قشعريرةٌ لم أعرفها إلا في زنزانةٍ دخلتها للمرة الأولى في حياتي، أو عندما أُلقيتَ بي بلا رحمةٍ في برجٍ كاد يودي بحياتي.
من كان ليخمن أنني سأشعر بهذه القشعريرة من حبيبي؟
بالطبع، هي قشعريرةٌ مختلفة الطابع عن تلك التي يثيرها خطر الموت. لكنها، في جوهرها، تشبهها.
هل أكرهها؟
“… مستحيل.”
بل على العكس، كانت أقرب إلى ذوقي. تلميذي، الذي أفلت أخيرًا من قيود سجنه بعد هوسٍ طويل، كان بالتأكيد مختلفًا عما رأيته قبل ثلاث سنوات.
كما قالت هيرا، جوهره لم يتغير. لكن التغيير الذي أثر على هذا الجوهر، أنا من زرعه، بلا شك.
في كل مرة يتحدث فيها عن الحبس بتلك اللامبالاة.
“كنت أظن أنني أميل إلى النقاء والأخلاق.”
لكن عندما أدركت كم تلوثت تلك الورقة البيضاء الناصعة ببقعةٍ واحدةٍ أسقطتها أنا، شعرت بنوعٍ من النشوة.
قد يقول الناس العاديون إنني فقدت صوابي.
لكن تلميذي الذي أمامي، رغم خطورته هذه، قال إن كل شيء على ما يرام.
حذرته مرارًا أنني لست من ينتهي الأمر معه بهدوء إذا ما جن جنوني، لكنه قال إن الأمر لا يهم.
قال إنه على ما يرام.
أنا قادرة على العيش بمفردي، وسأعيش جيدًا.
لكن الليلة الماضية، وأنا غارقة في حضن جسده الضخم، راودتني فكرة.
ربما لن يكون العيش معًا سيئًا.
“يا صغيرتي، أتعلمين؟ أنتِ دائمًا ما تستبدلين كلمة ‘جيد’ بـ…’ليس سيئًا’. طفلةٌ بقلب عجوز، حقًا.”
ضحكتُ في داخلي على صوت ماما الذي يمر برأسي.
نعم، يا ماما.
وأنا لا أزال ممسكة بيد هليوس، موضوعةً على شفتيَّ، ابتسمتُ بلطف.
“جرّب مرة.”
“…”
“أنا نفسي أتساءل كم هو حدّ صبري؟”
بتحدٍّ، عضضتُ أصابع هليوس بقوة، ثم داعبتها بلطف بيدي.
لم يستطع هليوس أن يرفع عينيه عن أصابعه .
“وإن كنتَ أنت، فلن أمانع البقاء محبوسة طوال العمر.”
في تلك اللحظة، لم أستطع مواصلة الكلام.
“أستاذتي… ها، أنتِ حقًا… تجعلين الإنسان يفقد عقله.”
ومن ثم بدأت رهانٌ قصيرٌ وطويل في آنٍ واحد.
حتى وصولنا إلى القلعة الإمبراطورية.
—
“ربما كان ينبغي أن أحضر ثوبًا آخر.”
فكرت مينت بجدية.
ملابسها كانت مجعدة بشكل عام. جزءٌ ممزق قليلاً جعلها تتساءل عما إذا كان يليق ارتداؤه لدخول القلعة الإمبراطورية.
أما هليوس، فكان في حالٍ أفضل… أو هكذا ظنت، حتى قررت مينت البحث عن ضميرها الغائب.
لأنها اكتشفت أنها هي من مزقت طرف ثوبه.
“أستاذتي بالتأكيد لديها هواية تمزيق الملابس. سأتذكر ذلك.”
“حسنًا، لن أنكر.”
هزت مينت كتفيها.
“بالمناسبة، أنا أيضًا اكتشفت هذا بعد لقائي بك.”
نقرت مينت بأصابعها النحيلة على صدرها برفق. “ذوقي، أعني.”
عندها، عادت حواجب هليوس المقطبة إلى وضعها الطبيعي تدريجيًا.
لأنهم وصلوا إلى القلعة الإمبراطورية أسرع مما توقعوا، فكان عليهم التوقف. في الحقيقة، لو لم يأتوا إلى هنا، لكان بإمكانهم قضاء اليوم بأكمله معًا في القصر.
كان من المفترض أن تكون الأستاذة ملكه وحدَه.
رغم أن هليوس تحرك بناءً على طلب مينت، إلا أنه لا يزال غير راضٍ.
أحيانًا، كان هليوس يشعر بالحيرة.
بالأحرى، بعد أن أصبح قلباهما متصلين، وبعد أن ترك علامته عليها.
هل يريد حقًا حبس الأستاذة والسيطرة عليها بالكامل؟
أم أنه، كما في السابق في السجن، يريد أن ينفذ ما تأمره به، يرى ابتسامتها الباهتة، يعبدها، ويحبها بحرارة؟
“يبدو أن كل ما يشكلك هو ذوقي.”
بكلمةٍ واحدةٍ ألقتها مينت بلا مبالاة.
شعر بالارتباك، غير قادر على فهم نفسه. لكن ما كان واضحًا هو أن هوسًا وعطشًا هائلين قد ترسخا فيه كجذور.
الأهم من ذلك، أن عطشه هذا ربما لن يُروى أبدًا.
الخسارة التي عاشها مرة ستجعله يعيد التفكير فيها مراتٍ ومرات. الفراغ الذي عاناه منذ طفولته قد يظل يناشد مينت بحبٍ ينقصه دائمًا.
كل شيء سيكون على ما يرام، لكن التفاؤل وحده لا يكفي، فالأستاذة شخصية لا يمكن الوثوق بها بسهولة.
القيد الوحيد لهليوس كان “العلامة”. الرمز الذي سمحت به هي ووضعه هو، دليلاً على أنها تخصه.
هدأ هليوس من حماسته ببطء.
قالت مينت إن الأمر لا يهم.
لكنه لم يرد أن يؤذيها.
حتى لو أراد ابتلاعها، فهو يريد ابتلاعها كاملة. هل يمكن حقًا وصف هذا الشعور بكلمات الحب النقي والجميل؟
لكن كما قالت مينت، إذا كان شخصان معطلان قد اجتمعا، فإذا عرف كل منهما الآخر على أنه طبيعي، فما المشكلة؟
كل شيء سيكون على ما يرام في المستقبل.
حتى لو كان هناك أشخاص في هذه القلعة لا يرغب في رؤيتهم.
“ها!”
عندما مسح هليوس وجهه وفتح عينيه مجددًا.
“لدى الأستاذة مفتاح الكيا السحري.”
بدلت مينت ملابسها وملابس هليوس باستخدام الكيا ببراعة.
كما فعلت يومًا في البرج عندما ألبسته الزي الرسمي.
هل كان ذلك يوم قبلته الأولى؟
أمامه مباشرة، كانت تضحك ضحكة خافتة. حتى في أيام “غاريت”، كانت تبتسم بصورة خافتة.
لكن هليوس شعر أن ابتسامتها الآن مختلفة عن تلك الأيام.
لذلك، لم يجد الفراغ والعطش اللذين يشعر بهما إلى جانبها سيئين.
لم تزر مينت القلعة الإمبراطورية من قبل.
بل، بالأحرى، زارتها لكن بطريقة غامضة.
ففي النهاية، المكان الأول الذي فتحت فيه عينيها كان قاعة المحكمة الملحقة بالقصر الإمبراطوري.
على أي حال، لم تزر القلعة نفسها من قبل، لذا فهذه المرة الأولى التي تراها.
انطباع مينت عن القلعة الإمبراطورية كان موجزًا.
كبيرة وكئيبة.
على عكس ممالك أخرى، كانت قلعة الإمبراطورية التي يقفون فيها مبنية من الحجر الأسود، مما يجعلها سوداء قاتمة.
كانت تثير شعورًا بالرهبة لدى رعايا الإمبراطورية من بعيد، لكن بالنسبة لمينت، بدت مجرد قلعة كئيبة.
حسنًا، أليس معظم سكان هذا المكان يمتلكون هذه الطباع؟
“مكان مثالي للأشخاص الكئيبين.”
عند التفكير في الأمر، كان هناك شيء من التشابه مع نيفلهيم.
“أتقدم بالتحية إلى الدوق ألفيون.”
كان هناك خادم عجوز ينتظرهما.
كان استقبالاً متواضعًا بالنسبة لاستقبال دوق ألفيون، لكن لا مينت ولا هليوس أعطيا الأمر اهتمامًا.
لو أن هاديس، الذي دعاهما، جمع حشدًا لاستقبالهما بحجة الترحيب، لكان ذلك أكثر إزعاجًا.
“زيارة هادئة، إذن.”
لم يكن هناك أحد في الممر الذي سلكاه. من الواضح أنه تم إخلاؤه مسبقًا.
توقف الاثنان أمام باب ضخم. تمتم الخادم بشيء، فتحرك الباب.
على عكس ضخامة الباب، لم تكن المساحة الداخلية كبيرة.
ما إن دخلت مينت، حتى شعرت بالكيا.
― أستاذتي، سأتحدث مقدمًا.
في اللحظة التي خطت فيها قدمها، سمعت صوت هليوس يتردد في رأسها.
“لقد وصلت إلى هذه الدرجة، إذن.”
أُعجبت مينت بصدق. رغم أن الأمر يبدو بسيطًا، إلا أن إيصال الصوت إلى شخص واحد فقط كان مهارة تتطلب مستوى عاليًا من المهارة.
خاصة أن هليوس يمتلك كمية هائلة من الكيا، مما يجعل التحكم الدقيق أصعب من إطلاق قوة هائلة.
― إذا ساءت الأمور، أنوي التدخل.
― وما هو معيار “سوء الأمور”؟
ردت مينت بهدوء على صوته.
― حسنًا، أظن أن كل أنواع الحيل تدخل ضمن هذا المعيار.
كان صوته المنضبط يتردد في رأسها، ولم يكن ذلك سيئًا على الإطلاق.
ربما ينبغي أن أطلب منه تجربة هذا في غرفة النوم المرة القادمة.
― ستغفرين لي، أليس كذلك؟
كان صوته واثقًا، لكنه يحمل لمحة خفيفة من القلق، وهو ما أعجبها. ابتسمت مينت بخفة.
― ولماذا أغفر لك؟ أنا أحب كل ما تفعله.
سكت هليوس للحظة.
ثم وصل صوته مع تنهيدة.
― …لو عرفتِ ما الذي فكرتُ به للحظة، لقلتِ إنني منحرف.
― يا للمصادفة، أنا أيضًا فكرت في شيء منحرف.
― …
لم يستمر الحوار أكثر.
لأن خطواتهما توقفت في مكان واحد.
رفعت مينت رأسها ببطء.
“مرحبًا، يا صغيرتي؟”
كان رجل يجلس على كرسي ضخم، ملء المكان، مستندًا بذقنه.
شعر أسود حالك. عينان قرمزيتان.
تغير لون شعر مينت تدريجيًا.
لم تكن هناك حاجة لتبقى متخفية باستخدام الكيا أمام شخص يعرف هويتها.
بشرة شاحبة. رجل ذو مظهر ساحر كأنما تجسد شيطان.
مظهر يليق بقدراته.
“أم أنكِ الآن مينت ليمنادس؟”
“…”
لكن بدلاً من الرد، حدقت مينت في هاديس لفترة طويلة.
ثم عبست حاجباها الجميلان قليلاً.
أمر غريب. شعرت بانزعاج من هاديس الذي التقت به مجددًا.
“ما هذا بحق…”
عبست مينت.
من هذا الوغد؟
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 187"