كانت الطرق التي اقترحها سيد برج السحر جميعها تعتمد على أن يتقدم البرج وسيده إلى الواجهة بشكلٍ مبالغ فيه، ولهذا لم تستطع إيفيريا الموافقة على أيٍ منها بسهولة، بينما كان إيرميت يشارك بحماسةٍ وكأن روحه اشتعلت.
وبعد أن انقضت اللحظة المرحة، بدا سيد البرج أكثر جدية، رغم أن الابتسامة لم تفارق وجهه تمامًا.
“في الواقع، أغلب الناس لا يهتمون كثيرًا بتصحيح الأمور، لذا لا بد من هذا القدر على الأقل.”
كانت تعلم أن تحويل السمعة السيئة إلى حسنةٍ يتطلب جهدًا أكبر وأخبارًا أكثر قوةً وإثارة، لكن فكرة أن شخصًا آخر سيتحمل عبء تلك “القوة” جعل قلبها يثقل بالقلق.
فنظرت إليه بعينين متوجستين وسألت،
“هل أنتَ بخيرٍ يا سيد البرج؟”
“لا تقلقي عليّ. في الواقع، لم أشعر بهذا القدر من المتعة منذ زمنٍ طويل.”
كان يبدو سعيدًا فعلًا، لدرجة أن إيفيريا لم تجد ما تقوله.
والحقيقة أنه لم يكن هناك أي حلٍ أفضل من مقترحات سيد البرج. لذا، رغم حرجها، لم تجد بُدًّا من الموافقة.
بعد ذلك، سارت الأمور بسلاسة تامة دون أي عوائق. وبدأت الشائعات تنتشر بأن مجيء سيد البرج إلى لاكانيل في المرتين كان بسبب إيفيريا.
وحين تجرأ بعضهم وسأله مباشرة، اكتفى سيد البرج بابتسامةٍ غامضة دون تأكيد أو نفي، مما أجّج الأحاديث أكثر.
وسرعان ما تضخّمت الشائعات حتى غدت حديث الجميع، إلى أن صرّح سيد البرج أخيرًا بأنه جاء فعلًا إلى لاكانيل من أجل إيفيريا ديل.
و أثار ذلك ضجةً عارمة، ليس في الأكاديمية وحدها، بل في الإمبراطورية بأكملها، وبدأت التكهّنات والسيناريوهات تتكاثر في كل مكان.
ثم أعلن سيد البرج بعد فترةٍ أن إيفيريا ستنضم إلى برج السحر بعد تخرجها. ولحسن الحظ، بفضل إصرارها الشديد، لم يقل أنها ستكون “خليفته القادمة”.
كانت إيفيريا تظن أن الأمر مجرد كذبةٍ لتكبير الحدث، لكن سيد البرج كان يعني ما يقول بصدق.
فتحت إيفيريا صحيفةً كانت قد التقطتها على عجل أمام المكتبة. وكما في الماضي، كانت تجد صعوبةً في الخروج كثيرًا، وإن كان السبب مختلفًا هذه المرة.
نظرات الناس لا تزال تلاحقها، لكنها لم تعد مليئةً بالعداء والكراهية كما كانت من قبل، بل بالاهتمام والفضول الإيجابي.
ومع ذلك، كانت تتجنب الخروج لأن الصحفيين وكثيرين آخرين يحاولون باستمرار سؤالها عن شيء ما.
مرّت عيناها على عناوين الصحف سريعًا، ولم تجد أي مقالٍ عدائي ضدها، فتنفست بارتياح وانزاح التوتر من كتفيها.
فكلما تقدّم الوقت، انتشرت الأحاديث عنها بسرعةٍ أكبر ووصلت إلى مسافات أبعد.
وفي مساء ذلك اليوم بالذات، أعلن سيد البرج رسميًا أنه سيكفل إيفيريا ديل باسمه، مضيفًا أنه إن لم يكن اسم البرج كافيًا، فسيكفلها باسم هيستيرون نفسه.
هيستيرون — اللقب الذي يُمنح لسادة برج السحر المتعاقبين منذ تأسيسه.
اسمٌ له تاريخ طويل منذ أن أعلنه أول سيد للبرج وحتى العصر الحالي، وكان يحمل من الثقل ما يفوق ربما حتى اسم العائلة الإمبراطورية نفسها.
وبمجرد أن ذُكر اسم البرج وسيده، خرجت الشائعات عن السيطرة تمامًا، وصارت تضاهي في حجمها حدثًا سياسيًا.
وبعد يوم واحد فقط، استقرت الأمور أخيرًا. فقد صدرت النتيجة الرسمية التي تفيد بأن احتمال ارتكاب إيفيريا أي غش أو مخالفة يكاد يكون معدومًا.
ثم تم تحديد موعد نهائي لمباراة السحر والسيف التي كانت مؤجلةً لأجلٍ غير مسمى، ومع أن الجدول كان مزدحمًا، إلا أن الأمور سارت بسرعة.
كانت هناك بعض المخاوف من احتمال خسارتها، لكنها فازت بسهولة في المباراة النهائية. وبعدها مباشرة، أُقيم حفلٌ بسيط لتكريم الفائزين.
لم يكن احتفالًا شهيرًا مثل مهرجان هوريتين، وغاب عنه بعض الطلاب المشغولين من أصحاب المراتب العليا، لكن إيفيريا حضرت. فقد تحقق أخيرًا ما كانت تحلم به منذ العام الماضي.
وأثناء نزولها من المنصة بعد استلام الجائزة من عميد قسم السحر، امتدت نحوها ذراعٌ تقدم لها باقةً ضخمة من الزهور.
نظرت إيفيريا بارتباك لتتعرف على المانح، فوجدت أمامها بريقًا ذهبيًا مألوفًا — كانت الأميرة وولي العهد يقفان هناك.
“مبروكٌ الفوز، إيفيريا.”
كان صوت الأميرة كما هو، ناعمًا وودودًا، وابتسمت بعينيها الجميلتين. فأجابت إيفيريا بانحناءةٍ خفيفة،
“شكرًا جزيلاً.”
“ارفعي رأسكِ، لم نركِ منذ زمن. تهانينا مجددًا.”
“……شكرًا لكَ.”
لم يتغير ولي العهد كثيرًا عن السابق. فخفّضت إيفيريا بصرها قليلًا، مستغلةً باقة الزهور لتجنب النظر إليه المباشر.
وجود فردين من العائلة الإمبراطورية بجانبها جعل الآخرين مترددين في الاقتراب منها، حتى الصحفيون الذين حضروا للمقابلات اكتفوا بالتقاط الصور من بعيد دون جرأةٍ على التقدم.
اقترب ولي العهد أكثر وهمس بصوتٍ منخفض حتى كاد يلامس أذنها،
“إيرميت هو من طلب مني المجيء. لم أكن أعلم أنه يعرف كيف يطلب شيئًا بهذه اللطافة.”
وأضافت الأميرة بابتسامة صغيرة،
“صحيح، السيد نيسبيروس كان في غاية التهذيب…..حقًا، شكرًا لكِ يا إيفيريا.”
تذكرت ملامحه المهذبة على غير عادته فضحكت بخفة. أما إيفيريا فابتسمت بهدوء، رغم اضطراب مشاعرها العميق.
و كانت تتساءل — لماذا لم يأتِ بنفسه؟ وما الذي يدور في ذهنه حقًا؟
كان ولي العهد لا يزال شاباً جدًا، بينما كانت الأميرة أفضل منه قليلًا. وبينما كانت تتبادل مع الأميرة بضع كلمات بين الحين والآخر، ظهر سيد برج السحر الذي كان قد أخبرها سابقًا أنه قد لا يتمكن من الحضور بسبب انشغاله.
ما إن لمح ولي العهد والأميرة حتى خفت بريق الابتسامة على وجهه، وارتسمت على ملامحه نظرةٌ فاترة، ولم تكن ملامحهما مختلفةٌ كثيرًا عن ملامحه.
ثم تقدم سيد البرج أولًا نحو إيفيريا وابتسم،
“مرحبًا، إيفيريا. مباركٌ فوزكِ.”
“مرحبًا بكَ يا سيد البرج…..شكرًا جزيلًا لكَ.”
وفي لحظة شكرها له، مرّت أمام ذهنها كل الأوقات الماضية كخيطٍ من الذكريات، وملأها شعورٌ عميق بالامتنان نحوه.
ثم ناولها بدوره باقةً ضخمة من الزهور، حتى غابت ملامحها خلفها من كثرتها.
أما الأميرة، التي كانت تدرك أنه ما دامت إيفيريا هنا فستضطر للبقاء قرب سيد البرج أيضًا، فقد استعادت سريعًا هدوءها وابتسامتها المعتادة.
ثم تحدّثت بصوتٍ رقيقٍ صافٍ،
“مرحبًا، يا سيد البرج.”
“مرّ وقتٌ طويل يا صاحبة السمو، وكذلك أنتَ يا سمو ولي العهد، طال الغياب.”
“نعم، لقد مر وقتٌ طويلٌ فعلًا.”
وبعد تبادل التحيات المقتضبة، خيّم صمتٌ ثقيلٌ على المكان، وبدت الأجواء مشحونةً بشيءٍ من التوتر.
ثم جاءت سينثيا التي أصبحت أكثر راحةً مؤخرًا لتهنئ إيفيريا، لكنها شعرت بالاختناق من الجو المشحون، فتمتمت بأنها ستراها في السكن في المساء وغادرت مسرعة.
ريبيكا أيضًا اكتفت بتحيةٍ سريعة وتركت باقةً صغيرة قبل أن تغادر، أما باتريك فارما فقدّم باقةً صغيرة واعتذارًا خافتًا ثم انسحب على عجل.
…..لم يكن على باتريك أن يعتذر في الأصل، فهو لم يفعل سوى ممارسة حقه المشروع في موقفٍ منطقي، لكن إيفيريا لم تستطع مناداته، فاكتفت بإنزال يدها التي رفعتها دون وعي وقد علت وجهها مسحةٌ خفيفة من الحرج.
كان كثيرون يعلمون أن العلاقة بين البرج والعائلة الإمبراطورية ليست على ما يرام، لذا بدأ الحاضرون بالمغادرة واحدًا تلو الآخر بعد أن اكتفوا بالمشاهدة.
وبعد برهة، توجهت أنظار من تبقّى نحو مدخل القاعة، وكذلك فعلت إيفيريا.
و رأت رجلًا ذا شعرٍ فضي مألوف يتجه نحوها بخطواتٍ واثقة. كان إيرميت.
اقترب منها مبتسمًا ومدّ إليها باقةً من زهورٍ بنفسجيةٍ فاتحة اللون، وفي الوقت نفسه أخذ الباقات التي كانت تحملها دون أن ينتظر إذنها.
فارتبكت إيفيريا أمام تصرفه المفاجئ، و سلمته الزهور دون مقاومة.
و هزّ سيد البرج رأسه ببطءٍ وقد بدت عليه الحيرة، بينما تبادل ولي العهد والأميرة النظرة نفسها وكأنهم يتفقون معه تمامًا.
لكن إيرميت لم يبالِ، بل رسم ابتسامةً دافئة بعينيه المائلتين قليلًا و تحدّث بنبرةٍ لطيفة،
“مرحبًا، إيفيريا. مباركٌ فوزكِ.”
“… شكرًا لك. لكن هل يمكنكَ من فضلكَ أن تعيد لي الزهور؟”
قالت ذلك بهدوءٍ تام، شاكرةً أن معظم الناس كانوا قد غادروا القاعة. فأجابها بصوتٍ ناعمٍ وودود،
“لا حاجة لذلك، يداكِ مثقلتان. دَعيني أكون حامل الزهور اليوم.”
“…..ومع ذلك، ألا يمكنني أن أحمل واحدةً فقط على الأقل؟”
كان صوته لطيفًا، لكن كلماته مليئةٌ بالجرأة. فساد صمتٌ قصير كشف دهشتها الواضحة.
لقد مرّ وقتٌ طويل منذ آخر مرة تبادلت فيها مع إيرميت حديثًا سخيفًا كهذا، ويبدو أنها فقدت مناعتها تجاه طريقته، ومع ذلك أحست براحةٍ دافئة تسري في صدرها.
مدّت يدها نحوه مطالبةً باستعادة إحدى الباقات، بينما كانت تضم الأخرى إلى صدرها بذراعها الأخرى.
فناولها إيرميت أصغر باقةٍ يحملها. و ضمّتها إيفيريا مع الباقة الكبيرة التي أهداها لها وأخرى كانت تخصها أصلًا، ثم مدت يدها مجددًا بإصرار.
“قلتِ أنكِ سنحملين واحدةً إضافيةً فقط.”
“لكن الباقة التي أعطيتني إياها لا تُعدّ واحدةً كاملة، بالكاد ربعها!”
تكرّر الموقف نفسه، وراح إيرميت يتفحّص الباقات في يده كما لو كان يبحث عن الأخف وزنًا ليقدّمها.
بينما تابع سيد البرج المشهد بابتسامةٍ ساخرة وهزّ رأسه،
“ما الذي تفعله بحق؟”
رفع إيرميت نظره من الزهور بابتسامةٍ هادئة وردّ بأدبٍ خفيف،
“مرحبًا، السيد لوانِيس.”
ثم التفت بخفةٍ نحو العائلة الإمبراطورية وألقى تحيةً قصيرة،
“وأنتم أيضًا، سمو ولي العهد وسمو الأميرة، سعدت بلقائكما.”
و اكتفى الاثنان بإيماءةٍ مقتضبة ردًا على التحية، بينما عقد سيد البرج ذراعيه ساخرًا،
“من يراكَ الآن سيظن أنني ملأت هذه الباقات بالحجارة.”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 101"