حتى في حالة مثل حالة إيرميت، الذي انتقل في منتصف دراسته من أكاديمية إلى أخرى، فقد قُدّمت درجاته وفق معيار أكاديمية لاكانيل لتُحتسب كمجموعٍ لثلاث سنواتٍ كاملة.
وبعد صدور النتائج وبدء فترة التقديم الرسمية للتدريب العملي، سألت إيفيريا إيرميت،
“يا سيد، هل قررت أين ستتقدّم للتدريب؟”
كانت وجهتها نحو برج السحر أمرًا شبه محسوم، لكنها لم تكن قد سمعت بعد إلى أين ينوي إيرميت الذهاب.
هل سيتجه إلى فرسان المملكة بحكم انتمائه لقسم المبارزة؟ أم ربما إلى دوقية نيسبيروس؟
تساءلت إيفيريا بعينين تملؤهما الفضول وهي تنظر إليه.
فابتسم إيرميت بخفة،
“سأتقدّم إلى برج السحر.”
“……ماذا؟”
نظرت إليه إيفيريا وكأنها لم تسمع جيدًا، غير أن ملامحه كانت خاليةً من أي مزاح.
فأعاد قوله بتأكيدٍ جادّ،
“نعم، سأذهب إلى برج السحر، حقًا.”
“…….”
بالطبع، كان إيرميت بارعًا في السحر وذكيًّا بما يكفي لينجح في أي مجال، لذا لن يكون من المستغرب أن يتفوّق في التدريب داخل البرج أيضًا.
لكن مع ذلك، كان الأمر غريبًا جدًا. فطالبٌ من قسم المبارزة في برج السحر؟ ثم إن إيرميت هو الابن الوحيد للدوق نيسبيروس.
هل يمكن، حقًا، أن السبب هو……هي؟
توقفت إيفيريا فجأة، وقد عبر ذهنها هذا الخاطر. فمهما فكّرت، لم تجد سببًا آخر يجعله يختار برج السحر تحديدًا.
‘……لا يعقل.’
لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أن احتمال صحة هذا الظن مرتفعٌ جدًا.
بدأ وجهها يسخن، وامتد الاحمرار إلى وجنتيها بينما راحت تعبث بخصلةٍ من شعرها قرب أذنها دون وعي.
لم تعرف كيف تبدأ الحديث، إذ تداخلت في قلبها مشاعر كثيرة، وأسئلة أكثر.
أما إيرميت، ففسّر صمتها على طريقته، ومدّ نحوها الورقة التي كُتبت فيها درجاته.
“نتائجي تؤهّلني، أليس كذلك؟”
أخذت الورقة بسرعة، وبدأت تتفحّص الأرقام بعينين متسارعتين. و ربما كانت هذه المرة الأولى التي تشعر فيها بشيء يشبه السعادة من رؤية الدرجات.
لكي يُقبل طالبٌ من قسم المبارزة في برج السحر، يجب أن تكون درجاته أعلى من طلاب قسم السحر أنفسهم، وإيرميت كان مستوفيًا لتلك الشروط وأكثر.
خاصةً درجاته في أكاديمية هوريتين، فقد كانت أفضل مما كانت تتخيله. و تساءلت في داخلها كيف استطاع أن يحافظ على هذا المستوى رغم كل ما أثاره من أحاديث طوال الوقت.
رفعت بصرها من الورقة إلى وجهه، وارتجفت عيناها الزرقاوان قليلاً.
“هل أنت جادٌ فعلًا في الذهاب إلى برج السحر؟”
“نعم.”
“……ولماذا؟”
لم تستطع أن تسأله صراحة “هل هذا بسببي؟”، فاكتفت بسؤالٍ غامض وهي تعضّ شفتها بخفة.
ابتسم إيرميت وهو يسحب الورقة من أمامها بهدوء،
“لأكون معكِ.”
“……واو.”
غطّت إيفيريا وجهها بكلتا يديها، وقد اشتعلت وجنتاها إلى حدٍّ مؤلم.
يا للعجب، ما الذي يدور في رأسه بحقّ؟
مال إيرميت قليلاً نحوها، وأسند ذقنه إلى كفّه، وبيده الأخرى أخذ يعبث بخصلات شعرها المنسابة.
وبعد لحظات، حين هدأت أنفاسها وبدأت تستعيد رباطة جأشها، رفعت رأسها مجددًا وقد حلّت مكان الدهشة مخاوف واقعية.
ثم رفع إيرميت يديه الأخرى ليسند وجهه، و تحدّث بنبرة خفيفة فيها بعض الدعابة،
“إذًا عندما نذهب إلى البرج، ابقي قريبةً مني دائمًا.”
“بالطبع……لكن، هل الأمر بخيرٍ فعلًا؟ أعني، ذهابكَ أنتَ إلى البرج؟”
رغم أنه قال أنه لا مشكلة، لم تستطع إيفيريا إخفاء قلقها، فالأمر كله بدا خارج المألوف.
لكن إيرميت نظر إليها بابتسامةٍ راضية وأجاب بثقة،
“نعم، لا تقلقي.”
درجاته كانت كافية، بل أكثر من كافية، ليُقبل بسهولة في برج السحر، وإذا ذهب هناك، فستتمكن هي من رؤيته كثيرًا.
وبعد بضعة أيام، قدّم إيرميت فعلًا طلبه الرسمي للتدريب في برج السحر.
كانت إيفيريا تحتفظ في قلبها ببصيص من الشك حتى لحظة تسليمه الطلب، لكن حينها أدركت مرة أخرى أن إيرميت لم يكن يمزح في مثل هذه الأمور أبدًا.
و كما كان متوقعًا، تمكن كلٌّ من إيفيريا وإيرميت من الذهاب إلى برج السحر.
حتى بعد صدور النتائج، ظلت إيفيريا تسأل إيرميت مرارًا إن كان حقًا بخيرٍ مع هذا القرار، ولم تتوقف عن طرح السؤال إلا بعد أن سمعت إجابته المطمئنة عشرات المرات.
بعد ذلك، وحتى نهاية الفصل الدراسي الثاني، كان عليهما تلقي شتى أنواع الإرشادات المسبقة.
ففي برج السحر، كان سيد البرج بنفسه يزور الأكاديمية ليشرح للطلاب تعليمات التدريب الميداني والأعمال التي سيُكلفون بها عادة.
ولحسن الحظ، كانت تلك الأعمال مشابهةً لما قامت به إيفيريا خلال عطلتها السابقة في البرج، بل ربما كانت أسهل قليلًا لا أصعب.
و ما إن انتهى الفصل الدراسي الثاني حتى غادرت إيفيريا مع سيد البرج متجهةً إلى هناك.
وكان يُسمح لطلاب السنة الرابعة الذين يرغبون في ذلك بالتوجه مسبقًا إلى برج السحر قبل بدء العام الدراسي الجديد. إلا أن معظم الطلاب كانوا يستغلون العطلة لزيارة عائلاتهم أو للسفر والترفيه، لذلك كان عدد من يتجه مباشرةً إلى البرج قليلًا.
وخاصةً أن من يدخل البرج في السنة الرابعة يخضع لقيودٍ صارمة على الخروج إلى الخارج، إذ تصبح الإجراءات أكثر تعقيدًا من تلك المفروضة داخل الأكاديمية، لذا كان الطلاب يفضلون زيارته مسبقًا استعدادًا لذلك.
أما إيرميت، فقال إنه سيمر أولًا بقصر الدوق نيسبيروس ثم سيلتحق بالبرج عند بدء السنة الرابعة.
أثار ذلك قلق إيفيريا، لكنها لم تشأ أن تُلحّ عليه بالسؤال.
كانت لديها أسبابها الخاصة للمجيء المبكر إلى برج السحر، فإيفيريا لم يكن لديها مكان آخر لتذهب إليه، وأرادت أن تنتهز الفرصة لتسأل سيد البرج عن ذكرياتها في وقت الفراغ.
فقد كانت مشغولةً للغاية في السابق ولم تجد وقتًا لسؤاله، وكانت تدرك أنه إن بدأت السنة الدراسية الرابعة، فسيصعب عليها العثور على التوقيت المناسب.
وبفضل لطف سيد البرج، سُمح لها باستخدام الغرفة التي كانت تسكنها في السابق كما هي.
ولأن إيرميت لم يأتِ بعد إلى البرج، فقد اقتصرت الأخبار المنشورة في الصحف على إيفيريا وحدها، وهو ما أسعد سيد البرج كثيرًا إذ قال أن إيفيريا تفوقت على إيرميت في الشهرة.
ورغم أن إيفيريا كانت تعرف كليهما منذ زمن، إلا أنها ما زالت غير قادرة على فهم طبيعة العلاقة بين سيد البرج وإيرميت، لكن كمُشاهدةٍ من الخارج، كان الأمر مثيرًا للاهتمام بلا أي شعورٍ بالقلق.
“سيد البرج، مرحبًا.”
“أهلًا، إيفيريا. كيف حالكِ؟”
كانت إيفيريا تزور سيد البرج كثيرًا، ولم يعد لديها ما تتردد بشأنه بعدما كُشف عن صلتها به.
وكان سيد البرج يبدو وكأنه يعرف جيدًا سبب مجيئها في كل مرة، لكنه لم يبادر يومًا بالحديث عن ذكرياتها بنفسه.
وفهمت إيفيريا أن هذا أسلوبه في إظهار الاحترام.
في الحقيقة، كانت مترددةً حتى آخر لحظة. فقد راودها قلقٌ كبير من احتمال ألا تكون ذكرياتها مرتبطةً بسيد البرج أصلًا، كما تساءلت إن كان من الضروري حقًا نبش الماضي.
حتى حين كان يحدّثها مطولًا عن سحر العقل والنفس، لم يذكر شيئًا مباشرًا عن ذكرياتها.
ثم إنها في ذلك الحين لم تكن تشعر بالحاجة لمعرفة ماضيها، وكانت تكتفي بتخمين أن سحر العقل ربما أثّر عليها.
لكن بعد أن علمت بأن عائلة الدوق نيسبيروس ترك أثرًا غريبًا في ماضيها، أدركت أنها لا بد أن تعرف ذلك الماضي كي تتمكن من رسم مستقبلٍ واضح.
وحين عرفت أيضًا أن إيرميت كان مرتبطًا بتلك الفترة التي لا تتذكرها، تضاعف إحساسها بواجبها نحو استعادة ذكرياتها.
كان من الممكن أن يكون لتلك الذكريات تأثيرٌ عميق على مشاعرها ومشاعر إيرميت. ذلك الاحتمال وحده كان كفيلًا بأن يبدّل تفكيرها.
كانت في السابق تعتقد أنه لا ضرورة للبحث عن الماضي، أما الآن فقد رغبت بشدة في معرفته.
فلو أن الشخص الذي تتذكره لم يعد يتذكرها، لكانت إيفيريا حتمًا ستشعر بجرحٍ عميق. فكيف لو كان ذلك الشخص مختلفًا عن الآخرين، وكيف لو كان إيرميت بالذات؟
ورغم أن الموقف كان واضحًا تمام الوضوح، فإن إيفيريا لم تستطع أن تكون واثقةً على نحوٍ قاطع.
بعد أن أضاعت مراتٍ عدة من اللقاءات مع سيد البرج دون أن تقول ما في نفسها، تمكنت أخيرًا من حسم قرارها.
ستبحث عن ذكرياتها، عن الذكريات التي لا شك في وجودها، تلك التي تجمعها بإيرميت. مجرد التفكير بذلك جعل قلبها يهدأ قليلًا.
وقبل أن تدخل غرفة سيد البرج، أخذت نفسًا عميقًا عدة مراتٍ لتصفّي ذهنها وتثبت عزمها.
دقاتٌ خفيفة على الباب ترددت في الهواء، وسرعان ما فُتح الباب بهدوء.
ر كادت إيفيريا، بعادتها القديمة، أن تحاول تحليل السحر الموضوع على الباب، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة.
في الداخل، كان سيد البرج جالسًا ينتظرها، فتقدمت بخطواتٍ مألوفة إلى الغرفة التي أصبحت معتادةً عليها من كثرة زياراتها السابقة.
و أشار سيد البرج نحو الأريكة الملاصقة لإحدى الجدران.
“تفضّلي، اجلسي هناك.”
“نعم، شكرًا لكَ.”
ولأنها كانت قد أخبرته مسبقًا بموعد زيارتها، كان على الطاولة أمام الأريكة كوبان من الشاي الدافئ، و كما جرت العادة. أمسكت إيفيريا الكوب بكلتا يديها وشعرت بحرارته تسري في أصابعها.
اعتذر سيد البرج منها قليلًا وأكمل ما تبقّى من أعماله، ثم جلس أمامها بابتسامةٍ هادئة.
“عذرًا، تأخرتُ قليلًا. شكرًا لانتظاركِ.”
“لا بأس أبدًا، أنا التي أشكركَ على وقتكَ.”
هزت رأسها بسرعةِ ونظرت إليه بعينين واسعتين، فابتسم هو بخفة عند طرفي شفتيه.
ارتشف رشفةً من الشاي ثم سألها بلطف،
“إذاً، ما الذي جاء بكِ اليوم؟”
“سيد البرج…..هل أنتَ على درايةٍ بسحر العقل؟”
“بالطبع، فأنا في الأصل ساحرٌ من هذا النوع.”
ابتسمت إيفيريا بخجل حين أجاب وكأن السؤال كان بديهيًا. وقد كانت تلك مجرد مقدمةٍ للحديث الحقيقي.
لم يتعجلها سيد البرج بالسؤال التالي، ولم يتدخل ليأخذ منها زمام الحديث، بل اكتفى بالنظر إليها بعينيه الوادعتين في صمت.
وبعد لحظة من التردد، فتحت إيفيريا فمها ببطء،
“إذاً…..هل تعرف شيئًا عن الذاكرة أيضًا؟”
“كنتُ أتساءل متى ستسألينني ذلك.”
قال سيد البرج ذلك بنبرةٍ خفيفة أقرب إلى المزاح.
كانت كلماته لطيفة، ومع ذلك شعرت إيفيريا بتوترٍ غريب يسري في جسدها. فاعتدلت في جلستها ورطبت شفتيها قليلًا.
تلاقت نظراتهما، ونفذ بصر سيد البرج إلى أعماق عينيها كأنه يقرأ كل أفكارها ومكنوناتها.
ومضت برهةٌ من الصمت قبل أن يتحدّث بهدوء،
“هل ترغبين حقًا في استعادة ذكرياتكِ؟”
“….…”
“حقًا؟”
ترددت إيفيريا للحظة. كان واضحًا أن سيد البرج يعرف شيئًا عن تلك الذكريات. وكانت تدرك أنه إن أجابت بنعم، فستقترب خطوةً أخرى من ماضيها المجهول.
لكنها لم تكن تعرف أي شكلٍ يتخذه ذلك الماضي. فلا بد أن هناك سببًا جعلها تفقده، وربما كان ماضيًا مظلمًا أو مؤلمًا بما يكفي ليترك أثرًا في حاضرها.
هل ستكون قادرةً على تحمّله؟
مرّت عشرات الأفكار في رأسها في لحظة، وظهر وجه إيرميت أمام عينيها، لا كخاطرةٍ عابرة، بل كصورة بقيت عالقةً للحظات طويلة.
…..لكن لا مفر، عليها أن تواجهه.
فحرّكت إيفيريا خاتمها في يدها اليسرى ثم أومأت برأسها بهدوء، وقد عقدت العزم.
______________________
اخيرااا الذكريات الي مابغت تجي
الي غريب هو لذا الدرجة ماعندها احد يسأل عنها غير إيرميت؟
المهم سيد البرج حنون ياحي تبناها تكفى😔
ايرميت بجنن اللزقه بوم قال بروح عشانس يانااااااس😂🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 103"