رمشت إيفيريا ببطء عندما التقت نظراتها بنظرات سينثيا القوية.
ثم تحدثت سينثيا بصوت يكاد يكون صراخًا، وقد تألّقت عيناها بالحماس،
“سأفتتح كشكًا في المهرجان، شاركيني!”
“آه……حسنًا.”
في بعض الأحيان، كانت سينثيا تعبّر عن ودّها تجاه إيفيريا بطريقة قد تبدو مثقلةً أو مبالغًا فيها. وما إن سمعت جواب إيفيريا، حتى أطلقت هتافًا صغيرًا، ثم عادت تنظر إلى كتابها.
وفي تلك اللحظة، ارتسمت على شفتي إيفيريا ابتسامةٌ خفيفة. رغم أن جوابها جاء على حين غرة، إلا أنها شعرت أن موافقتها كانت خيارًا صائبًا.
ثم ساد الصمت أرجاء الغرفة لبعض الوقت، ولم يكن يُسمع فيها سوى همسات خافتة لمن يرددون ما يحفظونه.
دفعَت إيفيريا خصلات شعرها المتساقطة إلى الخلف، ثم عقدت حاجبيها وهي تجمع شعرها بيد واحدة، تنوي ربطه. فقد كانت تحمل رباط شعر حتى الأمس، لكنها لم تجده الآن.
أرادت أن تستعيره من سينثيا، لكن فجأة خانها لسانها، ولم تتذكر اسمها.
فتنفّست إيفيريا بعمق، ثم لم تجد بُدًّا من أن تربّت على كتف سينثيا.
“……أعذريني.”
“ماذا هناك؟”
“أيمكنكِ إعطائي رباط شعر؟”
ناولتها سينثيا رباطًا دون أن تنطق بكلمة. فربطت إيفيريا شعرها إلى الخلف، ثم عادت لتغوص في كتابها من جديد.
***
بعد تناولها العشاء مع الأمير نيسبيروس، توجهت إيفيريا مباشرةً إلى غرفة المذاكرة. وكما كان متوقعًا، كان عدد الطلاب هناك أكثر من المعتاد.
وبينما كانت تراجع أسئلة الامتحان الذي أدّته اليوم، كان الغروب قد حل، وما إن رتبت أفكارها بشأن مادة اليوم التالي، حتى كانت نسمات الفجر قد بدأت بالظهور.
كانت قد جرّبت من قبل أن تسهر ليلة الامتحان، فكادت أن تغفو خلال الاختبار. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تحرص دائمًا على النوم ليلة كل امتحان.
كانت عينا إيفيريا نصف مغمضتين من شدة النعاس وهي تخرج من غرفة الدراسة الذاتية.
وبسبب اصطدامها بأحدهم، سقطت عدة كتب كانت تحملها، فسارعت بالاعتذار غريزيًا،
“آه، عذرًا.”
تلألأ أمام ناظريها بريقٌ فضي، ففُتحت عيناها فجأة. الشخص الذي لم تكن تتوقع رؤيته في هذا الوقت أو في هذا المكان كان واقفًا أمامها مباشرة.
انحنى الأمير نيسبيروس بنفسه، وجمع الكتب التي سقطت من يديها.
“تفضلي، ها هي.”
“شكرًا جزيلًا.”
فانحنت إيفيريا قليلًا برأسها تعبيرًا عن الشكر.
وما إن همّت بالخروج من مبنى غرفة الدراسة، حتى لحق بها صوته من الخلف يحمل نبرة تنبيهٍ لطيفة،
“انتبهي لطريقكِ.”
“حسنًا.”
“لم أقصد التهديد.”
“أعلم.”
ورغم النعاس الذي يُثقل جفونها، ضحكت إيفيريا بخفة.
حتى لمن لا يعرفه، لم يكن في كلام الأمير نيسبيروس يشبه التهديد على الإطلاق.
أجابت وهي تومئ برأسها بنعاس، ثم أسرعت بالمغادرة. و كانت تظن أنه لا يدرس بنفسه، لذا رؤيته في غرفة المذاكرة كانت مفاجئةً غريبة لها.
وأحست بالخجل قليلًا من تحاملها عليه.
ربما، مثلما تبذل هي جهدها، فهو أيضًا يبذل جهده بطريقته. وكان ذلك احتمالًا غريبًا، لكنه لم يكن مزعجًا.
***
أخيرًا، انتهت الامتحانات. فشعرت إيفيريا وكأن فراغًا قد فُتح في صدرها.
رغم أنها اعتادت هذا الإحساس مع كل نهاية امتحان، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة. و ربما لأنها بذلت جهدًا أكبر من أي مرة مضت، فجاءت الآثار الجانبية أكثر وطأة.
و لأن أوراق الامتحانات كانت تُجمَع من الطلاب مباشرةً بعد انتهاء الوقت، لم يكن هناك وسيلةٌ لمعرفة الأسئلة مجددًا، أو مراجعة الإجابات التي كتبوها.
كانت إيفيريا تجلس أمام طاولتها تحاول استرجاع الأسئلة وإجاباتها، حينها اقتربت منها سينثيا بوجه يكاد يبكي، وسألتها،
“ماذا كتبتِ في آخر سؤال في امتحان اللغة القديمة؟”
“لا أدري……لا أذكر شيئًا……”
فأجابت إيفيريا وهي تهوي بذراعيها على الطاولة متهاوية.
عادةً، بعد انتهاء الامتحان، عندما تفتح كتابها أو دفترها، تتذكر على الأقل شكل السؤال أو محتواه بشكل غامض، لكن في هذا الامتحان لم تتذكر شيئًا على الإطلاق.
و كل ما بقي في ذاكرتها أنها كانت في حالة من التوتر والفوضى حتى اللحظة الأخيرة، وكتبت الإجابة بشكلٍ عشوائي.
“أظن أنني دمّرت نفسي……”
دفنت وجهها في كفّيها، وجلست بجانبها سينثيا محاولةً التخفيف عنها.
“لا تقلقي، أحيانًا أكون بنفس حالتكِ، وأتفاجأ بأنني حصلت على نتيجةٍ جيدة. لن نعرف حتى تظهر النتائج.”
“آه، حقًا……”
عدم القدرة على التوقع هو ما جعل التوتر أشد وطأة.
وضعت إيفيريا يديها على رأسها، وبدأت الأفكار القلقة تملأ ذهنها.
هل ستفقد مركزها؟ هل ستتراجع حتى عن المرتبة الثانية؟
شعرت أن البقاء داخل الغرفة فقط سيجعل قلقها يلتهمها بالكامل، فاقتربت من سينثيا وحدثتها بصوت هادئ، وكأنها تلتمس الراحة،
كانت إجابتها حاسمة لا تحتمل المزاح. فأدارت إيفيريا ظهرها وقد عقدت ذراعيها متظاهرةً بالاستياء، بينما دوّى خلفها صوت ضحكة سينثيا.
وارتسمت ابتسامةٌ دافئة على شفتي إيفيريا من تلقاء نفسها.
“في المرة القادمة، لنذهب معًا.”
“نعم، بالتأكيد. عليّ أن أكتشف سحر تلك المكتبة بنفسي.”
كانت آخر ما رأته إيفيريا هو سينثيا وهي ترتمي على السرير كمن يغوص، ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها.
بدأ الجو يصبح أكثر اعتدالًا وبرودةً شيئًا فشيئًا هذه الأيام.
رفعت إيفيريا رأسها نحو السماء الصافية، تنظر إليها بنظرات جديدة وكأنها تراها لأول مرة.
ورغم أنها كانت تسير بحذر وتنظر أمامها، إلا أن معظم تركيز عينيها كان لا يزال عالقًا في السماء.
وعند مدخل المكتبة، التقت بنظرات الأمير نيسبيروس.
“مرحبًا.”
“مرحبًا.”
كان الأمير نيسبيروس، كعادته، في منتهى الأناقة والترتيب. لكن هذه المرة، بدا عليه قليلٌ من التردد، وهو أمر لم تعتده منه.
ثم تساءلت إيفيريا في نفسها لماذا لا يُفسح لها الطريق، وظلت تحدّق فيه بعينين واسعتين.
فابتسم لها الأمير نيسبيروس عندما التقت نظراتهما، ثم طوى الصحيفة التي كان يحملها بعناية وسألها،
“كيف كان الامتحان؟”
“لستُ متأكدة.”
“همم……كنت أظن أنكِ ستقولين ذلك.”
لا تزال كلمات الأمير نيسبيروس في كثير من الأحيان عصيّةً على الفهم، لكن يبدو أن إيفيريا بدأت تعتاد طريقته في الحديث.
أو ربما لأن الامتحانات انتهت، وبدأت تشعر بقليل من الارتياح.
“على أي حال، استمري في بذل الجهد.”
“حسنًا.”
“واعتني بصحتكِ.”
لوّح بيده مبتسمًا. بينما تركته إيفيريا خلفها، ودخلت إلى عمق المكتبة.
وجدت الكتاب الذي كانن تبحث عنه بسهولة، ثم جلست في مكان مناسب وفتحته.
رغم إحاطتها بالحروف المألوفة والجو المعتاد، لم تستطع التركيز. فقد تكرّرت في ذهنها تلك الجملة التي سمعَتها عند الباب مرارًا، كصدى لا ينقطع،
“واعتني بصحتكِ.”
منذ وقتٍ ما، أصبح الأمير نيسبيروس يكرر على مسامع إيفيريا، في كل مرة يلتقي بها، أن تهتم بصحتها. فتساءلت إيفيريا ما إن كانت ملامحها خلال فترة الامتحانات بدت سيئةً إلى ذلك الحد.
‘لا أظن أن الأمر كان بهذا السوء..…’
أمالت رأسها قليلًا باستغراب ثم حاولت التركيز مجددًا على الكتاب الذي بين يديها، وكان عنوانه “الدليل إلى السحر الفعّال”.
مهرجان الأكاديمية الذي يُقام بعد اختبارات منتصف الفصل كان يُقسم عادةً إلى حدثين رئيسيين.
الأول هو أن الطلاب يديرون بأنفسهم أكشاكًا مختلفة،
أما الثاني فكان عبارةً عن مسابقة، تُقام على نحو منفصل لقسمي السحر والمبارزة.
ولأن المهرجان يحضره أفرادٌ من طبقة النبلاء في القارة، بل وحتى الإمبراطور ذاته أو سيد برج السحر أحيانًا، فقد كان يُعرف بكونه ساحةً للفرص.
طلاب أكاديمية لاكانيل من أصحاب الألقاب النبيلة الصغيرة أو من عامة الناس كانوا يُفنون قرابة العام بأكمله في التحضير لهذا الحدث، ولا مبالغة في ذلك.
أما إيفيريا، فلم تشارك في المسابقة حين كانت في سنتها الأولى.
و بينما كان الطلاب الآخرون يتنافسون في الميدان ويستمتعون بأجواء المهرجان، كانت هي تلازم غرفتها في السكن وتدرس. فقد كانت ترى في نفسها عدم امتلاك موهبةً حقيقية في السحر.
وكانت تخشى أن تُظهر نتائج متواضعة مقارنةً بالطلاب الأوائل الذين اعتادوا تحقيق مراتب عليا في المسابقة،
كما كانت تخاف من الأحاديث السيئة التي قد تتبع تلك الخيبة.
‘سأشارك هذه المرة.’
كانت قد قررت أن تجعل جهدها منصبًّا على حياتها في الأكاديمية ككل، لذا كان عليها أن تواجه ذلك التحدي حتى لا تشعر بالخجل من ذاتها السابقة.
قبضت إيفيريا على كفها بإصرار.
نقطة قوتها كانت تكمن في سرعة الحساب والدقة في الكفاءة.
و كانت تعلم جيدًا أن كمية السحر التي تمتلكها لا تُقارن بما لدى طلاب المراتب العليا، ولهذا لم يكن أمامها سوى التمرن بإصرار مضاعف.
شعرت أكثر من مرة بفارق الموهبة الشاسع، وذاقت مرارة الحرمان النسبي واليأس، لكن بالرغم من ذلك استطاعت الحفاظ على مرتبتها المتقدمة داخل قسم السحر.
بدقة أكثر، كانت إيفيريا تعوّض ما تخسره في الجانب العملي من الاختبارات عبر التفوق في الجانب النظري.
وتلك كانت أقصى حدودها الممكنة.
ففي الظروف العادية، كان الفارق في النقاط بين العملي والنظري لا يمكن تجاوزه، لكنها بفضل جهدها رفعت مستواها العملي إلى الحد الأدنى الذي يمكن معه تدارك الأمر بالنظري.
وبينما كانت تستعرض ماضيها، أدركت إيفيريا أنها لم تتدرّب على السحر مؤخرًا. فلكي تحافظ على المستوى الذي بلغته بشق الأنفس، كان لا بد من التمرين مجددًا.
مسحت وجهها بكفيها الجافتين وهي تفكر بأن انتهاء الامتحانات لا يعني الراحة، بل ظهور مهام جديدة في مجالات مختلفة.
لم يكن هناك يومٌ واحد يمكن أن تسمّيه يوم راحة. و لعلها لم تكن تريد يومًا كهذا في الأصل.
و من لا يتميّز في مجال معين، عليه أن يتميز على الأقل في اجتهاده.
حينها، شعرت إيفيريا بإرهاق لا تعرف سببه.
***
في أكاديمية لاكانيل، تُعلن العلامات أولًا، ثم يُكشف لاحقًا عن الترتيب العام.
وكان هذا الترتيب أشبه بعصر أعصاب الطلاب حتى آخر قطرة. فالبعض كان يتمنى في نفسه بأمل صغير ثم يصاب بخيبة، وآخرون يغطّون في يأس قاتم ثم يضيء وجههم فجأة بعد رؤية النتائج.
بدءًا من اليوم، بدأت الدرجات تُنشر مادةً تلو الأخرى. وما إن دخلت إيفيريا الغرفة، حتى كانت سينثيا واقفةً عند الباب تنتظرها بعينين متلألئتين.
“كيف كانت؟”
“همم…..على ما يبدو، أفضل مما كنت أظن، كما قلتِ.”
حاولت إيفيريا الحفاظ على هدوئها. ففي الحقيقة، لم يكن الأمر مجرد “أفضل مما توقعت”، بل أنها كانت تظن أنها فشلت تمامًا وقد استعدّت نفسيًا لتقبل الخسارة.
لكن المفاجأة أنها لم تفقد إلا القليل من النقاط، فكانت النتائج صدمةً سارة بالنسبة لها.
أما سينقيا، ففرحت وكأن النجاح كان نجاحها هي.
“أرأيتِ؟ قلتُ لكِ ذلك!”
“صحيح.”
لم تستطع إخفاء فرحتها، فما كان من سينثيا إلا أن احتضنتها بقوة. ففوجئت إيفيريا بتلك الملامسة غير المتوقعة، و ارتجف جسدها لا إراديًا.
ظلت سينثيا تعانقها للحظة، ثم أمسكت بكلتا كتفيها ونظرت في عينيها بنظرةٍ حاسمة ومليئة بالعزم.
ورغم أن ذراعي إيفيريا كانتا ترتجفان، إلا أنها لم تُظهر شيئًا على وجهها.
“هل من الممكن أن تكوني الأولى على الدفعة؟”
“لا أعلم بعد…..لكن من بين كل الدرجات التي حصلتُ عليها حتى الآن، هذه أعلى نتيجة لي.”
ارتفعت زوايا فم إيفيريا شيئًا فشيئًا من غير أن تشعر.
ورود احتمالٍ أن تحافظ على مركزها الأول كان أشبه بشرارة أمل دافئة في صدرها.
“هذا يعني تقريبًا أنكِ لم تنقصي ولا درجة؟”
“لا، ليس إلى ذلك الحد.”
ضحكت إيفيريا دون صوت على مبالغة سينثيا.
ورغم مظهرها الخارجي المتماسك، فإن داخلها كان يغلي بالمشاعر.
__________________
ياعمري فرحتها حلوه يارب الاولى😭
واخيرااا خلصت الاختبارات كانت كتمه
سينثيا تدننننننننننن🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"