أجابت إيفيريا بوضوح تام، وكان الجواب في بساطته مدعاةً للدهشة مقارنةً بما عانته من حيرة وتوتر.
أن تواصل بذل جهدها كما فعلت حتى الآن، لكن لا تحصره في الدراسة فقط، بل تجعله يشمل حياة الأكاديمية بكل تفاصيلها. كان جوابًا يروق لها لأنه لم يختلف كثيرًا عمّا كانت تفعله، بل منحها شعورًا بالراحة لأنها أدركت أن لديها مجالًا لتفعل أكثر.
كطالبة في الأكاديمية، وضمن مكانتها وظروفها، كانت هناك أشياء كثيرة تستطيع فعلها.
سنواتها التي عاشتها بكفاح وشغفٍ صنعت فرصًا كثيرة، لكنها كانت تغض الطرف عنها فقط لأنها لم تكن ترغب أن تصبح على كل لسان.
مع أن قلةً قليلة فقط هنّ من يتحدثن عن إيفيريا، سواءً اجتهدت أو لم تفعل، وسواءً نجحت أم لا، فإنهن كنّ سيتحدثن على أية حال.
كان هذا إعلانًا خفيًا عن بداية التغيير.
***
في ظهيرة اليوم الذي استعادت فيه وعيها، عادت إيفيريا مباشرةً إلى السكن. وقد كان غياب سينثيا عن الأكاديمية هو ما جعل الأمر ممكنًا.
ربما كانت آثار الإغماء، لكنها شعرت بكفاءةٍ غير معتادة، حتى أنها فكرت ألا بأس بالسقوط من حين لآخر لو كان الأمر دائمًا هكذا.
ثم حبست نفسها في المكتبة، و كأنها تفرغ حنقها على الوقت الذي ضاع.
وكان المقعد الأقصى في الزاوية، حيث تتسلل أشعة الشمس بلطف، أشبه بمكانها المخصص.
ومع عبير الكتب المألوف، سكن قلبها وهدأ.
بعد انتهاء الامتحانات، سيأتي المهرجان مباشرة. سابقًا، كانت تظن أن لا جدوى من الخروج، فلم تكن تشارك، أما هذه المرة، فقد نوت أن تذهب.
كانت تدحرج قلمها بين أصابعها، ثم أعادت ارتداء نظارتها التي كانت قد وضعتها جانبًا.
وكانت على وجهها ابتسامةٌ خفيفة فيها قدر من التحرر.
“هممم……”
نظر إليها الأمير نيسبيروس وهي تذاكر بنشاط، وأسند ذقنه إلى كفه بإحدى يديه، وشفته السفلى بارزةٌ قليلًا.
لو أنها أدارت رأسها قليلاً نحو الجانب، لكانت رأت شعره الفضي، لكن تركيزها كان مرعبًا.
الطلاب القلائل الذين كانوا يجلسون قرب إيفيريا، انسحبوا واحدًا تلو الآخر، غير قادرين على تجاهل وجود الأمير. و رغم وجود مسافةٍ بينهما، إلا أنه لم يكن هناك شيءٌ يقطعها، فبدا المكان خاليًا.
نظر إلى الساعة مرة، ثم اتجه بخطاه نحو إيفيريا. و حتى وهو يقف خلفها مباشرة، لم تنتبه إليه.
شعرها الأسود كان مربوطاً بعناية إلى الخلف، وغالبًا ما كانت تحافظ على جلستها المستقيمة، لكن أحيانًا، حين يتعثر الحل أو يتشتت تركيزها، كانت تنهار قليلًا على الطاولة وتتنهد بخفوت.
كان ذلك من عاداتها المتكررة حينما تواجه صعوبةً في الفهم أو تفقد تركيزها.
عندما لمس كتفها بخفة، فارتج جسدها فجأة. و ابتسم هو ابتسامةً خفيفة، ثم أخفى تعبيره خلف وجه هادئ.
أدارت إيفيريا رأسها لتنظر إلى الرجل الواقف خلفها، واتسعت عيناها قليلاً وارتجفت من المفاجأة.
ثم حرّك الأمير نيسبيروس شفتيه كأنه ينوي الحديث، لكنه جلس بدلًا من ذلك إلى جانبها. و أمسك بالقلم الذي كانت تستخدمه قبل قليل، وكتب بخط أنيق في زاوية من دفتر تدريباتها.
[لنذهب لتناول الغداء.]
فنظرت إيفيريا بسرعة إلى الساعة. و كانت الساعة الثانية عشرة ظهرًا، و كان وقت الغداء مناسبًا بالفعل، لكنها تساءلت إن كانت مضطرةً لتناول الطعام معه بالذات.
والأهم أنها لم تكن جائعةً أصلًا، وكانت تنوي تخطي الوجبة.
فترددت قليلًا، ثم أخذت قلمها الاحتياطي وكتبت تحته.
[تفضل بالذهاب وحدكَ.]
[إن لم تأكلي، فلن آكل أنا أيضًا.]
ما الذي يحاول أن يفعل الآن؟
نظرت إليه إيفيريا بعينين فيهما قليلٌ من الذهول، فابتسم وهو يميل برأسه.
[سأشتري لكِ شيئًا لذيذًا.]
[أنا أملك المال أيضًا، لا حاجة لذلك.]
مجرد حديثه عن شيء لذيذ يعني أنه يريد الخروج إلى خارج الأكاديمية.
صحيحٌ أن اليوم أحد، وهو يومٌ مسموح فيه بالخروج، لكن تناول الطعام في الخارج يستهلك وقتًا طويلًا.
نظر إليها الأمير نيسبيروس من طرف عينه، ثم نهض من مقعده بهدوء. و أشار مرة إلى الباب، ثم أومأ لها أن تتبعه.
حين يتصرف بهذه الطريقة، من الصعب عليها الرفض. فهي ما زالت ضعيفةً أمام هذا النوع من الإلحاح.
تنهدت إيفيريا في سرها، ورغم أن وجهها بدا وكأن لديه الكثير ليقوله، إلا أنها مشت خلفه بخطى ثابتة.
و لم تنظر إيفيريا إلى وجه الأمير نيسبيروس إلا بعدما أُغلِق باب المكتبة تمامًا.
“هل من الضروري أن نأكل في الخارج؟”
“هم؟”
اتسعت عيناه للحظة، ثم ردّ بنبرة وكأنه يمنّ عليها بلطفه،
“إذًا، هل نأكل في مطعم الأكاديمية؟”
“نعم.”
تابعا السير بصمت، فالحديث كان قد انقطع منذ زمن.
منذ أن حصلت تلك الحادثة بين الأمير نيسبيروس وإيفيريا، ثم تدخل ولي العهد لاحتواء الموقف، لم تعد تُطلق الشائعات بينهما بسهولة، حتى لو شوهد الاثنان معًا.
و كل ما يُقال الآن لا يتجاوز كونه تعليقات مثل أن الأمير نيسبيروس لا يطيق تلك الطالبة العامة التي تصدّرت الأكاديمية، أو أن إيفيريا قد أساءت إليه بطريقةٍ ما.
وبصراحة، تلك الإشاعات كانت أسهل على النفس من غيرها.
ورغم غياب الحديث، لم يكن الصمت بينهما غريبًا أو ثقيلًا.
كانت إيفيريا تمشي إلى جانبه برأس مطأطئ، تنظر إلى دفتر ملاحظاتها.
“إيفيريا.”
و لم تكن تملك الجرأة لتتظاهر بأنها لم تسمعه. فاستدارت برأسها ونظرت إليه. و كان وجهه جادًا، لكنه لم يفقد ابتسامته.
“إن بدا لكِ تدخلي في غير محله، فهلا تسامحينني؟”
“عذرًا؟”
“كنت فقط قلقًا أكثر من اللازم، فلا تعيري كلامي اهتمامًا.”
اضطرب شيءٌ في صدرها.
أي نوع من البشر هو هذا؟
“ومع ذلك، أرجوكِ اعتني بصحتكِ.”
لم تعرف أي تعبير يجب أن تتخذه، فحولت نظرها عنه.
لم تعد تفهم ما الذي يدور في ذهن هذا الشخص الغامض. فبالأمس فقط، تحدث معها بحدة. و قال بوضوح أنها لن تستطيع مجاراته. قالها وكأنها حقيقةٌ لا جدال فيها.
والآن، في اليوم التالي مباشرة، لماذا؟ لماذا يتحدث بهذه الطريقة؟
لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا، لا شك فيه. كلمات الأمير نيسبيروس، كل واحدة منها، كانت تؤثر في إيفيريا بعمق.
في اللحظة التي أدركت فيها ذلك، شعرت إيفيريا وكأن أنفاسها انقطعت فجأة.
و عيونه، التي كانت تراقب ملامح وجهها، انثنت أطرافها قليلًا كما لو أنه ابتسم بخفة.
“ألن تجيبيني؟”
“…..أنا بخير، فلا تقلق من أجلي.”
فأخذت تنقل نظراتها في كل اتجاه، ثم انحنت فوق دفترها لتخفي وجهها تمامًا.
***
اقترب الأمير نيسبيروس من إيفيريا وهو يحمل شيئًا في يده.
“مرحبًا، إيفيريا. هل تشعرين بتحسن؟”
“نعم، شكرًا لسؤالكَ.”
عادت إيفيريا لتدفن وجهها بين صفحات الكتاب من جديد. فقد كانت الامتحانات ستبدأ مباشرةً من يوم الأربعاء المقبل.
مدّ الأمير نيسبيروس مغلفًا صغيرًا أمام الكتاب الذي كانت تقرأه، وانتشر منه عبيرٌ حلو المذاق.
“قلتِ لي ألا أقلق، لكنني لم أستطع تجاهل الأمر.”
“آه…..”
“هل ترغبين في تناوله؟”
كانت حلوى من مخبز شهير، وهي في الواقع تحبها، لكنها لم تكن تشتهيها الآن.
نظرت إيفيريا إلى الكيس ببرود، ثم رفعت عينيها إلى وجه الأمير نيسبيروس.
“لا، لا داعي.”
“حسنًا، إذًا سآكلها أنا.”
أعاد المغلف إليه دون أي تردد، بانسحاب سلسٍ يكاد يبدو باردًا. فرفعت إيفيريا نظرها تتابع يده للحظة، ثم مررت شعرها خلف أذنها وعادت تركّز على الكتاب.
سحب هو الكرسي المقابل لها وجلس أمامها، ثم أسند ذقنه إلى كفيه.
لم يمضِ وقتٌ طويل منذ أفاقت من سقوطها، وها هي قد وصلت إلى هذه الحالة مجددًا. و من الواضح أنها بالكاد تعي ما تسمعه أو حتى ما تقوله بنفسها.
أما الأمير نيسبيروس، فظل يبتسم بهدوء، كجذع شجرة لا ينكسر.
“امتحاناتكِ تبدأ من الأسبوع القادم، أليس كذلك؟”
وسط كل الأصوات المشوشة التي كانت تسمعها، لم يكن واضحًا سوى هذا السؤال.
فتساءلت للحظة إن كان لا يعرف حتى متى تبدأ الامتحانات، رغم أنه من غير المعقول أن يجهل أمرًا كهذا.
“نعم.”
في تلك اللحظة، أدرك الأمير نيسبيروس أنه لا ينبغي له أن يزعجها أكثر من ذلك. فظل يراقبها لبعض الوقت بينما يسند وجهه بكفيه، ثم دفع الكرسي بلطف ونهض من مكانه.
“إذاً، اجتهدي في المذاكرة. واعتني بصحتكِ.”
“حسنًا.”
ثم استدار وابتعد، ولم يبقَ أي أثرٍ للابتسامة على وجهه.
***
وكالعادة، أثبتت امتحانات الأكاديمية أنها تليق باسمها الثقيل.
فالأسئلة كانت تُستخرج من زوايا الكتب وأدق تفاصيلها، وتُطرح أحيانًا بطريقةٍ غير مباشرة، مرتبطة بجملٍ ذُكرت عابرًا في المحاضرات، لا وجود لها في الكتب.
“يا لهم من قساة..…”
تمتمت إيفيريا وهي تسند رأسها إلى الحائط وكأنها تتحسر. فالبداية لم تكن مبشرة أبدًا.
صحيحٌ أن منهج الفصل الدراسي الثاني في السنة الثانية صعبٌ بطبيعته، لكن بدا أن وجود الأمير نيسبيروس جعل الأساتذة أكثر حذرًا في وضع الأسئلة.
كان واضحًا أنهم لا يرغبون في وجود أي طالب يحصل على العلامة الكاملة.
“هل يُعقل أن يحصل أحدٌ على الدرجة النهائية في مادة في اكاديمية ‘لاكانيل’؟”
“إذا فكرت بهدوء وحللت الأسئلة بعناية، يمكنكِ الإجابة على كل شيء…..قد لا تصلين للعلامة الكاملة، لكن ستحققين نتيجةً جيدة.”
بينما كانت إيفيريا تسترجع في ذهنها كلمات الأساتذة، عضّت على شفتيها بقوة.
و إلى جانبها، كانت سينثيا ترسم خربشات لا معنى لها على صفحات الكتاب، وعيناها خاليتان من الحياة.
ثم تمتمت سينثيا بصوتٍ خافت،
“لو كنت أعلم أن الأمر سيكون هكذا، لما درست من الأساس..…”
“هاها…..ها.…”
خرجت من فم إيفيريا ضحكةٌ باهتة أقرب إلى تنهيدة. فالتفتت سينثيا برأسها نحوها،
“هل أجبتِ على كل الأسئلة؟”
“كتبت كل شيء…..المشكلة أن ما كتبته على الأرجح ليس هو الجواب الصحيح..…”
سحبت ركبتيها وضمت وجهها بينهما، ولم يكن لديها الآن سوى رجاءٌ واحد، أن يكون الأستاذ رؤوفًا بما يكفي ليمنحها درجات مرضية على إجاباتها.
لحسن الحظ، امتحانات إيفيريا ستنتهي الأسبوع المقبل، لكن من يدري إن كانت ستستطيع حقًا الاستمتاع بنهاية هذه الفترة.
نهضت من على السرير وجلست إلى مكتبها، وفتحت كتابها لتتابع الدراسة. أما سينثيا، فمدّت ظهرها بتنهيدة متذمرة،
“آه، وبعد ما ننتهي من هذا كله، نبدأ التحضير للمهرجان!”
“حقًا.”
إذا لم تخنها الذاكرة، فإن إيفيريا لم تشارك في المهرجان العام الماضي. بل إنها، حين سألَتها سينثيا وقتها عن سبب غيابها، أجابتها بأنها لا تملك وقتًا يكفي حتى للدراسة، فكيف بالاحتفال؟
لهذا السبب، أمالت سينثيا رأسها بفضول وهي تحدّق في وجه إيفيريا.
“ألم تشاركي في مهرجان العام الماضي؟”
“نعم. لكن هذه المرة، أفكر أن أشارك.”
وعند سماع هذا الجواب، أضاء وجه سينثيا على الفور.
و نظراتها المتلألئة كانت واضحةً حتى لو لم ترَها إيفيريا، مما جعلها تستدير وتنظر مباشرةً نحوها.
____________________
حنون ايرميت ذاه شكل حتى هو مب فاهم نفسه وعنه جاي يعتذر ياناسو🤏🏻
المهم ايفيريا ودي تروح للمهرجان مع سينثيا وبنفس الوقت ابيها تروح مع ايرميت غش😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"