ارتسمت ابتسامةٌ هادئة على وجه إيرميت الذي أغمض عينيه برفق.
حدّقت إيفيريا في الظلال التي صنعتها رموشه الكثيفة ثم أخذت تتلفّت حولها.
وحين تذكّرت أن هذا المكان في الأصل ممرٌّ يعبره الناس، فوضعت أصابعها على شفتيها وقبّلتها ثم ضغطت بها على خدّ إيرميت قبل أن ترفعها.
شعر إيرميت بحرارة جسدها الدافئة ففتح عينيه ببطء، وتلألأت حدقتاه كالزجاج حين يلامسها الضوء.
فنظرت إلى عينيه وكأنها مسحورةٌ بهما ثم تحدّثت بصوتٍ خافت،
“اليوم سأوصلكَ أنا.”
فابتسم هو بوجهٍ مشرق كأن كل شيء يرضيه، وللحظة بدا وكأن مجرد وجوده مخالفةً لقواعد العالم.
عضّت إيفيريا على شفتيها وضغطت بإصبعها السبابة على خده بخفة، فكان هو يرمش متابعًا حركتها، بينما ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ لم تستطع كبحها.
ثم أمسكت بيده التي أفلتتها للحظة، ومشت به ببطءٍ متعمّدٍ نحو غرفته.
و عندما وصلا إلى باب الغرفة، فتحه إيرميت بحذر، ودخل نصف خطوةٍ إلى الداخل ثم ودّعها. بينما تشابكت أصابعهما بخفة كما لو كانا يربطان حلقة.
“وداعًا، إيفيريا. ادخلي بحذر.”
لم تُجب إيفيريا بالكلام، بل ابتسمت بطرف شفتيها ودخلت وراءه بخطى خفيفة، وهي لا تزال ممسكةً بيده بإحكام.
ثم أغلقت الباب دون أن تُصدر صوتًا، فابتسم إيرميت بعينيه حين رآها تدخل الغرفة، وتقدّم كأنه يريد أن يُجلسها.
لكن إيفيريا شدّت قبضتها على يده، وحين استدار نحوها، أمسكت بذراعه الأخرى.
حاولت أن تقف على أطراف أصابعها لكنها لم تصل، ففكّرت بأنها لو اشترت حذاءً في المستقبل فسيكون من الأفضل أن يزيد طولها قليلًا.
لم تشعر يومًا بالنقص في طولها، لكن تلك اللحظة خلقت في داخلها هذا الإحساس.
أما إيرميت فكان يتابع حركتها بصمتٍ وهدوء، فيما شعرت هي بخجل غامض جعل أطراف أذنيها تحمران قليلًا.ثم تحدّثت بجرأةٍ مصطنعة،
“انحنِ قليلًا من فضلكَ. أو يمكنكَ أن تُقصّر طولكَ إن استطعتَ.”
نظر إلى وجنتيها المتوردتين ثم انحنى ببطء. فلم يكن هناك سبيلٌ لتقصير قامته، فاضطر إلى أن يخفض جسده.
ثم أخذت إيفيريا نفسًا قصيرًا ووضعت شفتيها على شفتيه.
لم تلبث إلا لحظات قبل أن تبتعد، ثم أمسكت وجهه بكلتا يديها. و راحتا عيناها الزرقاوان تتأملان ملامحه في دقةٍ متناهية، بينما ترك هو نفسه بين يديها بخضوع هادئ، يتأمل وجهها بالمقابل.
حاجبان مستقيمان ورموشٌ داكنة تمنح عينيها عمقًا آسِرًا، ووجنتان يعلوهما حمرةٌ خفيفة، وشفاهٌ منطبقة بصلابة، لا شيء في ملامحها لم يكن جميلًا.
ابتسم بخفة ورفع خصلات شعرها المتناثرة على وجهها. فاحمرّ وجهها أكثر، ثم أطلقت سراح وجهه ولفّت ذراعيها حول عنقه.
واحتواها إيرميت بذراعيه يربّت على ظهرها، بينما هي تُقبّله على خده.
وأخيرًا، وقفت على أطراف أصابعها لتُقبّله على طرف أنفه بخفة، ثم أرخت ذراعيها من عنقه واحتضنت خصره. و وضعت وجهها على صدره وهمست بصوتٍ خافت،
“هل أنقل غرفتي إلى هنا؟ سأنام على الأرض.”
“لا، إيفيريا.”
“أعرف، كنتُ أمزح فقط.”
جاء جوابه حازمًا لا يقبل نقاشًا. و صحيحٌ أنها لم تكن جادةً تمامًا، لكن هذا الجواب القاطع بدا مبالغًا فيه.
فضمت خصره أكثر قليلًا في احتجاجٍ صامت، و ضحك هو بهدوء كأن الهواء تسرب من بين شفتيه.
ثم رفعت إيفيريا رأسها قليلًا لتراه وهي لا تزال تحتضنه. بينما تأمل عينيها المائلة قليلًا إلى الأعلى، ثم انحنى دون كلمة وقبّل جبينها.
وحين اقترب وجهه فجأة، أغمضت عينيها بقوة. ثم رفع شفتيه عن جبينها ثم وضعهما على جفنيها المغلقتين، فارتجفت أطراف عينيها بخفة.
أمسك بذقنها وهي تحاول النزول وأعاد رفعها. و لم يتوقف عند جفنيها، بل مرّ بشفتيه على خديها، وعلى جسر أنفها، و كل قبلة أعقبتها رعشة صغيرة في جسدها.
وفي النهاية قبّل شفتيها، قبلةً طويلة امتدت قبل أن يبتعد عنها ببطء.
حين ابتعد قليلًا، تنفست إيفيريا بعمق مرارًا وكأنها تستعيد أنفاسها. فنظر إلى وجهها المرهف وقد علاه احمرارٌ لطيف، ثم انحنى مجددًا ليقبّلها مرةً بعد مرة حتى جلست أخيرًا.
مررت أصابعها في شعرها بارتباك لا تعرف له سببًا. و إيرميت ظل يراقبها قبل أن ينهض ببطء. ثم رفعت بصرها نحوه متسائلةً بعينيها عن السبب.
“هناك شيءٌ أريد أن أمنحكِ إياه. شيءٌ يجب أن أمنحكِ إياه.”
ما الذي يمكن أن يكون؟
تابعت إيفيريا حركاته بعينين يملؤهما الفضول، فرأته يلتقط شيئًا من خلفه ويخفيه وراء ظهره.
أدارت رأسها يميناً ويساراً لكنها لم تستطع معرفة ما الذي يخفيه، فرفعت حاجبيها ونظرت إلى إيرميت الذي اقترب منها دون أن تشعر. ثم ابتسم وهو واقف أمامها.
“لاحظتُ أننا لا نملك خاتمَين.”
“آه..…”
لم يسبق لإيفيريا أن فكرت في الأمر من قبل. فالخاتم الوحيد الذي كانت تملكه هو ذلك الأسود البسيط الذي أهداه لها سيد برج السحر قديمًا.
حدّقت في الخاتم الفضي الذي مدّه نحوها. و كان تصميمه بسيطًا وهادئًا تمامًا كما يناسب ذوقها. ولونه وحده كان مختلفًا تمامًا عن خاتمها الأسود القديم.
لكنها ترددت، هل يليق بها أن تتلقى شيئًا كهذا؟ لم تستطع أن تمد يدها لتأخذه بنفسها. و قرأ إيرميت ترددها كما لو كان يسمع أفكارها فتحدّث بلطف،
“أعلم أنكِ لا تحبين تلقي الأشياء مني وتشعرين بالعبء، لكن أتمنى أن تقبلي هذا على الأقل.”
رفعت بصرها إليه، فاستقبلها بابتسامةٍ صافية.
“ألن يجعل هذا الناس يصدقون الشائعات عنا أكثر؟”
“…..ربما.”
أومأت إيفيريا برأسها موافقة، لكنها كانت تعلم أن السبب الحقيقي أعمق بكثيرٍ من هذا التبرير البسيط.
فهو أراد في أعماقه أن يتقاسما الخواتم، ليحوّل تركيز الشائعات كلها نحوه، وليمنحها شيئًا يربطها به أكثر، تذكارًا صغيرًا تستدعيه كلما فكرت فيه.
ثم أمسك يدها اليسرى برفقٍ وأدخل الخاتم في إصبعها البنصر. فشعرت ببرودة المعدن تلامس بشرتها، وحدّقت في الخاتم الفضي الذي يتلألأ على يدها.
كان يشبهه تمامًا. و حتى لو لم يقدّم سببًا عقلانيًا، كانت ستنتهي حتمًا بوضع نفس الخاتم الذي يضعه هو.
مررت أصابعها المرتجفة على سطحه ثم رفعت رأسها،
“دعني أضع لكَ أنا الآخر.”
مدّ يده بخجل، فأمسكتها بكلتا يديها.
كانت يديْه تختلفان عن يديها في الشكل والملمس، ثم أدخلت الخاتم في إصبعه البنصر.
وفي تلك اللحظة القصيرة، شعرت بسعادةٍ نادرة لدرجة أنها لم تصدق أن مثل هذا القدر من الفرح ممكن.
***
كانت إيفيريا تتحسس الخاتم في إصبعها البنصر. و كان الخاتم نفسه يلمع أيضًا في يد إيرميت.
وفي كل مرة ترى الخاتمين معًا في مجال نظرها، كانت تنتابها مشاعر غريبة متناقضة—سعادةٌ هادئة تمتزج بقلق خفي، وحماسٌ يرافقه اضطرابٌ في القلب.
أغلقت قبضتها اليسرى على الخاتم بقوة، وباليد الأخرى لامست موضعه بخفة.
فاضطرت أن تترك يد إيرميت التي كانت تمسكها. و لاحظ هو على الفور شرودها، فتوقف عن السير وأمسك يدها التي تحمل الخاتم برفق، يمرّر أصابعه على إصبعها البنصر.
“لا تخلعيه.”
“…..حسنًا.”
أجابت بخضوع. ولم تكن تنوي خلعه أصلًا.
لكنها، من شدة حرصه، تساءلت في داخلها إن كان قد وضع على الخاتم سحرًا ما. فإيرميت معروفٌ بحساسيته المفرطة تجاه سلامتها وصحتها، لذا لم يكن مستبعدًا أن يفعل ذلك.
تأملت الخاتم بعناية، لكنها لم تشعر بأي تدفق سحري، فاطمأنّت.
كان اليوم قد تأخر قليلًا عن المعتاد، ورغم أنها لم تتأخر رسميًا، إلا أن الفصل لا بد أن امتلأ بالطلاب.
وبالفعل، ما إن فتحت الباب حتى تركزت عليها عشرات النظرات هي وإيرميت معًا. لكنها لم تُعرها اهتمامًا ومشت نحو مقعدها كالمعتاد. فقد اعتادت هذه الأنظار شيئًا فشيئًا.
وحين اقتربت من مقعدها، لفت نظرها شيءٌ غريب.
وقفت أمام طاولتها تحدّق به في صمت. كانت هناك مزهريةٌ بداخلها زهورٌ زرقاء. سيقانها الرقيقة تحمل بضع زهراتٍ بدت كلوحة جميلة، غير أن إيفيريا لم تكن قادرةً الآن على رؤية الجمال فيها.
ثم توجه بصرها نحو إيرميت بعد لحظةٍ قصيرة من التأمل، ولم يكن من الصعب أن يخطر ببالها أنه هو من وضعها هناك.
لكن قبل أن تسأله، ابتسم ابتسامةً مشرقة و تحدّث بصوتٍ واضح،
“إنها تشبهكِ.”
“…….”
“أعني أنها جميلة.”
حدّقت به مصدومةً للحظة، وارتسمت حمرةٌ خفيفة على وجهها الأبيض.
_________________________
اخيراً بدا يستغل انها بدت توضح علاقتهم😭
ورود في الفصل ومدحها قدامهم وعطاها خاتم! واو ذاه قاعد يحقق احلامه
رخصهم بداية الفصل يجننن يجنننن بوسة الجبهة والجفون احلا شي🤏🏻
التعليقات لهذا الفصل " 111"