**الفصل 169**
توقّعتُ رداً يعقب تحيتي، وفي الوقت ذاته غرقتُ في أفكاري.
لقد شرحتُ الأمر بوضوح، أليس كذلك؟
قلتُ إنك التلميذ الوحيد لي.
ومع ذلك، ما الذي يريد قوله بشأن “الابنة غير الشرعية” حتى استدعاني؟
“مفاجئٌ أمرك.”
أخفيتُ نظرة التحدي بنعومةٍ وارتجفتُ قليلاً.
“لقد دعوتك، لكنني لم أتوقع حضورك أبداً. يمكنك رفع رأسك الآن.”
رغم الأمر، تظاهرتُ بالتردد لبعض الوقت، متمهلة ثم رفعتُ رأسي ببطء.
كان أمامي رجلٌ يجلس متكئاً على كرسيه. لم أستطع إلا أن أُفاجأ.
كان هيليوس، ذلك الذي بدا وكأن لديه وسواس النظافة، يتجول في ذلك السجن بأناقةٍ تخطف الأنفاس.
“أعتذر، لستُ بمظهرٍ يليق باستقبال الضيوف.”
لكن، من هذا الرجل؟
أمامي كان رجلٌ بقميصٍ مفتوح الأزرار بإهمال، وشعرٍ أشعثٍ تركه على حاله. رجلٌ متفكك الطلة.
خفضتُ عينيّ قليلاً، ثم رفعتهما مجدداً.
…كم شخصاً رأى هذا الجانب منك، تُرى؟
“أرجو أن تتفهمي. لم أكن أتوقع أن الشخص الذي طالما فرّ مني سيأتي بهذه الطاعة.”
ابتسمتُ في داخلي لتلك الكلمات المواربة. لقد أصبحتَ أرستقراطياً حقيقياً، أليس كذلك؟
يا تلميذي.
لمَ أشعر بالغضب؟
دون أن أعرف السبب، ضغطتُ على كيا بهدوء في داخلي.
في اللحظة التي واجهتُ فيها هيليوس مجدداً، كانت كيا هيليوس بداخلي تهيج من جديد.
كان الأمر مضحكاً، ككلبٍ يهز ذيله عند رؤية سيده. لكن سيدك الآن هو أنا.
لمّا لم يتحدث، أتيحت لي فرصة مراقبته قليلاً.
لم يكن وجه هيليوس سليماً.
“ألم تُعالَج؟”
يومين كافيان لاستدعاء معالجٍ بقدرات كيا.
بل إن ذراعه كانت ملفوفة بضمادةٍ ومدعومة بجبيرة، بشكلٍ واضحٍ للعيان.
على الرغم من جسده المُتعب، كان مظهره المفكك بطريقةٍ ما ينضح بجوٍ من الإغراء المتفسخ.
“أتساءل حقاً عن سبب قبولك دعوتي أخيراً.”
خفضتُ عينيّ من جديد. مرةً أخرى، تساءلتُ كم شخصاً رأى هذا المظهر.
“أنا… مع أخي…”
“…”
“أردتُ أن… تتصالحا.”
نجحتُ في تقليد نبرةٍ خجولةٍ ببراعة. لم يكن ذلك صعباً.
“تصالح؟”
“نعم، أخي… يقول إنه أساء فهمك، يا سيدي الدوق.”
“إذن، أنتِ هنا نيابةً عن أخيك؟”
“نعم…”
“سببٌ ممتع. هل تقولين أي شيء يخطر ببالك؟ حسنٌ، ليس سيئاً.”
“…”
يبدو أنه لا يهتم بالتفاهات. إذن، لمَ استدعاني؟ لو أوضح لي الأمر.
أما بالنسبة لغرضي، فقد انتهيتُ منه منذ زمن: رؤية وجهه.
تبادلنا النظرات لبعض الوقت، وساد الصمت، يثقل الأجواء.
“على أي حال، مهما قلتِ، كنتُ سأقول الشيء ذاته.”
“هل هناك سببٌ لاستدعائي؟”
“مظهرٌ مختلفٌ عما كنتِ عليه في العربة. حينها كنتِ ترتجفين ولا تستطيعين ربط كلمةٍ بأخرى.”
“لأن أخي… قد أوضح سوء الفهم.”
توقف هيليوس للحظة.
طوال الوقت، كان ينظر إليّ بنظرةٍ باردة، كما لو أنني لا أعنيه. لكن للمرة الأولى، شعرتُ أنه يراني حقاً.
“ليس لدي اهتمامٌ كبير بالابنة غير الشرعية”،
هذا أمرٌ يستحق الترحيب. كما توقعتُ، كان قراري بالظهور بمظهري الحقيقي أمام هيليوس هو الصواب.
“تكررين الأمر مرتين، فأصبحتُ فضولياً. ما الذي أساء فهمه الماركيز ليمنادس؟”
“حسناً…”
تظاهرتُ بالتردد للحظة.
قال أخي فونتوس إن هيليوس، قبل أن يصبح دوقاً، زار مرةً واحدة، وبعد أن أصبح دوقاً، كان يتردد على منزل الماركيز بلا انقطاع.
ذات يوم، حدّق في وجه الماركيز بإصرارٍ ثم غادر، حتى إن فونتوس فكر جدياً في الإبلاغ عنه إلى الشرطة.
“ذات مرة، حدّق في لوحةٍ عائلية بإصرارٍ حتى أزالها.”
“أليس هذا ما يفعله الأصدقاء المقربون؟”
ألا يقال إن من يتردد بهذا الحد يُعتبر صديقاً مقربأ؟ لكن فونتوس أظهر تعبيراً لم أره من قبل، كمن يمضغ شيئاً مراً.
على أي حال، من الواضح أن هيليوس كان يتردد على منزلنا حتى كاد يهلك عتبته قبل ظهوري.
“بالمناسبة، إلى أي مدى يمكنني أن أكون صريحة كابنةٍ غير شرعية؟”
رتبّتُ أفكاري بعنايةٍ وأنا أفكر للحظة.
لأتحدث بطريقةٍ خجولةٍ إلى حدٍ ما.
“لقد أساء فهمك… كمنحرف.”
“ماذا؟”
“منحرفٌ وخاطف، هكذا قال…”
ظهرت على وجه هيليوس نظرةٌ مذهولة. للحظةٍ عابرة، كانت تلك النظرة التي رأيتها يومياً في السجن.
اختفت بسرعة، لكن.
“خاطف… حسنٌ، قد يكون ذلك معقولاً.”
شجّعني قبوله الأمر. يبدو أن تمثيلي الخجول مقنعٌ تماماً.
“وأيضاً، بكل احترام…”
“تفضلي.”
“قال إنك… ربما تحب الرجال.”
سعل هيليوس فجأة.
“هه! ما الذي جعل الماركيز يقول هذا الهراء؟”
“لكنه كنت تزوره يومياً، تنظر إلى وجهه، ثم تغادر…”
“…”
“قال إنه كاد يبلغ عنك.”
ربما بعد أن عرف أن اسمي الحقيقي هو “مينت ليمنادس”، ذهب لرؤية أخي الذي يشبهني.
لوّحتُ بيدي بسرعة، وبخجلٍ في الوقت ذاته.
“أنا لستُ متحيزة، يا سيدي الدوق…!”
“ما التحيزٌ …”
أمسك هيليوس بجبهته.
فتح عينيه بين أصابعه وحدّق بي بنظرةٍ ثاقبة.
“اللعنة.”
سمعتُ شتيمةً خافتة. لم تكن موجهةً إليّ، بل إلى نفسه، على ما يبدو.
“قيل إنك خجولة، لكنك تجيدين الكلام عندما تريدين.”
“أعتذر، أعتذر…”
إن كنتُ قد أغضبتُ هيليوس، فلا بد أن تمثيلي كان رائعاً.
شعرتُ بالفخر للحظة، ناسية الموقف.
حقاً، لقد نجح تمثيلي الخجول حتى في الأوساط الاجتماعية.
نتيجة مواجهتي لهيليوس بمظهري الحقيقي ومراقبة حالته:
هيليوس لا يمكنه أن يعرف أنني “مينت”.
ليس ذنبه.
بل لأنه أصبح أكثر قوة، لم يعد قادراً على معرفتي.
ما أعنيه هو أن هيليوس، على عكس ما كان عليه قبل ثلاث سنوات، أصبح يتحرك بغريزةٍ أكثر.
لذلك، يحاول مراراً عند رؤيتي.
هل كيا الخاص بي داخل تلك المرأة؟
تنهد هيليوس وهو يضغط على جبهته.
“…إن كنتما أختين، أهكذا تتشابهان؟”
تمتم بصوتٍ باردٍ وغاضب.
حسناً، لسنا أختين، بل الشخص ذاته. تمتمتُ في داخلي بما لم أستطع قوله.
“الآن أتذكر، ماركيز ليمنادس كان يعرف كيف يثير أعصاب الناس. يبدو أن عائلة ليمنادس كلها من هذا النوع.”
“بكل احترام، أرجو ألا تربطني بأخي بهذه الطريقة…”
“أنتِ أيضاً شخصيةٌ مزعجةٌ تماماً.”
“…”
لم أجب، فقام هيليوس من مقعده بلامبالاة، كما لو أن الأمر لا يعنيه.
رغم إعاقة ذراعه، اقترب مني بخطواتٍ طبيعيةٍ للغاية.
لمَ شعرتُ بأن الأجواء المرتخية أصبحت مشدودةً مجدداً؟
كأن إحساساً بالتوتر قبل المعركة يدق أجراس التحذير.
توقف هيليوس أمامي، محدقاً بـ”الابنة غير الشرعية”.
“حتى وقتٍ قريب، بل قبل أيام…”
مرر لسانه على شفتيه ببطء. لم يكن مقصوداً، لكنه جذب انتباهي.
“كنتُ أعتقد أنكِ شخصٌ آخر. مؤسف.”
ما الذي يؤسف له؟
كان تلميذي دائماً يلقي بالقنابل في لحظاتٍ غير متوقعة.
لكن هذه القنبلة كانت كبيرة.
“أطلب يدك للزواج، يا آنسة ماركيز ليمنادس.”
نعم، كبيرةٌ جداً.
ما هذا الهراء؟
رفعتُ عينيّ ببطء، متظاهرةً بالصدمة.
“…ما الذي تقوله؟”
“ألم تسمعي من الماركيز؟ لقد طلبتُ يدك منه.”
“…”
“إن لم تكوني تلك التي أبحث عنها، فلن يكون سيئاً استخدامك.”
انحنى هيليوس قليلاً، واضعاً يده على خصره بتكاسل.
“هناك شخصٌ أريد جذبه، ويبدو أنكِ ستكونين تجربةً جيدة.”
لم تكن الكلمات صعبة الفهم، لكن استيعابها استغرق وقتاً.
“سأمنحك أي مكافأةٍ لما أفعله. اكرهيني إن شئتِ.”
تذكرتُ فجأة كلام أخي فونتوس.
هيليوس، الذي تم الإبلاغ عنه بتهمة الخطف، ثم تبين أنه بريء.
إن خمنتُ، ربما كان يتدرب على الخطف والحبس.
وهيليوس الذي يعرض الزواج على امرأةٍ أخرى غيري.
بمعنى آخر.
لقد تأكد أنني لستُ “مينت”، وهو الآن يستخدمني لجذبي “أنا” بوقاحة.
كدتُ أن أضحك.
“ما هذا العبث؟”
لا، لقد أطلق السهم نحو هدفٍ خاطئ، لكنه أصاب الهدف الصحيح.
“لن ألف وأدور. هل تقبلين البقاء في قصري لبعض الوقت؟ بالنسبة للعالم الخارجي، قد يسمون هذا…”
“…”
“خطفاً وحبساً.”
تظاهرتُ بالذعر، مرتعشة العينين، بينما كنتُ أغرق في برودةٍ داخلية.
لا، هل هذا البرودة حقاً؟
“هذا لا يليق بكلمات دوقٍ عادل…”
“نعم، ربما. وعلاوةً على ذلك، كل ما قلتهِ سابقاً صحيح، باستثناء حب الرجال.”
“…”
“لأن هناك شخصاً أريد امتلاكه، حتى لو أصبحتُ منحرفاً أو خاطفاً.”
اختفى التعبير من وجهي للحظة. لم يُرَ ذلك، فقد خفضتُ رأسي.
“لكن هذا الشخص ليس أنتِ.”
“…”
“اطمئني.”
أمسكتُ بالصندوق الذي كنتُ أعبث به، ثم تركته.
…هل أكون صريحة وألكمه لكمةً واحدة؟
ثم أضع الخاتم من الصندوق في إصبعه وأقول:
هذا الخاتم لك، وعليك أن تلتقي بي.
إن أردتَ الخطف، فاخطفني أنا.
مهما كنتَ تفكر أو تفعل، لا توجه ذلك إلى ابنةٍ غير شرعيةٍ خاطئة.
لا يجب أن تجعلني أشعر برغبةٍ في قتل نفسي، على الأقل.
عندما وصلتُ إلى هذه النقطة في تفكيري، رفعتُ رأسي.
* * *
“إذن، سيدي الدوق… هل تقصد أنك ستحبسني لتجذب ذلك الشخص؟”
حدّق هيليوس في المرأة أمامه.
شعرٌ فضي، عينان خضراوان. جفونٌ متدليةٌ تجعلها تبدو ضعيفة.
يقال إنها جميلةٌ جداً في الأوساط الاجتماعية، لكنها كزهرةٍ برية، نقيةٌ أكثر من كونها لافتة.
بعبارةٍ أخرى، وجودها خافت.
“نعم، هذا صحيح.”
مهما نظر، لم تكن تشبه معلمته التي رآها. أختان، ومع ذلك لا يتشابهان إلى هذا الحد؟
أم أن معلمته تختبئ في هيئةٍ أخرى، كما فعلت مع “غاريت”؟
عبر وجه هيليوس تعبيرٌ غامض.
منح صمت هيليوس مينت وقتاً للتفكير. خلال تلك اللحظات القصيرة، رتبت أفكارها.
كانت غاضبة. لمَ هذا الغضب؟ لأن هيليوس عرض الزواج على امرأةٍ أخرى غيرها.
كانت تغلي.
لم تكن مينت تعرف إن كان العالم يسمي هذا “غيرة”. كانت المرة الأولى التي تشعر بها في حياتها.
إن كان هذا مزعجاً، فالحل بسيط.
أن تكون صريحة.
أن تقول: أنا معلمتك التي تبحث عنها الآن.
“إذن، سيدي الدوق…”
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 169"