الفصل 157
“العقد… مثالي.”
تصفّحت “مينت” العقد الممدود إليها. كان بالفعل متقنًا.
بمعنى، كان مكتوبًا بالكامل لصالحها.
خفضت “مينت” العقد ونظرت إلى الرجل المتأوه أمامها.
“أهو مغفّل؟”
لكن، لم يكن من الصعب فهم الموقف.
من وجهة نظره، فقد التقى بأخته الصغرى بعد ثلاثة عشر عامًا، بل ويعتقد أنها الأسرة التي لطالما تمناها.
“وها أنا أصل إلى حدي الأقصى في هذا التوقيت.”
العاصمة كانت تعجّ بالمهربين ومقتني التحف.
المشكلة أن الأشياء التي تسعى “مينت” للحصول عليها باتت تزداد صعوبة وتعقيدًا بشكل مضاعف.
ذلك الـ”ماما” يبدو وكأنها تعمّدت وضع تلك العقبات، ظنًا أن “مينت” ستتخلى عن الأمر في النهاية.
جعلت الأمور شديدة التعقيد.
لكن “مينت” لم تكن من النوع الذي يستسلم.
المشكلة أن ما تبقى من الأشياء لم يعد بالإمكان الوصول إليه بالطرق المعتادة.
“المقتنون.”
يمكنها الحصول عليها من خلالهم، عبر صفقات أو مزادات.
لكن معظم هؤلاء من النبلاء البارزين.
وبصفتها مجرد زعيمة لنقابة معلومات، لم يكن ممكنًا أن تصل إليهم.
حتى وهي تسيطر على الجانب السفلي من العالم، لم تستطع أن تخفض من كبريائهم المفرط.
ولا يمكنها أن تهددهم ليلًا أيضًا.
فمن غير المقبول أن يتلطخ الأمر بالإجرام، لا سيما في جنازة.
“رغم أن ماما على الأرجح لن تهتم إن فعلتُ.”
رفعت “مينت” رأسها واضعة حدًا لتلك الأفكار.
“هل أنت متأكد أنك لن تندم بعد ختم العقد؟”
أجابها بابتسامة متهكمة:
“الندم…؟
“……”
“لقد ندمت بما فيه الكفاية… على مدى ثلاثة عشر عامًا.”
ساورها شيء من الشك.
ثلاثة عشر عامًا… وقت طويل.
كانت “مينت” – تعيش مع شقيقها حتى سن الثانية عشرة، أي أن مدة الفراق أطول من مدة العيش معًا
والطفلة الصغيرة أصبحت راشدة الآن، ملامحها لا تشبه ما كانت عليه في الذاكرة فكيف يستطيع، بكل هذه الثقة، أن يقدّم لها عقدًا بهذه السذاجة؟
يقول إنها عائلة… لكن في “نيفلهايم”، كثير من السجناء خانهم أهلهم.
خفضت “مينت” بصرها.
“…هيليوس، لا تقل لي أنك عشتَ مثله.”
بالطبع، لو كان ذلك صحيحًا، فهو أمر جيد بالنسبة لها.
ما تزال لا تملك ضميرًا.
“قلتُها سابقًا، لا أنوي العودة كاملة كـ‘مينت ليمناديس’.”
“أعلم. وأنا أحترم رغبتك.”
للحصول على ما تبقى من ممتلكات الموصي، قررت أن تستعير اسم “ليمناديس”.
وقد وافق الماركيز على الصفقة بعد أن علم بظروفها.
رغم أنه كان على وشك منحها كل شيء دون مقابل، جعلته “مينت” يحوّل الأمر إلى صفقة.
وطلب منها أمنية واحدة، أيًا كانت، دون شروط.
وكان طلبه: أن تذهب وتلتقي بوالدته، بصفة “مينت”.
وقد وافقت “مينت”.
“هل ستتمكنين من ذلك؟ أولئك المقتنون… يجب أن يقابلهم المشتري بنفسه، أليس كذلك؟”
“أعلم. إنهم منحرفون بدرجة أنهم يضعون تعاويذ تمنعهم من تسليم الأغراض لأي شخص غير المشتري.”
“هاه، منحرفون… نعم، وصف دقيق.”
وضعت “مينت” العقد جانبًا.
“من الأفضل أن أكون ‘ابنة غير شرعية’.”
“هممم؟”
“اختر اسمًا مناسبًا بنفسك.”
وهكذا قررت “مينت” أن تنضم إلى عائلة “ريمناديس” لبعض الوقت، للوفاء بشروط الصفقة.
لكن ليس كـ”مينت”، بل كابنة غير شرعية تظهر حديثًا.
“لن أبقى طويلًا في ‘ليمناديس’. عندما أغادر، أمحُ هويتي تمامًا. فقط أضمن لي هذا.”
“……حسنًا. سأفكر في اسم يليق بك.”
“……”
“الختم… استخدمي ‘كيا’ وضعيه في الأسفل.”
تجاهلت “مينت” الصوت المبلل بالعاطفة الذي جاء من الجهة المقابلة للطاولة.
وفي اللحظة التي جمعت فيها طاقة “كيا” وختمت بها العقد…
طرق طارئ على الباب.
“المعذرة، سيدي الماركيز!”
“ما الأمر؟”
سأل الماركيز دون أن يفتح الباب، فجاءه صوت مستعجل من الخارج:
“لقد… لقد وصل زائر.”
“ألم أقل إنني لا أستقبل أحدًا اليوم؟”
“نعم، ولكن… الأمر أن…”
رفعت “مينت” رأسها مع الإحساس بتبدل الأجواء.
“إنه… دوق ألـﭬـايـون!”
ارتجّ الهدوء في الغرفة قليلًا مع صوت الخادم الرنان.
للحفاظ على اتزانها، ضغطت “مينت” لسانها على سقف فمها ثم رفعت نظرها.
“أخبرني، أخي العزيز.”
تشنّج الماركيز.
“هل أنت مقرّب من هذا الدوق أيضًا؟”
“…لماذا تنادينني بذلك الشكل؟ لا، لا بأس. شكرًا على هذا النداء.”
“لا تتأثر بهذه العبارات الصغيرة. قل لي، هل علاقتكما وطيدة؟ جاء بنفسه.”
لو كان الماركيز مقرّبًا من “هيليوس”، فإن معنى الصفقة سيتغير.
ورغم سؤالها المراوغ، أجاب الماركيز بنفي بطيء.
“ليست بيننا علاقة خاصة. لكن يمكنني أن أتخيل سبب زيارته.”
“وما هو؟”
لو كان الأمر يتعلق بسر عائلي، فبالتأكيد سيختار ألفاظه بدقة.
“ليست قضية كبيرة. لكن يبدو أن الدوق… لديه اهتمام غريب بعائلتنا. أو لأكون أدق…”
أمسك الماركيز بذقنه، مائلًا برأسه قليلًا.
“…لونه شعرنا الذي نتوارثه في العائلة.”
توقفت يد “مينت” للحظة.
“ولماذا؟”
“لا أعلم بالضبط… وإن كان لدي بعض الشكوك.”
“وما هي؟”
“أظن أن دوق ألـﭬـايـون الجديد…”
شهق الماركيز بخفة.
“…يبدو أنه منحرف كبير.”
وقفت “مينت” صامتة للحظة، مندهشة.
“هلليوس ومنحرف… يا لها من توليفة غريبة؟”
سألت بهدوء:
“بِمَ تُدلّل على ذلك؟ منحرف بأي قدر؟”
“أليس سؤالك غريبًا قليلًا؟”
لكن الفضول يغلب. أي نوع من الانحراف تحديدًا؟
قلبها بدأ ينبض بسرعة خفيفة.
“ما سأقوله ليس منتشرًا بين العامة.”
ثم التفت الماركيز إلى خادمه:
“أدخل دوق ألـﭬـايـون إلى صالة الاستقبال.”
ثم أمر بإبلاغه أن ينتظر.
أن يُجبر دوق على الانتظار… هذا يُظهر شيئًا من هيبة آل “ريمناديس”.
رغم ملامحه الجميلة، إلا أن الماركيز كان حازمًا لا يستهان به.
حين كان قائد شرطة العاصمة، قيل إنه كان يضرب المجرمين بيديه.
“استغرق تولي الدوق الجديد لمنصبه قرابة نصف عام.”
نعم، ذلك لأنها كانت فترة اضطراب، حين هرب “هيليوس” من السجن وعاد إلى العاصمة.
لم يُطلق سراحه بل فرّ. وتزامن ذلك مع جريمة مروّعة هزت آل “ألـﭬـايـون”.
فقد قُتل والده على يد قاتل متسلسل، بطريقة وحشية.
ذلك السفاح نشط في العاصمة قبل عامين، وكان من النبلاء، وقد قتل دوقًا.
“وهذه الأحداث شبيهة بما ورد في الأصل.”
“بعد عودته، ارتكب ‘هيليوس’ بعض التصرفات الغريبة.”
“……”
“راح يبحث بشراسة عن نساء يتمتعن بصفات معينة: شعر أخضر، طول معين، وجمال واضح.”
“……”
“لقد تم استدعائي ذات مرة، بعد بلاغ أن الدوق احتجز امرأة ضد إرادتها.”
…احتجاز؟
“لكن تبيّن أن الأمر تم باتفاق الطرفين. لا، لا… كان نوعًا من الاحتجاز الطوعي… لا، لنُنهِ الحديث.”
لوّح الماركيز بيده وقد علت وجهه ملامح الضجر.
“لماذا توقفت عن الكلام؟”
“لا شيء. لا يهمك الأمر.”
شعرت أنها كانت على وشك سماع كلمة منحرفة.
“المرأة عادت لاحقًا إلى بيتها، وإن لم يكن ذلك بسلام تام.”
وبتفكير عميق، أوضح الماركيز التالي:
“قدّم لها ‘هيليوس’ عرضًا، فوافقت، ثم وصل بلاغ سري يفيد بأنه اختطفها واحتجزها.”
في ذلك الوقت، كانت العاصمة في حالة توتر بسبب سلسلة جرائم، فكل بلاغ كان يُعامل بجدية.
“لكن الحقيقة أن المرأة تعلقت به، وأصبحت هي من تلاحقه لاحقًا. وكان من الصعب التعامل معها.”
“فهمت.”
شعر أخضر، طول معين، جمال لافت…
ضمّت “مينت” ذراعيها، وقد بدأت القطع تترابط.
وقدم الماركيز آخر دليل حاسم:
“هيليوس… كنت تتدرب على احتجازي.”
ربما لأنها كانت أستاذته،
لكنها بدأت تفهم طريقة تفكيره.
“هيليوس… يبحث عني.”
وبشغف شديد.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 157"