لم تكن قد أجابت عن سؤاله قبل ذلك، لذا شعرت بوجوب أن تُظهر له نوعًا من التفاعل، فهزّت رأسها وقالت ما يشبه الموافقة.
في الحقيقة، لم تكن نصيحته التي تشبه الأوامر تروق لها كثيرًا، لكنها لم تملك خيارًا آخر. فعضّت شفتها بخفة.
***
الإرهاق النفسي لديها كان قد بلغ ذروته.
بينما مرت يد إيفيريا مرارًا في شعرها، لتحاول أن تهدئ من فوضى رأسها. راحت تتحسس جانب المكتب كعادتها، ثم تذكّرت أنها شربت آخر جرعةٍ كانت قد وضعتها في غرفتها بعد العشاء.
زفرت إيفيريا تنهيدةً خفيفة وشربت الماء الموضوع بجانبها.
و من خلف الستارة التي نُصبت لحجب الضوء، كان يُسمع تنفس سينثيا المنتظم. فخفّضت سطوع المصباح دون أن تنطق بكلمة.
ثم مسحت وجهها سريعًا بيديها الجافتين، و أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما مجددًا، وأعادت تركيز نظرها نحو الكتاب.
لم يتبقّ الكثير من الوقت حتى موعد الاختبار. و قد كانت تتوق بشدة لأن تهزم الأمير نيسبيروس.
رغم أنها كانت تعلم كم سيكون الأمر صعبًا، إلا أنها أرادت الانتصار.
لأول مرة، يظهر لها خصمٌ يوقظ فيها روح التحدي. رغم إدراكها التام أن الفوز شبه مستحيل.
ظل ضوء المصباح مشتعلاً لفترة طويلة دون أن يُطفأ. و مر الوقت، ولم يكن في الغرفة سوى ضوء المصباح ونور القمر، حتى بدأ ضوء النهار يتسلل عبر النافذة.
كانت تنوي أن تنال قسطًا ولو يسيرًا من النوم، لكنها لم تنتهِ من مراجعة كل ما خططت له إلا بعد شروق الشمس.
ضغطت إيفيريا برفق على جفنها المتعب. فلم يسبق لها، طوال دراستها في الأكاديمية، أن قلّلت نومها إلى هذا الحد.
عندما لا يكفيها الوقت، فإن أول ما تتنازل عنه هو النوم، ثم وقت الطعام.
وبفضل صلابتها الذهنية التي اكتسبتها بمرور الوقت، استطاعت بالكاد تحمّل الجدول الصباحي.
ثم شعرت بأنها بحاجة لتزويد دماغها ببعض الهواء النقي. و بعد الغداء، توجّهت إيفيريا نحو الممر الذي كانت ترتاده مع سينثيا غالبًا في نزهاتهما.
وبالطبع، لم تترك خلفها كتبها ودفاترها المعتادة.
جلست في مكانٍ تصله أشعة الشمس باعتدال، وأنزلت عينيها نحو الكتاب الذي أحضرته معها.
‘لماذا لا أفهم هذا الجزء؟’
كانت تمسح جبينها بإصبعها، ثم تغلق عينيها بإحكام وتدفع شعرها إلى الخلف.
في العادة، كانت من النوع الإيجابي. ولو أنها في وضعٍ مختلف، لربما اعتبرت عدم الفهم المسبق فرصة جيدة للتعلم المبكر، وتجاوزت الأمر بسهولة.
لكن الآن، لم تستطع إخفاء قلقها المتزايد.
‘عليّ أن أركّز.’
ضيّقت ما بين حاجبيها، وصفعت وجنتيها بلطف محاولةً استجماع قواها.
المرتبة الأولى في الأكاديمية……أليس المطلوب فقط أن تحلّ جميع أسئلة الاختبار بشكل صحيح؟
صحيحٌ أن صعوبة الامتحانات كانت خارقةً للعادة، ولم يحدث قط أن أجابت إجاباتٍ تامة في أي مادة،
لكن إن درست بإتقان تام، ألا يكفي ذلك؟
أحكمت إيفيريا قبضتها على عزيمتها بكل ما أوتيت من قوة.
عندها، باغتها حضورٌ مألوف وغريبٌ في آن واحد، و سمعت صوتاً خاطبها بنبرة متزنة الوزن.
“مر وقتٌ طويل.”
كان يتحدث وكأنه التقى بها مصادفةً وهو يمر في الطريق.
فوقفت إيفيريا بسرعة وانحنت تحية، متجنبةً رفع نظرها. بينما أطلقت عضلاتها المتيبسة صرخة صامتة من الألم.
ثم خشيت أن يرتعش صوتها، فشدّت عضلات عنقها لتحافظ على ثباته. و لحسن الحظ، خرج صوتها طبيعيًا تمامًا.
“أتشرف بلقاء سمو ولي العهد.”
“لا داعي لتلك التحية. نحن في الأكاديمية، بعد كل شيء.”
أجابته إيفيريا بانحناءة أعمق قليلًا.
ثم راح يتأملها بنظراته و شبك ذراعيه معاً،
“لا داعي لأن تُرهقي نفسكِ بهذا الشكل.”
“نعم.”
“لن يكون لهذا أي نفع في مستقبلكِ على أية حال.”
لم تفهم ما الذي يقصده بكلامه، لكنها انحنت برأسها أكثر.
حين لا تعرف ما تقول، فمن الأفضل دائمًا اختيار التصرف الأكثر تحفظًا.
ومهما قال ولي العهد، فلن يغيّر شيئًا في وضعها الحالي. فهو لا يمسّ عالمها، ولا يجمعها به أية علاقة.
حتى لو عرف وضعها الحقيقي بعد تحقيقات، فلن يكون قادرًا على سبر أعماق مشاعرها. فالدوافع والسياقات لا يعرفها إلا صاحبها.
مرّت هذت الفكرة في ذهن إيفيريا سريعًا.
“أنتِ لا تُنصتين.”
بيننا ابتسم ولي العهد بعينيه المنحنيتين.
في تلك اللحظة، لم يكن يرى وجهها، لذا لم تدرِ إيفيريا ما إذا كان قد قرأ أفكارها، أم أنه قالها عرضًا. فقطّبت عينيها للحظة ثم اخرجت صوتًا رتيبًا و هادئًا.
“بل أستمع، سموّك.”
“لاحقًا ستفهمين ما أعنيه……على أية حال، أرجو أن أراكِ بخير.”
نزع ولي العهد قفازه ومدّ يده مصافحًا. فترددت إيفيريا للحظة، و حدّقت في يده بصمت، ثم أخذت نفسًا خافتًا وأمسكت يده.
و ما إن تلامست الأيدي، حتى تغيّر تعبير ولي العهد بشكل طفيف، تغيّرٌ لم تلحظه إيفيريا التي ما زالت تُبقي عينيها منخفضتين نحو الأرض.
وعندما أفلت يدها وابتعد، ضمّت إيفيريا يديها المرتعشتين معًا.
كما في الماضي، وكذلك الآن……كان دفء يده شيئًا تمنت ألا يتغيّر أبدًا.
***
إيفيريا لم تكن تُبالي بجسدها. و القلق كان من نصيب من حولها فقط.
في أحد أيام الظهيرة، جلست سينثيا على مقعد في طريق التنزه، تمسك مشروبًا بيد وتراقب إيفيريا الجالسة بجانبها.
وجه إيغيريا، الذي كان شاحبًا بطبعه، بدا اليوم أكثر بهوتًا من المعتاد. ولو بالغ أحدٌ قليلًا، لقال أن الورقة البيضاء بجوارها تبدو أكثر إشراقاً مقارنة بلون بشرتها.
كانت قد اختطفتها من المكتبة حرفيًا لتُجبرها على الاستراحة، ومع ذلك، لم تأتِ إيفيريا إلى هنا إلا وقد أحضرت معها موادًا للدراسة.
هي لم تمنحها وقتًا حتى لتحزم كتبها ودفاترها، فمن أين أتت بذلك الدفتر الصغير؟
راودت سينثيا فكرةٌ أن تنتزعه منها، ولو لوهلة قصيرة، لكنها اكتفت بالكلام معها.
“ألا تشعرين أنكِ تبالغين أكثر من المعتاد هذه المرة.”
“مم……نعم……”
“بهذا الشكل، قد تسقطين أرضًا فجأة، صدقيني.”
“مم……فهمت……”
كانت إيفيريا تمسح بعينيها ورقةً مليئة بالمعادلات.
رغم أنها حفظت القواعد الرئيسية، إلا أن القوانين الفرعية ما زالت عالقة في ذهنها بشكل غير تام. و في الواقع، كلما اقترب موعد الامتحان، ازداد قلقها أكثر فأكثر.
كانت تعرف أن مقارنة النفس بالآخرين تُفسد الروح وتنهكها، لكن رغم ذلك، وجدت نفسها تقارن بين أدائها وأداء الأمير نيسبيروس دون أن تستطيع التوقف.
عليّ أن أعمل بجهدٍ أكبر……حتى لا تخونني جهودي.
عليّ أن أحقق نتيجةً جيدة، على الأقل لأجل كل لحظة نوم تنازلت عنها.
كانت طريقة تفكيرها صارمة، تركّز فقط على النتيجة، لكنها كانت الإجابة الوحيدة التي وجدتها إيفيريا. أن تُرهق نفسها بقسوة حتى لا تترك مجالًا للأفكار العبثية أن تتسلل إلى ذهنها.
عضّت إيفيريا شفتيها مرة أخرى.
ربما جسدها بدأ يُكوّن مناعةً ضد الجرعات، إذ بات النعاس يغلبها أكثر فأكثر. فتنهدت تنهيدةً صغيرة، ثم نهضت من مكانها.
كانت تنوي أن تدرس وهي تمشي قليلاً، لعلّها تطرد النوم عن عينيها. لكن ما إن خطت خطوةً واحدة حتى بدأ العالم يدور من حولها.
فانحنت إيفيريا فجأة، تمسّك بيدها المرتجفة ورقةً كانت تقرؤها. و رغم دفء الجو، كان العرق البارد يتصبب من كامل جسدها.
ثم شعرت سينثيا بوجود أمر خطير، فنهضت على الفور.
“إيفيريا!”
لكن صوتها بدا وكأن أحدهم شتّت موجاته، وتحول إلى طنينٍ مبهم. ثم غاص رأسها وكأنها أُغرقت في ماءٍ مثلّج. و شعرت ببرودة تلامس جفنَيها.
ثم تلاشى بصرها، و تحوّل إلى بياضٍ ناصع، قبل أن يبتلع السواد كل شيء.
وفي لحظة، انهار جسد إيفيريا بالكامل.
______________________
متى تخلص ذا الاختبارات توترت معها وانا مالي دخل😭
ولي العهد يومه يقول ماله فايده لايكون قصده ان ايرميت بيتزوجها وتصير دوقه وتروح كل دراستها؟😂
ايفيريا لو انها سامعة كلام سينثيا كام الدنيا بخير
المهم دام بدايتهم كذا ودي اعرف ايفيريا كيف بتحبه بعدين؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"