لم تكن الضحكة التي انطلقت منه نابعة من الفرح أصلاً.
بالطبع، كان هيليوس قد أعدّ جهازًا آخر تحسبًا للحظة التي ستطأ فيها مينت مخرج الهروب. لكن، وهو ينظر إليها، راوده شعور أولي بأنه ليس متأكدًا مما إذا كان ذلك الجهاز سينجح أم لا. من ناحية أخرى، انطلقت منه ضحكة ساخرة.
منذ اللحظة التي هربت فيها مينت من الغرفة، أدرك تحركاتها على الفور. في تلك اللحظة، انتابته قشعريرة في أعصابه، مصحوبة بفكرة أن ما كان متوقعًا قد جاء أخيرًا. كان يعلم أن معلّمته لن تبقى محتجزة إلى الأبد.
“ماذا لو أمسكت بكِ؟”
“ماذا؟”
“متى ستستسلمين لي مرة أخرى؟ أم أنكِ لن تستسلمي أبدًا؟”
“…”
“حتى لو تغلبتُ عليكِ بالقوة يومًا ما، هل ستتقبلين ذلك حقًا؟”
واجهت مينت نظرة عدم الثقة في عيني هيليوس، كأنها تتحول إلى رماد أسود يتطاير. عندما احتجزها هيليوس، اتخذ قرارًا: إذا هربت من الغرفة، سيركض إليها دون تردد ليقف في طريقها.
ماذا لو قال لها إنه سيموت إذا تركته؟ هل ستتردد ولو لمرة واحدة؟ هل ستلتفت إليه؟ فكّر في احتمالات لا حصر لها.
لمَ، بعد أن أصبحت أخيرًا في متناول يده، في فضائه الخاص، لم يشعر بالرضا؟ لمَ يعاني من القلق؟ لمَ لا يمكن أن تكون علاقتهما صحية؟
أدرك هيليوس السبب الآن.
غادرت معلّمته بسهولة مفرطة، دون أن تترك وراءها أي أثر للتعلق. هذ الذكرى هدمت أساسه. كأنه يهيم في بحر بلا دعامة، حتى الآن.
حتى في هذه اللحظة، وهو يواجه معلّمته التي طالما تمنّاها، ارتجفت شفتاه.
بكبرياء، ببرود، بهدوء، بلامبالاة، وبثبات. تدرّب مرات لا تحصى على عدم إظهار ضعفه أمامها أبدًا. لكن، كان ذلك قرارًا بلا معنى.
“…معلّمتي، أنا أحبك.”
اتسعت عينا مينت قليلاً.
لم يكن اعتراف هيليوس كاعتراف عاشق يفيض بالحماس، بل كان كتأمل هادئ أمام هاوية، مرتجفًا وكأنه وصيته الأخيرة.
“…لكن إذا استمر الأمر هكذا، سأعيش إلى الأبد مع خوف أنكِ قد تغادرين يومًا ما.”
أمسك هيليوس بوجهه. حتى في هذه اللحظة، كان ينبغي عليه أن يحتفظ بها، أن يمنعها من الرحيل، حتى لو بالقوة.
“لا بأس.”
لكن، إلى متى؟
“لكن، ستأتي أيام لن يكون فيها الأمر على ما يرام.”
أدرك هيليوس أن ما يخيفه حقًا ليس مجرد رحيل مينت أو هروبها مجددًا. بل الأفكار التي راودته خوفًا من ذلك الرحيل.
“حتى لو قتلتكِ، أو شللتكِ، أو حنّطتكِ، أو فعلت أي شيء لأبقيكِ إلى جانبي…” ارتجفت شفتاه قليلاً. “…أليس ذلك ما يفعله المجرم؟”
يعلم أنه، منذ لحظة تغلبه عليها واحتجازها، أصبح مجرمًا بالفعل. وهل عاش السنوات الثلاث الماضية بعفة مطلقة؟ لكنه، على الأقل، أراد أن يحب الشخص الذي يعتز به بطريقة نقية. لشدة حبه لها، تمنى ألا تختلط مشاعره الملتوية بالحب.
حتى عندما دفعه الشعور بالخيانة إلى حافة الهاوية، غارقًا في الهوس، ظل يحبها بصدق. دمعت عيناه، وسالت دمعة على خده.
“لا أريد أن أفعل بكِ ما فعله والدي.”
ارتجفت عينا مينت بصمت.
“الآن أفهم. كنتُ أعاني. حتى وأنا أحتجزكِ.”
كانت نظرته، وهو يذرف الدموع، حزينة وثابتة في آن. وجهه العنيد الذي كان يومًا محبوبًا، لثباته على مبادئه مهما كانت الظروف. لكن الآن، بدا ذلك الوجه كأنه يقول إنها يمكن أن ترحل.
لأول مرة في حياتها، شعرت مينت بتهديد من شخص آخر، بشعور أن شخصًا يدفعها بعيدًا. شعور مذهل ومزعج في آن.
“أنا… معلّمتي…”
“هيليوس.”
اقتربت مينت منه، يدها تنزف دمًا، وأمسكت بطيّة ثوبه بقوة. لأول مرة، انطلق صوتها مضطربًا بسبب شخص آخر، دون أن تدرك ذلك.
“إذا كنتَ تنوي قول هراء مثل أنك ستتخلى عني، فمن الأفضل أن تغلق فمك الآن.”
“…”
“لا أريد أن أحوّل قصرك الثمين إلى أنقاض.”
لم تكن طاقة الكيا تطيعها كما تمنت، لكن هالتها كانت تهديدية. رأت في عيني هيليوس عنادًا لم ينكسر. عضت شفتيها بقوة.
“كيف أجعلك تحتجزني؟”
“…”
“ماذا يطمئنك؟”
لم تكن مينت تُرحب بهذا المطاردة والاحتجاز، لكنها قبلت به لأن الفاعل كان هيليوس. كانت تتوق إلى الحرية، لكنها كانت أيضًا شخصًا يعرف هدفه بوضوح بعد انتهاء جنازة والدتها.
كان طريقًا ستمضي فيه وحدها، دون أن تحتفظ بأحد إلى جانبها، لكنها علمت أنها ستعود إلى هيليوس.
“ما الذي سيجعلك مطمئنًا؟”
أدركت مينت أنها تشعر بالغيظ من تلميذها الذي يجرؤ على التخلي عنها، وغضبها منه لأنه لم يطاردها. كادت أن تنفجر غضبًا، لكن وجهه الباكي جعلها تتردد في إيذائه.
هل كنتَ تبكي هكذا طوال هذا الوقت؟
“…أنا آسفة.”
وصل اعتذارها، الذي كانت تردده وحدها، أخيرًا إلى صاحبه. أمسكت مينت بثوبه كأنها ستمزقه.
“مهما فعلت، لن يكون هذا الاعتذار صادقًا بالقدر الذي تريده.”
لو عادت إلى الماضي، ستختار الخيار نفسه. لذا، لن تستطيع أبدًا أن تعطيه الاعتذار الذي يريده.
“أنا هكذا.”
“…”
“لا أعرف كيف أعتذر، ولا أعرف إن كنتُ آسفة حقًا.”
مدّت مينت يديها لتمسك بخدي هيليوس. سالت دموع لم تكن قد جفت من عينيه، عينان كالجواهر التي أرادت امتلاكها.
“لكنني فكرت فيما يلزم لكي لا تبكي.”
منذ اللحظة التي دخلت فيها إلى هنا بإرادتي، تخليت عن أهم شيء وجئت إليك، هيليوس.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 176"