1
اقترب الرجل من جهة إيفيريا وهو يبتسم كما لو كان لا ينقصه شيء ما.
بزيٍ مدرسي مألوف. شارةٌ أرجوانية تدل على أنه في السنة الثانية.
وحين تأكدت إيفيريا من تلك التفاصيل، عادت عيناها إلى الكتاب مجددًا.
ثم شعرت بوجودٍ غريب أمامها، فرفعت رأسها. و كانتا عينان ذات جفن مزدوجٍ خفيف تحدقان بها.
“نظارتكِ تبدو جميلة.”
“هل ترغب بها؟”
أجابت إيفيريا برد فعل تلقائي. لكنه لم يرد على كلماتها، بل ابتسم ابتسامةً أعمق.
***
وقفت إيفيريا أمام مبنى المكتبة، أخذت صحيفةً من الرف، وطوتها بعناية لتتمكن من قراءتها بسهولة.
كما هو معتاد، كانت الصحيفة مليئةً بأخبار النبلاء الذين شاركوا في موسم الظهور الأول، وبعض القيل والقال التي لا جديد فيها.
مررت إيفيريا يدها في شعرها، ثم بدأت تقلب صفحات الصحيفة بعادة مألوفة. وفجأة، ظهر أمامها……
“همم؟”
وجهٌ غريب……لكنه مألوف.
وقفت إيفيريا ثابتة في مكانها، وأخذت تمرّ بسرعة على الصحيفة بعينيها.
و إلى جانب العنوان: “الأمير نيسبيروس يحقق أعلى درجة في تاريخ اختبار القبول بأكاديمية لاكانيل”، كانت هناك صورةٌ لوجه مألوف للغاية.
شعرٌ فضي نادر، وعينان أرجوانيتان أكثر ندرة. تلك العينان كانت حادتان تعطيان انطباعًا بالحساسية، وشفاهٌ ممتلئة قليلًا.
باستثناء غياب الابتسامة، كان هو نفسه تمامًا.
حدّقت إيفيريا في الصورة للحظات بذهول.
كانت قد سمعت عن الأمير نيسبيروس من قبل عدة مرات، وكانت معظم الأحاديث عنه شائعاتٌ سيئة.
و تصرفاته الفريدة ظهرت في الصحف أكثر من مرة، لكن لم تُنشر صورته أبدًا، ولهذا بدا مظهره اللافت غريبًا عليها.
“لا بأس……لقد كنت مؤدبةً جدًا معه.”
همست إيفيريا لنفسها بذلك مبررة، فعاد إلى وجهها هدوؤه المعتاد.
طالما أن الأمر لا يسبب لها أذى، كانت إيفيريا لا تبالي بمعظم المواقف.
بمعنى آخر، كانت تفضّل تجنب المواقف التي قد تضرّ بها بطريقةٍ أو بأخرى.
لا داعي للانخراط، ببساطة. هكذا فكرت إيفيريا ببساطة.
فالأمير نيسبيروس كان في النهاية شخصًا يعيش في عالم مختلف تمامًا عن عالمها.
فطوت الصحيفة بعناية، وبدأت تسير بخطى بطيئة.
“إيفيريا!”
كان الصوت الذي ناداها من الخلف مألوفاً إلى حد ما. فالتفتت إيفيريا لترى رفيقتها في الغرفة، سينثيا، وقد اقتربت منها بالفعل.
“إيفيريا، كنتِ هنا؟ ألم نتفق أن نتناول الغداء معًا؟”
“كنت أقرأ هذا……آسفة. لكن شعرت أنه يجب أن أعرف على الأقل كيف يسير حال العالم……”
“حسنًا، حسنًا. هيا نذهب! أنا أموت من الجوع الآن. أنتِ تعرفين أني لم أتناول الفطور اليوم.”
كانت خطوات سينثيا مليئةً بالحيوية، وإيفيريا، رغم ابتسامتها المحرجة، لحقت بها بهدوء.
“هل تنوين الدراسة اليوم أيضًا؟ لا تقولي أنكِ ستفعلين ذلك! إنها عطلة نهاية الأسبوع! وقد انتهت الامتحانات البارحة!”
“نعم. بعد الغداء سأمرّ على المكتبة، ثم أذهب إلى قاعة المذاكرة. هل تودين المجيء معي؟”
صُدمت سينثيا بشدة.
ما الفائدة من الدراسة في عطلة نهاية الأسبوع بعد انتهاء الامتحانات؟
ابتسمت إيفيريا وهي ترى تعبير وجه سينثيا، وعيناها مقلصتان كأنها لا تصدق.
“هل الأمر يستحق كل هذا الانزعاج؟”
“الغريبة هي أنتِ. لم أظن أن أحدًا يحب الدراسة، لكن يبدو أنني أعيش بجانب أحدهم.”
لم تكن إيفيريا تدرس لأنها تحب ذلك، لكنها لم تجد داعيًا لتصحيحها. فقط ابتسمت بهدوء.
في أكاديمية لاكانيل، حيث يجتمع نبلاء الإمبراطورية والنخبة من الموهوبين، كان تفوق إيفيريا المستمر منذ دخولها ثمرة جهدٍ لا ينتهي.
وكان هناك سببٌ يجعلها مضطرةً لبذل ذلك الجهد.
صحيحٌ أن هناك من يولد بموهبةٍ تسحق حتى هذا الجهد، لكنها لم تصادف شخصًا كهذا حتى الآن.
فجأة، خطر ببالها المقال الذي قرأته للتو. أعلى درجة في تاريخ اختبار الانتقال. فتجمّد تعبير وجهها.
“الأمير نيسبيروس……”
“هل تعرفينه؟ غريبٌ فعلًا.”
“لا، فقط……كما قلت، أعرف كيف تسير أمور هذا العالم.”
سألت سينثيا وكأنها حقًا مندهشة، فضحكت إيفيريا من السخافة.
هل كانت تراها شخصًا معزولًا عن العالم لا يفعل شيئًا سوى الدراسة؟
رمشت إيفيريا عدة مراتٍ وقد ارتبكت قليلًا. وعندما فكرت في الأمر، كان من المحزن فعلًا أن هذا الوصف يصعب دحضه.
حتى من وجهة نظرها، فهي بالفعل ليست مطّلعةً كثيرًا على ما يدور في العالم.
صحيحٌ أنها كانت تتابع أخبار الصحف جيدًا، لكن عندما يتعلق الأمر بالشائعات التي تنتقل من فم إلى فم، فهي أضعف بكثير من باقي الطلاب.
تحدثت إيفيريا بتردد، كما لو كانت تتمتم ببطء لتتأكد من نفسها،
“لقد نُشر مقالٌ يقول أنه سينتقل إلى أكاديميتنا.”
“صحيح! ويقال أنه حقق أعلى درجة في تاريخ اختبار الانتقال!”
“أتساءل كيف انتهى به الأمر هنا؟”
نظرت سينثيا حولها قليلًا، ثم مالت برأسها نحو إيفيريا، التي أمالت رأسها بدورها لتسمعها.
“هذه مجرد إشاعة، ولا أعلم إن كانت صحيحة……لكن يُقال أنه كاد يقتل أحد الطلاب النبلاء في أكاديميته الأولى.”
“وكيف حدث ذلك؟”
“لا أعلم، لكن لو كان هناك سببٌ مقنع، لما اضطر الأمير إلى مغادرة الأكاديمية، أليس كذلك……؟”
“عائلة الدوق نيسبيروس ليست عائلةً عادية، أليس كذلك؟ بمقدورهم التستر على أي شيء تقريبًا.”
قالت سينثيا ذلك بكل بساطة. فوجدت إيفيريا نفسها تتفق مع هذا الكلام دون قصد.
“حتى لو كانت الشائعة مبالغًا فيها، الأمر مخيف. أليس كذلك؟”
“بلى. لذا، احرصي على ألا تتورطي معه.”
“كنت أنوي فعل ذلك أصلًا. أنا فقط أريد أن أعيش بهدوء.”
راجعت إيفيريا أهدافها من جديد: أن تعيش بهدوءٍ حتى تتخرج من الأكاديمية، ثم تؤسس مصدر دخل ثابت لتحيا دون أن تعاني من الجوع.
ولهذا السبب كانت مشاركاتها في أنشطة الأكاديمية أقل بكثير مقارنةً بباقي الطلاب المتفوقين عبر تاريخ الأكاديمية.
لكن هو عبقري، وهي الأولى على دفعتها، لذا لا مفر من أن يصطدما يومًا ما. كان ذلك أمرًا طبيعيًا إلى حد ما.
خفضت إيفيريا نظرها وعضّت شفتها بتوتر.
فقد كانت تنوي أن تتعامل مع الأمير نيسبيروس بأقصى درجات التواضع.
***
توقعت إيفيريا أن يأتي يومٌ تلتقي فيه بالأمير نيسبيروس. لكنها لم تكن تعلم أن ذلك اليوم سيكون أول يوم في الفصل الدراسي.
“مرحبًا؟ مر وقتٌ طويل، أليس كذلك؟”
عند سماع الصوت المألوف، قطّبت إيفيريا حاجبيها وسرحت يدها في شعرها. ثم رفعت عينيها عن الكتاب فرأت وجهًا مألوفًا تمامًا.
في قلبها، كانت تنادي طلبًا للعون، لكن صوتها خرج هادئًا وهي ترد،
“مرحبًا.”
“أنتِ تتذكرينني، أليس كذلك؟”
تلألأت عيناه وهو يسأل. وكان حدس إيفيريا يصرخ بداخلها أنها يجب أن تُجيب بحذر شديد الآن.
وبعد لحظة من التردد، أومأت برأسها.
“هذا مريح.”
ابتسم الأمير نيسبيروس ابتسامةً صافية، وانحنت عيناه بشكلٍ دائري جميل، ليخلق من حوله هالةً مشرقة.
فنظرت إيفيريا إلى وجهه بطرف عينها ثم سارعت بتحويل نظرها. فقد كان يملك مظهرًا خارجيًا جميلًا بشكل مبالغ فيه.
كانت أنظار الطلاب في القاعة مركزةً بالكامل على إيفيريا والأمير نيسبيروس.
وفي محاولةٍ لفهم سبب اقترابه منها، تدفقت في عقل إيفيريا آلاف السيناريوهات المحتملة.ووفي الوقت نفسه، كان من الصعب عليها أن تُبعد عينيها عنه.
“……أين؟”
سألها الأمير نيسبيروس وهو يبتسم ابتسامةً مشرقة وجميلة. ففزعت إيفيريا قليلًا وردّت بسؤال،
“عفوًا؟”
“أقصد، في أي صف أنتِ فيه الآن؟”
“أنا الآن في تاريخ الإمبراطورية. الحصة هنا مع الأستاذ فيريل.”
نظرت إيفيريا إليه بطرف عينها ثم خفضت رموشها بسرعة. كان ذلك لأنها التقت بعينيه، وكان في عينيه شيء غريب، ضوءٌ غير مألوف.
“وأنا أيضًا في تاريخ الإمبراطورية.”
“آه، فهمت.”
ردّت إيفيريا برد آلي وهي تطرف بعينيها ببطء.
إذًا لماذا اقترب منها؟ ما زالت لا تفهم.
“هممم……تفضل بالجلوس هنا. سأذهب أنا إلى مكانٍ آخر.”
“هاه؟”
بدت علامات الاستغراب على وجه الأمير نيسبيروس، لكن إيفيريا وقفت من مقعدها بحركة متصلّبة.
لو رأت سينثيا هذا المشهد، لكانت صرخت بها أن تزيّت مفاصلها بالقليل من الزيت.
فبعد تفكيرها في أسباب حديثه معها، لم يخطر ببالها سوى أنه ربما يريد مقعدها.
جمعت إيفيريا قلمها الذي تحمله دائمًا معها، وكتابها الدراسي، ودفتر ملاحظاتها، ثم توجهت إلى المقاعد الخلفية.
وقد بدت حواجبها منحنيةً بحزن وهي تتخلى عن مقعدها المعتاد.
فالصف الثاني من الأمام، في المنتصف بالضبط. لا يؤلم الرقبة، وتُرى الكتابة بوضوح، ويسهل التركيز فيه. كان ذلك المكان المفضل لدى إيفيريا، وكانت تحبه حبًا شديدًا.
“اجلسي معي.”
“عفوا؟ لا، لا بأس. اجلس وحدكَ براحتك يا سيد.”
أجابت إيفيريا بسرعة، ثم شعرت بأنها ربما بالغت في نبرة الرد، فتوقفت لحظةً بتوتر. لكن رغم ذلك، لم تكن مرتاحةً أبدًا لفكرة الجلوس بجانب الأمير نيسبيروس.
في الحقيقة، لم يكن الأمر كرهًا بقدر ما كان خوفًا.
ومضت إيفيريا مبتعدةً بخطى واسعة دون أن تلتفت خلفها.
“في المرة القادمة، اجلسي بجانبي، موافقة؟”
تظاهرت إيفيريا بعدم السماع وجلست في مقعد مناسب.
كانت تفكر بتهاون: “إن قلتُ أنني لم أسمعه، فلن يلومني أحد.”
لكن رغم تجاهلها، واصل نيسبيروس الحديث إليها بنفس نبرته الهادئة،
“إيفيريا دِيل؟ ستجلسين بجانبي في المرة القادمة، صحيح؟”
فشحبت ملامح وجه إيفيريا على الفور. فقد كان أميرٌ من النبلاء يعرف اسمها.
صحيحٌ أنها فكرت من قبل في أنه قد يعرف اسمها، لكن سماعه منه مباشرة كان أمرًا مختلفًا تمامًا.
كان ذلك بمثابة ضغطٍ هائل عليها. و تحذيرٌ خفيّ: “أنا أعرف من أنتِ.”
رغم نبرة صوته اللطيفة، إلا أن الرسالة لم تكن كذلك بالنسبة لإيفيريا.
وفي النهاية، لم يكن أمامها سوى أن تلتقي بعينيه وتومئ برأسها بالموافقة.
صعوبة حياتها كانت مرتفعةً للغاية، وزادت عينا الأمير نيسبيروس البريئتان الطفوليتان من حدة ذلك الألم في قلبها.
“استمتعي بالحصة.”
أومأت إيفيريا برأسها بخفة، فابتسم مجددًا.
ذلك الوجه الجميل البريء……هل كان حقيقيًا فعلًا؟ أم مجرد قناع متقن؟ وإن كان قناعًا، فما الدافع خلفه؟
امتلأ رأس إيفيريا بالتساؤلات. ثم دخل الأستاذ وبدأ الدرس، لكن إيفيريا بالكاد استطاعت التركيز.
لم يحدث لها هذا مطلقًا منذ أن التحقت بالأكاديمية.
وبعد انتهاء الدرس، نظرت في دفترها لتجد خطًّا يشبه ما يُكتب بالقدم لا بالقلم. و لا يمكن لأي أحد أن يصدق أن هذا من دفاتر إيفيريا دِيل، المعروفة بخطها الأنيق.
قطبت جبينها وهي تحدق طويلًا في الصفحة، ثم نزعتها ومزقتها دون تردد.
فما كُتب لم يكن سوى تدفقٍ مشوش للأفكار، دون أي مضمون من الدرس، فلم يكن هناك ما يستحق الاحتفاظ به.
ثم تنهدت بعمق، وأسندت خدها على الطاولة وهي تستلقي بجانب كتبها.
كانت غاضبة. من ذلك الإنسان المليء بالمتغيرات، الذي اقتحم حياتها الهادئة.
ومن نفسها، لأنها لا تزال تفكر في كلماته بعد أن تحدث معها لمرة واحدة فقط.
‘……ما خطبي؟’
بدأت تشك في قدرتها على التركيز فيما تبقى من دروس اليوم. و في تلك اللحظة، جلس أحدهم إلى جوارها.
فرفعت جسدها بسرعة وقد عبست بتوترٍ بشكل انعكاسي.
______________________
اتوقع الاغلب يعرف بس اذا عيال الدوق أو أقارب للعائلة الحاكمه عادي يسمونهم أمير
المهم البطل نشبه واضح حبها من اول مره بس يضحك ليه اشك انه نقل عشانها؟😭
وشخصية ايفيريا بعد حلوه واضح الروايه مره خفيفه دامها بس 122 فصل🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 منذ 3 أيام
- 2 منذ 3 أيام
- 1 منذ 3 أيام
- 0 - المقدمة: في يومٍ ما من المستقبل منذ 3 أيام
التعليقات لهذا الفصل " 1"