كيف لا تسمع، وهي تقف إلى جانبه مباشرة، تنظر إليه بإصرار؟
نعم، هذا بالضبط هو الهمّ الذي يؤرقه.
لقد أصبحت المسافة بينه وبين مينت قريبة. قريبة بشكلٍ مفرط.
لو كانت هذه القربة بين قلبيهما، لكان ذلك رائعًا. لكن، للأسف، إنها مسافة مادية بحتة.
بمعنى آخر، لم تكن مينت تفارقه أبدًا بأكثر من مسافة معينة.
“ماذا لو طار سيفٌ فجأة نحوي؟”
“هذا مكان للراحة، ولا يوجد هنا سواي ورفاقي.”
“أرأيت؟ هذا بالضبط ما يجعل الأمر مستحيلًا.”
“ما الذي يجعله مستحيلًا؟”
المشكلة أن هذه القربة لا تعيق التدريب فحسب، بل إنها تضرّ بقلبه ضررًا بالغًا.
نعم، هذا الأخير هو المشكلة الأكبر.
لم يستطع هليوس التركيز على السلاح الذي يحمله، فمرّر يده على وجهه مرة أخرى.
كان يشعر وكأنه يمسك وجهه كل عشر ثوانٍ.
“ماذا لو اختنقتُ ومتّ؟ سينفطر قلب أستاذي حتمًا.”
“يبدو أن هراءك يتطور يومًا بعد يوم.”
هزّت مينت كتفيها بلامبالاة.
للحظة، شعر هليوس بحدّة في حواسه. تراجع بسرعة إلى الخلف.
ثم انحنى.
في المكان الذي كان رأسه يقبع فيه، مرّ فأسٌ يُهوى بقوة.
“آه، يا للأسف.”
“ألم تقول قبل لحظات إنك تخشى أن أُصاب أو أُطير بعيدًا؟!”
“لكن عندما أراك تعود متألمًا بعد أن يضربك الآخرون، أفكر أن ضرباتي أرحم!”
“هذا بالضبط ما أسميه هراء!”
“هذا قاسٍ جدًا!”
“وما هذا الأسلوب في الكلام؟ توقف عنه فورًا.”
تصادم سلاح هليوس مع سلاح مينت، متشابكين في صراع.
كانغ!
تساوت قوتاهما في توازنٍ محكم.
آه، ها قد حدث ذلك مجددًا.
لم تكن المسافة هي الوحيدة التي تغيّرت.
نظرات مينت.
شعر هليوس أن نظراتها أصبحت مختلفة عما كانت عليه من قبل. لم يستطع تحديد الفرق بدقة.
كان التغيير طفيفًا، لكنه لاحظه فقط لأنها كانت دائمًا هادئة بشكلٍ فائق، ولأنه كان يركز عليها بكل ما أوتي من قوة.
“أستاذي، أشعر بالإهانة.”
ابتعدت مينت عنه، وفي اللحظة ذاتها، اختفت من أمامه.
ظهرت خلفه، وهوت بمرفقها نحوه.
هوووش!
بوم!
استدار هليوس نصف دورة بسرعة ليصدّ الهجوم، لكنه لم يتحمل قوة الارتداد، فتطاير وهوى أرضًا.
ما فائدة القرب إذا لم تتغير قسوة ضرباتها؟
هزّ هليوس شعره المبعثر، ونقر بلسانه “تسك”.
بينما نهض، تذكّر بوضوح.
بدأت تغيّرات مينت منذ ذلك اليوم الذي منعها فيه من معاقبة بريت.
يومها، تذكّر كيف ترك بريت خلفه، وحُمل على كتف مينت كما لو كان شوال بطاطا.
في الحقيقة، لم يكن هليوس يعتقد أن صراخه سيوقف مينت.
لم يكن يحمل أي توقعات.
كانت تُعامل بريت وكأنه شيء خاص، لكن، في النهاية، كان ذلك مجرد لطفٍ وعطفٍ من طرفٍ واحد منها.
لطفٌ أناني، يمكنها سحبه في أي لحظة.
كان يظن أن أستاذه، من يفعل دائمًا ما يحلو له، سيتجاهله كما يفعل أثناء التدريب.
لذلك، بينما كان محمولًا على كتفه، شعر، بشكلٍ محرج، بالحماس والسعادة.
دفن وجهه في ظهره كي لا يُرى، بالطبع.
لكن، في زاوية من عقله، بقيت أسئلة عالقة: ما الذي يجب أن يسأله بريت عنه؟ كان يفكر في ضرورة الحديث معه، لكن الأفكار حول مينت والتلامس معها كانا يطغيان. لم يستطع التفكير في شيء آخر.
لكن، ما أذهله لم يتوقف عند هذا الحد.
في تلك الليلة…
“لا تستطيع النوم الليلة أيضًا، أليس كذلك؟”
“…ماذا؟”
كالعادة، استلقيا معًا على السرير الواسع الذي صنعته مينت.
لم يكن هذا الفعل غريبًا، فقد اعتاد عليه.
حتى تماسك الايدي الءي بدأت بسبب أرقه، والتي استمرت حتى بعد زوال كوابيسه، لم تكن غريبة.
“لماذا تُسيء معاملة جسدك؟”
كلمات يمكن أن تحمل معانٍ عدة، فاحمرّ وجه هليوس.
بالطبع، كان يعلم أنها لم تقصد ذلك المعنى.
لكن، كلماتها التي يمكن أن تُفسَّر بطرقٍ مختلفة، مع شعوره بأنها تهتم وتغضب، جعلته يشعر بدغدغة لا تُطاق، رغم أنها لم تفعل سوى إمساك ذقنه.
“…غريب. أبذل قصارى جهدي، فلماذا تتراكم الجروح؟”
“دعنا ننام.”
أراد هليوس أن يمسك بمينت ويسألها. كان لديه شيء يتردد في قوله.
في النهاية، تفوّه بما كان يخفيه.
كان قد فتح عينيه خارج البرج عندما اختفت مينت مع بريت داخل الحاجز.
لم يستطع فتح عينيه، لكنه، بشكلٍ غريب، رأى مينت وبريت.
أعاد سرد ما رآه وسمع.
“‘خنجر، كيا اشخاص اخرين؟ رئيس لجنة الحراسة، الشعر الأسود، الإمبراطورية.'”
“…مرة أخرى؟”
“هاديس.”
بالطبع، لم يرَ هليوس ولم يسمع كل شيء.
كانت حواسه مشوشة. بعد أن استمعت مينت، ارتسمت على وجهها ابتسامة مريرة.
لاحظت تعابير هليوس تتغير بشكلٍ طفيف. أدرك أن رد فعل مينت مختلف هذه المرة.
كان تقديره صحيحًا.
فقد أخبرته من قبل أنه الوحيد القادر على التعامل مع جميع أنواع الكيا.
لذا، حتى لو رآها تستخدم كيا العقل على بريت، لم يكن ذلك مشكلة.
لكنه سمع اسم هاديس.
“هذا محرج، لا يمكنني أن أطلب منك نسيانه…”
“لا. أرفض، حتى لو متّ، أرفض.”
“حسنًا. لو كنتُ سأفعل شيئًا، لما تمتمتُ به أصلًا.”
بدلًا من قول المزيد، جذبت مينت هليوس إليها. أجبرته على الاستلقاء، وربتت عليه بعفوية.
“دعنا ننام”، قالت.
كانت مينت تتغلغل فيه بإصرار.
“ها…”
على أي حال، منذ ذلك اليوم، أصبحت المسافة المادية بينه وبين مينت أقرب.
مع نظرات أكثر إصرارًا.
لم تعد مينت تتجاهل جروح هليوس.
كلما أصيب بجرحٍ صغير من القتال، كانت تمسك سيث من قفاه وترميه أمام هليوس.
“آه، أخي!”
“عالجه.”
“حاضر، حاضر!”
حتى لو رفض هليوس، كان سيث يتوسل قائلًا إن مينت تُرعبه أكثر، فاستسلم هليوس هذه المرة.
هل كان هناك يوم لم يُهزم فيه؟
“آه…”
منذ ذلك اليوم، اختفى بريت تمامًا. تبخّر إلى مكانٍ مجهول.
لم يكن اختفاء سجينٍ كان واضحًا أمرًا غريبًا.
لكن، منذ اختفاء بريت، قلّ كلام جيد ورفاقه.
أحيانًا، كانوا يبدون مكتئبين. دخلوا الطابق 44 في هذه الحالة.
لكن، على عكس مخاوف هليوس، مرّ هو وجيد ورفاقه بمحنة الطابق 44 بسهولة.
ومع ذلك، لم يستطع أحد أن يفرح بمرور الطابق 44 بصدق.
كيف يمكن ذلك؟
فقد شعروا بفراغ اختفاء بريت. لا يمكن ألا يشعروا به.
أطرق سيث رأسه مفكرًا.
“لم أكن أريد أبدًا أن أظهر أي ضعف.”
بصفته الأصغر، كان يقرأ أفكار القائد والأخت والأخ بوضوح. أفكارهم في حمايته.
مع نقص المهاجمين، كان على هليوس تحمل هجمات أكثر.
أصبح جيد يدافع ويهاجم معًا. او كان عليه التعامل مع أعداد أكبر.
وأصبح على سيث أيضًا شن هجمات حادة.
في الطابق 44، قاتلوا جميعًا بأسنان مشدودة، وحققوا نتيجةً تبدو تافهة بعد انتهاء التوتر.
“أخي…”
ركض سيث بخفة وجلس القرفصاء بحذر بجانب مينت.
—
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 93"