رأيته كثيرًا على وجوه السجناء. قالت ماما إن هذا هو وجه الندم.
“…حين كنت في السابعة عشرة من عمري، حاولتُ بكل ما أستطيع أن أساعدكِ على الهرب قبل المحاكمة، ولأجل ذلك صنعت طريقًا للفرار، لكنني اعتُقلت. إن كان ذلك يُعد تواطؤًا، فهو إذًا خطئي. نعم، إنه خطئي.”
“…”
“وفي النهاية، لم أتمكن من الوقوف بوجه رغبة والدي، ولم أستطع حضور محاكمتك لأني كنت مسجونًا.”
استمعت إليه دون أن تتغير ملامحي.
فما الذي يريد قوله تحديدًا؟
أراد تهريب أخته الصغيرة، لكنه فشل.
“ولو أنه نجح، ألن تكون المشكلة التالية أكبر؟”
لقد نُبذت الفتاة الصغيرة بالفعل باعتبارها أصغر قاتلة في التاريخ. حتى لو هربت، أين ستعيش؟ وكيف؟
كان في السابعة عشرة آنذاك، أما الآن فهو في الثلاثين. لا يُعقل أنه لم يفكر بهذا.
على أي حال، لقد مضى وقتٌ طويل.
“لا أظن أنك أتيت لتقديم الأعذار. فما الذي تريد قوله؟”
“لو لم تقل لي أمي إنها ستموت لو فقدتني أنا أيضًا، لكنت فعلتُها بالفعل. لكن، مينتي…”
“…”
“إن فعلتُ ذلك، فلن تكون هناك طريقة لتعويضك عن الحظ السيئ والبؤس الذي عشتيه بعد أن جئتُ إلى هذا العالم.”
“…”
“لا بد أن يُعوِّضك أحد. لا، بل لا بد أن يُلقى القبض على المجرم الحقيقي الذي جعلك على هذه الحال…”
حدقت في الرجل الذي كان يتلعثم بالكلمات.
“وما الذي تريد أن تقدمه لي؟”
“أولًا، كل ما فقدتِه.”
“وماذا لو لم أرده؟”
“سأقدمه بالشكل الذي ترغبين فيه.”
“ولمَ كل هذا؟ بإمكانك أن تعتبريني ميتة
فحسب، أليس كذلك؟”
“…لماذا؟ مينت….”
بدأ يمسح وجهه بشكل فوضوي.
لم أكن أعلم إن كان يبحث عن الكلمات المناسبة أم أنه فقد القدرة على الحديث.
“…نحن عائلة.”
خرجت كلماته كما لو كانت تنهيدة.
ازددت حيرة.
لكن، على خلاف السابق، بدأت أفهم القليل.
في النهاية، ما فعلته “ماما” حين خاطرت بحياتها ودخلت إلى الشقّ الزمني لأجلي، لم يكن مختلفًا كثيرًا
“أنا آسف… لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا. نحن نتفاوض الآن مع البلاط الإمبراطوري بشأن صفقة قضائية.”
“…”
“لإخراج مينت ريمنايدس من نيفلهيم، نحن على استعداد للتخلي عن كل شيء نملكه في العائلة.”
“…”
“آسف… آسف، لقد مضت عشرة أعوام، لا، بل أكثر. كنتُ قد وعدتكِ أنني سأُخرجك بسرعة…”
لم أقل شيئًا.
فالشخص الذي كان من المفترض أن يتلقى اعتذاره، لم يعد موجودًا في هذا العالم.
ومع ذلك، لم أكن عاجزة عن فهم شعور “مينت” الحقيقي تمامًا.
لأني عشت أيامًا مُرّة وشديدة القسوة في ذلك السجن. اضطررت إلى التحمّل بكل ما أوتيت من قوة، بجسدي الطفولي، إلى أن اعتدت عليه.
“الإمبراطورية كانت تكتفي كل عام بإبلاغنا بأنكِ لا تزالين على قيد الحياة.”
“…”
“…كل ما كنا نستطيع فعله، هو تقديم أموال التعويض على أمل أن توفري لنفسكِ حياة مريحة هناك.”
“من نحن؟”
“هاه؟”
تردد قليلًا، ثم ابتسم ابتسامة باهتة.
“أنا وأمي. نحن من عارضنا حتى النهاية قرار والدي الذي أعماهه الطمع، حين اختاركِ ككبش فداء. والدتي أصيبت بجروح خطيرة في رأسها لأنها قاومت حتى اللحظة الأخيرة. ظلت في غيبوبة عامًا كاملًا. ولهذا… لم تستطع حضور المحاكمة.”
“…”
“ولا تقلقي، مينت. الرجل الذي باع ابنته لم يعد موجودًا في هذا العالم.”
للحظة قصيرة جدًا، فكرت أن هذا الرجل، على الرغم من أنه ليس أخي حقًا، يحمل ملامح شبيهة بي.
جلس الرجل بلا تعبير، لكن في عينيه الزرقاوين، كان الغضب البارد يغلي تحت السطح.
“أنا من قتله بيدي.”
تذكرتُ وجهي عندما كنتُ في السجن، في تلك الفترة التي كرهت فيها هذا العالم وكل أحداث الرواية.
“حقًا… كأنني أنظر في المرآة.”
هل يشعر الناس العاديون بالاشمئزاز في مواقف كهذه؟ بالنسبة لي، كان شعورًا أقرب إلى الدهشة.
“إذًا، باختصار، أنتما ووالدتك عارضتما ما حدث، لكنكما لم تستطيعا التغلب على سلطة الأب، فتمت المحاكمة، والآن جئت لتعرض كل شيء كتعويض… أليس كذلك؟”
“…نعم.”
كان نيفلهيم سجنًا لا يُسمح فيه بالزيارة. هذا الأمر لم يكن استثناءً لأي نبيل.
لذا لا ألومه على اللجوء إلى التوسل للإمبراطورية التي أصدرت الحكم، فقط لأجل الوصول إليّ.
لكن…
“لا داعي لذلك.”
قلتُها بوضوح قاطع.
“ما فهمتُه، هو أنكما حاولتما منعي من أن أُدان زورًا، لذا فوجودي في السجن لعشرة أعوام لم يكن خطأكما.”
“…”
“من أرادني أن أُدان زورًا، ومن ارتكب الجريمة فعلًا، هما أشخاص آخرون. فلا داعي لأن تتعذبوا أنتم أو تشغلوا بالكم.”
“لكن مينت…!”
تحركت شفتاه كأنه يريد قول شيء، ثم تراجع حين رأى وجهي الخالي من أي تعبير.
بعد لحظات، ابتسم ابتسامة باهتة. أم أنها كانت ابتسامة فعلًا؟ لا أعلم إن كان يجب أن أُسميها هكذا
“…لقد تغيرتِ عن ما أذكره.”
“ثلاثة عشر عامًا وقتٌ طويل.”
ثمّة أناس يتغيرون تمامًا من أجل البقاء في سجن يُقال إنه جحيم.
ولسببٍ ما، تذكرت في تلك اللحظة أنقى تلميذ عرفته، أكثرهم عدلًا.
“…”
نظرت إلى الرجل الذي بدأ يُظهر علامات التوتر، وبدأت أطرق ذراع الكرسي بأصابعي بلا معنى.
“قال إنه تحت المراقبة، أليس كذلك؟”
قال إنه لا يستطيع البقاء هنا طويلًا. وأنا أيضًا لا أريد أن أجلب عيونًا مزعجة على هذه النقابة.
نظرت إلى الرجل الذي يُشبهني، وأملت رأسي باستغراب.
“مينت ريمنايدس لا تزال محكومة بالإعدام. حتى لو عدتِ إلى بيت المركيز، فلن يتغير شيء.”
“…أنا مستعد لإثبات براءتك.”
“لكن الاستعداد لا يعني التنفيذ.”
“…”
ثم إن الجميع لا يزال يعتقد أن “مينت ريمنايدس” قاتلة متسلسلة.
من سيصدق الآن أنها بريئة؟
وفوق ذلك، أنا لا أحتاج إلى اسم بيت المركيز.
“لستُ بحاجة لاسم العائلة.”
“…”
لو ظهرت “مينت” زعيمة نيفلهيم، كابنة لعائلة ريمنايدس، فلن يفلت مدير السجن من المساءلة.
ومن المؤكد أن ملاحقيّ سيزدادون إزعاجًا.
“مينت، لحظة فقط…”
“لكن.”
قاطعته، وأوقفت كلماته.
“سيدي المركيز، هل أنتم أغنياء؟”
رمش بعينيه الكبيرتين خلف النظارات.
“لو كنتم أغنياء جدًا جدًا… لديّ اقتراح واحد أقدمه.”
قلتَ إنك ستعطيني كل ما أريده، أليس كذلك؟
قصر عائلة ريمنايدس
على الرغم من ضخامته، لم يكن في القصر الكثير من الخدم.
فالمركيز الحالي المصاب بوسواس النظافة، لم يكن يسمح لأحد بدخول القصر ما لم يكن محل ثقة.
وبهذا، تضاعفت مهام من تبقوا، لكن أحدًا لم يشتكِ.
لأن المركيز كان يعوضهم عن عناء العمل بأجر مجزٍ لا يُمكن الاعتراض عليه.
وفي مكتب ذلك المركيز، حلّت ضيفة خاصة.
“نظيف جدًا.”
قالت امرأة ذات شعر بني، ترتدي زيّ الخادمات، وهي تُلقي نظرة على المكتب.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 156"