكثر مما تعرف هي نفسها.
ثم تأمل وجهها القلق، ثم ابتسم بهدوء، مسندًا ذقنه إلى كفيه كأنه يحتضن وجهه بزهرة.
“حتى لو كان الأمر مزعجًا، كلي، اتفقنا؟”
فشدّت إيفيريا ملامحها لتُبقي وجهها بلا تعبير، لكنها لم تستطع ترك الطعام، فابتلعت كل لقمة بصعوبة.
ثم أنهت طبقها على عجل، و أحنَت رأسها قليلًا.
“حسنًا، أراكِ غدًا.”
لوّح الأمير نيسبيروس بيده بأناقة وهو يودعها، إلا أن تلك الإيماءة لم ترُق لها لسبب لم تفهمه.
فاستدارت مسرعة، تاركة خلفها ابتسامته، وهرعت إلىى السكن. فقد كان اليوم موعدها مع سينثيا لتحضير منصة المهرجان.
كان من المرجح أن تخرجا لشراء بعض المستلزمات من خارج الأكاديمية، فدفعت إيفيريا خطاها لتصعد بسرعة إلى غرفتها.
حينها، وجدت سينثيا واقفةً أمام الباب تحمل حقيبةً كبيرة، وما إن رأت إيفيريا حتى ارتسمت على عينيها ابتسامةٌ دافئة.
“اليوم سنذهب لشراء المستلزمات، صحيح؟”
“نعم، لنسرع بالذهاب. ما زال عليكِ التدرّب، أليس كذلك؟”
ابتسمت إيليريا ابتسامةً مترددة، تخفي بها شعورًا بالحرج. فمنذ وعدت سينثيا بمساعدتها في تجهيز المنصة للمهرجان، شعرت أنها لم تفعل شيئًا يُذكر.
لم يستغرق استخراج تصريح الخروج من الأكاديمية وقتًا طويلًا، إذ خلال فترة التحضيرات كان الحصول عليه أمرًا سهلًا لكثرة ما يُحتاج إليه من تجهيزات.
أخذت سينثيا الحقيبة من يد إيفيريا بابتسامة شاكرة.
“شكرًا لكِ على كل شيء طوال الفترة الماضية.”
“ولِمَ تتحدثين وكأنكِ على وشك الرحيل؟ ثم إنني لم أفعل الكثير أصلًا.”
أتبعت إيفيريا كلامها بتعليق خافت كالتأنيب، فضحكت سينثيا بخفة. ثم ما لبثت ابتسامتها أن تلاشت، وعاد وجهها إلى الجدية،
“لكن صدقًا، ساعدتِني كثيرًا. سواءً في اختيار الاسم أو تصميم المنشورات..…”
“وهل يُعدّ هذا مساعدة؟ أنا لم أفعل سوى إضافة نقطةٍ إلى أفكاركِ.”
أليست تلك أمورًا ينبغي القيام بها طالما اتفقتا على العمل معًا؟ فكرت إيفيريا بذلك وهي تدفع شعرها إلى الخلف بملامح محرجة.
فركلت سينثيا الحقيبة بقدميها عبثًا وهي تتمتم،
“العام الماضي كان صعبًا لأن الفتيات اللواتي اتفقت معهن لم يقمن بعملهن كما ينبغي، ومع ذلك احتُسبت النتائج لهن أيضًا.”
“هذا حقًا غير منصف.”
بدا أن مجرد تذكر الأمر يثير غضب سينثيا، إذ تجعّدت خطوط جبينها أكثر، فأشارت إليها إيفيريا بقبضة يد مرفوعة، وكأنها تشاركها الغضب.
ضحكت سينثيا من ردة الفعل المبالغ فيها قليلًا. فأسلوب إيفيريا في المواساة كان دائمًا ما ينجح معها.
تابعتا حديثهما، وكانت سينثيا كلما وقع نظرها على شيء من المستلزمات تدوّن سعره، وإن رأته مناسبًا اشترته.
وبعد جولة طويلة امتلأت الحقيبة تقريبًا.
“هل يمكنكِ إمساك هذا الطرف؟”
“نعم.”
أمسكت إيفيريا بأحد مقبضي الحقيبة بينما كانت سينثيا تواصل وضع المكونات والأغراض بتركيز، ثم سألتها،
“كيف تسير تدريباتكِ السحرية؟”
“لا بأس، أظن أنها تسير على نحو مقبول. آه، بالمناسبة، ألم تقولي أنكِ لن تشاركي في البطولة؟”
حتى العام الماضي لم تشارك سينثيا في البطولة، و عندما بدت وكأنها ذكرت الشيء نفسه هذا العام، سألتها إيفيريا للتأكد.
ولحسن الحظ لم تخنها ذاكرتها، إذ أومأت سينثيا برأسها.
“نعم، فأنا سأرث إدارة الشركة التجارية على أي حال.”
“إذًا أعتمد عليكِ يا وريثة الشركة المستقبلية.”
ثم ضحكت سينثيا وأدارت نظرها بسرعة نحو الحقيبة ردًا على مزحة إيفيريا.
***
بعد عودتهما إلى السكن، عرضت إيفيريا أن تساعد سينثيا في تجهيز منصتها، لكنها طُردت بلطف وقيل لها أن تهتم بتدريباتها من أجل البطولة.
شعرت وكأنها لا تفعل شيئًا على الإطلاق، بينما ظلّ إحساسٌ غريب بالعجز عالقاً بها وهي تشق طريقها إلى ساحة التدريب السحرية.
جالت ببصرها في أرجاء المكان، فقد قررت أنه إن لم تجد أحدًا فلن تتدرب، ولحسن الحظ كان هناك بعض الطلاب ما زالوا موجودين.
و بعد أربعة أيام تنوي أن تجري آخر تدريب باستخدام طاقتها السحرية، ثم تكرس وقتها بالكامل للحفاظ على حالتها الجسدية.
أخذت منشفةً وزجاجة ماء واتجهت نحو الزاوية التي يوجد فيها لوح الأهداف الثابت.
من الآن فصاعدًا، عليها أن تجعل الحفاظ على جسدها أولويةً قصوى. فقد بقي حوالي عشرة أيام على انطلاق التصفيات، ثم تبدأ النهائيات في اليوم التالي مباشرة.
“هاه..…”
أخذت إيفيريا نفسًا عميقًا. وبعد لحظات، أضاء هالتها بضوء أبيض صافٍ أحاط بجسدها.
وبينما كانت تستعد لتسخير تلك الطاقة في تعويذة، فُتح باب ساحة التدريب ودخل ولي العهد.
فبددت إيفيريا السحر الذي جمعته بصعوبة. و لو أنه لم يبدُ وكأنه يعرفها، لواصلت تدريبها، لكنه كان يتجه نحوها مباشرة.
لم يكن في تلك الجهة من الساحة أحدٌ سواها، مما جعلها تندم قليلًا لعدم اختيارها مكانًا قرب بقية الطلاب.
و مع ذلك، طالما أن هناك آخرين في القاعة، فمن المستبعد أن يحاول تهديد حياتها هنا.
عضّت إيفيريا شفتها وانحنت قليلًا، لتتلقى تحية ولي العهد الهادئة،
“مرّ وقتٌ طويل، أليس كذلك؟”
“تشرفت برؤيتكَ، سمو ولي العهد.”
لم ترفع إيفيريا نظرها إلى وجه ولي العهد، لكنها أحست بثقل نظراته عليها، وبلل العرق البارد ظهرها.
ألقى ولي العهد نظرةً سريعة على هيئتها ثم طرح سؤالًا عابرًا، محتفظًا بلغة الاحترام،
“هل هناك سببٌ خاص لتدربين نفسكِ بهذه الطريقة؟”
“ذلك لأن مخزوني السحري محدودٌ، سموك.”
“هممم..…”
أدار ولي العهد بصره في أرجاء ساحة التدريب.
الجميع كان يتدرب مستخدمًا طاقته السحرية الخاصة، وكانت إيفيريا الوحيدة التي لفتت انتباهه، فطرح سؤاله عليها.
ثم عادت عيناه إلى التحديق بها، كان لوت عينان زرقاوان تميلان إلى الرمادي، تختلفان جذريًا عن زرقة عينيها الصافية.
“ارفعي رأسكِ.”
لكن إيفيريا ظلت مطرقة النظر. و قد كانت متيبسةً تمامًا، فابتسم ولي العهد ساخرًا.
ما الذي فعله ليولد كل هذا الخوف لديها؟
لم يكن ينوي قتلها ولا حتى مضايقتها بأمور تافهة، ورغم ذلك بدا مظهرها المذعور مثيرًا للشفقة وباعثًا على الضحك في آن واحد.
ومع ذلك، إن أبقاها واقفةً على هذا النحو أكثر، فسيضطر لتحمل ملاحظات إيرميت المعتادة، التي ستتهمه بانشغاله بمضايقة فتاة من العامة لفراغ وقته كطالب في الصف الأخير.
لم يفهم هو نفسه سرّ الجاذبية التي يجدها ذلك المعتوه فيها.
صحيحٌ أن ملامحها من النوادر، وقدرتها ومثابرتها لافتتان، لكن أمثالها وإن قلّوا فليسوا نادرين بين طلبة الأكاديمية. بل وحتى شجاعتها وحسن حكمها اللذان أظهرتهما سابقًا لم يكونا سيئين.
عقد ولي العهد حاجبيه، وهو يدرك أنه بعد تعداد تلك الصفات، ربما يجد ذلك المجنون سببًا كافيًا ليهوى بها حد الجنون.
ثم تحدث ببطء،
“مسابقة السحر في الأكاديمية ليست سهلة المنال.”
“أجل، أدرك ذلك يا سموك.”
كانت تلك بادرةً صغيرة من حسن النية، وشيئًا من التدخل الفضولي، و عطفٌ خفي على من أثارت اهتمام إيرميت، ومجرد شفقة يمنحها لها لأنها مشاركتها الأولى.
“أحيانًا هناك من كادوا يموتون هنا ثم استيقظت مواهبهم الكامنة. لو كانت البطولة مقصورةً على طلاب السنة نفسها لهان الأمر، لكنها بطولة موحدة بين جميع السنوات. الموت شيءٌ لا يريده أحد، أليس كذلك؟”
“نعم.”
جاء رد إيفيريا مشددًا بقوة، فخفف ولي العهد ملامحه الباردة فجأة إلى ابتسامةٍ ودودة.
كان يبتسم، لكن بسبب نظرات عينيه ظل شعور البرودة ملازمًا له، على خلاف الأمير نيسبيروس.
فابتلعت إيفيريا ريقها بتوتر.
“أعني، لابأس أن تبذلي كل جهدكِ، لا أكثر.”
“سأضع كلامكَ نصب عيني، سموك.”
انحنت إيفيريا مرة أخرى بعمق، فظل ولي العهد يتأملها بنظرات غامضة قبل أن ترتفع زاوية فمه بابتسامة خفيفة.
وما إن اختفى ذلك الجو الموحش حتى استطاعت إيفيريا أن تعتدل في وقفتها. بينما كان ظهرها مبللًا بالعرق.
أما نظرات الطلاب الفضولية من حولها فكانت تخترقها كالإبر منذ فترة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"