152
كان هانس متماسكًا حتى أمام ما لم يتوقعه.
فلرجل مثله رأى كل غريب ومثير في هذا المجال، لم تكن هذه الحال مما يربك أو يدهش.
“عليّ أن أكتشف هويتها أولًا.”
زوج المرأة كان في حال من اللاوعي، لا يتحرك قيد أنملة.
وقد ربطته كيا بإحكام تام.
شعرت المرأة بنظرته، فأمالت رأسها قليلًا.
“لا أدري إن كنت ضيفًا… أم مجرد ذيل لحق بي؟”
“…من تكونين؟”
شعر هانس بتدفق كيا طفيف يسبق صوتها أو نظرتها
فوقف على أهبة الاستعداد.
“زوجها أيضًا يملك قدرة لا يُستهان بها في الكيا.”
فهو رجل ارتكب جريمة قتل ونجح رغم ذلك في التملص من أعين حرس العاصمة.
ولم يستغرق الأمر أكثر من عشر ثوانٍ منذ أن تبع هانس الرجل إلى الزقاق حتى أُغمي عليه، ثم قُيّد وأُسِر.
“أنا؟ مجرد شخص يتحرك بناءً على طلب، لا تختلف عنكم كثيرًا.”
“…”
أخفى هانس توتره.
“…ومِن مَن تلقيتِ الطلب؟”
كان يسأل وهو يعلم أن لا إجابة ستأتيه، فالسؤال لم يكن سوى ذريعة لكسب بعض الوقت.
“علّي أن أضغط زر جهاز الاستدعاء الآن.”
في نقابتهم، يُمنح أفراد معينون جهازًا يمكنهم من استدعاء رئيس النقابة في أي وقت وأي مكان.
وليس كل الأعضاء يمتلكونه، بل من هم في منزلة هانس فقط.
“هذه المهمة، نالَت اهتمام الرئيس شخصيًا.”
تلقى أمرًا صريحًا بالإبلاغ عن أي متغير.
ضغط زر الجهاز بقوة، فجاءه صوت أنثوي:
“تسألني من الذي طلب مني هذا؟”
صوتها كان هادئًا ورقيقًا.
“زوجة هذا الرجل.”
تجمد هانس للحظة.
أن تفشي هوية العميل؟ تلك قاعدة غير مكتوبة، لكنها مقدسة في هذا العالم. فلا أحد سيثق بنقابة معلومات لا تحفظ السر.
وما قالته يدل على أحد أمرين:
إما أن هذا الكشف لن يؤثر في مهمتها مطلقًا.
أو أنها لا تدرك أبعاد ما تفعل.
“آه، وبالمناسبة…”
بدأت المرأة تنزع رداءها ببطء. انسدل شعرها الطويل متموجًا كالماء المتدفق.
لم تكن جميلة بالمعنى التقليدي، لكن كان في ملامحها شيء يصعب صرف النظر عنه.
عينان بلون بين الوردي والأحمر التفتتا نحو هانس بانسياب عجيب.
“أنا مهتمة أيضًا بقائدكم… هل ترشدني إليه؟”
في عالمهم، إذا كشف أحد هويته، فهو إما:
يريد شيئًا.
…أو سيقتلك إن لم تمنحه ما يريد.
“يا هذا، في ماذا سرحت؟”
“آه… لا شيء.”
رفع هانس رأسه ببطء، وفرك مؤخرة عنقه بيده العريض
.”مجرد… أتذكر شيئًا حصل قبل سنة تقريبًا؟”
“قبل سنة؟”
“أجل، اليوم الذي التقيت فيه بقائدنا لأول مرة.”
“آه…”
أومأ رفيقه برأسه وكأنه تذكّر.
“من كان يتوقع أن القائد السابق سيتخلى عن منصبه بهذه السهولة؟”
هزّ رفيقه كتفيه.
“هيا، وقت الغداء.”
“وبعده اجتماع، أليس كذلك؟”
نهض هانس وأدار عنقه يمينًا ويسارًا.
في عام واحد، أصبحت النقابة التي ينتمي إليها أكثر سريةً وقوة.
وكل هذا بسبب شخص واحد.
“ما أصل قائدنا بحق؟ من أين جاء؟”
تثاءب هانس وتبع رفيقه ببطء.
“…كان يبحث عن شيء، أليس كذلك؟”
في أحد الأيام، بعد ثلاث سنوات من إطلاق سراحها، حدث ذلك مع مينت.
مكتب صغير تغمره أشعة الشمس.
وكانت هناك أنفاس ناعمة تُسمع بوضوح.
رجل نام بارتخاء فوق المكتب، وقد رفع قدميه عليه، وكان رأسه مُغطى بكتاب.
سرعان ما بدأ يشخر، ما يدل على نومه العميق.
“…”
رجل آخر يرتدي نظارات وقف قرب المكتب، ينظر نحوه بشيء من الاستخفاف.
“نائب الرئيس.”
“زز… زز…”
“أعلم أنك مستيقظ. من يتصنّع الشخير قائلًا ‘زز’؟”
“آه، لِمَ الإزعاج…”
قال الرجل النائم بنبرة متذمرة، مما أثار اشمئزاز صاحب النظارات.
رجل بلحية ويتصنع الدلال؟ أمر لا يُحتمل.
“رئيس النقابة يعمل بجد ويجوب كل مكان، وأنت… ماذا تفعل؟”
“أهممم، أعيش مستمتعًا؟”
“نقابتنا لا تحتاج لعاطلين.”
“آه، لماذا؟! هذه النقابة أنا من أسسها!”
“لكن المالك تغيّر الآن.”
تنهد الرجل، واسمه “بول”، وهو من كان في السابق قائد هذه النقابة.
وقد تخلى عن منصبه طوعًا ليصبح نائبًا.
أما الرجل بالنظارات، فكان يُدعى “أنتوني”، وكان الرجل الثاني في النقابة، ثم أصبح الثالث بعد انتقال القيادة.
“قائدنا الوسيم والقوي؟”
أزاح بول الكتاب عن رأسه وتثاءب.
“شخص لا نعرف هويته، ولا يبدو أن له حدودًا في قوته…”
نظره النعسان اتجه إلى النافذة.
“لا شك أنه يتجول في مكان ما الآن. آه، ما أمتع النوم.”
“آه، أذني تحكّني…”
قالت مينت وهي تفرك أذنها، وتدير رأسها.
سيدة في منتصف العمر ذات وجه ودود ابتسمت بحرارة.
“عزيزتي، خذي هذه أيضًا. هدية مني.”
كان في يدها سيخ صغير من اللحم.
“أوه، ما أجملكِ. أشكرك لأنكِ تأتين دائمًا.”
“لا داعي للشكر.”
رفعت مينت كتفيها، وقبلت الهدية دون تردد.
طلبت سيخًا، فأُعطيت سيخًا صغيرًا آخر مجانًا.
صفقة رابحة.
“بالمناسبة، لمَ تذهبين إلى ذاك الزقاق؟”
“همم؟”
“أقصد، في ذلك الزقاق، اختفى شخص قبل
أيام…”
كانت تعلم. لهذا السبب جاءت مينت إلى هنا.
“وهناك تاجر غريب هناك، يقولون يبيع أشياءً عجيبة.”
“تاجر غريب؟”
“أجل، يبيع أشياءً من قارات أخرى… مثل أنياب فيلة حمراء، أو حراشف سحالي صفراء… وأشياء كهذه.”
“أين هو؟”
“هم؟”
“قلت، أين هو؟”
رمشت السيدة بدهشة. نظرة مينت الجدّية حملت معها هيبة غير متوقعة.
سارعت مينت بجمع كياها.
“شكرًا، سأستمتع بالطعام.”
في تلك اللحظة تمامًا:
بوم!
دوى صوت يشبه الألعاب النارية، واستدار كل من السيدة ومينت.
في السماء، تفتحت شرارات جميلة كما لو أُطلقت من كيا، رغم أنه كان نهارًا.
“آه، ها هم مجددًا.”
“ما هذا؟”
“أوه؟ لا تعرفين؟”
“عجيب أني لا أعرف.”
ضحكت السيدة بخفة.
“منذ أيام والحديث عنه في كل مكان. ألا تعلمين أن دوق ألفيون قد عاد من الحرب؟”
توقفت مينت للحظة.
“وقيل إنه انتصر مجددًا… مذهل حقًا.”
“…”
تلاشت ابتسامة السيدة قليلًا، فقد رأت ومضة عميقة في عيني مينت لا توصف.
نظرة باردة تخترق الأعماق.
“أجل، مذهل حقًا.”
جاء صوت مينت بنعومة.
“مَن الذي علّمه كل هذا؟”
ثم عادت مجددًا إلى الفتاة الودودة المعهودة، مبتسمة، مبتعدة.
راقبتها السيدة وهي تبتعد، وشعرت بقشعريرة دون سبب.
“آه، لا أستطيع التحكم بنفسي هذه الأيام.”
بقيت مينت وحدها، تدير عنقها لتخفيف التوتر.
“كلما سمعت شيئًا عن هيليوس، يحدث هذا…”
مضت ثلاث سنوات.
أطول بكثير من الوقت القصير الذي قضته مع هيليوس.
في هذه السنوات الثلاث، تغيّر الكثير.
فبعد خروجها من السجن، قضت مينت عامين تتجول بين أرجاء القارة.
بحثًا عن قبيلة “ماما”، أقاربها، ولتنفيذ وصاياها الأخيرة.
وصايا لم تنتهِ بعد.
“كم من الأشياء أوصت بها تلك العجوز…”
طردت مينت صورة “ماما” من ذهنها ومضت قدمًا.
كان الزقاق مظلمًا.
قبل عام من الآن، دخلت مينت عاصمة الإمبراطورية هذه.
وبعد ستة أشهر، سمعت بخبر تولي شخص جديد لقب دوق ألفيون.
كان ذلك الشخص… هيليوس.
وفي الوقت ذاته، علمت بأن هيليوس قد هرب من السجن.
“لم أتوقع حقًا أن يفعلها كما في الرواية الأصلية.”
بوجودها في نقابة المعلومات، كانت الأخبار تطرق أذنيها كثيرًا.
وكان من بينها خبر هيليوس.
تمامًا كما في القصة الأصلية، أصبح أول سجين يهرب من نيفلهيم.
حقًا، لم يكن رجلًا عاديًا.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 152"