وقبل أن تغوص إيفيريا في دوامة تأملها العميق، بادرها الأمير نيسبيروس بالسؤال.
“ماذا تفعلين إن كان هناك أمرٌ لا ترغبين بالقيام به؟”
لم يكن سؤالًا يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا. ففكّرت إيفيريا لوهلة.
“إن كان أمرًا لا بد منه……فسأفعله.”
“هكذا إذًا.”
واصلت إيفيريا السير وهي تُبقي نظرها منخفضًا بعض الشيء، بينما تعثّرت خطواتهما بحجر صغير في الطريق.
ثم سألها الأمير نيسبيروس مجددًا.
“وإن كان لا بد من فعله، لكنكِ لا تريدينه أبدًا، حتى لو كلفكِ الأمر حياتكِ.”
“سأفعله مع ذلك.”
“همم، فهمت. أنتِ من هذا النوع إذًا.”
انسابت نبرته المتخفية خلف ابتسامةٍ غامضة مع الريح. فعبست إيفيريا قليلًا كما لو أن حديثه أزعجها.
بدا و كأنه يسخر من وضعها الذي يفرض عليها تنفيذ ما لا تريد.
ربما كانت مجرد أوهامٍ في رأسها. فهي لم تحمل قط مشاعر إيجابية تجاه الأمير نيسبيروس.
فضحكت بخفة لنفسها وهي تمسح خصلات شعرها إلى الخلف. بينما تناثرت خصلات شعرها السوداء مع الريح.
راقبها الأمير نيسبيروس بصمتٍ للحظات، ثم تحدث بصوت أجش قليلًا، يجيب عن سؤالٍ لم يطرحه أحد.
“أنا لا أفعل ما لا أرغب به، حتى لو متُّ بسببه.”
“أجل، كما تشاء.”
أومأت إيفيريا برأسها وأبقت عينيها مثبتتين إلى الأمام.
فابتسم الأمير نيسبيروس، و كانت تلك الابتسامة الجانبية نادرةً في جمالها لدرجة جعلت إيفيريا تحدّق فيها رغمًا عنها.
“أردت فقط أن تعرفي. أنا……لا أفعل ما لا أريده……”
أطال نظره في الفراغ، ثم التقت عيناه بعينيها. وعندما اصطدمت نظراتها بعينيه البنفسجيتين، أشاحت بصرها لا إراديًا.
فنقل بصره نحو الفراغ القريب من حيث كانت إيفيريا واقفة، وأكمل حديثه.
“حتى لو اضطررت لتحمّل الخسارة……لن أفعله.”
أومأت إيفيريا برأسها مبتعدةً عنه بخفة. و راقبها وهي تفعل ذلك، ثم اتسعت ابتسامته بعمق.
إن قلبنا كلامه رأسًا على عقب، فذلك يعني ببساطة أن كل ما يفعله هو فقط ما يرغب به.
ثم تنهدت إيفيريا تنهيدةً خافتة.
‘تُرى، ما الذي قصده حقًا؟’
طوال المساء، لم يتوقف الأمير نيسبيروس عن مراقبتها، لكن إيفيريا لم تلحظ ذلك. و كانت غارقةً في اضطراب مشاعرها.
لم تأكل عشائها إلا على مضض، ثم عادت إلى غرفتها غارقةً في التفكير.
كان هناك الكثير لتفكر فيه. حتى دماغها، المنهك من طول المعاناة خلال النهار، كان يصرخ طالبًا الراحة، لكن إيفيريا لم تُعره انتباهًا، وجلست أمام مكتبها.
كانت تشعر بثقلٍ مزعج في صدرها، كما لو أن شيئًا ما يضغطها من الداخل.
كلمات الأمير نيسبيروس، كلماته عن ألا تندم على ما أُعطي لها، و أن تعيش دون ندم……
‘……عليّ أن أكون الأولى.’
دفنت وجهها بين راحتيها.
لماذا قال لها تلك الكلمات؟
هل رآها مثيرةً للشفقة، وهي تكافح بجنون لتتفوق عليه؟
هل يعرف ما يقوله أولئك النبلاء دائمًا عن عامة الناس في الأكاديمية؟
“هذا مزعج……”
تشابكت أفكارها وتشوهت. و شعرت بازدراءٍ لنفسها.
كرهت الطريقة التي تفكر بها، و ضاقت بها نفسها، فقد كانت تزدري ذاتها كثيراً.
وفي لحظة، تركت وجهها وركضت نحو الحمام، تمسك بفمها.
“هاه……آه.”
و تقيأت كل ما كان في جوفها، ثم عادت تترنح نحو مكتبها وجلست من جديد.
كانت حالتها……سيئةً جدًا.
***
“هل تأكلين جيدًا هذه الأيام؟”
“نعم.”
“هل تأكلين العشاء فقط؟”
“لا، لستُ كذلك.”
تلقت إيفيريا سؤاله بحساسية زائدة بعض الشيء.
قلة النوم والضغط المستمر جعلا طباعها تسوء كلما اقتربت فترة الامتحانات، وكان كل من يعرفها جيدًا على درايةٍ بذلك.
وفوق هذا كله، كانت لا تزال تواجه تبعات كلمات أولئك الطلاب.
فتنهدت إيفيريا تنهيدةً خافتة. ورغم حدّة نبرتها، لم يُظهر الأمير نيسبيروس أي انزعاج. بل ردّ بهدوء، وبوجه بدا عليه قليلٌ من البراءة.
“احرصي على أن تأكلي جيدًا.”
“حسنًا.”
“تبدين هزيلة، وهذا يقلقني.”
نظرت إليه إيفيريا بنظرة غامضة يصعب تفسيرها.
في المرة السابقة، باغتها بسؤالٍ غريب، واليوم فجأةً يتفوه بكلمات قلق. فلم تكن تفهم ما الذي يدور في ذهنه تجاهها.
وذلك الجهل بما يكنّه، هو ما جعلها أكثر توترًا.
أحيانًا يطرح أسئلةً مبهمة، وأحيانًا يتدخل في حياتها اليومية، ثم يفيض بكلمات اهتمام وقلق.
كل هذه الوجوه المتناقضة تجتمع في شخصٍ واحد.
ولو لم تكن الآن وسط ضغط الامتحانات، لكانت قد أطلقت العنان لمخيلتها في تصور كل الاحتمالات. لكن إيفيريا لم تعد تملك الطاقة لذلك، فقد كان الغثيان لا يفارقها.
أمسكت بطرف الشوكة، وبدأت تقلب بها في السلطة أمامها، ثم بدأت تأكل القليل منها ببطء.
كان الأمير نيسبيروس يستند بيده إلى خده، يراقبها بزاوية وجه مائلة. وحين شعرت بنظراته، التفتت نحوه بنظرة خاطفة.
عينها كانت تتقلب فيها مشاعر كثيرة، معقدة ومضطربة.
وفجأة، اندفعت مشاعرها، وفاضت عن الحد، فخرج منها سؤالٌ بدا واضحًا أنه وليد لحظة انفعال.
“لماذا تقلق عليّ؟”
“وهل القلق ممنوع؟”
أزاحت إيفيريا نظراتها جانبًا، محاولةً امساك ما فلت من وعيها.
“لا طبعًا، من حقكَ أن تقلق.”
“همم، فهمت. هيا كلي الآن.”
حثّها بلطف، فعضّت إيفيريا شفتها إلى الداخل.
كل شيءٍ في الأمير نيسبيروس كان يزعجها. كان وجوده، وحضوره، وصوته، وحتى اهتمامه—كلها أمورٌ ثقيلة على قلبها.
قرأ الأمير نيسبيروس تلك النظرات التي طغت على عينيها، فاعتدل في جلسته بعدما كان يسند ذقنه إلى يده، لكنه ظل مائل الجسد نحوها.
“أنا لا أفعل شيئًا قد يؤذيكِ.”
كذبة. فمجرد وجوده في أكاديمية لاكانيل، من البداية، كان مؤذيًا لها.
لم ترد عليه، واكتفت بقضم داخل خدّها بينما كانت تلتقط السلطة بصمت وتأكلها ببطء.
طال به النظر إليها، ثم نقر بخفة على سطح الطاولة. فرفعت عينيها نحوه، و رآها، ثم شبك ذراعيه فوق المائدة.
“آه، بالمناسبة……من الأفضل أن تتابعي الصحف جيدًا.”
ثم ارتسمت على وجه الأمير نيسبيروس المائل ابتسامةٌ مبهمة، لا يُفهم مغزاها.
وفي الأيام التالية، لم يحاول الأمير نيسبيروس استفزازها، ولم يعد يضع أمامها طعامًا لم تمد إليه يدًا.
ولهذا……شعرت بالطمأنينة.
لكن الآن، بعد أن عادت إيفيريا تقرأ المقال من بدايته. كانت لا تصدّق ما تراه عيناها.
وأخيرًا، خرجت منها همهمةٌ يائسة.
“……ما الذي يدور برأسه بحق؟”
كل شيء في هذا العالم يبدو وكأنه لعبةٌ في نظر الأمير نيسبيروس.
وربما، لن يفهم أحدٌ يومًا طريقته في التفكير……على الأقل ليس أحدًا من الناس العاديين.
سحقت إيفيريا الصحيفة في قبضتها.
لم تكن لتقرأ الصحف أصلًا خلال فترة الامتحانات. لكنها جعلت لذلك استثناءً في الأيام الماضية، فقط بسبب كلماته.
وهذا الاستثناء، هو ما بدأ الآن يتحول إلى عبءٍ خفي يؤرقها.
سُحقت الصحيفة مجددًا بين يديها. وزفرَت تنهيدةً ثقيلة.
“……لماذا؟”
لم تكن إيفيريا قادرةً حتى على تخمين السبب الذي جعل الأمير نيسبيروس يطلب منها متابعة الصحف.
في الصحيفة التي باتت الآن مجعدةً تمامًا، نُشر خبرٌ عن شجار اندلع بين الأمير نيسبيروس وبعض نبلاء الأكاديمية.
كان هناك أيضًا تلميحاتٌ خفية تدين سلوك هؤلاء الطلبة في حياتهم اليومية، لكن عينا إيفيريا التصقتا بتلك الفقرة التي تحدّثت عن الأمير نيسبيروس.
اعتداءٌ شبه أحادي الجانب. و تعليق إضافي أشار إلى أنه لم يُخفِ طبيعته العنيفة.
بولوديس، تين، وكريلان. أبناء ثلاث عائلات نبيلة، كانوا هم الطرف الآخر في الشجار.
ثم ارتجف بريق الحيرة في عيني إيفيريا.
منذ قدومه إلى أكاديمية لاكانيل، كان الأمير نيسبيروس يثير الكثير من الجلبة في البداية. لكن مؤخرًا، لم تُسمع حوله أي شائعاتٍ سلبية. بل على العكس، كان يتحدث ويتصرف معها دومًا بلطف ظاهر.
هزّت إيفيريا رأسها تحاول تبديد أفكارها.
‘لا……من البداية، سبب مجيئه إلى هنا……’
تذكّرت ما قالته لها سينثيا، أن قدوم الأمير نيسبيروس إلى لاكانيل لم يكن سوى نتيجة اعتدائه على نبلاء آخرين.
فخرجت ضحكةٌ ساخرة من بين شفتي إيفيريا المطبقتين.
‘يجب أن أكون حذرة.’
كان الأمير نيسبيروس بالنسبة لها شخصيةً معقدة للغاية.
عندما تفكّر فيه، تغمرها مشاعر متناقضة……معظمها سلبي، لكن في بعض اللحظات، تشعر بقليلٍ من الشفقة……أو حتى الامتنان.
غير أن أقوى شعور يسيطر عليها الآن تجاهه، هو الخوف.
خوفٌ من المجهول. خوفٌ من أن يصيبها منه أذى.
ارتفعت حدة الحذر في عقلها من جديد. فهو شخص لا يُستبعد منه شيء.
عند التعامل مع الأمير نيسبيروس، كان يجب أن تبقى في حالة يقظة دائمة. وإلا……قد تكون هي الضحية التالية في خبر صحفي آخر.
لا، بل قد تختفي من الوجود دون حتى أن يذكرها أحد. فهي، في نهاية الأمر، مجرد فتاة من العامة……لا تملك أي قوة.
سحقت إيفيريا الصحيفة في قبضتها تمامًا، ثم رمتها في سلة المهملات وتابعت سيرها.
***
‘لماذا لا تبدين سعيدة؟’
كان يريد أن يسألها عن ذلك.
و لماذا يشعر وكأن المسافة بينهما قد زادت؟
***
“هل تتابعين الصحف جيدًا؟”
“نعم.”
ظهر في الأكاديمية بوجه خالٍ من الانفعال، كأن شيئًا لم يكن. ورغم أن فترة الامتحانات كانت جارية، إلا أن الكثيرين لم يتوقفوا عن الهمس بشأنه.
مضت فترةٌ من الزمن على ضجيج الشائعات التي ربطت بينه وبين إيفيريا، وتلك الأخبار التي تحدّثت عن خطوبته. والآن، ها هي شائعةٌ جديدة تتفجر من العدم بعد فترة هدوء طويلة.
ولو أراد إيقافها، لما احتاج سوى نظرةٍ واحدة، فذلك وحده كان كافيًا لإسكات الجميع. ومع ذلك، بدا الأمير نيسبيروس غير مبالٍ تمامًا بكلامهم.
كان مستلقيًا على طاولة المكتب، و نصف جسده مائلٌ نحو الأمام، يحدّق بإيفيريا.
“ما رأيكِ؟”
“عفوا؟”
تصادمت نظراتهما في الهواء. إحداهما حملت بريق ابتسامة خفيفة، والأخرى انطوت على توتر وخوف دفين.
وبينما يقرأ الأمير نيسبيروس ما في عينيها، خفتت ابتسامته شيئًا فشيئًا.
“الصحيفة.”
كانت إشارةً مقتضبة. و في الحال، استدعت إيفيريا من ذاكرتها ذلك المقال الذي نُشر بالأمس عنه، وجسدها كله تجمّد.
“نعم……سأكون حذرة. هل هذا كل شيء؟”
ازداد التوتر في جسدها الذي كان أصلًا مشدودًا.
“لا.”
ثم أجاب باقتضاب. وكانت ابتسامته اللامعة قد اختفت تمامًا.
_____________________
وش السالفه هو وش يبي يوصل له بالضبط 😭😭😭😭
يوم جت سالفة الضرب جسبتهم بينقص درجات عشان كذا مب صاير الاول بس ماقالوا شي اجل وش يبي ؟
المؤلفه حاطتنا في الهامش مع ايفيريا ماندري وش السالفه😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"