جميع المواد التي كانت تدرسها إيفيريا، كان الأمير نيسبيروس يحضرها أيضًا. وقد أدركت هذه الحقيقة بعد الامتحانات، وهي التي لم تكن تعلمها من قبل.
ولم يكن منطقًا أن تُعزى خسارتها في الترتيب إلى تراجعها أمام طلاب آخرين، بل الأرجح بأضعاف أن يكون السبب هو تزامن جميع موادها مع مواد الأمير نيسبيروس.
كان ذلك مدعاةً للضحك، وإن لم يكن مضحكًا بحق.
استحضرت إيفيريا ترتيبها العام، فابتسمت بسخرية.
كان رقمًا ثابتًا، سهل الحفظ بشكل مثير للغيظ.
الرقم 2. كم مرة رأته خلال الأيام الماضية؟ لقد باتت تكرهه.
الأمير نيسبيروس كان شخصًا يتجاوز خيالها. مهما كان معنى ذلك.
صحيحٌ أنه بالتأكيد لم يكن يترك دراسته، ومع ذلك…..
قطبت إيفيريا جبينها وأسندت وجهها إلى راحتي يديها.
هل بإمكانها أن تجتهد أكثر من هذا بعد الآن؟ طرحت على نفسها هذا السؤال، وكانت الإجابة واضحة، مستحيل.
لقد بذلت أقصى ما تملك، ومع ذلك اصطدمت بجدار. تخطّاها بكل أريحية، وكأنها لم تكن شيئًا يُذكر.
ذلك الطموح المجنون الذي كانت تعتقد أنه سلاحها، اتضح أنه لا فائدة منه.
لم يكن في وسعها أن تتفوّق على أشخاص من طينة الأمير نيسبيروس مهما حاولت.
ربما كانت تعتقد سابقًا أن بإمكانها مجاراته. و اعتقدت أنها تملك شيئًا واحدًا على الأقل يميزها.
معجزة لاكانيل، ذاك اللقب الذي بدأ على سبيل السخرية ثم صار رمزًا لها، ظنّت للحظة أنها قد تتمكن من الحفاظ عليه. لكنها أدركت أن الخطأ بدأ حين سمحت لنفسها بالأمل.
كيف تجرأت على أن تتجاوز مكانتها؟
الأفكار السوداء بدأت تزحف إلى عقل إيفيريا، تبتلعها بهدوء.
وفي تلك اللحظة، وكأن شيئًا لم يكن، خاطبها الأمير نيسبيروس بصوته الخفيف المعتاد،
“مرحبًا، إيفيريا. مضى وقتٌ طويل، أليس كذلك؟”
“…..مرحبًا.”
أجابت وهي لا تزال تخفي وجهها بين يديها.
كان الأمير دائمًا ما يبدو واثقًا، أنيقًا، بلا شائبة. ولم تكن تريد أن تُظهر له ما بداخلها، هذا الجزء الباهت والبائس منها.
فذلك بدا لها…..شديد الوضاعة.
جلس الأمير قبالتها مستندًا بذقنه إلى يده، وقد مال بجسده بكسل.
“هل حدث شيءٌ أزعجكِ؟”
ارتجف كتف إيفيريا للحظة.
من نبرة صوته وحدها، لم تستطع أن تُخمِّن إن كان الأمير نيسبيروس يسأل وهو يعلم، أم أنه يجهل السبب حقًا.
فتحت إيفيريا فمها أخيرًا، وانسابت كلماتها بصوت مرتجف، يحمل قليلاً من الارتجاف في طياته، كما لو كانت على وشك البكاء.
“ألم تصلكَ نتائجكَ؟”
“وصلت.”
ارتعشت زاوية فمها بشكل خافت. ثم تنفّست بعمق، و سألت بصوت أكثر تحديدًا،
“وترتيبكَ؟”
“عرفته أيضًا.”
“فلماذا إذًا-”
فتوقفت فجأة،
“آه…..آسفة.”
كانت تحاول أن تحافظ على هدوئها، لكن الدموع انفجرت دون إنذار.
ولأنها لم تكن تريد أن يراها الأمير وهي تبكي، فقد أسندت رأسها على الطاولة ودفنته بين ذراعيها.
رأى الأمير نيسبيروس كتفيها يهتزان ببطء، وسمع، بوضوح مؤلم، شهقاتها الصغيرة، تلك التي بالكاد يُمكن التقاطها إن لم يصغِ إليها جيدًا.
ارتفعت يده قليلًا كما لو كان سيلمسها، لكنها عادت واستقرت على ركبتيه دون أن تتحرك.
ثم عضّ شفتيه بصمت، وغطت أهدابه ظلًا كثيفًا فوق عينيه.
ما هذا…..قبل أيام قليلة فقط، كانت تتحدث بكبرياء وتقول له أنها لا تفعل كل هذا بدافع المنافسة، و كانت تتصرف بتعالٍ وثقة زائفة.
والآن، شعرت بأنها في غاية الصغر والضعف.
لم تعد تعرف كيف ستواجه الأمير نيسبيروس بعد هذا. فدفنت وجهها أعمق في ذراعيها.
لقد كوفئت جهودها، لكنها في الوقت ذاته لم تُكافأ. وكان في ذلك ما يكفي ليُشعرها بفراغٍ مرير وخيبةٍ لا توصف.
***
ما إن صدرت النتائج كاملة، حتى ضجّت أروقة الأكاديمية بحديثٍ لا ينقطع عن إيفيريا والأمير نيسبيروس.
“لم يخطر لي حتى في الأحلام أن يأتي يومٌ تتراجع فيه إيفيريا ديل!”
“حقًا، كيف تمكّن من التفوق عليها؟ هل أسأله؟”
“إياك! ستجد صورتكَ في صحيفة الغد إن فعلت.”
كان الطلبة مشغولين بالضحك والثرثرة، يتبادلون التعليقات بمرحٍ لا يخلو من سخرية.
وكان ما شغل بال إيفيريا وسط تلك الضوضاء هو سؤالٌ وحيد: كيف التحق هؤلاء أصلاً بالأكاديمية؟
وإن كانوا من أبناء الأسر الرفيعة الشأن، فربما لم يكن الأمر مستحيلًا تمامًا…..
“أتذكرون تلك الفتاة في السنة الأولى؟ التي كانت تهاجمه باعترافاتِ حب؟”
“آه، صحيح! كان ذلك مضحكًا إلى حد البكاء. كنت أظنها تمزح، لكن عندما رأيتها تفعلها حقًا أصبت بالذعر!”
“هي أيضًا ليست طبيعية.”
مرّت إيفيريا بجانبهم بوجهٍ خالٍ من أي تعبير، كأنها لم تسمع شيئًا. وسرعان ما عادوا إلى أحاديثهم بمجرد أن تجاوزتهم.
كانت تظن أن انتهاء الامتحانات يعني زوال التوتر، لكنها كانت واهمة. و لطالما اعتقدت أن طلاب الأكاديمية لا يكثرون من الحديث عن الآخرين، لكنها أدركت الآن خطأها.
الحقيقة أنهم لم يكن لديهم ما يقولونه من قبل، أو لعلها لم تكن يومًا موضوعًا لحديثهم.
لقد كانت مرحلةً تنقضّ فيها كثيرٌ من القناعات التي كانت تسكن ذهن إيفيريا.
سارت بخطًى مثقلة، تتساءل عمّا ينبغي أن تفعله لاحقًا، وعن كيفية مواجهتها للأمير نيسبيروس من الآن فصاعدًا.
وفي تلك اللحظة، أمسك أحدهم بكتفها. وفي ذات اللحظة، تجهّم وجهها بانزعاج، وسرت قشعريرة في جسدها بأكمله.
“مهلاً..…”
صفعت إيفيريا يد من أمسك بها بحدّة، ثم استدارت فجأة، وحدّقت فيمن أمامها بنظرة باردة قاسية لا تقبل المزاح.
كانت شخصًا لا تعرف حتى اسمه.
نظر إليها وكأن نظرات إيفيريا لا تعجبه، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ساخرة من جهة واحدة.
“كيف يمكن أن تخسري أمام شخصٍ مثل ذلك؟ لو أنني سهرت الليالي مثلك، لفزت حتمًا.”
لم تخفِ إيفيريا ملامح الدهشة التي ارتسمت على وجهها.
لابد أن لهذا الرجل مكانةً مرموقة، بما أنه يتحدث عن الأمير نيسبيروس بهذه الطريقة.
هذا الموقف، الذي لا يُعرف فيه من يلوم من، لم يكن إلا مدعاةً للضحك.
ثم خرج الكلام من فمها قبل أن يمر بعقلها.
“إن كنتَ تعتقد ذلك فعلًا، فابدأ بالسهر أولًا.”
“…….”
“بالمناسبة، كيف كانت نتيجتكَ في هذا الامتحان؟ هل أديتَ جيدًا؟”
“أنتِ تفتقرين إلى الأدب.”
وهل كلامه هو كان يتحلى بالأدب؟
ضيّقت إيفيريا ما بين حاجبيها.
كانت في السابق تظن أن جميع النبلاء يتمتعون بالأناقة والذكاء، لكنها لم تتخيل قط أنها سترى شخصًا بهذا القدر من السطحية والبساطة، وداخل الأكاديمية تحديدًا.
في هذا المستوى، أليس من العار على أكاديمية لاكانيل أن تحتضنه؟
نظرت إيفيريا إلى وجهه بعينين تتساءلان بصدق.
“هل أنت الأمير نيسبيروس، صدفة؟”
“لا….”
“لماذا تغير وجهكَ إذًا هكذا؟ هل استخدمت سحرًا؟ استخدام السحر ممنوع داخل الأكاديمية إلا في أماكن محددة، ما لم يكن هناك سببٌ استثنائي.”
كانت نبرة كلامها هادئة، لكن مضمونها لم يكن كذلك. و قد بدا الأمر عاديًا لدرجة أن من يغضب من كلماتها سيبدو شخصًا غريبًا.
بدأت ملامح وجه الطالب تتجهم شيئًا فشيئًا.
لقد ظن أنها تسخر منه. ولم تكن مهتمةً تمامًا، لكن جزءٌ منها سأل فعلاً بدافع الفضول.
“أنتِ..…”
“عذرًا، أنا مشغولةٌ قليلًا الآن. عليّ أن أدرس بجد حتى لا أتراجع في الفصل القادم. إلى اللقاء.”
انحنت إيفيريا برفق ومضت متجاوزةً ذلك الشخص.
***
“لا تعجبني.”
قال ذلك وهو ينظر إلى الخارج بعينين يعلوهما الضجر.
مذ توقف عن رؤية إيفيريا، بات وكأن كل شيء يفقد بريقه أمامه.
عبث بشعره الفضي بعصبية، ثم هوى بجسده على السرير يتأمل يديه. للحظة، و تراءت له يد طفل صغيرة فوقها.
ما زال لم يتحرر بالكامل من تلك الأيام، وربما لن يتحرر منها يومًا. وربما كان ذلك يرضيه في الحقيقة.
‘هل تأكل العشاء هذه الأيام؟’
حتى مواعيد العشاء لم يعودا يتشاركانها مؤخرًا.
قبض على يده وأغمض عينيه بإحكام.
كان يرغب في لمسها، في الوصول إليها. لكن إيفيريا التي عرفها في طفولته لم تكن تحب اللمس الجسدي.
فقد تذكر حين لمس كتفها ذات مرة. و هو يتساءل إن كانت لا تزال على حالها، ويبدو أنها كذلك فعلًا.
الأمور المتجذّرة في الجسد لا تزول بسهولة، حتى إن اختفت من الذاكرة.
نظر إلى السقف بعينين شارحتين، ثم نهض ببطء.
***
في اليوم التالي، تصدّر الأمير نيسبيروس صفحات الصحف من جديد. وقد ظهرت صورته على الصفحة، لذا لا غرابة في قولنا أنه زينها فعلًا.
***
بعد الغداء، جلست إيفيريا على أحد المقاعد في طريق التنزه المعتاد، تتصفح الصحيفة اليومية التي توضع كل يوم أمام المكتبة برفقة سينثيا.
ساد الصمت بينهما على غير العادة. و كانت أعين إيفيريا وسينثيا موجهةً إلى نفس الجزء من الصحيفة.
خبر شجار الأمير نيسبيروس مع أحد طلاب الأكاديمية.
أمالت سينثيا رأسها قليلًا وسألت متعجبة،
“لماذا يتشاجر مع الناس بهذا الشكل؟”
“من يدري..…”
كانت ملامح سينثيا توحي بفضول حقيقي. وبما أن إيفيريا لم تكن طرفًا في الموضوع، لم تستطع أن تمنحها إجابة.
و لم يكن بوسعها سوى قراءة الصحيفة مجددًا، ثم إعادة قراءتها مرة أخرى.
لكن بخلاف الأمير نيسبيروس، بدا لها وجهٌ آخر في الصحيفة مألوفًا على نحو غريب.
ضيّقت عينيها قليلًا، ثم سرعان ما اتسعت شفتيها دهشة. إنه ذاك الشخص…..الذي كان يتحدث عنها وعن الأمير نيسبيروس.
“آه، هذان الشخصان..…”
“هم؟”
تحت نظرات سينثيا الشفافة، استجمعت إيفيريا شتات ذهنها على عجل.
سينثيا، المطلعة على معظم الأحاديث في الأكاديمية أكثر من إيفيريا، قد تكون سمعت بالشائعات السلبية التي تدور حولها، لكن الحديث عن الأمر مباشرةً لم يكن مما ترغب به.
لذا تهربت من الإجابة وغيرت الموضوع إلى شيء تعلم أنه يهم سينثيا.
“لا شيء. بالمناسبة، ألم تقولي أنكِ ستفتتحين ركناً في مهرجان هذا العام؟”
وما إن ذُكر ما يثير اهتمامها حتى أشرقت ملامح سينثيا على الفور. فنظرت إليها إيفيريا بارتياح وهي تبتسم.
حتى العام الماضي، كانت سينثيا قد افتتحت ركناً بالفعل. ورغم أنها دعت إيفيريا للحضور حينها، إلا أنها لم تذهب. والآن…..باتت تشعر ببعض الندم على ذلك.
لا، في الواقع، بالكثير منه.
بدت سينثيا وكأنها تفيض سعادةً لمجرد التفكير في المهرجان والأركان. واستمر صوتها الحيوي.
“صحيح. سأفتتح ركناً يحتوي على أشياء لكلٍّ من نادي السحر ونادي المبارزة.”
“أوه.”
أومأت إيفيريا برأسها وهي تستمع باهتمام، ثم أظهرت ردة فعل مناسبة.
كان والد سينثيا يدير شركةً تجارية صغيرة في الإمبراطورية، ويبدو أن مهاراته قد انتقلت إليها وراثيًّا.
التصقت سينثيا بذراع إيفيريا بعينين تشعان فرحًا. فارتجفت إيفيريا للحظة. فلا تزال تفزع من اللمسات المفاجئة التي تأتي بلا سابق إنذار.
“ليس سيئًا، أليس كذلك؟”
“مم، لو تم الأمر جيدًا فسيكون رائعًا فعلًا. لكن…..ذراعي، لم أستحم بعد.”
هزّت إيفيريا ذراعها قليلًا حيث كانت سينثيا متشبثةً بها.
ورغم أن سينثيا عبست شفتيها وحاجبيها، إلا أنها ابتعدت عنها بهدوء.
____________________
ههع صارت الثانيه عوافي
المهم ايمريت اثاريه يضرب كل الي يتكلمون عن ايفيريا؟😭😭😭😭
رجااااااال
بس بسرعه ابي ذكرياتهم وهم صغار🤏🏻
وبعد وهو يقول سالفة اللمس شكل ايفيريا صار لها شي وهي صغيره
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 15"