173
اتسعت عينا هيليوس بدهشة.
مرّت مشاعرٌ لا حصر لها عبر عينيه الزرقاوين الجميلتين.
مشاعر لم أستطع تمييزها واحدةً واحدة.
لم أشعر يومًا بخيبة الخيانة المرتجفة، ولا بألم التخلي والحزن.
أقرب ما مررتُ به ربما كان عندما وقف زملائي السجناء، الذين تخلوا عن “ماما” وألقوها في الصدع، في وجهي.
طوال حياتي في هذا العالم، كانت “ماما” الوحيدة التي أعطيتها عاطفتي.
لا، هناك أنت أمامي، إذن هما اثنان.
وأنت انتصرت على الأولى، لكن يبدو أنك لا تعلم ذلك بعد.
كانت وجوهنا قريبة جدًا.
“الآن، أي عقابٍ تنوي فرضه؟”
تصادمت أنفاسنا، وتلامست أطراف أنوفنا.
اختلط التوتر بأنفاسي.
قبل أن أفتح فمي مجددًا، شعرتُ بيدٍ تسحب رقبتي من الخلف. تلامست شفتينا مرةً أخرى.
تشوشت رؤيتي.
عندما أغمضت عيني وفتحتهما، تغيرت وضعيتي. كنتُ مستلقيةً أنظر إلى هيليوس.
لكنني لم أستطع إدراك أنني أنظر إليه، فقد اندفع نحوي بعنف.
كان هيليوس كمن ضل طريقه في الصحراء يتوق إلى واحة.
كان وكانه يسال هل أنتِ حقًا أنتِ هذه المرة؟
لم أرفض شفتيه العنيفة، ولا جسده، ولا حتى يده. بل داعبتُ ظهره ورقبته بهدوء.
“هاا…”
عندما انفصلت شفتانا أخيرًا، انطلق زفيرٌ طويل، لا أعرف لمن كان.
فتحت عيني ببطء، فرأيتُ رجلاً محمّر الوجه.
أنفاسه المتسارعة، وخداه المحمومتان كزهرة الكاميليا.
شعره وملابسه المبعثرة.
شعرتُ مرةً أخرى بإحساس الحب.
لأول مرة في حياتي، شعرتُ به منك.
مددتُ يدي لأداعب خده، ثم حاولتُ لمس شفتيه التي تحمل آثاري.
بسبب العنف الذي تصادمنا به، خدشته أسناني فنزف دمٌ.
لحظة وصول إصبعي إلى شفتيه…
*طق!*
ضرب هيليوس يدي بعنف. رفعتُ عيني فرأيتُ…
نظراتٍ حادة من وجهٍ يلهث.
لماذا؟
“أنتِ… دائمًا هكذا.”
رمشتُ بعيني، غير فاهمة.
“دائمًا، على الدوام. كل شيء يبدو سهلاً بالنسبة لك.”
كانت نفس الكلمات التي قالها عندما تقابلنا. لم أرد.
لأنه لم يكن مخطئًا.
السنوات الثلاث التي تدعي أنها كانت صعبةً بالنسبة لك، شعرتُ بها قصيرة.
“اليوم تمنحينني فرصة، وغدًا تنوين الرحيل؟ أم بعد غد؟ أم أن الأيام التي سنقضيها معًا ستصل إلى أسبوع؟”
تحركت يده، التي كانت تداعب خصري بإصرار، ببطء حتى وصلت إلى كتفي.
توقفت يده عند رقبتي.
شعرتُ بنبضي يخفق بقوة تحت أطراف أصابعه.
نظرة هيليوس التي رفعتُ عيني إليها لم تبدُ كوجه سجانٍ يحتجز شخصًا.
على الرغم من برودته المزيفة، لماذا بدا هشًا إلى هذا الحد؟
“لماذا، حتى بعد حبسي، لا تشعر بالرضا؟”
“أنتِ من جعلتني غير قادرٍ على تصديق فرصك، يا معلمة.”
أمسك هيليوس برقبتي كما لو كان سيخنقني، لكنه لم يضغط بأي قوة.
لو أراد، لكان بإمكانه خنقي في لحظة.
“لقد رأيتكِ تخفين هويتك ببراعة أمامي، فكيف لي أن أصدقك؟”
“…”
تشنج وجه هيليوس من الألم، لكنه ظل جميلًا.
“ربما لو…”
“تريد قتلي؟”
ارتجفت يده. مرّ تعبيرٌ صادم على وجهه.
“أم تريد تحويلي إلى دميةٍ محنطة حية؟ هل أعلمك الطريقة؟”
“أنتِ…”
“نعم، معلمة.”
فكرتُ للحظة في جنازة ماما. إذا أصبحتُ جسدًا غير قادر على الحركة، سيكون من الصعب إقامة جنازة.
“دخلتُ هنا دون مقاومة لأنني لا أريدك أن تتأذى. ما الذي كان ناقصًا؟”
“…”
“ماذا أفعل لتثق بي؟”
“…”
“هل هذا أيضًا وقح بالنسبة لك؟”
وضعت يدي على يده التي تمسك برقبتي.
ارتجف هيليوس وسحب يده بسرعة.
بدا هيليوس أكثر اضطرابًا مما كان عليه عندما التقيته أول مرة في السجن. حينها، كان غريزة البقاء واضحةً فيه.
أما الآن، فقد بدا كمن ضل طريقه في مستنقع.
رأيتُ وجوه السجناء المحاصرين في متاهة البرج بنفس التعبير.
وجهٌ لم يجد الإجابة.
نهض هيليوس وابتعد.
“لن تتمكني من الهرب من هنا أبدًا.”
تمتم هيليوس، دون النظر إلي، كأنه يمضغ الكلمات. لم يكن ذلك إعلانًا أو تحذيرًا، بل كأنه يردد لنفسه.
مسح وجهه بتعبيرٍ معقد.
“…لو كنتُ أعيش ببساطة وسهولة مثلك، يا معلمة، لكان ذلك رائعًا.”
“…”
“ربما لن تفهمي أبدًا. شعوري بالتخلي، وما أشعر به الآن.”
ربما.
لم أمر بمثل هذا الموقف، وحتى لو مررت به، لا يمكنني القول إنني سأتفاعل مثلك.
لكنك قلت إنك تحب هذه النسخة مني.
وأنا لا أنوي التخلي عنك.
“هيليوس، أعتقد أنني علمتك أن تعبر عن رغباتك بوضوح.”
“…”
“هل كان ذلك ناقصًا؟”
إذن، ماذا تريد؟ هل ستفرغ إحباطك بتعذيب جسدي؟ أم ستنتقم مني؟
أم ستأخذني بعينيك المتعطشة؟
كنتُ أتمنى لو تختار واحدًا فقط.
“…”
حدق هيليوس بي بهدوء لفترة، ثم استدار.
على الرغم من أن الغرفة كانت بلا أبواب، محاطة بجدران من كل جانب، ظهر بابٌ وفتح عندما اقترب هيليوس من مكانٍ ما.
“حاجز.”
حاجزٌ يتعرف على الأشخاص.
بعد رؤية ظهر هيليوس للمرة الأخيرة، بقيتُ وحدي في الغرفة.
حدقتُ طويلًا في الجدار الذي اختفى منه هيليوس.
كأن هذا سيجعل تلميذي يعود.
انطلق تنهد.
“ليس سهلاً.”
ماذا يريد تلميذي؟
***
مرت أيام.
لم يظهر هيليوس خلال هذه الفترة.
كانت الوجبات تأتي بانتظام. الذين يحضرونها كانوا خادمات أو خدم يغطون وجوههم.
“لا يسمح حتى برؤية وجوه الناس.”
لحسن الحظ، كشخصٍ بمهاراتي، يمكنني معرفة مرور الوقت تقريبًا حتى بدون رؤية الشمس.
أو ربما يأمل أن أجن من التحديق في الجدران.
للأسف، لقد قضيتُ شهرًا في زنزانةٍ منعزلة في نيفلهيم، لذا سيكون ذلك صعبًا.
بعد يومٍ آخر، جاء شخصٌ بوجهٍ مألوف يحمل الطعام.
“مر وقتٌ طويل.”
باستثناء شعره المجعد قليلاً، كان وجهًا مألوفًا لم يتغير كثيرًا.
كانت هيرا.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 173"