**الفصل السابع والتسعون**
“إن احتجتِ إليّ يومًا في خطة انتقامك، فأخبريني حينها.”
هكذا تكلم هاديس.
فلْيغرقْ في أوهامه كما يشاء.
فغايتي، في الماضي كما في الحاضر، لم تكن سوى الخروج من هذا السجن.
“هه، يا صغيرتي، الإنتقام؟ لا حاجة لي به. تذكري هذا فقط: سأخرج من هنا… مهما كلّف الأمر.”
لِمَ أُقحِم نفسي من أجل شخص مات بمحض إرادته، مدّعيًا أنه لا يحتاج إلى الانتقام؟
عدتُ إلى غرفتي.
“أوه، ألم تكن نائما؟”
رغم أن الوقت كان متأخرًا في الليل، كان هيليوس مستيقظًا، جالسًا على سريره دون أن يغط في النوم.
كان يعانق إحدى ركبتيه، متكئًا بظهره على الحائط. بدا كطفلٍ أُجبر على الاستيقاظ من نومه، فمزاجه متعكر.
هل استيقظ لأنه سمعني وانا انهظ ؟ فكرتُ أن طباعه المزعجة قد تكون مزعجة بالفعل، لكنني لم أكره ذلك.
فأنا أيضًا لم أكن أكره وجود جسدٍ قريب مني. كما أن قامته الطويلة وعضلاته المفتولة جعلته مثاليًا.
“… لقد اختفى معلمي.”
“يا إلهي، لا تستطيع النوم لأن معلمك اختفى؟ يا لها من مشكلة كبيرة، أيها الطفل.”
هززتُ كتفيّ، ثم جلستُ بجانب هيليوس بهدوء وتأنٍ.
“ماذا ستفعل إن غبتُ أنا الآن؟”
توقعتُ أن يثور غضبًا، كعادته، على لقب “الطفل” الذي أطلقته عليه.
لكن، ما الذي حدث؟
“حقًا.”
“…”
“ماذا أفعل إن غبت؟”
رفع هيليوس وجهه ببطء، وكان قد وضعه على ركبته، ثم تكلم.
شعره الذي كان دائمًا أنيقًا، حتى في هذا السجن البائس، وثيابه، كانت كلها في حالة فوضى.
ربما لأنه استيقظ للتو، لكن هذا المنظر أثار فيّ شعورًا غريبًا.
حتى عندما اقتربت يده وأمسكت بمعصمي.
حتى عندما شعرت بجسده ينزلق نحوه ببطء.
]ملاحظة: ترى هو عارف انها مراة]
وحتى عندما نظر إليّ من الأعلى، وأنا مستلقية تحته، لم أشعر بالغضب. ربما بسبب تلك اليد التي امتدت كما لو كانت تعمد إلى الإغواء.
أغلق هيليوس عينيه وهو يضع يدي على خده.
“الكيا خاصتي مضطربة.”
هل رأى كابوسًا آخر؟
“ماذا ستفعل إن غبتُ؟”
رموشه التي كانت ترتجف بعدم استقرار عادت إلى هدوئها، ثم فتح عينيه ببطء.
“سأموت.”
نظر إليّ بعينين تلتمعان ببريقٍ حاد، ونطق الكلمة بوضوح.
“إن لم يكن سيدي موجودًا.”
كان وقحًا في حديثه، لكنه لم يكن يهدد. بدا صوته أقرب إلى صرخة يائسة يطلقها رهينة إلى خاطفه.
في الأيام التي كنتُ فيها سجينة عادية، شهدتُ في السجن الكثير من أزمات الرهائن، لذا لم يكن من الصعب تخيل ذلك.
“ما الذي يجعلك مضطربًا إلى هذا الحد؟”
بدت عيناه هادئتين كما لو عادت إلى طبيعتها، لكن طاقة كيا لديه كانت لا تزال تتأرجح بعدم استقرار.
“ألم أقل إنني سأبقيك على قيد الحياة؟”
فركتُ خده بإبهامي بلطف وأنا أتكلم.
كانت بشرته، التي كانت ناعمة ومصقولة في بداية البرج، قد أصبحت الآن أكثر خشونة وملامحه أكثر رجولة.
هل هذه آثار الزمن الذي دفنته؟ شعرتُ برضا غريب وأنا أميل رأسي متسائلة.
في الحقيقة، لم يكن هذا الموقف يروق لي تمامًا.
“ألم يكن وجودي كفيلًا بمنع الكوابيس؟”
كان ينام بعمق كلما نام بجانبي .
“لمَ لا تستطيع النوم؟”
كنتُ أكره فكرة أن كابوسًا، أو أي وجود آخر، يهز هيليوس الآن.
إن كان لا بد من هزه، فأنا من يجب أن يفعل ذلك.
ما الذي ينقصه ليهتز هكذا؟
كنتُ أعلم أن هذه الأفكار متسلطة بشكلٍ مَرَضي، لذا أغلقتُ فمي دون أن أنطق بها.
“هيا، سيدك متعب. الأطفال الجيدون ينامون مبكرًا.”
“…”
غريب. كان من المفترض أن يثور غضبه الآن، لكنه لم يفعل.
مددتُ يدي الأخرى وأنا مستلقية. هيليوس، ممسكًا بذقني، ظل ينظر إليّ بهدوء من الأعلى.
“ما الأمر؟ ما الذي يزعجك؟”
“لا شيء.”
“نبرتك تقول غير ذلك، أيها التلميذ.”
“حقًا، يا سيدي؟”
بدت في عينيه شرارة العناد التي يظهرها عندما يواجه خصمًا أقوى منه.
ثم أمسك يدي التي كانت على خده بقوة، وقضم شفتيه بهدوء.
هل هذا العناد يتبعه الطيش؟
قبل أن أحكم، سأل هيليوس:
“… سيدي، هل كان هناك رجل؟”
رمشتُ بعينيّ. أي سؤال مفاجئ هذا؟
“أي رجل؟”
هذا السجن مليء بالرجال. ألا يعرف ذلك؟
حدّق هيليوس بي، ثم قضم شفتيه بقوة وأكمل:
“رجل كنت على علاقة عاطفية معه، أو شيء من هذا القبيل.”
“…”
“أو رجل يحبك بصمت… أو رجل معجب به أنت.”
شعرتُ بمزيد من الحيرة، وهذا نادر. ما هذا الهراء؟
“هل أجبره أحد على تناول عقار خطير في غيابي؟”
“إنها نزوة نوم مذهلة.”
“ليست نزوة نوم. هل هكذا تبدو؟”
“تبدو كمن فقد عقله قليلًا.”
ارتجف عند سماع رأيي الصادق، لكنه لم يتراجع.
“إذا بدوتُ مجنونًا في عيني سيدي، فقد بلغتُ القمة.”
“هيليوس.”
ظل يطحن أسنانه دون أن يتراجع. ربتتُ على مؤخرة عنقه بلطف، كما لو كنتُ أهدئ حيوانًا منفعلًا.
“أولًا، ألا ينبغي أن تسأل إن كان الرجال هم ذوقي؟”
* * *
“أمر غريب.”
ليس هيليوس، بل أنا، مينت، من يتحدث بعقلانية الآن. بدا أن هيليوس يفكر في الشيء ذاته، إذ ارتجف قليلًا.
في الحقيقة، شعر هيليوس بلحظة من التردد. لقد رأى فجأة، صورة سيدته الحقيقية داخل البرج، مع رجل آخر بجانبها.
وكان ذلك الرجل، للأسف، وسيمًا بشكلٍ استثنائي…
شعر بالقلق.
نعم، لقد احترق قلبه.
“لم أكن أعلم أن قول ‘ليس لدي تحيزات’ ينطبق هنا. إذن، هل كنتَ تربطني بكل الرجال طوال هذا الوقت؟ أنتَ أكثر وقاحة مما كنتُ أظن.”
“… لم أفعل ذلك أبدًا!”
“لم تفعل؟ حقًا؟”
لم يستطع هيليوس الرد. لم يعد يرغب في التظاهر بأن الأمر ليس كذلك أو أنه لا شيء.
“إذن، هل لديك حبيب؟”
“لا. لا أحب أحدًا، ولم أفعل من قبل.”
كنتُ ألاحظ غرابة هيليوس، وكيف أن طاقة كيا لديه تتأرجح بعدم استقرار.
لكن مع استمرار الحديث، بدلًا من أن تهدأ، أصبحت كيا أكثر اضطرابًا.
هل أمسك برأسه وارغمه ليهدأ وينام؟
فكرتُ في هذا وأنا أكمل حديثي. يبدو أن اليوم يوم استثنائي.
“لكن هذا ما أعرفه. مهما حدث، ما أفعله لن يكون حبًا.”
“ما الذي تعنينه؟”
“أليس الحب هو ما يجعل القلب يرتجف؟”
ابتسمتُ مينت بمكر.
ابتسامة مشابهة لتلك التي كانت عند لقائنا الأول، تحمل شيئًا من الخبث والهدوء المتعالي.
أزلتُ يدي من ذقنه، ثم وضعتها على صدره قرب قلبه، وأنا أضغط بلطف.
هنا المكان الذي إذا طُعن، يموت الإنسان.
لكنه أيضًا المكان الذي يحمل كل المشاعر، الفرح والحزن والحب، كما لو كان بإمكانه احتواء “الحب” بأكمله.
“ما أفعله سيكون مجرد حبس ذلك الشخص في قلبي.”
ربما ليس القلب بالضرورة، بل أي مكان يمكن أن يحتويه، حيث يتنفس ويأكل ويشرب وينام.
مررتُ إصبعي ببطء على صدر هيليوس قرب قلبه، حتى عبس وأغمض عينيه.
“سواء صرخ، أو رفض، أو كره ذلك، سأكتفي بما في يدي. هذا أنا.”
تذكرتُ مينت أمرًا من الماضي.
“ههه، أيتها القائدة، هل ستحتفظين بمارلا حتى
بتلك الطريقة؟ هذا جنون. هل تعتقدين أن مارلا تريد ذلك؟”
“غريب. الجميع شاهدوا موت مارلا دون فعل شيء، فما المشكلة في الاحتفاظ بها؟”
أردتُ امتلاكها، السيطرة عليها. قالت ماما إنني لست غير طبيعية، لكن ردود فعل الآخرين أخبرتني أنني “غير طبيعية”.
“ليس حبًا، بل هوس. لذا لا أرغب فيه كثيرًا.”
واصلتُ مينت الابتسام.
وأنا أتحدث، وقد زال الخبث من ابتسامتي، لكنني كنتُ أنشر شيئًا لا يمكن الاقتراب منه.
كنتُ أُكنّ لهيليوس مودة.
كائن ذو قيمة مذهلة وصل إليّ بمحض الصدفة. موهبة يمكن أن تصبح عظيمة إذا صقلتها.
كنتُ أرغب في رفع مستواه إلى الكمال دون أي عيب.
لكنني كنتُ أدرك دائمًا أنه لكي ينمو، يجب أن يتحطم ويصطدم بمفرده.
لكنه الآن بين يديّ. أليس من حقي أن أفعل به ما أشاء؟
كنتُ أكبح هذا الشعور تحت اسم “السيد”.
“لذا، هيليوس، لا تسأل عن هذه الأشياء. ماذا لو أسأت فهمك؟”
من يدري ماذا قد يفعل مستغلًا ذلك؟
أمسكتُ مينت بياقته وسحبته. حان وقت النوم. إن تأخرنا أكثر، ستبزغ الشمس.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 97"