الفصل 121
كان هاديس يبتسم كما لو أنه لا يدري ما الخطأ الذي ارتكبه، رغم أن عينيه لم تضحكا إطلاقاً.
أيّ طرف هو الذي أرغب في قتله؟
“لا، لعلها ليست حتى سؤالًا يستحق الطرح.”
قلت وأنا أحييه بوقاحة:
“لا أفهم ما الذي تتحدث عنه.”
ثم حيّيته بتحية رسمية قائلة
“تشرفنا برؤيتكم، السيد رئيس الحراس.”
ولم يكن القصد حقًا التظاهر بالبراءة، بل لإغاظة هذا الحقير أكثر.
فردّ ساخطًا، كما كان متوقعًا:
“توقفِ عن هذا الهراء، آنستي.”
ثم تابع بصوته الذي تخللته نبرة تهديد:
“أم أنك ترغبين فعلًا بأن أصعد من هنا إلى مكتب المدير؟”
من الغضب إلى التهديد، أسلوب يليق بهذا الوغد تمامًا.
أنهيت التحية، وأرخيت جسدي.
“هذا يعني أنك ستقتلني، وسأقتلك في المقابل.”
“…”
“وفي الواقع، أنا أفكر في ذلك دائمًا.
أفكر متى وأين سأكون محظوظًا بقتلك.”
نظراتنا كانت متوترة، تتقاطع دون تراجع.
بما أن أمري قد انكشف، فقد عدت لطريقتي في الحديث وتعابير وجهي الأصلية، تلك التي تخص “غاريت”.
قال ساخرًا:
“ما زلت كما عهدتكِ. هل خدعتني بإحكام إلى هذا الحد؟”
“الغباء من نصيب من انخدع. فلم التذمر إذًا؟”
في اللحظة التي يحرك فيها كيا، تبدأ المعركة.
حدّقت بهدوء إلى الممر أمامي وقلت:
“إما أن نتحرك من هنا إن لم نرد المواجهة حتى الموت.أو أن يُقتل أحدنا اليوم، فلن يكون لدي ما أخسره.”
ابتسامة هاديس تلاشت من عينيه. وجهه الجامد كان باردًا، لا إنسانيًّا، كأنه أتى من الجحيم.
وعندما استدار ببطء مبتعدًا، أيقنت أن حدسي كان في محله
هذا الرجل لن يفضح هويتي بعد، على الأقل ليس الآن.
أخذني هاديس إلى مكتبه، وهو مكان كنت قد زرته سابقًا أيضًا بصفتي “غاريت”.
قال باختصار:
“من هنا.”
لكنه لم يتوقف عند المكتب، بل توجه إلى رف الكتب وحرّك شيئًا ما.
فانفتح الرف بصمت، كاشفًا عن ممر خلفي.
نظر إلي نظرة تشير إلى “ألن تدخلي؟”
“ستُريني غرفة سرية؟”
رفع طرف فمه بابتسامة مائلة وقال:
“ومن يدري، قد تكون غرفة تعذيب تحت الأرض، لا مكانًا سريًّا، آنستي.”
“…”
“طبعًا، لو رغبتِ في أن يتم احتجازك بمحض إرادتك، فذاك خيار ساحر بالفعل.”
“سأعاملكِ بلطف”، همس بها بصوت ناعم، لكن ملامحي امتلأت بالاشمئزاز بينما خطوت إلى الداخل.
لكن ما انفتح أمامي لم يكن سوى مكتب آخر. أشبه بصالة استقبال واسعة، بأبواب متعددة، ومساحة هائلة.
واسعة لدرجة بدت كأن قتالًا قد يدور فيها بسهولة.
“أهذا ما كنت تقصده بقولك إننا سنُصفي الأمور هنا؟”
“هاه، وهل القتال هو الشيء الوحيد الممكن بيني وبينك؟”
“وإن وُجد، فلا نية لي بذلك.”
جلس هاديس على الأريكة، مشيرًا لي بالجلوس
أمامه.
لكنني فضّلت الوقوف إلى جانب الأريكة المقابلة.
فمهما كان، لا يمكن تجاهل حقيقة أنه خصم قوي.
وفوق كل شيء، لن أرتكب حماقة الاسترخاء في عرين العدو.
قال بإعجاب غير مبالٍ:
“صراحةً، لقد فاجأتني.”
وكأن تهديدات القتل والغضب في الردهة لم تكن سوى مزاح!
“استطعتِ أن تخدعي عينيّ باستخدام قدرة من النظام العقلي، آنستي؟”
لكنني لم أُخدع.
هذا الرجل، حتى لو اختفى أعزّ ما يملك أمام ناظريه، سيظل يبتسم.
ليس لأنه لا يشعر بالغضب، بل لأنه يخبئه حتى يغرس خنجره في ظهر عدوه.
وقد يُقبّل قدم خصمه إن لزم الأمر فقط ليطمئنه.
“مذهل فعلًا. كنت واثقًا أنني أمتلك تفوقًا في هذا المجال.”
“مبروك. لازلتَ تتفوق في الخسة والظلام. مستوى لا يمكنني حتى أن أحلم بمنافسته.”
ساد صمت لحظي، كما لو أن سُخريتي أصابته في العمق.
“حقًا مؤسف. لا يمكنني لا غسل دماغك، ولا السيطرة عليك.”
كان يضحك، لكنه كان جادًا حقًا. كان متأسفًا من قلبه.
“لكن ربما أكتفي بهذه الحقيقة الممتعة، في الوقت الراهن.”
ثم وصل إلى الموضوع الحقيقي.
“آنستي، أظن أنه حان وقت إخباري بما أريده
منك.”
أنتِ مكشوفة، وأنا أملك نقطة ضعفك،
وهي كبيرة بما يكفي لتهديدك، لذا…
“أتمنى أن تتعاوني معي. ليس أمرًا كبيرًا، فقط أن…”
“لا.”
قاطعتُه بجفاء، رافعة يدي، وفيها خنجر صغير.
هاديس لم يبدُ عليه الذعر، فقط عبس قليلًا وهو يراقبني.
يعلم تمامًا أن خنجرًا واحدًا لن يُجدي ضده.
لكنني لم أصنع هذا الخنجر لأهاجمه به.
“ما رأيتَه أو عرفته، لا يهمني.”
يُقال دائمًا إن من لا يملك شيئًا ليخسره، هو الأخطر.
“ولا أفكر في أن أستجيب لرغباتك.”
وهذا ينطبق علي أيضًا.
دون تردد، غرست الخنجر في عنقي.
فوووش!
اندفعت الدماء لتلطخ بنطالي، وقطرات قرمزية تساقطت على بشرتي البيضاء.
“ما الذي… تفعلينه؟!”
بسرعة، مدّ هاديس يده ليمنع الطعنة.
لذلك لم تصل الطعنة إلى رقبتي، بل إلى كف يده.
دمه تناثر على وجهي، مزعجًا.
قلت له بهدوء:
“ما تراه أمامك، هاديس.”
تشنّج قليلًا.
أنا لا أناديه باسمه. لا أريده أن يشعر حتى بأدنى متعة من سماعه.
لقد رأيت مرارًا تلك النشوة المجنونة تلمع في عينيه عندما يُنادى باسمه.
“لا يمكنك ابتزازي أو السيطرة عليّ بأي شيء.”
ثم أخرجت الورقة التي كنت أرفض استخدامها، الورقة الأخيرة.
“أنت… تحبني، أليس كذلك؟”
عينيّ انكمشتا كأنني أبتسم، لكن لا أثر لضحكة.
كانت السخرية تنساب بهدوء على ملامحي.
“لا تستطيع رؤية موتي، صح؟”
“….”
ملامحه الهادئة المعتادة، كأنها تبللت فجأة بمطر من الذهول.
قلقه، مشاعره، رغباته… لم أرغب يومًا في معرفتها.
لكن… ما العمل؟
“أنا ما عندي شيء أخسره، هاديس.”
أنا أريد حقًا أن أخرج من هنا. أريد الحرية.
“قل ما تريد. أخبر الجميع بما أفعله، أو انشر بين السجناء أنني أحمي أحدهم ضد أوامر السجن.”
“….”
“ومع ذلك، لن أخسر شيئًا.”
لأن الوعد الذي قطعته على نفسي لأجل الراحلة… لا معنى له إن لم أخرج.
“اتركني وشأني.”
“….”
يده المثقوبة تنزف بشدة، لكن لا أحد هنا يعبأ بذلك.
“وإلا، فسأموت أمامك الآن.”
التهديد من طرفي، لا من طرفك.
“….”
“اليوم استخدمت خنجرًا، لكن غدًا يمكن أن أستخدم مسدسًا، ولن تستطيع منعي.”
أنا من النوع الذي يستطيع أن يقتل نفسه كما يتنفس. لا أحد يمكنه منعي.
كان وجه هاديس خاليًا من الدماء والتعبير.
حتى أنا لم أرَ هذا الوجه من قبل، فلم أدرِ ما يفكر فيه أو يشعر به.
ولا أرغب في معرفته.
أنا وهذا الرجل من ذات الطينة، نعيش داخل هذا الجنون ذاته.
كلما ازددنا فهمًا لبعضنا، ازددنا اشمئزازًا.
ولا أعلم لماذا يكنّ لي هذا الوغد هذا النوع من المشاعر.
والمضحك أنني عرفت بحبه بطريقة غريبة.
ذات مرة، حين استخدم عليّ قدرة “كيا” الذهنية، ارتدت عليه وتسللت أفكاره إلى رأسي بدلًا من العكس.
ولا أظنه قد أدرك حتى الآن أنه هو من وقع في فخه الخاص.
“…أنتِ…”
يده المثقوبة تقطر دمًا وهي تسقط إلى الأرض.
ومع ذلك، يمدّ يده الأخرى.
وتمتد يده الكبيرة، لتقبض على عنقي.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 121"