وأن الصداقة أحيانًا تعني أن نتقاسم حتى حبّة فاصولياء.
لم تفهم “باي ها” ذلك بعد. لكنها قبلته كما هو.
إن كنت تقول إنه كذلك، فلا بد أن يكون كذلك.
“باي ها، تعالي واقرئي هذا! هذا كتابي المفضل.”
تحوّل الكتاب المفضل لجيهو إلى الكتاب المفضل لها.
ومن سوء الحظ، حين فتحت عينيها فيه، أدركت أنها لن تستطيع العودة إلى عالمها الأصلي أبدًا.
حتى عندما كانت تتسلق البرج، وكانت ذاكرتها عن العالم الأصلي تتلاشى شيئًا فشيئًا، ولم يتبقَّ سوى المعرفة.
وحتى عندما اختفت المعلومات التي بالكاد تعلّمتها، لتحل محلها القوة.
لم تنسَ باي ها “جيهو” ولو للحظة واحدة. ولم تحقد عليه أبدًا.
“يبدو أنها كانت عزيزة عليك، أليس كذلك؟”
أصبحت باي ها “مينت”، و”مينت” التقت بشخص يُشبه جيهو هنا.
رغم أن طباعه، وطريقته في الكلام، وحتى منطقه كلها مختلفة، إلا أن شيئًا فيه كان يُشبهه.
وحين نظرت إلى هذا الشخص، فتحت الفتاة شفتيها أخيرًا.
“كانت ثمينة نعم.”
“…”
“لدرجة أنني أحببتُ الكتاب الذي احبته أكثر من أي كتاب آخر.”
“حقًا؟”
“…”
“إذاً عليك أن تعتزّي بها دائمًا.”
ربّتت “ماما” بخفّة على مؤخرة رأس الفتاة. لم تُجب الفتاة بكلمة.
لكن الصمت كان اعترافًا صريحًا.
…كان “هيليوس”، الذي كان يسمع كل هذا الحوار، يشعر بشيء من الحرج.
هل يُفترض به أن يسمع هذا؟
لكن التركيز التام الذي اجتاحه كان خارج إرادته.
أن يسمع عن معلمة، بل عن ماضيها، كان أمرًا يهزّه من الداخل.
كان يشعر بالذنب، لكنه في الوقت ذاته، قلبه يخفق، وتنتابه مشاعر لا تُوصف.
هل الرغبة في فهم من تحب تُعدّ خُبثًا؟
“أوه، صحيح. صغيرتي، خففي من نشاطك قليلاً، فهم يقولون إن ‘الشقوق’ قادمة مجددًا.”
“هذه المرة جاءت بسرعة نوعًا ما.”
وفي تلك اللحظة، تحوّل موضوع الحديث بين الفتاة و”ماما” فجأة.
هيليوس مال برأسه متعجبًا.
شقوق؟
لا يمكنه تجاوز هذا الأمر بسهولة.
فكم مرة عانى من تلك الشقوق في كل تقييم خاص؟
حتى مع وجود المعلمة بجانبه، لم تكن تتدخل إلا إذا كانت الأزمة فعلاً على وشك الفتك به.
لقد تجاوز مئات المرات التي كاد أن يُقتل فيها.
لكن ما معنى أن “شقوقًا” قادمة؟
“أمر لا يُعقل، أن يتم جلب شقوقٍ إلى الزنزانة باستخدام قوة البرج، هكذا ببساطة.”
“ألم تقولي يا ماما إن البرج كتلة مركّبة من طاقة الكيا؟”
“بلى، وهذا هو أصل المشكلة، صغيرتي. أسلوب التقييم الخاص نفسه معيب من الأساس.”
بعد أن أنصت هيليوس طويلاً، بدأ يفهم الصورة العامة.
بل واستطاع استخلاص عدة حقائق.
بعبارة أخرى، هذه الحقبة الزمنية تعود إلى عدة سنوات في الماضي مقارنة بزمنه الحالي.
حينها، “التقييم الخاص” لم يكن يتم بإخراج السجين إلى الخارج، كما كان يحدث معه…
بل كان يتم بجلب “الشقوق” إلى السجن عبر البرج لتدميرها داخليًا.
حتى من دون أن يكون خبيرًا، هيليوس أدرك مدى خطورة هذا الأسلوب.
ربما لم يكن وحده من فكّر هكذا.
فالمحتوى الذي دار في الحوار كان صادمًا.
فـ”التقييم الخاص” آنذاك لا يستحق حتى أن يُسمى تقييمًا.
“لكن، هل يُعقل أن يُلقوا بسجين لا يتناسب مع مستوى الشقّ ويُسمون ذلك تقييمًا؟ هذا ليس سوى تقديمه كأضحية.”
“…”
“رأيتُ الحُرّاس وهم يرمون النرد، ليقرّروا من أي طابق يأخذون السجين ليرموه.”
سجناء هذا المكان لم يكونوا سجناء عاديين. بل كانوا من النوع الأسوأ.
مكان يمكن وصفه بجرأة على أنه وكر للأشرار.
“في النهاية، لا مشكلة إن اختفى سجين من المستوى الأدنى، فهم يستبدلونه بسهولة. هكذا يُلقون بهم واحدًا تلو الآخر. لكن حين أخذوا سجينًا تفوق مستواه بكثير…”
“انفجر الشقّ تقريبًا، أليس كذلك؟”
“نعم. كما هو متوقع من القائد. ولهذا بدأوا في استقدام سجناء من المستويات المتوسطة والعليا.”
“…”
“من يدري متى يحين دوري.”
كلما استمع أكثر، بدا له أن السجناء لا يُعامَلون كبشر، بل كأجزاء قابلة للاستبدال.
“هل هذه زنزانة، أم مكب نفايات؟”
“…”
“ما بك؟ ما هذا الوجه؟”
عندها، نظر هيليوس، الذي كان شاردًا في التفكير، إلى “ماما” أيضًا.
“صغيرتي، ألا تشعرين بأن هناك خطأً ما هنا؟”
“بشأن ماذا؟ الشقوق؟ تقديم السجناء كأضاحي؟”
“…”
“بالمناسبة، لا تسألني عن الخير والشر. أنتِ أكثر من يعرف كم أنا أنانية. طالما أنا بخير وعلى قيد الحياة، فلا يهمني شيء. أما إن أصبحتُ أنا الأضحية، فذلك أمرٌ آخر.”
“…”
“أوه، رغم أن هذا مستبعد، لكن القادة مستثنون من كونهم أضاحي، صحيح؟ إذاً لا بأس.”
“هاه، لم أرَ طفلة أكثر أنانية منكِ، صغيرتي. ومع ذلك تقلقين عليّ؟ أشعر بالامتنان، حقا.”
“ومن قال إني قلقة عليك.”
“لكن ماذا لو كان بين الأضاحي أشخاص أبرياء، مثلك؟ لو ماتوا، فلن تُتاح لهم فرصة الخروج، أليس كذلك؟”
“أنا ممتنة لأنك صدقت أنني مظلومة. لكن كم شخصًا مثلي تظنين أنهم موجودون؟”
قالت الفتاة بوجه متجهم:
“لا تقومي بحركات مجنونة من أجل شخصٍ لا يتجاوز واحدًا من كل مئة.”
“…”
“حتى لو قلت إنك تفعلين ذلك من أجل الجميع، يا ماما، أؤكد لكِ أن أحدًا لن يشكركِ. ما الذي تنتظريته من هذه الزنزانة؟”
ضحكت “ماما” بدلاً من الرد.
“هذا صحيح. لا ينبغي أن ننتظر شيئًا من هؤلاء الأنانيين.”
“بصفتك القائدة، فقط استمتعي بقوتك ونفوذك، وابقَي في مكانك.”
“لا أحب هذا النوع من الهوايات. ما يسليني فعلًا هو رؤية فتاتي الجميلة.”
“لا تقولي أشياء مقززة.”
ورغم تأنيب الفتاة، ابتسمت “ماما” وهي تربّت على ذقنها.
“لكن، بالمناسبة… هذا المكان فيه بشر كثيرون مجتمعون. لا أدري إلى متى سيُعالج أمر الشقوق بأمان.”
“هل تعتقدين أنه قد يحدث خلل في إحدى الشقوق وتنفجر؟ وتذهب بنا جميعًا في لحظة واحدة؟”
“أجل.”
“ألا تظنين أن الحراس سيتصرفون كما يجب؟ فحتى المدير موجود هنا.”
اختفت الابتسامة من وجه “ماما”.
“هذا النوع من الاطمئنان… هو الخطر بعينه. لمجرد أن الأخطاء لم تقع بعد، لا يعني أنها لن تقع لاحقًا.”
وكان هيليوس يوافق الرأي تمامًا.
الافتراض بعدم وجود مشاكل هو الخطر الحقيقي اذ معظم مشاكل الأنظمة تبدأ من الثقة الزائدة لدى من هم في القمة.
ومع ذلك، شعر هيليوس أن هذه المحادثة، رغم خطورتها، كانت هادئة بشكل لا يُصدق.
ربما لأن معلمته الصغيرة بدت مرتاحة على نحو لا يشبهها.
…وربما لأن العلاقة التي بدت كأنها بين أم وابنتها، ملأت المكان بدفءٍ غريب.
لكن للأسف، لم يستطع هيليوس الاستماع لأكثر من ذلك.
سحابة؟
السحابة الرمادية نفسها، التي اجتاحته أول مرة، عادت لتغلفه من جديد.
وبدون حيلة، وجد نفسه يُسحب إليها مجددًا.
انحجبت الرؤية عن عينيه.
وآخر ما سمعه، كان صوت “ماما”.
“المشكلة… لا بد أن تقع، في النهاية.”
“هل الأمور تسير هكذا دائمًا؟”
فتح هيليوس عينيه مجددًا. هل هذا هو طابع عوالم الـ”كيا” النفسية؟ التنقل بهذه السرعة؟
“أمر يصعب فهمه.”
رأى الأرضية المألوفة.
إنها منطقة استراحة السجناء.
نظر إلى الأرض الجافة تحت قدميه، ثم رفع رأسه.
و… رعشة سرت في عموده الفقري.
ما رآه جعل شعره ينتصب.
في السماء، كان هناك دوّامة ضخمة.
رؤيتها وحدها كفيلة بأن تشلّ الفكر.
بفضل الغيوم السوداء، بدت السماء وكأنها تُبتلع بالكامل.
ما هذا الحجم…؟
كانت الدوامة تمتد من السماء إلى الأرض. حجمها وحده كان مرعبًا.
وكان يشعر بالدوار والاختناق لمجرد النظر إليها.
لا يمكنه أن يُخطئ.
هذه…
كانت شقًّا.
بل، كانت أكبر “شق” يراه هيليوس في حياته.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 128"