شعرت إيفيريا بقليلٍ من القلق الغامض وهي تفتح عينيها.
و ظهر أمام ناظريها سقفٌ مألوف لكنه غريب في آنٍ واحد. فقفزت من الفراش بفزع، ومدّت قدميها إلى الأرض.
لكن ساقيها لم تستجيبا كما ينبغي، فلم يكن هناك ما يكفي من القوة لتدعمهما. فانهارت جالسةً على الأرض، وظلّت تحدق بشرود في الستارة البيضاء أمامها.
كانت قد خرجت في نزهة مع سينثيا. ثم شعرت بالتعب وهي تقرأ ملاحظاتها، فنهضت من مكانها…..
“آه.”
“إيفيريا!”
أفكارها لم تكتمل. فقد أطلت سينثيا وهي تُزيح الستارة جانبًا. و تلاقت نظراتهما، عينان بلونين مختلفين.
ثم ارتمت سينثيا في حضنها. فدغدغ شعرها البني وجه إيفيريا.
ارتبكت إيفيريا من الملامسة المفاجئة، وانكمش كتفاها وتراجعت إلى الخلف. بينما بقيتا يداهل معلقتين في الهواء، على مسافة غريبة من ظهر سينثيا.
“أنتِ حقًا..…”
“…..أنا بخير.”
ربّتت إيفيريا بخفة على ظهر سينثيا المرتجف مثلها تمامًا. و كانت أصابعها ترتعش بخفة.
بدت مضحكةً في عينيها، وهي جالسةٌ بكل هذا التصلب والانكماش، لكن شعورها بالذنب تجاه سينثيا غلب ذلك كله.
“آسفة…..لا بد أنكِ قلقتِ كثيرًا.”
“كان عليكِ أن ترتاحي! الجرعات السحرية علاجاً.”
“نعم، نعم…..آسفة، لا تقلقي.”
اضطرت إيفيريا للاستماع مطولًا إلى عبارات التوبيخ المليئة بالقلق من سينثيا.
وحين انتهت سينثيا بعد عشر دقائق أو نحوها، قالت أن عليها العودة إلى المنزل الآن بما أن إيفيريا قد استفاقت، ثم خرجت من غرفة التمريض.
لكنها لم تفعل ذلك قبل أن تضعها أولًا في السرير، وتلفها بالبطانية بإحكام، وتطلق تهديدًا واضحًا،
“لا تفكّري أبدًا في النهوض اليوم من السرير، خذي قسطًا من الراحة.”
لحسن الحظ، أو ربما لسوئه، كان اليوم عطلة نهاية الأسبوع دون دروس. أما درس الأمس بعد الظهر فكان قد تم استبداله بواجب منزلي مسبقًا. وهذا يعني أن الغياب لن يُؤثر على درجاتها.
بدأت إيفيريا تفتش في طيات ثوبها. لكنها لم تجد الدفتر الصغير الذي يفترض أن يكون معها.
“يبدو أن سينثيا أخذته معها..…”
كان الجواب واضحًا. لابد أن قولها قبل قليل “لن تستطيعي الدراسة حتى إن رغبتِ” كانت تقصد به هذا تمامًا.
بينما كانت إيفيريا تفكّ الغطاء الملفوف حول جسدها بإحكام، وجدت نفسها تسترجع مضطرةً ما حفظته من مواد الحفظ.
أغلبها كانت تتعلق بالتاريخ، أو أسئلةٌ تفصيلية تافهة تظهر في الامتحانات.
لو كانت سينثيا قد رأتها الآن، لقالت بسخرية أن عليها انتزاع دماغها من رأسها كي تتوقف عن الدراسة.
كانت قد أغمضت عينيها بهدوء لتحسين تركيزها، لكن شعورًا غريبًا اجتاحها…..وكأن هناك من يحدّق بها من مكان ما.
ففتحت إيفيريا عينيها ببطء، لتجد أمامها عينين بنفسجية حادة تخترقها، فتراجعت جزئيًا وهي ترفع نفسها عن الفراش.
لم يُسمع صوت ستارةٍ تُفتح، ولا حتى وقع خطوات أحدهم.
ثم عضّت على شفتيها قليلًا و انحنت في تحيةٍ مهذبة.
“مرحبًا، الأمير نيسبيروس.”
لكن لم تأتها أي إجابة. فنظرت إليه بطرف عينها، و وجدت وجهه خاليًا من أي تعبير.
العيون التي كانت دومًا تنحني بابتسامة، والشفتان المعتادتان على الانحناء بسخرية، أصبحا جامدين ببرود.
كان هذا الوجه هو الأشد برودةً بين كل الوجوه التي رأتها له من قبل.
وجهٌ غاضب بلا شك، غاضبٌ من شيء ما لا تعرفه.
لكن ما الذي أغضبه؟
لم تستطع حتى أن تصرف نظرها، وظلّت تحدق به بشرود، وارتجفت عيناها الزرقاوان الكبيرتان بقلق ظاهر.
حدّق هو بدوره في ملامحها، وعيناه الحادتان تمسحان وجهها بحثًا عن شيء ما.
ثم صدح صوته ببرود يخترق الأذن.
“أنتِ…..حمقاء وقصيرة النظر.”
“أعتذر..…”
لم تتمكن حتى من إتمام عبارتها. فما إن نطقت بكلمة الاعتذار، حتى زادت حدته بشكلٍ واضح.
لم تفهم ما به. هل لأنّها لم تعمل بنصيحته حين قال لها أن تأخذ قسطًا من الراحة؟
هل بدا له أنها مجرد فتاةٍ تافهة من عامة الشعب تحاول التحدي دون إدراكٍ لمكانتها؟
“الأمر ليس كذلك. توقفي عن التفكير.”
قطع نيسبيروس سيل أفكارها بكلماتٍ صارمة. و ألغى بذلك كل ما كانت تظنه تفسيرًا.
فتشتت نظرات إيفيريا، ولم تعرف إلى أين تنظر. و تمنت لو أنه يبتعد قليلًا.
لكن حتى حين أظهرت انزعاجها، لم يتحرك من جوار سريرها. بل سحب الكرسي وجلس إلى جوارها بكل بساطة.
فتملّكها شعورٌ مريب، و ابتعدت عنه قليلًا وابتلعت ريقها الجاف بتوتر.
“لماذا لا تعرفين قيمتكِ؟”
فُتحت شفتاها قليلًا بدهشة. كانت كلماتٍ لم تكن تتوقعها أبدًا، تدخلٌ غريب بلا مبرر، وعتابٌ لم تفهم له سببًا.
“ألا تدركين أن جسدكِ لن يتحمل هذا الأسلوب في الحياة؟ إن كنتِ لا تعين ذلك، فأنتِ حقًا، وبصدق..…”
لم يكن هذا ما تمنّت سماعه أبدًا.
قلقٌ مفاجئ، وكلماتٌ تقيّم حياتها بطريقة أحادية، وكأنّه يعرفها حق المعرفة. إنها مجرد كلمات من شخص لا يربطه بها أي رابط، فكيف له أن يظن أن قلقه هذا سيصل إلى قلبها؟
خفضت إيفيريا رأسها لتخفي نظراتها.
لماذا؟ لماذا يقول لها هذا؟
ما علاقته بي أصلًا؟ لماذا يتدخّل؟
“أنتِ أصلاً ضعيفة البنية…..وأنا أموت قلقًا حين أراكِ تتجولين بذلك الوجه الشاحب.”
هل هو تقلبٌ في المزاج؟ أم أنه مجرد شفقة تافهة من نبيلٍ يدّعي الاهتمام؟
توقّف قليلًا عن الكلام، وكأنه ينتظر رد فعلها. لكنها لم تظهر شيئًا. فمشاعرها تخصّها وحدها، ولا شأن له بها.
عقد الأمير نيسبيروس ساقيه بتكلف، وراح قماش ثيابه الفاخرة يتلألأ تحت الإضاءة.
عيونه الجادة والخالية من أي أثر للابتسام، مسحتها بنظرة طويلة أخرى.
“في النهاية، لن تتمكني من التغلب عليّ.”
عيناها، المشبعتان بحرارة مشاعر مكبوتة، التقتا بعينيه المتجمدتين. وحين قرأ نظرتها، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفة، ساخرة، و واثقة.
لم يشيح ببصره عنها، بل ثبت نظره فيها بثقة تامة، وكأنه قد رسم نهايتها سلفًا.
فارتجفت نظراتها، ثم هبطت نحو الأرض. و شدّت بيديها على الغطاء، فامتلأت قبضتها بتجاعيده.
عليها أن تتحمّل. فحين تتخرج من الأكاديمية، لن تضطر لرؤيته مجددًا في حياتها.
أما خلق مشكلة لن تقدر على عواقبها، فقط لإفراغ غضبها الآن، فهو تصرفٌ لا يليق إلا بأشخاص لا يفكرون في الغد.
رغم أنها لم تكن سهلة الطبع أصلًا، لكنها كانت تعرف كيف تصون حياتها.
أغمضت إيفيريا عينيها للحظة، ثم فتحتهما ببطء. ففاضت مشاعرها عن حافتيهما رغمًا عنها.
وهكذا؟ تنتهي الأمور بهذه البساطة؟
أن أبتلع كل هذا، و أكتفي بسماع اعتذارٍ تافه لا يستحق حتى السخرية؟
كانت تكره ذلك حتى سرت القشعريرة في جسدها.
بعض الاعتذارات لا يكفي فيها مجرد القول، بل يجب أن تُقدَّم بقدرٍ من الصدق. وإيفيريا، في تلك اللحظة، لم تكن تملك أدنى ذرة من الصدق لتعتذر له بها.
فتنفست بعمق، ثم رفعت عينيها لتنظر إليه مباشرة.
“المنحة الكاملة تُمنح فقط حتى المرتبة الثانية، أيها الأمير.”
كان ذلك جوابًا مشبعًا بالكبرياء، ينفي أنها تفعل كل هذا فقط من أجل التفوق عليه. كما أنه كان أقصى ما تقدر على قوله من جرأة، والتفافًا على الحقيقة.
في الواقع، نعم، كانت تسعى لهزيمته. لكنها لم تكن مستعدةً للاعتراف بذلك بصراحة.
شدّت عضلات عنقها لتثبيت صوتها، حتى لا يرتعش أمامه.
“أنا من أولئك الذين إن لم يبذلوا أقصى جهدهم، فلن يحافظوا حتى على المرتبة الثانية. أنت تعرف ذلك جيدًا.”
كان في جعبتها الكثير لتقوله، لكن هذا كان الحد الذي رسمته لنفسها.
وبالكاد استطاعت إتمام كلامها، ثم حاولت أن تبتسم، و تجذب شفتيها بابتسامة متكلفة.
لكن على عكسها، كان هو يبتسم بهدوء، و بارتياح.
نظر إلى يديها المرتجفتين، التي بدأ الارتعاش يسري فيهما من شدة قبضتها على الغطاء.
“هل أنتِ غاضبة؟”
“…..بصراحة، أنا لا أفهم نواياك أيها الأمير.”
“هكذا إذًا.”
خفضت إيفيريا عينيها للحظة، ثم رفعت نظرها ثانيةً إلى وجهه.
نظراتها التي أصبحت أكثر ثباتًا مما كانت عليه قبل قليل، تلاقت بنظراته بحدة بلون أزرق بارد.
“أنا لست عبقرية، أيها الأمير.”
“أعرف.”
“لهذا…..أرجو ألا تتحدث عن جهدي مرة أخرى.”
“لدي سؤالٌ واحد فقط.”
عاد الأمير نيسبيروس إلى ملامحه المعتادة، وجهٌ مرح يفيض بالخفة، و زاوية فمه المرتفعة، والعينان المنحنيتان بمكر.
رفع يده بخفة وكأنه تلميذٌ يطلب الإذن بالسؤال وسط الدرس، وتحدث بنبرةٍ ساخرة.
“هل هناك ضمانٌ بأن جهدكِ سيؤتي ثماره؟”
“أفضل من ألا أفعل شيئًا. فلا شيء لدي لأخسره.”
“حتى لو لم تحصلي على شيءٍ في النهاية؟”
لماذا تخوض مثل هذا الحديث مع الأمير نيسبيروس؟
راود إيفيريا شعورٌ باللاجدوى.
ثم لاحظ التعب الشديد في عينيها، فنهض من مكانه دون أن يصدر أي صوت.
“فكّري جيدًا…..وارتاحي.”
“….…”
وقبل أن يسدل الستارة تمامًا، التفت نحوها وابتسم ابتسامةً مشرقة.
ضايقتها تلك الابتسامة، واستفزها أكثر أن يده وهي تغلق الستارة كانت دقيقةً بشكل يثير الضيق.
فتنهدت تنهيدةً ثقيلة ملأت الغرفة صدى. ثم غطّت وجهها بالغطاء حتى أطرافه.
***
كانت أحاديثها مع الأمير نيسبيروس تحمل طابعًا غريبًا.
فكلما وقع لها أمر، كان يختار كلمات بعناية تلامس أوتار مزاجها. لكن لو تأملت تلك الكلمات، لوجدتها في معظمها نصائح تصب في مصلحتها.
بل وكانت تشعر أحيانًا أنه يعرفها أكثر مما تعرف نفسها.
“هاه..…”
أسندت إيفيريا رأسها إلى الحائط وهي جالسةٌ على السرير.
فقدانها للثقة أمام تفاهات النبلاء في الآونة الأخيرة…..لم يكن ذلك من طبعها. و على الأقل، لم يكن هذا ما كانت تتمنى أن تكون عليه.
حتى هوسها الحالي بالمنافسة والانتصار، لم يشبه الشخص الذي كانت تعرفه عن نفسها. فكل ما كانت تؤمن به هو أن تبذل أفضل ما لديها دومًا. و ألا تتعلق بالنتائج.
كان ذلك مبدؤها، وواقعها في آنٍ واحد.
لكن ما واجهته من نفسها الآن لم يكن على وفاق مع هذا الإيمان. و ما كان واقعًا، أصبح ماضيًا.
مرّرت إيفيريا يدها ببطء على جبينها.
عندها، بدأ الصداع يتسلل إلى رأسها. و ما لبث أن اشتد الألم حتى بدأت تسمع صوتًا غريبًا.
صوتٌ بدا مألوف الحرارة على نحوٍ ما، مما جعلها تعقد حاجبيها في انزعاج.
هذا الضعف الجسدي والنفسي جعلها تمرّ بتجارب غير طبيعية.
“تغيّر الإنسان…..هو الدليل على أنه لا يزال حيًّا.”
“كل شيء حيّ يتغير، سلبًا كان أو إيجابًا. لذا، لا تحاولي حبس نفسكِ داخل قوالب ثابتة.”
شعّت أمام عينيها هالةْ خافتة بلون أرجواني…..أو هكذا خُيِّل إليها.
_____________________
عيونه؟
الظاهر بنفهم ايمريت اخر فصل على ذا الحال😭
يعني هو يحبها واضح بس ليه جالس يحطمها؟ احس في الاخير بيقول يعني كل ذاه ماله فايده اذا بتصيرين زوجتي😘
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"