إيفيريا كانت تظن أن العلاقة بين سيد البرج وإيرميت لا بد أن تشبه العلاقة بين سيد البرج وسحرة البرج أنفسهم.

ثم ابتسم إيرميت بابتسامةً خفيفة على شفتيه.

“ما زلتُ قلقًا لأن إيفيريا لم تتعافَ تمامًا بعد، أرجو منكَ تفهّم الأمر.”

لم يكن من الصواب في هذا الموقف أن تقول أنها أصبحت بصحة جيدة بما يكفي لحمل الزهور، لذا أطبقت إيفيريا شفتيها بصمت.

“ألا تثق بسيد البرج؟ لقد ألقيتُ تعويذةً بنفسي.”

“يمكن أن يجتمع في القلب كلٌّ من الثقة والقلق في آن واحد، كما تعلم.”

كانا يتجادلان أحيانًا، لكنهما في الوقت نفسه يُظهران اهتمامًا واضحًا ببعضهما البعض، ولهذا لم تشعر إيفيريا بالقلق من الجدال الذي دار بين إيرميت وسيد البرج.

كان ولي العهد والأميرة يراقبان النقاش بين إيرميت وسيد البرج بنظراتٍ مذهولة، ثم ما لبثا أن قالا إنهما سيذهبان الآن بما أن إيرميت قد وصل، وغادرا المكان.

أما إيرميت فلم يفارق جانب إيفيريا، وحين طال الموقف دعاهم سيد البرج إلى غرفته.

كان من السهل أن تنتشر الشائعات لو كانا بمفردهما، لكن بوجود سيد البرج معهما بدا الأمر مبررًا ومعقولًا للآخرين.

وكما في المرة السابقة، قال سيد البرج لهما أن يتصرّفا على راحتهما ثم ترك الغرفة لهما، إذ كان استخدام السحر داخلها حرًّا تمامًا.

نظرت إيفيريا إلى الساعة. و ما زال هناك متسعٌ من الوقت، لكن قريبًا سيحين موعد ذهاب إيرميت لخوض المباراة النهائية.

“يا سيد، لقد وصلتَ إلى النهائيات، أليس كذلك؟”

“نعم.”

أجاب إيرميت باختصار، فعدّلت إيفيريا جلستها.

“إذًا عليكَ أن تذهب قريبًا.”

“……أفكّر أن أنسحب فقط.”

“……لماذا تنسحب بعدما وصلت إلى النهائيات؟ يجب أن تفوز.”

بدت ملامح إيفيريا صارمة، و عندما رآها إيرميت تعقد حاجبيها وتحدّق به بتلك النظرة الجدية، ابتسم.

كان الحوار بينهما يسير كعادته، وهذا وحده منح كليهما شعورًا بالراحة، فقد بقيا يتعاملان مع بعضهما كما في السابق.

لكنّهما علما أيضًا أنه لا يمكن تجاوز ما حدث مؤخرًا وكأنه لم يكن.

كان عليهما أن يتركا سابقةً واضحة تحسبًا لوقوع أمر مشابه في المستقبل، حتى يتمكنا من التعامل معه بالطريقة ذاتها.

بدأت إيفيريا تترقّب اللحظة المناسبة للاعتذار، لكي لا تكون مفاجئة أكثر من اللازم، ولا متأخرةً عن الحد لأن وقت إيرميت كان محدودًا.

وبين أحاديث جانبية بسيطة، أخذت نفسًا عميقًا تستعد للكلام.

لكن قبل أن تنطق، بادرها إيرميت بالكلام.

“هممم…..كان عليّ أن أقول هذا منذ فترة، آسفٌ لأنني أخلَفتُ وعدي. أعلم أنك كنتِ قلقةُ عليّ.”

سبقها إلى ذلك، فضغطت إيفيريا شفتيها بينما تصغي إلى اعتذاره بانتباه. و شعرت بشيء من الارتياح لأن أفكاره كانت تشبه أفكارها.

كان صوته هادئًا حين تابع،

“أدركتُ أنني كنت غارقًا في قلقي عليكِ أكثر من اللازم، ولم أنظر إلى مشاعركِ جيدًا. أنا آسف.”

“لا بأس.”

بمجرد سماعها كلمة اعتذار، شعرت وكأن قلبها أصبح أكثر سكونًا، وارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ خفيفة.

ثم مدّت يدها لتضعها برفق على قبضة يده المشدودة فوق ركبته.

كانت قد استعدّت لتقول كلمتها، لكن بعدما سبقها، احتاجت أن تجمع شجاعتها من جديد. ومع ذلك، جعل اعتذاره الأمر أسهل عليها.

فعبثت إيفيريا بخاتمها قليلًا ثم،

“……أنا أيضًا، حتى لو كنتُ متعبةً وقتها، ما كان يجب أن أقول مثل ذلك الكلام. لو أنكَ أنت قلت لي أنه ربما من الأفضل أن ننفصل، لكنتُ تأذيتُ كثيرًا.”

نظرت إلى عينيه، وكان وجهه كما هو، بلا تغيّر.

“أنا آسفة حقًا. من الآن فصاعدًا سأفكر مليًّا قبل أن أتكلم.”

“أنتِ أصلًا حذرة جدًا يا إيفيريا……إن كان هناك خطأ، فهو أنني أنا من أزعج فتاةً كانت تتألم.”

رفع إيرميت نظره بسرعة عندما بدأت تعتذر، وكانت كلماته أقرب إلى تبرير غير منطقي.

لو كانت إيفيريا أكثر جرأة لقالت إنها هي المخطئة حقًا، لكنه قال ذلك بدلًا منها.

فردّ بنبرةٍ جادة،

“عمّ تتحدث؟ الكلمة صدرت مني في النهاية. أنا المخطئة، آسفة حقًا.”

لم تجرؤ على النظر في وجهه، فأغمضت عينيها وأسندت رأسها إلى كتفه، مستندةً بثقل خفيف. لكنه لم يتحرك قيد أنملة.

ظل صامتًا لبرهة.

هل أنا ثقيلةٌ جدًا؟ تساءلت في نفسها ورفعت رأسها قليلًا، فوجدته يعبث بخصلات شعرها.

“……أعتقد أنه يمكنكِ أن تخطئي نحوي كثيرًا، لن أغضب.”

“لا، لا يجوز. الجرح في القلب يدوم طويلًا.”

لفّت ذراعيها برفق حول خصره، فتوقّف للحظة عن لمس شعرها ثم عاد يفعل ذلك بهدوء.

ثم بدأت إيفيريا ترتّب في ذهنها ما تبقّى من الكلمات التي تود قولها، وكان هدوء الغرفة يبعث في النفس سكينة غريبة.

وتذكّرت حينها ما قاله إيرميت قبل فترة قصيرة…..

“وفكرتُ في معنى قولكَ أنني لا أرسم للمستقبل أي تصور.”

راودها شعورٌ بأن تلك العبارة قد تفسر تصرفاته التي بدت أحيانًا متوترةً وعاجلة دون سبب واضح.

في الأيام الأخيرة التي قضتها في السكن الجامعي، فكّرت إيفيريا مليًّا، و راجعت في ذهنها كل ما فعله إيرميت، وكل ما قالته هي.

“أعتقد أنني فعلاً لم أكن أفكر في المستقبل.”

لطالما كانت تنوي أن تنجح من أجل مستقبل يجمعها به، لكنها عندما نظرت إلى نهاية الطريق، أدركت أنها لم تضع هناك أي شيءٍ ينتظرها.

كانت تلك المرة الأولى التي تعي فيها هذا الأمر، وشعرت بالدهشة حقًا. 

العادات التي جعلتها تَعِد نفسها مرارًا ب‍ـ”النهاية السعيدة”، والأفعال المباشرة وغير المباشرة التي نتجت عن تلك العادة. حين تذكرت كل ذلك، بدا لها أنها بدأت تفهم قليلًا سبب قلق إيرميت أحيانًا.

“لكن ليس لأنني بلا مشاعر، بل أظن أن البيئة التي نشأتُ فيها والعادات التي اكتسبتها جعلتني هكذا فحسب.”

ظل إيرميت صامتًا، فأكملت إيفيريا أخيرًا،

“سأبذل جهدي حقًا، لذا أرجو ألا تقلق كثيرًا.”

“……نعم.”

كانت إجابته قصيرة.

وبينما كانت تستند برأسها على كتفه، لم تستطع أن ترى ملامحه بوضوح، خصوصًا أنه لم يكن ينظر نحوها في تلك اللحظة.

أغمضت عينيها قليلًا ثم نظرت إلى الساعة. و لم يبق وقت طويل على بدء نهائيات قسم المبارزة. قريبًا سيتعيّن على إيرميت المغادرة، وهي نفسها كانت تنوي حضور المباراة.

شدّت ذراعيها حول خصره بقوة خفيفة ثم أرختهما، ورفعت رأسها لتنظر إليه.

“بالمناسبة، يا سيد، هناك شيءٌ يشغلني منذ فترة.”

“نعم؟ ما هو؟”

أمال إيرميت رأسه قليلًا ونظر إليها مباشرة.

كانت المسافة بين وجهيهما قريبة جدًا، فخفضت بصرها ثم رفعته لتواجه عينيه مجددًا، وسألت بصوتٍ متردد،

“حين قلتَ أنك مرتبطٌ بماضيّ، هل تقصد الماضي الذي جمعنا في الأكاديمية فقط؟ أم أنّكَ تعني..…”

هل تعني الماضي الذي يسبق الأكاديمية، ذلك الماضي الذي لا أذكره؟

لم تستطع أن تُكمل. فقد كانت تدرك ثقل السؤال، ولذلك كان من الصعب عليها أن تنطق آخر كلماته. 

ارتجفت شفتاها قليلًا. بينما صمت إيرميت لحظة، فشعرت إيفيريا بقلق لا تعرف سببه، وظلت تنتظر جوابه.

ثم جاء صوته أخيرًا، بكلماتٍ بدا واضحًا أنه اختارها بعناية،

“أظنّ…..الإجابة هي الثانية. التي لم تتكلمي عنها أنتِ.”

توقّف قلبها لحظة، ثم خمد اضطرابها فجأة بعد سماع الإجابة.

زفرت أنفاسًا بطيئة ونظرت أمامها بشرود، بينما غرقت عيناها الزرقاوان في اضطرابٍ عميق وظلٍّ قاتم.

***

وكما كان متوقعًا، فاز إيرميت بسهولة في المباراة النهائية.

وبانتهاء مراسم تكريم الفائزين في قسم المبارزة، أُسدِل الستار أخيرًا على المهرجان الطويل الذي طال تأجيله.

كانت أكاديمية لاكانيل من بين الأكاديميات القليلة التي لم تتأثر كثيرًا بتبعات المهرجان، وسرعان ما عاد معظم الطلاب إلى روتينهم الدراسي المعتاد.

لكن طلاب السنة الثالثة كانوا استثناءً بعض الشيء. 

فقد كانت الاختبارات التي سبقت المهرجان هي امتحانات الفصل الدراسي الثاني من سنتهم الأخيرة، وأيضًا آخر امتحاناتهم في الأكاديمية، ولأنهم كانوا منهمكين قبل المهرجان في كمٍّ هائل من الواجبات والدروس الإضافية، لم يبق بعد المهرجان الكثير من الدراسة النظرية.

صدرت الدرجات فور انتهاء المهرجان، وبناءً عليها بدأ الطلاب بتقديم طلبات التدريب العملي في الأماكن والمؤسسات التي يرغبون بها.

وكان القبول في التدريب يعتمد على النتائج الدراسية، خاصةً في الأماكن المرموقة مثل برج السحر أو القصر الإمبراطوري، حيث كانت معايير القبول فيها ثابتة تقريبًا.

أما ميادين التدريب فكانت متنوعة للغاية. منها الكبيرة مثل أبراج السحر، وفرسان الممالك المختلفة، وسحرة البلاط، ومنها الصغيرة مثل العمل كمساعد في بيتٍ نبيل أو في مكتبة عامة.

وبعض الطلاب الذين كانوا يطمحون إلى أن يصبحوا أساتذة في الأكاديمية أو التعمّق في مجالٍ علمي محدد، كانوا ينضمون إلى أساتذة الأكاديمية في السنة الرابعة ويتابعون معهم بعد التخرج.

ولأنّ كل مجالٍ تدريبيّ يتطلب مهارات مختلفة، فقد كانت الأهلية للتقديم تختلف تبعًا لذلك، بل أحيانًا تتفاوت نسبة احتساب الدرجات بين المواد بحسب التخصص.

فعلى سبيل المثال، طلاب قسم السحر الذين لم يحضروا عددًا كافيًا من دروس قسم المبارزة لم يكن يُسمح لهم بالتقدّم إلى فرسان المملكة، وطلاب قسم المبارزة الذين لم يكملوا دروسًا كافية في قسم السحر لم يُقبلوا في برج السحر.

كما كانت فرق الفرسان تركّز أكثر على درجات قسم المبارزة، بينما كان برج السحر يمنح أهميةً كبيرة لدرجات المواد السحرية وترتيب الطلاب فيها.

ولمنع أي ضرر قد ينتج عن نسيان الطالب لدرجاته أو سوء تقديره لها، كانت أكاديمية لاكانيل تصدر بعد نتائج الفصل الدراسي الثاني كشفًا شاملاً بجميع درجات السنوات الثلاث الماضية.

_______________________

وكذا تسامحوا رسمياً اشواااااااا 

المهم رئيس البرج يجنن شكله اول واحد يدعم علاقتهم😂

وذلحين ايفيريا بتدخل برج السحر وناسه احداث جديده✨

Dana