الفصل 124
من الذي قال إن الزمن يمر كالسهم؟ في الحقيقة، لم تشعر “مينت” يومًا بذلك وهي تعيش في هذا السجن.
لكن هذه المرة فقط، كان عليها الاعتراف بذلك.
«غريبٌ فعلاً.»
غمضت عينيها ثم فتحتهما، لتجد أن الوقت قد مضى دفعة واحدة، وأن “هيليوس” قد أنهى اليوم الطابق التاسع والثمانين.
في الأصل، حسب هيكل البرج، من الطبيعي أن يزداد الوقت المستغرق في كل طابق كلما ارتفعت أكثر.
ليس بالضرورة أن تموت لتفشل، يكفي أن تُقصى من التجربة.
وفي تلك الحالة، لا خيار سوى التكرار اللامتناهي حتى تعبر — لا فرق عن الطوابق السفلى.
لكن الفرق هو أن هناك طوابق، سيكون الموت فيها خيارًا أرحم.
خلال شهر واحد فقط، اجتاز “هيليوس” تقييمًا خاصًا آخر.
ونتيجةً لذلك، قفز عشر طوابق إضافية دفعة واحدة.
رقم لم يسبق له مثيل.
«لن تجد له سابقة حتى لو بحثت في التاريخ.»
ومنذ ذلك الحين، بدأت رسائل المدير تصل بوتيرة أعلى.
في الحقيقة، حتى منذ اجتياز التقييم الأول، بدأ المدير بالتواصل معها.
رغم أن تلك الرسائل لم تكن سوى محاولات للاستجواب بناءً على تقارير الرقيب “ستيفن”.
كانت رسائلٌ مضمونها: “جيد، لكن اجعليه يعمل بجهد أكبر.”
لم تكن تحتوي على ذرة اهتمام برفاهية “هيليوس”.
وفي رسائل أخرى، أعرب عن قلقه المتعلق بـ”هاديس”،ورغم أنه أبدى شكّه عندما قيل له إن “مينت” تعاملت مع الأمر،
إلا أنه أظهر أنه تجاوز الموضوع — ولو مؤقتًا.
«بالطبع، فـ”هاديس” يمثل صداعًا ومنافسًا لتلك الشخصية، فمن الصعب عليه تجاهله كليًا.»
لكن التحول الجليّ في موقف المدير حدث بعد اجتياز التقييم الثاني.
فقد أرسل عدة رسائلٍ متحمسة على غير عادته — على نحو غير متزن.
«مزعجٌ.»
كان رد “مينت” بارداً.
لكن الحقيقة هي أن تلميذها، الذي حقق هذه النتائج،
تحمّل كسرًا في أصابعه عدة مرات،
وتشققات في ضلوعه،
وكاد أن يلقى حتفه أكثر من مرة،
رأى من الدم ما يكفي لتشكيل بحيرة،
ومع ذلك، لم يُسأل سوى سؤالٍ سطحي، بلا أي اهتمام.
“لا تسألني عن الدم الذي على وجنتي، من أيّ شخصٍ جاء.”
في اليوم الذي عادت فيه إلى غرفة “هيليوس” بعد لقائها بـ”هاديس”
— ذلك اللقاء الذي أخرجت منه حقائق لم تكن تود البوح بها على الإطلاق —
كان “هيليوس” قد عاد وعلى وجه “مينت” بقع دم “هاديس”،
ومع ذلك، لم يسألها عن شيء.
“آه، افترضتَ أني دفنتُ أحدهم؟”
“لا تبدين من دون خبرة في هذا المجال.”
“يا إلهي، كنتُ شريرة حقيقية إذًا.”
حينها، أدركت “مينت” أن ما قاله كان من طراز نكاته الخاص.
وطريقته العرجاء في المواساة.
وبالرغم من أنها تعاملت معه كعادتها،
استطاع “هيليوس” أن يشعر بخللٍ في حالتها النفسية.
حتى زملاء السجن الذين عاشوا معها لما يقرب العشر سنوات لم يلحظوا ذلك.
لكن “هيليوس” شعر به، رغم كل شيء.
فـ”رامونا” و”ديريل” لم يكونا بلا مبالاة، بل إن “مينت” كانت ببساطة بارعة في إخفاء مشاعرها.
وكانت “مينت” تدرك: كلما اقتربت من “هيليوس”،
كلما كان ذلك نذير سوء له.
فلم يحدث أن رغبت يومًا في أحد، إلا وانتهى الأمر على نحو مأساوي.
فقدت “ماما”.
وحتى قبل ذلك، حين عادت إلى كوريا كـ”باك ها-إل”، كانت النتيجة واحدة.
فيما كانت تستعرض الوضع ببطء، سمعت أنفاسًا ثقيلة قريبة.
فاستدارت لترى “جيد”، الذي كان يتصبب عرقًا بعد التدريب.
“أليس من المذهل، يا أخي، أنك تُنجز أمورًا عظيمة واحدة تلو الأخرى؟”
قال “غيد” بابتسامة مشوشة، وهو أحد أفراد مجموعته.
“غدًا ستصلان للطابق التسعين… هذا ارتفاعٌ مذهل يصعب اللحاق به. هاه.”
كأن الإنجازات كثرت حتى لم يدرِ من أين يبدأ.
“المدهش حقًا هو تلميذي، لا أنا.”
“لكن من صنع هذا القائد هو السير غاريت، أليس كذلك؟”
أجابت “هايرا” بوجه مرتبك بدلًا من “غيد”.
وللإنصاف، فإن مجموعة “غيد” أيضًا تستحق التقدير.
فبينما قفز “هيليوس” الطوابق بسبب التقييمات الخاصة،
صعدوا هم طابقًا تلو الآخر بجهدٍ منتظم.
وبسبب غياب “مينت” و”هيليوس”، واجهوا أزمات حقيقية، ومرّوا بلحظات انكسار.
لكنهم صاروا أكثر صلابة من ذي قبل.
حتى “بريت” و”سيث”، الذي عُرف بضعفه،
باتت وجوههم تشي بأنهم عبروا حدودًا قاتلة، وتجاوزوا مراحلهم.
«لا أعرف رفيقهم السابق، لكنهم محظوظون به.»
بهذه الوتيرة، وإن كانت أبطأ من “هيليوس”،
فمن الممكن أن يبلغوا الحد الأقصى الذي توقعته “مينت” منذ البداية.
وحينها، سيكونون السند الحقيقي حين يصبح “هيليوس” قائدًا.
إن لم تكن هنالك خيانة. أو يموتوا قبل ذلك.
“مينت” أرست الأساس، والبقية بات عليهم إتمام البناء.
“أنتم بالفعل مذهلون… فلا تموتوا خارج البرج، فقط. وثابروا.”
ساد الصمت بينهم. حتى “بريت” و”سيث” توقفا عن الحديث.
“ما بالكم لا تردّون؟”
أخذوا يتلفتون دون أن ينطقوا بكلمة،
قبل أن تتحدث “هايرا” أخيرًا بهدوء:
“هذه… أول مرة تعترف فيها بنا، أليس كذلك؟ عدا القائد، طبعًا.”
“آه، هل كنتُ قاسيا لهذه الدرجة؟”
“أجل، والإجابة صحيحة.”
“حقٌ عليك.”
اعترفت “مينت” ببساطة. فتجعد أنف “هايرا” قليلًا.
وفي هذه الأثناء، أخذت “مينت” تكرر الرقم 89 في ذهنها.
لم يتبقَ سوى 11 طابقًا للوصول إلى المئة.
لكن من الطابق 91 تبدأ خصائص جديدة،
فقد لا يكون المتبقي 11 فعليًا، بل أقل.
بمعنى آخر: النهاية باتت قريبة.
“أحيانًا، يأتيك يوم تريد فيه أن تكون متقلب المزاج، بلا سبب.”
“وأنت لست من النوع الذي يَسمح بالعواطف.”
بما أن “هيليوس” كان يتدرب وحيدًا في مكانٍ بعيد،
فمن كانوا قربها فقط هم مجموعة “غيد” المنهية لتوها تدريبها.
“في الحياة، الناس لا يتقلبون هكذا عبثًا. إما أنهم مروا بشيء كبير…”
نظرت إليها “هايرا” بتمعن، ثم خفضت عينيها.
“أو لأنهم… لن يروك مجددًا.”
“…….”
ارتبك الآخرون، وبدؤوا ينظرون إليها في صمت.
أعجبت “مينت” من بديهتها.
«قدرة “كيا” الذهنية تطورت فعلًا، وحسّه أصبح أكثر حدة.»
وحين لم تجبها، واكتفت بابتسامة،
بدت على “هايرا” ملامح الرضى، وكأنها وجدت الجواب.
“على الأرجح، ستعود لحياة السجان.
وقد حان الوقت، أليس كذلك؟”
“آه، صحيح، كنت سجّان.”
“آه! لقد… نسيت تمامًا…”
“هاها، زي السجناء يليق بك كثيرًا.”
لكن “مينت” وحدها، كانت تدرك أن “هايرا” تعمدت تغيير الموضوع.
وأن “بريت” لم يُخدع بكلامه.
غير أن “مينت” اختارت تجاهل كل تلك الإشارات.
لأن “هايرا” قالت الحقيقة.
لم يتبقَ الكثير على رحيلها.
“ماذا تشعر وأنت على وشك دخول الطابق 90؟”
سألتُه بهدوء.
كان قد مضى يومٌ كامل على اجتياز الطابق 89.
بمعنى أن دخوله البرج بات وشيكًا.
“من الطابق 91 تبدأ سلسلة تجارب جديدة.
ألستَ متوترًا؟”
“ومن لا يكون؟ التوتر قذر، هذا هو المشكلة.”
أجاب “هيليوس” وهو متجهم.
كان في مزاجٍ سيء منذ الصباح،
لكنها لم تكن أول مرة، لذا لم تعلق كثيرًا.
“هممم، أنتم غريبون يا رفاق. تتحدثون بالطريقة نفسها تقريبًا.هل أنتما صديقان مقربان؟ أنت و… سيدي السجّان؟”
من قال هذا كان سجينًا تعاون مع “هيليوس” مؤقتًا في الطابق 89.
فبعد أن انفصل “هيليوس” عن مجموعة “غيد”،
صعد وحده — ورغم ذلك، لم يكن سيئًا في العلاقات الاجتماعية.
في كل طابق تقريبًا، كان يُكوِّن على الأقل طرفًا محايدًا أو ودودًا.
“تشبهتُ بأسلوب أستاذي في الحديث؟”
قال “هيليوس” بوجه كأنما رأى حشرة، كارهًا للفكرة.
“أنا الذي علمتك، فلا بأس.آه، وتعبيراتك الآن لطيفة للغاية، تلميذي.”
“أنا لا أريد أن أُشبهك.وإن تحولت الليلة لكابوس، فاعلم أن السبب هذا الحديث.”
“حسنًا حسنًا… لكن، ما الذي أغضبك اليوم لهذه الدرجة؟”
وبدا أن السجين استشعر أن حالته غير طبيعية، فانسحب بصمت.
“هيليوس” حدجني بنظرة حادة، ثم تكلم أخيرًا:
“كنت أنوي سؤالك في الطابق 91،
لكني… كتمتُ السؤال طوال الوقت.”
ما الذي يريد قوله؟ تمهيده طويل.
كنت أُحدّقه بهدوء…
ولوهلة، نسيت احتمال هذه اللحظة.
“من هو ‘هاديس’ أصلًا؟”
نعم… تلميذي يعرف كيف يُسقط القنابل.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 124"