**الفصل 185**
بدت على هيليوس ملامح الذهول وهو ممسك من ياقته، بينما تبددت الغضب والكراهية التي كانت تعتمل نحوه تجاه الإمبراطورية ووالده الراحل.
نظرتُ إليه بعينين تخالجهما الفوضى، تتأرجحان بين التشويش والعمق، وأنا أستمتع بتلك اللحظة المرحة.
“…ألا تستطيع المعلمة أن تتحدث بطريقة أفضل من هذه؟”
“وماذا عن التلميذ الذي احمرّ وجهه من كلمة واحدة؟”
“…”
أمسك هيليوس بوجهه وتنهد بعمق.
“ماذا أفعل؟ ألا تلمسيني؟”
عبثتُ بأطراف ثوبه برفق. كانت مجرد أطراف، لكنني شعرت تحته بعضلات قوية ومتماسكة.
كان جسده يعكس تمرينًا دؤوبًا.
“عجيب. أنا لستُ من النوع الذي يكتسب عضلات بسهولة.”
بالطبع، طالما امتلكتُ طاقة الكيا، فإن القوة الجسدية الأساسية لم تكن ذات أهمية كبيرة.
في طفولتي، عندما كانت سيطرتي على الكيا أضعف، شعرتُ ببعض الأسف لذلك.
أما الآن، فالأمر بسيط كتناول حساء بارد، سواء كنتُ أسعى لامتلاك قوة تفوق حدود البشر بعشرات أو مئات المرات، أو لجعل حواسي حادة بشكل استثنائي.
وكنتُ الآن أستخدم تلك الحواس الحادة بكل فعالية.
أمسك هيليوس أنفاسه قليلاً.
رفعتُ بصري لأجد رجلاً ينظر إليّ بنظرات مُلحّة، وخداه وعنقه ملوّنان بلون الخريف.
**دو دو دو.**
كان صوت النبضات القوية تحت كفي يعزف لحنًا مبهجًا.
شعرتُ بالدهشة والرغبة في التعمق أكثر، وأنا أدرك أن هذه التغيرات كلها نجمت عن إشارة من يدي.
أمسك هيليوس يدي وضغطها على صدره، كأنه يمنعني من سحبها.
“لم أقل توقفي…”
آه، ابتسمتُ بنبرة شقية قليلاً.
“إذن، هل يمكنني الاستمرار في اللمس؟”
“…”
“وماذا عن التخريب؟”
“…لمَ تنظرين إليّ هكذا؟”
“لا شيء، فقط تذكرتُ أنك كنتَ ستصرخ بي لأرفع يدي عنك لو كنا في الماضي.”
“متى فعلتُ ذلك؟”
دلكتُ صدره برفق بيدي. كان صوته المنخفض يحمل نبرة خافتة، كأنها تتأرجح بين الاحتجاج والتذمر.
“في الحقيقة، لطالما أردتُ فعل هذا. لا تعلمين، يا معلمتي، ما الذي تخليتُ عنه لأكون معكِ.”
“…وما الذي تخليتَ عنه؟”
“حسنًا…”
أطرق هيليوس برأسه.
كانت يده الكبيرة تسلك طريقها عبر قفا عنقي، تداعب شعري برفق.
على الرغم من هدوئه الظاهري، شعرتُ بأصابعه ترتجف بخفة.
“أولاً، تخليتُ عن ميولي الجنسية التي حافظتُ عليها منذ الطفولة.”
“…”
“أعني، لم يكن يهم إن كنتِ رجلاً أم امرأة. لا، بل لم يكن يهم حتى لو لم تكوني بشرية.”
لمست شفتا هيليوس شفتيّ بلطف.
“ثم تخليتُ عن قيمي وأخلاقي، ثم عن العدالة، ثم… بدأتُ أعدّ كل شيء.”
فتح فمه ببطء، وكأن شفتيه تطرقان شفتيّ بنعومة.
“حتى اكتشفتُ أنني كرّستُ حياتي كلها لأحبكِ بعمى. بما أنني كرّستُ حياتي لكِ، فما الفرق بين ما تخليتُ عنه وما بقي؟”
كانت عيناه الجوهريتان قريبتين جدًا. تلك العينان التي تمنيتُ امتلاكها دون وعي في السجن.
الآن، أصبحت حقًا في قبضتي.
كما لو أن هيليوس وسمَني، أردتُ أن أوسمه أنا أيضًا.
لكن، إن فعلتُ، فقد يموت معي إذا متّ.
خلال تجوالي في القارة، أدركتُ.
هناك الكثير في هذا العالم، فلمَ يجب أن يتبعني؟
يمكنك أن تستمتع بكل ما هو جيد وجميل وجدير، ثم تلتقي بي مجددًا في الجحيم.
داعبتُ حاجبيه برفق.
“من رأسك إلى أخمص قدميك، لا توجد زاوية ليست جميلة. ماذا أفعل؟”
“…هذا شيء يسعدني.”
اقتربت شفتا هيليوس مجددًا.
* * *
**تيو تيو تيو.** تحت سماء الصباح الزاهية، كانت العصافير تغرد بمرح.
كانت الشمس معتدلة، والسرير، رغم أنه تهشم قليلاً، كان مريحًا للغاية.
شعرتُ بالخمول وفي الوقت ذاته بالإشباع التام.
“…هل هذه هي السعادة؟”
كانت هذه أول مرة أستخدم فيها هذه الكلمة في هذا العالم.
لم تكن سيئة على الإطلاق.
* * *
كنتُ أظن أن هذا الهدوء سيستمر.
لكن بعد ست ساعات فقط، كنتُ جالسة في عربة شبه صامتة.
كانت عربة دوقية ألفيون تحفة فنية صيغت بيد حرفي. ومع حماية الكيا من الصدمات الخارجية، لم يكن هناك ضوضاء أو اهتزازات تُذكر.
“…هل تشعرين بأي إزعاج؟”
أدرتُ رأسي عن المنظر.
كان هيليوس جالسًا بجانبي مباشرة، ممسكًا بيدي بقوة.
سألني:
“هل يمكنني أن أحتضنكِ؟”
“هل تحتاج إلى إذن؟ أنا ملكك.”
فجأة، رفعني هيليوس وأجلسني على ساقيه. استندتُ برأسي إلى صدره بهدوء وتثاءبتُ.
لم أستخدم الكيا العلاجية، لذا شعرتُ بنعاس خفيف.
“لمَ لم تعالجي نفسكِ…؟”
“لأن العلاج سيُزيل كل الآثار. فلمَ أفعل؟”
“…”
شعرتُ بذراعيه تضغطان عليّ قليلاً. لم يقل شيئًا، لكن يبدو أنه راضٍ.
احتضنني هيليوس بقوة، ثم أطلق تنهيدة طويلة على مؤخرة عنقي.
**هاه.**
كانت التنهيدة مشبعة بالعاطفة.
“…هل يجب أن نذهب بالضرورة؟”
كان صوته يحمل غضبًا خفيفًا.
رغم أن الحديث انتهى، كان صوته لا يزال يعج بالتردد.
“هل يجب حقًا أن نذهب إلى القصر الإمبراطوري؟”
نعم.
كنا متجهين إلى القصر الإمبراطوري الآن.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 185"