سواءً كان ذلك حظًا حسنًا أم سيئًا، فقد طغت الأخبار المتلاحقة عن الأمير نيسبيروس على أحاديث الأكاديمية حول صاحبة المرتبة الثانية إيفيريا.
حتى المقالات السلبية التي نُشرت عنه لم تعد تثير القلق كما في السابق، وكان ذلك أمرًا غريبًا بحق.
بل إنها، مثلما حدث عندما تلقت اعتذاره آخر مرة، شعرت بوخزةٍ تعصف بإحدى جوانب صدرها.
والآن، حين تفكر بالأمر، تدرك أن المقال السابق أيضًا كان يتناول أشخاصًا أساؤوا الحديث عنها هي بالذات.
وإدراكها لهذه الحقيقة جعل الحرارة تتصاعد في محيط عينيها بلا سبب مفهوم، فرفعت أصابعها الباردة لتضغط بقوة على جفنيها وهي تتابع سيرها بخطواتٍ متزنة.
كانت إيفيريا عائدةً للتو من تقديم طلبها للمشاركة في مسابقة طلاب قسم السحر.
و ربما لأن أستاذها المسؤول استقبلها بحماسٍ مفرط، في حين رماها زملاؤها بنظرات مشبعة بالحذر، شعرت وكأن طاقتها قد استنزفت تمامًا.
وكان ذلك مفهومًا بالنظر إلى إنجازات الأوائل السابقين للأكاديمية في مثل هذه المسابقات.
ومع ذلك، ألم تخفّ الضغوط قليلًا الآن؟
فلم تعد هي الأولى في الترتيب، ومع استحواذ الأمير نيسبيروس على معظم الأنظار، بات من المرجّح أن يطغى حضوره على وجودها، وهذا ما كانت تتمنى حدوثه، حتى لو لم يكن الأمر مؤكدًا.
انعكس صراعها الداخلي على ملامح وجهها الغامض، فعبثت بضفيرتها عبثًا، تجمع شعرها ثم تديره بين أصابعها وهي تواصل السير، حتى لاحت لها على بُعد خصلات شعر فضي مألوفة.
تلاقت عيناها بعيني الأمير نيسبيروس، و للحظة دفع النسيم شعرها بلطف وهي تتوقف مترددة.
كان ينظر إليها بثبات، وكأن نظراته تسألها: «ما الذي ستفعلينه؟»
كان بوسعها أن تتحاشاه إن أرادت، فليس ملزوماً عليها أن تسلك هذا الطريق، وبوسعه هو الآخر أن يوقفها لو شاء. إلا أنه اكتفى بمراقبتها فحسب.
‘صحيح…..لا يمكنني الهروب إلى الأبد.’
عضّت إيفيريا شفتها بخفة. ثم تابعت سيرها بخطوات متأنية، وعندها اتسعت عينا الأمير نيسبيروس قليلًا قبل أن يسرع خطاه نحوها.
“مرحبًا.”
“مرحبًا، هل أصبحتِ بخيرٍ الآن؟”
كان يقصد ما بعد صدور الترتيب الأخير، فاحمرّت أذنا إيفيريا قليلًا، وتمنت لو استطاعت أن تعيد الزمن أو تمحو تلك الذكرى من عقلها.
فخفضت بصرها وأجابت بصوت خافت،
“نعم.”
“هذا مطمئن إذاً.”
لم تستطع أن تخمن ما يخفيه الأمير نيسبيروس في أعماقه، لكنه كان يبتسم في ظاهر الأمر، وذلك وحده بعث في قلبها طمأنينةً غامرة.
عضّت إيفبريا شفتها قبل أن تتمكن أخيرًا من النطق،
“سيد، أنا آسفة.”
كان اعتذارًا يحمل معانٍ عدة.
على السطح، كان عن المواعيد المسائية التي ألغتها، أما في العمق فكان عن تعاملها العاطفي المفرط معه.
صحيحٌ أنه استفزها ببعض كلماته، لكنه قدّم لها اعتذاره، كما أن كونها صاحبة المرتبة الثانية لم يكن ذنبه هو، وإنما كانت هي من انغمست في مشاعرها وحدها.
وفوق ذلك كله، حملت في قلبها أحكامًا مسبقة تجاه حياته وجهوده، وحين تذكرت تصرفاتها الآن، أغمضت عينيها خجلًا، و هي تشعر بمدى سوء ما بدر منها.
فأجابها الأمير نيسبيروس وهو يتابع كل حركةٍ من حركاتها، بصوت أخفض من المعتاد،
“ألم أقل لكِ مرارًا ألا تعتذري عن أمر لم يكن خطأكِ؟”
“لكنني ألغيت الموعد..…”
“مم، أجل، وهذا وحده خطأٌ فعلًا.”
ترددت إيفيريا قليلًا في كلامها، فأومأ الأمير نيسبيروس موافقًا، ثم تحوّل صوته الجاد فجأة إلى نبرة مازحة.
“وبهذه المناسبة…..هلا تتناولين الغداء معي من الآن فصاعدًا؟”
“هاه؟”
شهقت إيفيريا بدهشة، فبرغم أنها باتت تشعر براحة أكبر قليلًا تجاهه مقارنةً بالسابق، وبرغم يقينها أنه لن يقتلها بهذه السهولة، إلا أن الخوف منه ظل حاضرًا.
وحين رأى ملامحها المذعورة، أمال عينيه مبتسمًا ليطمئنها،
“كنت أمزح.”
ورغم إحساسها بالحرج تجاهه، لم يسعها إلا أن تشعر بالارتياح.
ومضى نيسبيروس يتبعها بخطواتٍ هادف، و بقيا يسيران جنبًا إلى جنب وإن كانت إيفيريا هي التي تقود الطريق.
لم يكن بوسعها قول شيء، والأهم أنها لم تكن متأكدةً إن كان من المفترض أصلًا أن يتبعها، فتابعت السير بارتباك وساقاها متصلبتان.
وبينما يرافقها بغير استعجال، ألقى عليها سؤالًا عابرًا،
“إلى أين أنتِ ذاهبةٌ الآن؟”
“آه، إلى ساحة التدريب السحري.”
توقف هو عن المشي، فانحنت له إيفيريا بتحية قصيرة ثم تابعت طريقها.
لكن سؤاله التالي جعلها تتوقف فجأة،
“هل ستشاركين في البطولة هذه المرة؟”
“نعم.”
“همم..…”
بدا وكأنه غرق في تفكير عميق، فاغتنمت إيفيريا الفرصة، تراقب ملامحه بحذر قبل أن تتسلل مبتعدةً عنه بخطوات بطيئة.
حوّل الأمير نيسبيروس نظره من الفراغ إلى إيفيريا، وابتسم لها ابتسامةً مشرقة.
“حسنًا، أتمنى لكِ تدريبًا مجتهدًا وموفقًا.”
“شكرًا.”
“ولا تقلقي، فلن أشارك في بطولة قسم السحر.”
كانت إيفيريا تعرف تمامًا أنها لن تفوز مهما شارك هو أم لم يشارك، فارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ مرة بلا وعي.
ثم حنَت رأسها له مرةً أخرى قبل أن تستدير وتغادر.
كانت تعلم أن بلوغ مستوى معين من القوة السحرية مسألة موهبة خالصة، وقد اصطدمت بجدار تلك الحقيقة مبكرًا جدًا.
***
انغمست إيفيريا في حياتها داخل ساحة التدريب، لا تكاد تفارقها.
و باستثناء الأوقات القليلة التي تتبادل فيها الحديث مع سينثيا حول منصات التدريب، أو تستمع فيها لشروح مرتبطة بها، كانت كل لحظاتها الباقية تقضيها هناك.
دخلت ساحة التدريب، واتجهت إلى أحد الأركان لتأخذ منشفةً وزجاجة ماء.
‘سأتدرّب على التحكم والحساب حتى موعد الغداء..…’
أعادت مراجعة خطتها لهذا اليوم وهزت رأسها بخفة قبل أن تتجه نحو ركنها المعتاد.
على الجانب الآخر، كان بعض الطلاب يتبارون في تدريبات مبارزة. ففضّلت أن تبقي مسافة آمنة بينها وبينهم حتى لا تصيبها شظايا تدريبهم العشوائية.
ركزت إيفيريا تدريبها على التحكم في تدفقات السحر الطافية في أرجاء الساحة.
أما الآخرون فكانوا غالبًا يتمرنون على التحكم في طاقاتهم الخاصة، لكنها لم تكن تملك الكثير منها، فلم يكن ذلك ممكنًا لها.
وفوق ذلك، كان تعويض مخزونها بعد نفاذه يستغرق وقتًا أطول من غيرها.
و سرعان ما تجمّعت عند أطراف أصابعها ذرات ضوء شفافة، لكنها لم تلبث أن تفتتت إلى شظايا متناثرة.
“آه..…”
تقلص حاجباها وهي تحدق في الضوء المتناثر بوجه متجهم.
لم تكن الأمور هكذا من قبل، لكن منذ أن عادت إلى التدريب بعد الامتحان، أصبحت فترة الحفاظ على التركيز قصيرةً جدًا. وظل هذا الوضع مستمرًا منذ أيام.
جربت، بدافع الإحباط، استخدام طاقتها السحرية الثمينة التي ظلت تدخرها بعناية، لكنها لم تلاحظ فرقًا كبيرًا، فقد كانت الطاقة أقل كثافةً فقط لكنها لا تزال متماسكة.
ولذا، قد لا يؤثر هذا كثيرًا على البطولة التي يُسمح فيها باستخدام الطاقة السحرية الخاصة بها فقط، لكن من الواضح أن التدريبات ستتضرر إن استمر الأمر على هذا النحو.
وإذا استمرت بالتدرب بهذه الكمية الضئيلة من طاقتها، فقد تدخل المسابقة دون أن تتمكن حتى من التدريب جيدًا.
قد تبدو هذه المشكلة تافهة بالنسبة للطلاب الآخرين،
لكن بالنسبة لإيفيريا، كانت مسألةً لا بد من حلها.
***
عادت إيفيريا إلى المكتبة مرة أخرى.
وكانت طريقتها في البحث عن الحلول كانت واضحة ومعهودة. تفكر أولًا وحدها، ثم تبذل جهدها.
وإن لم تجد حلاً، تبدأ بالبحث في الكتب والمراجع. وغالبًا ما كانت تجد الإجابة في هذه المرحلة.
لذلك، لم يكن من الغريب أن تحب إيفيريا الكتب والمكتبات حدّ العشق.
وفي بعض الأحيان النادرة جدًا، وعندما تعجز تمامًا عن الحل، كانت تطلب المساعدة من الآخرين. فحل المشاكل بمفردها كان عادةً مترسخة في إيفيريا.
جلست القرفصاء أمام رفوف الكتب، تبحث عن كتب تتناول الموضوع الذي يشغل ذهنها.
‘عندما تتبعثر الطاقة السحرية…..طاقة البيئة المحيطة…..’
لحسن الحظ، وجدت بعض الكتب التي بدت عناوينها مفيدة. و من بينها، كانت هناك أطروحات من برج السحر وكتبٌ وضعها علماء يتبعون للقصر الإمبراطوري، مما منح إيفيريا بصيص أمل.
اختارت بعضًا من تلك الكتب وعادت إلى مقعدها، وبدأت بالقراءة بدءًا من الكتاب الأول فوق الكومة.
كان معظم ما قرأته مألوفًا من دروس السحر في الأكاديمية، لكنها وجدت أيضًا معلومات جديدة لم تكن تعرفها.
وكان أول ما لفت انتباهها هو حالة تسرب الطاقة السحرية من الساحر دون أن يشعر بذلك. وفي مثل هذه الحالات، يمكن أن تتسبب الطاقة المتسربة في تشويش الطاقة السحرية المحيطة وتفريقها.
كلما كانت طاقة الساحر أكثر توافقًا مع الطاقة السحرية المحيطة، وكلما زادت كمية الطاقة المتسربة منه، كلما تشتتت الطاقة بدرجة أسوأ — هكذا ورد في الكتاب.
أمالت إيفيريا رأسها باستغراب.
‘هل من الممكن أن تتغير طبيعة الطاقة السحرية فجأة؟’
فهي لطالما كانت تتدرب في ساحة التدريب نفسها، وبنفس الطريقة، دون أن تواجه هذه المشكلة من قبل.
ظهرت ظاهرة تشتت الطاقة التي لم تظهر إلا مؤخرًا. وكان من المعروف أن طبيعة الطاقة السحرية التي يولد بها الإنسان لا تتغير بسهولة.
أما طاقة المكان، فبقدر ما استطاعت إيفيريا أن تشعر، لم يحدث فيها أي تغيّر يُذكر.
صحيحٌ أن طاقتها السحرية، التي كانت قليلةً أصلًا، بدت أقل من المعتاد، لكنها لم تكن متأكدةً من شعورها هذا، وحتى إن صح، فلن يكون سببًا كافيًا لهذه الفوضى.
بادرت إيفيريا بقلب الصفحة سريعًا.
‘في حال ضعف قدرة التحكم في الطاقة السحرية.’
بدت هذه العبارة وكأنها تشير مباشرةً إلى الفترة التي توقفت فيها عن التدريب، فعبست إيفيريا دون إرادة.
لكنها لم تشعر بأن المشكلة تكمن في ضعف تحكمها.
هل ستتضح الحقيقة إن تدربت أكثر؟
رغم العبوس الذي لم يفارق وجهها، خطّت إيفيريا هذا السبب على ورقة أمامها، فقد قررت أن تعمل على تصحيح أي عامل محتمل، مهما بدا بسيطًا.
ثم ظهر سبب آخر: “عندما يكون الوسيط المركزي المستخدم ضعيفًا.”
فكّرت إيفيريا للحظة، وشعرت أن هذا التفسير هو الأقرب إلى المنطق.
فمن أجل تقليل استهلاك الطاقة، كانت تستخدم جسدها كمركز سحري بدلًا من طاقتها نفسها أثناء إطلاق التعاويذ.
نظرت إلى السطور التالية ببصيص من الأمل، لتتسع عيناها دهشة وهي تقرأ ما تبقى.
فآخر سطر ورد بطريقةٍ شبه ساخرة: “ولتعزيز هذا السبب، لا حل سوى أن تأكل جيدًا وتنام بانتظام.”
زفرت إيفيريا بعمق، ووضعت يدها على جبينها بإرهاق، ثم أعادت الكتاب إلى الصفحة الأولى لتعرف من هو المؤلف.
“ما هذا..…؟”
روانيس هيستيرون. ذلك كان اسم سيد برج السحر.
رمشت إيفيريا مرتين بدهشة وارتباك، بينما ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ يائسة.
________________
ياعمري شكلها ماتاكل زين😂
المهم لايكون قد صار لها شي وهي صغيره عشان كذا ايرميت استغرب يوم طرت السحر؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"