الفصل 130 –
ضحكت رامونا قهقهة عالية.
لكنها لم تكن ضحكة نابعة من تسلية، بل كانت ضحكة مشبعة بالغضب.
كان الأمر غريبًا بحق.
رامونا لطالما رأت في تلك الفتاة مخلوقًا غريبًا ومثيرًا للاهتمام،
لكن الآن، لم يعد بإمكانها التفكير فيها على هذا النحو فحسب.
هذه الجهة تضم عددًا أكبر من الناس.
وإذا ضحّى شخص واحد بنفسه يمكن تجنب موت الجميع.
فما الذي يثير كل هذا الاستياء؟
“هاهاها، لما هذه النظرات المجنونة؟ ما بها تلك المرأة؟جميع البشر يموتون، يا صغيرة.”
الفتاة كانت ذات معنى خاص لكل من رامونا، والسجين “ديريل” الذي كان بجانبها.
رغم دخولها في سن مبكرة جدًا، تجاوزتهم جميعًا في الصعود بصمت عبر طبقات الجحيم.
كما فعلت في السابق، تقدّمت الفتاة هذه المرة نحو الشقّ أمامها بلا أي إجابة.
ششششق!
تآكل جلدها بفعل سمّ رامونا، وأصابتها حروق نارية من اللهب الذي استخدمه ديريل،
لكن هذا لم يكن كافيًا لوقفها.
“ككهه… كخ!”
لم يستطع أحد مواجهتها.
“لا، مستحيل…”
“لا، لا تذهبي!”
السجناء كانوا يائسين.
لطالما ظنّوا أنهم سيموتون جميعًا،
لكن الشقّ الآن بدأ ينغلق تدريجيًا نتيجة تضحية القائدة الغبية – بحسب تعبيرهم.
إذا تم التلاعب بالشقّ خطأ، فسيؤدي إلى موت الجميع!
كأناس أنانيين، لم يكن يهمهم سوى نجاة أنفسهم.
كانت الفتاة تعض على أسنانها.
(حتى في هذه اللحظة، الشقّ يضيق.)
فكرتها الحادة وصلت حتى هليوس، بل رآها بوضوح.
(يجب أن أنقذكِ… لا يمكنك الموت بهذه الطريقة… لا من تلقاء نفسك.)
كان ما يشعر به أقرب إلى التعلّق، وربما الطمع.
مشاعر مشوّهة وصلت إلى هليوس بوضوح.
كانت الفتاة غارقة في غضب هادئ وعميق.
(ما زالت حيّة، لكن لا أحد يتحرك خشية الموت معهم… لهذا قلت مسبقًا، لا داعي للانشغال بأولئك الناس.)
بينما الجميع يراقب الموت بصمت، وحدها كانت تتقدم.
لم يتمكن أيّ أحد من منعها لأكثر من دقيقة.
“آهاه، كح! لا… هذا لا يجوز…”
رفعت رامونا رأسها من حيث كانت ساقطة.
الضربة التي وجهتها لها تلك الصغيرة كانت قوية لدرجة أن الألم منعها من النهوض.
ومع ذلك…
“لن أدعك تذهبي. أنا لا أريد الموت!”
أطلقت هجومًا حاقدًا صوب ظهر الفتاة.
ششششق!
الهجوم المسموم تلاشى تمامًا عند اصطدامه بطاقة “كيا” سوداء داكنة.
“يجب الحذر من الخلف، من الخلف.”
توقّفت الفتاة لحظة قصيرة.
“عزيزتي، يبدو أن مدير السجن أمر بقتلكِ إن لزم الأمر.”
صوت ساحر ومتهكم انطلق من الخلف.
خلف مينت، وقف شاب تتقطر منه الدماء.
رغم أن جلده كان يتآكل من سم رامونا، لم تفارقه ابتسامته الهادئة.
“انظري… الجميع خان تلك المرأة، والآن خانوك أنتِ أيضًا.”
“……”
“عداي أنا.”
“اصمت.”
الشاب ذو الشعر الأسود اكتفى بهز كتفيه وأدار وجهه.
كان هليوس يراقب بهدوء، لكنه شعر فجأة بإحساس غريزي:
(هل هذا هو هاديس؟)
لا، لقد تأكد.
ذلك هو هاديس.
ذلك الذي ترك أثرًا كبيرًا – وإن كان سلبيًا – في عقل ووجدان أستاذته.
والآن، بات يدرك أن هذا الرجل كان حاضرًا في مسيرة معلمته.
وفي هذه اللحظة الحرجة… تجرأ على حماية ظهرها.
…وليس هو.
(لو كنت فقط قادرًا على خوض هذا القتال…)
مدّ هليوس يده متوترًا، معقود الحاجبين…
― ششت.
ارتجف فجأة.
شعر أن أحدًا أمسك بكتفه، لكن حين التفت، لم يجد أحدًا.
في تلك الأثناء، كانت الفتاة قد وصلت أخيرًا إلى الشق.
مرة أخرى، وصل لهليوس شعور قوي أشبه بصرخة عقلية:
(أمي… لا تزال على قيد الحياة.)
ستكون حية.
ربما كان ذلك دعاء أكثر من كونه يقينًا.
لكن الوضع كان سيئًا.
شقّ بهذا الحجم، إن ابتلع إنسانًا، فربما لن يعود حيًا أبدًا.
حتى هليوس، رغم جهله بتفاصيل هذا المكان، لم يكن يعتقد أن النجاة ممكنة.
“لا، لا تلمسيه!”
“تبًا! سنموت جميعًا!”
صرخات وارتباك خلفهما…
لكنه تبع الفتاة، وقفز معها إلى داخل الشق.
ظن أنه سيجد فضاءً مظلمًا.
لكنه دخل إلى عالم أبيض تمامًا، فراغ ساطع… لا شيء.
شعر بقشعريرة تجتاحه؛ فالإحساس بأن وجودك ذاته يتلاشى كان طاغيًا.
الفتاة واصلت السير دون اكتراث، ثم توقفت فجأة.
“الجميع قال إنكِ متِّ.”
قالت ذلك بصوت خافت.
“أرأيتِ؟ كنت على حق.”
الشخص الواقف هناك التفت ببطء.
أو بالأحرى… لا يمكن القول إنه “استدار”.
كتم هليوس أنفاسه.
“واو… كبرتِ كثيرًا، صغيرتي.”
“كم مرة يجب أن أقول إنني لست صغيرة؟”
“ماما” – كما كانت تُدعى – كانت فاقدة النصف السفلي من جسدها.
لم يكن هناك نزيف، وبدا أنها لا تشعر بأي ألم، حتى أنها كانت تبتسم.
لكن من الواضح أنها لم تكن تبدو كحيّة.
الفتاة تجاهلت هذه الحقيقة، وتابعت الحديث كأن شيئًا لم يكن.
“قلت لكِ ألا تساعدي أولئك الأوغاد. لا يعرفون حتى معنى الامتنان. رغم وجود طريقة، تركوكِ تموتين.”
“كنت أعلم.”
ضحكت ماما باستخفاف.
ضحكة باردة.
“أصلاً، ماذا تتوقعين من أوغاد كهؤلاء؟”
عبست الفتاة قليلًا.
“لكن، صغيرتي… هل ستساعدينني؟”
“كفّي عن هذا الهراء وعودي معي.”
“للأسف، الشقّ لا يزال في حالة هيجان. سيموت الجميع.”
“فقدان نصف الجسد لا يعني الموت. سأصنع لكِ ساقين من طاقتي.”
“…”
“بل، عليكِ أن تعتبريني نعمة. سأكون أنا ساقيكِ مدى الحياة.”
“…”
عضّت الفتاة شفتها بصمت.
“فليمت من يموت. ما دخلي؟ إن كان موتك وحدك هو الثمن، فأنا أفضل أن أموت معك. لذا اخرجي من هناك، فورًا. كل ما عليكِ فعله… هو العودة فقط.”
“هاهاها.”
ضحكت ماما مجددًا.
اختفى جزء آخر من خصرها.
الفتاة غمغمت بأسنانها.
“هل تسمحين لي بطلب ثلاثة أشياء؟”
“لن أحققها. اخرسي، واخرجي فقط.”
لكن ماما واصلت الابتسام، وكأن شيئًا لم يحدث.
رفعت ثلاث أصابع.
رأى هليوس في تلك الابتسامة ما يشبه ابتسامة أستاذته في لحظات الخطر.
“أولًا، إذا واجهتِ شخصًا ابتلعته شقوق الكيا أو عانى بسببها، لا تتجاهليه. أنقذيه إن استطعتِ.”
“
…كان عليّ فقط جركِ خارجًا بدلًا من الكلام معكِ.”
انطلقت طاقة “كيا” من جسد الفتاة،
لكنها لم تلمس ماما، بل امتصّها الفراغ الأبيض.
شعرت الفتاة لأول مرة ببعض الارتباك.
“ثانيًا، اخرجي من هذا السجن، بأي ثمن.”
نظرت الفتاة إلى ماما بوجه جامد.
هليوس، الذي اعتاد قراءة مشاعرها،
عرف فورًا أن الشعور الذي ملأ ملامحها الآن…
كان اليأس.
“أهم من كل شيء… أخرجي. لا تسمحي لأي شيء أن يمنعكِ.”
“…ماذا تهذين؟ لا تأمريّ.”
“وأخيرًا…”
مهما حاولت الفتاة المقاطعة،
كانت ماما تواصل الحديث بهدوء… تمامًا كما كانت أستاذته تفعل.
“حين تخرجين، استمعي لوصّيتي. ولو نصفها فقط، لا بأس.”
بقية كلماتها، لم يسمعها هليوس بوضوح.
أو لعلها لم تُقال له أصلًا.
“لا، لن أسمع! لن أسمع شيئًا!”
في هذه الأثناء، أطلقت الفتاة طاقتها بعنف،
وحاولت أن تمد يدها نحو ماما، وصرخت بلا توقف.
لكن يدها لم تصل.
وكأن ماما كانت تعرف منذ البداية أنها لن تصل إليها.
فقد كانت نظراتها هادئة، راضية.
ثم ابتسمت بسكينة.
“عزيزتي… في الحقيقة، لم أكن أهتم إن مات الجميع هنا. أيعقل أنني دخلت هذا السجن لأنني كنت فاضلة؟”
ارتجفت الفتاة.
رفعت ماما نظرها إلى السماء،
رغم أن كل ما حولها كان بياضًا نقيًا،
إلا أن تعبيرها بدا وكأنها تنظر إلى سماء غائمة.
“هيه، لقد كانت حياة ممتعة بحق.”
“ماما!”
“حتى إن استسلم كل البشر بذريعة “ما باليد حيلة”،وحتى إن كانت طاقتي تكفي لأبقى حيّة وحدي…”
“عودي الآن! قلت لكِ!”
“لا أريدكِ أن تموتي. لكن، ماذا أفعل؟”
من وجهة نظر هليوس، كانت تلك الابتسامة أكثر إشراقًا من أي ابتسامة رآها في حياته،
وأكثر راحة.
“الأم… يجب أن تنقذ ابنتها.”
فتحت الفتاة فمها قليلًا،
لكن وجهها، كما رآه هليوس، كان أشبه بـ…
صرخة من إنسان لا يعرف كيف يبكي.
صرخة من شخص… لم يذرف دمعة واحدة في حياته.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 130"