الفصل 155
عندما فتحت عيني، رأيت بول مجددًا، في الحاضر.
“إذاً، ما الذي حدث؟ ما الذي حصل بالضبط؟ لماذا استدعيت فرقة التنظيف؟ هل ارتكبتِ مجزرة ضد المهربين أو شيء من هذا القبيل؟”
على مدار العام الماضي، تحوّل بول إلى ثرثار.
وربما لأننا نشأنا كأخوين، كان يعيد إلى ذهني صورة “ماما” كثيرًا.
لكن، على عكسها، وجوده كان مزعجًا لا أكثر.
“من يتحدث عن مجازر في المدينة؟ هل تحاول أن تُرسلني إلى نيفلهيم؟ مجرد أمر
عابر… لا أكثر.”
تثاءبتُ على مهل.
“ليس أمرًا كبيرًا.”
أجل، لم يكن أمرًا ذا أهمية.
لقائي مع ماركيز ليمنادس لم يكن سوى حادثة بسيطة… مجرد موقف مرّ وانتهى، لا شيء يستحق الذكر.
هكذا ظننت.
لكن، بعد أيام قليلة…
“أم… هناك زائر. يا رئيسة النقابة؟”
ذلك الزائر جلس بكل وقار أمامي في المقر السري للنقابة الاستخباراتية التي أنتمي إليها، وتحديدًا في مركزها المركزي الأكثر خفية.
لم يخطر ببالي أبدًا أن نلتقي مجددًا.
“زائر؟”
الوصول إلى هذا المركز الاستخباراتي ليس بالأمر السهل. منذ أن أصبحتُ قائدة هذه النقابة، تولّيتُ شخصيًا مهمة تقوية الحواجز السحرية المحيطة بها.
“آآآخ! رئيسة النقابة شيطانة بحق!”
“اقضوا عليها، لا يمكننا رسم المزيد من الحواجز! اقتلوها!”
“ما الذي فعلته بهم، سيدتي؟ كانوا طيبين ومسالمين!”
“مجرد تدريب بسيط، لا أكثر.”
“بسيط؟! تبًا!”
“أستقيل! لا أطيق هذا أكثر!”
أنا لم أرسم الحواجز بنفسي — لا أحب أن أترك بصماتي — لكنني درّبت القائمين على ذلك… فقط، بلطف.
لكنهم أصبحوا أكثر كفاءة بفضلي.
لطالما اعتقدت أنني لا أجيد تدريب الناس، لكنني أخطأت.
يبدو أن ما قدمته من نصائح لهليوس وفريق جيد لم يذهب سُدى.
ومع أن المركز أصبح أكثر خفاءً، إلا أنني سهّلت الوصول إلى الفروع الأخرى لتلقي الطلبات بسهولة.
نستقبل أكثر من 90٪ من المهام هناك. لكن العالم لا يخلو من المجانين والمثابرين.
بعضهم — الـ10٪ — ينجحون في الوصول إلى هذا المركز الخفي.
وذلك “الزائر” الذي جاء يبحث عني، قائد النقابة، لم يكن إنسانًا عاديًا.
أن يكون هو شقيقي البيولوجي… لم تكن بشرى سارّة.
“مرحبًا بكم، كيف يمكنني مساعدتكم؟ إذا كانت لديكم مهمة، يمكنكم عرضها عليّ.”
قلت ذلك متظاهرة بأنني مجرد موظفة عادية في النقابة.
نظر إليّ بول بوجه متجهم، ثم خرج بعد أن لمحتُ له بنظرة، يحكّ عنقه بتوتر.
ربما أراد استعراض القوة؟
لم تكن هناك آثار لمعركة، لكنني شعرت ببصمة “كيا”.
الرجل الذي جلس قبالتي حدّق بي طويلًا، بصمت.
“ما سبب زيارتكم لنقابتنا؟”
“…”
“ماركيز ليمنادس، أتيتَ دون حتى أن تُخفي وجهك.”
ارتعش الرجل قليلاً.
عندما تعمل في مجال الاستخبارات، لا يمكنك إلا أن تعرف بعض الوجوه.
ومنها هذا الرجل الجالس أمامي — ماركيز ليمنادس.
عائلة ليمنادس واحدة من أعرق العائلات. لطالما ولَوا ولاءهم للإمبراطورية، وأنجبوا مستخدمي كيا أقوياء.
وقد اشتهروا بقدراتهم الفريدة، التي ساعدت على حماية العاصمة واستقرارها.
بنادق وسيوف تحرس العاصمة.
وكم هو ساخر أن هذه العائلة التي تتغنى بالعدالة كانت تتوارث منصب مفوض شرطة العاصمة عبر الأجيال.
حقًا، يدعو الأمر للضحك.
هل يعقل أن من يدّعي العدالة، يبيع ابنته كقاتلة بثمن بخس؟
العدالة هراء.
تحت ضوء النهار، لاحظت شعره الأخضر الغامق.
نعم، لونه مختلف تمامًا عن لون شعري — لون الربيع، لون الحياة.
الرجل ذو النظارات بدا أصغر من سنّه المعروف.
ملامحه تعكسني وكأنني أنظر إلى مرآة.
“سيدي، هل ستطرح مهمتك؟”
“مينت.”
ناداني باسمي الحقيقي ذلك الاخ البيوليجي — ماركيز ليمنادس، شقيقي.
قاله وهو يرفع نظراته من تحت النظارات بتوتر ظاهر.
“…أنتِ مينت، أليس كذلك؟”
اسم لم يُنطق منذ زمن طويل.
الاسم الذي كدتُ أنساه أنا نفسي، لأنه لم يعد أحد يناديني به.
لكنني لم أضطرب.
بوجه غريب تمامًا عني، أملت رأسي بابتسامة.
“…عذرًا، أظنك أخطأت بالشخص.”
قلت وأنا أبتسم ابتسامة مهذبة، كفتاة هادئة.
“إن أردت الانتظار، سأنادي رئيسة النقابة.”
“لقد أتيت لأنني أعلم أن رئيسة النقابة هي أنتِ.”
أجل، كنت أعلم.
ألم ينادني بول بـ”رئيسة النقابة” بنبرة منزعجة؟
فكرت للحظة.
تسف، فات الأوان لأتظاهر بالبراءة.
نظراته تقول إنه يعرف كل شيء.
بدأت أفكر بخياراتي.
أسحقه بالقوة. أستخدم “كيا” ذات التأثير العقلي. أطرده، وأحقق لاحقًا كيف اكتشف هويتي.
لكن، حاستي التي اعتادت رصد المجرمين تصرخ في رأسي.
هذه نظرة من يعرف كل شيء.
نظرة لا تعرف الاستسلام.
انتهى الأمر.
نظرت إلى السقف للحظة، ثم عدّلت جلستي.
سكن الهدوء والبرود ملامحي.
رأى الماركيز التغير في وجهي، وارتسمت على وجهه مشاعر متضاربة.
“كيف عرفت؟”
اتسعت عيناه.
ثم بدأت ترتجف.
“…حقًا، أنتِ.”
كان ينظر إلى شقيقته الصغيرة، التي سُجنت في نيفلهيم وهي في الثانية عشرة بتهمة القتل المتسلسل.
وهو، المفوض السابق للشرطة، لا يزال يلاحق المجرمين.
من غير المستغرب لو قرر إعادتي إلى السجن.
لكن كيف عرف؟
ركزت على هذا السؤال.
لو تمكن هو من اكتشاف هويتي، فقد يفعلها آخرون أيضًا.
وأنا لا أنوي مغادرة هذا المكان بعد.
أضربه ثم أدّعي السقوط، وأمسح ذاكرته؟
تابعت التفكير بهدوء.
لا، يجب أن أعرف أولاً كيف تعرّف إليّ.
“…لا أعرف من أين أبدأ.”
عبارة غريبة.
“منذ متى كانت هناك حاجة للكلمات بيننا؟”
لقاء بين عائلة تخلّت عن طفلتها، وطفلة كبرت
في الظل.
والآن، الفتاة لم تعد هي نفسها.
في الحقيقة، استخدامه لكلمة “نحن” مضحك.
لقد قضينا 13 عامًا منفصلين.
ألسنا غرباء؟
“أعلم أني جئت بنفسي، لكن لا أستطيع البقاء طويلًا. هناك من يراقبني.”
يراقبونه؟ من يجرؤ على مراقبة ماركيز ليمنادس؟
ليس كثيرون.
ربما دوق… أو أحد أفراد العائلة المالكة.
“الأوضاع غير مستقرة مؤخرًا… دوق ألفايون قد عاد… وسأقابله قريبًا.”
ارتجفتُ للحظة.
ربما لم يقصد شيئًا بكلماته العشوائية، لكن ذكر “دوق ألفايون” جعلني أشعر بشيء عالق في صدري.
لحظة عابرة فقط.
فقد تمالكت نفسي سريعًا حين رفع رأسه مجددًا.
“اعذريني إن بدت أسئلتي مبعثرة. لدي الكثير مما أريد معرفته، لكن هذا سؤال واحد فقط… عليّ أن أطرحه.”
“…”
“هل التقيتِ دوق ألفايون أثناء وجودك في السجن؟”
سؤاله بدا دافئًا… لكنني اكتفيت بالتحديق فيه.
هز رأسه قبل أن أجيب.
“لا، انسِ الأمر. سؤالي كان غبيًا. لم أرد أن أبدأ هكذا.”
ظل يحدق بالأرض والفراغ.
ونظرتُ إليه — ثم قلت ببرود:
“جئت الآن لتعتذر، بعدما تخليت عني؟”
لا أعرف ماذا كانت تفكر به “مينت” حين تم التخلي عنها.
فقد فتحتُ عيني على مشهد المحكمة.
“أم أنك رأيت مجرمة محكوم عليها بالسجن المؤبد، تتظاهر بوجه مختلف… فقررت أن تعيدها بيدك للسجن؟”
لم أكن غاضبة. لذا بدا صوتي هادئًا.
لكن ماركيز ليمنادس شحب وجهه، كما لو رأى شبحًا.
“لـ… لا! ليس كذلك!”
رؤية شخص يحمل نفس ملامحي وهو في ارتباك لم تكن ممتعة.
“أنا، مينت، أنا…”
رغم تعدد الاحتمالات التي تدور في رأسي، لم أتوقع أن يتفوه شقيقي، بعد طول تردد، بتلك العبارة:
“عودي إلى عائلة ليمنادس.”
كلمات غير متوقعة.
نظرت إليه بهدوء.
وفي اللحظة ذاتها، اعترفت في داخلي أنني مصابة بداء عضال.
لأن أول ما خطر ببالي بعد سماع كلماته… كان دوق ألفايون، هليوس.
“أنا أعلم أنك بريئة.”
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 155"