الفصل 95

 

شددت يد كيليان التي كانت تلف حول رأسي برفق قبل أن أتمكن من إنهاء جملتي.

 

كان شعره الرطب يلامس بشرتي ورائحة عطره الخافتة تلفني.

 

لقد اندهشت وشعرت وكأن قلبي ينهار، لكن يده مرت  من خلال شعري وأسفل فروة رأسي.

 

“…. آه…….”

 

حدَّقت في وجهه، وأنا عاجزة عن الكلام وأكافح لتكوين الكلمات، فابتسم لي ابتسامة رائعة.

 

“ابتسمي يا لينيت.”

 

شعرتُ بيده تلتف حول يدي.

 

“هذه هي اللحظة التي قبلتِ فيها عرض الزواج.”

 

كان صوته منخفضًا وناعمًا في أذني وهو يداعب أطراف أصابعي.

 

زفرت، وأنا عاجزة عن الكلام.

 

“لن تغضبي مني، أليس كذلك؟”

 

* * *

 

بالطبع لا يمكنني أن أغضب من كيليان.

 

جزئيًا لأنه كان لديه ذلك النوع من الوسامة غير الواقعية التي تبرز، وجزئيًا لأنه كان لديه ذلك النوع من الابتسامة التي تذيب القلوب.

 

“صاحب السمو، لدي شيء لأخبرك به أيضاً.”

 

“يرجى إعادة النظر في هذا الزواج في يونيو المقبل. وحتى ذلك الحين، سأبذل قصارى جهدي في دوري.”

 

وبحلول ذلك الوقت، ستكون أول حفلة من الحفلتين السنويتين قد انتهت.

 

لا يمكن لأحد أن يكون متأكداً كيف سيتغير قلب كيليان حينها، ولم أكن متأكدةً من مستقبلي الخاص.

 

“حسناً”.

 

نظر إلي كيليان بوجه خالي من التعبير للحظة، لكنه سرعان ما ابتسم ووافق.

 

ألا يملك هذا الرجل مائة ثعلب في داخله؟

 

مررتُ يدي في شعري، الذي كنتُ قد تركته منسدلًا لإخفاء مؤخرة رقبتي الساخنة، لأتأكد من أنه لم يكن أشعثًا.

 

كنت أراه جالسًا في الجهة المقابلة من الطاولة، وكنت أراه يراقبني ويبتسم قليلاً.

 

“لماذا تبتسم…..؟”

 

“فقط.”

 

أجاب كيليان بهدوء.

 

سعلتُ وأخذتُ أشرب من الماء الذي أمامي.

 

لتلخيص شرح كيليان بإيجاز.

 

إن الزواج بالنسبة لعامة الناس بسيط في هوبرت ولكن بالنسبة للنبلاء أو من هم أعلى منهم، فإن العملية ليست بسيطة، إذ تتطلب طلب الزواج من العائلة، وتبادل المهور والهدايا إذا كان الطرفان راغبين، وشهود، ومراسم الزواج التي يديرها كاهن – أو في حالة كيليان، رئيس الكهنة، بما أنه ولي العهد.

 

لكن كل هذا يعتمد على إذن العائلة، وبينما ليس لديّ عائلة، يمكن لكيليان أن يهتم بذلك،ولكن طلب إذن أدولف كان أمراً غير مرغوب فيه بالنسبة لي.

 

فطالما كانت السيدة جيزيلا موجودة للتلاعب به، فمن المستحيل أن يوافق على الزواج.

 

من وجهة نظري، اعتقدت أنه قد يكون هناك طريقة أخرى غير الزواج، فطلبت ثلاثة أيام، لكن لم يكن هناك حل، فتجاهل كيليان كل العادات وقال إن هناك طريقة لإثبات الزواج.

 

 ذهب كيليان إلى غرفة نومه في وقت سابق، وعندما عاد، وضع شيئًا أحضره معه على الطاولة.

 

“ما هذا؟”

 

لقد كان شيئاً مصنوعًا من الزجاج بدا وكأنه أسطوانة بحجم إصبعي الصغير.

 

“إنها مصنوعة من حجر كريم يسمى ‘فيرميتا’. إنه حجر كريم غير قابل للتغيير، ولكنه يُستخرج بكميات قليلة جدًا بحيث لا يستخدم لأي شيء سوى لهذا الغرض. عندما يوضع شيء ما داخله، فإنه يبقى في حالته الأصلية إلى الأبد.”

 

عندما وضع كيليان يده على فيرميتا، سقط الغطاء الشفاف الذي لم يكن مرئيًا من قبل على الطاولة.

 

كان فارغًا من الداخل.

 

ووفقا له، أن جميع النبلاء كانوا يعطون الفيرميتا لأطفالهم عند ولادتهم.

 

كل فيرميتا له رقم تسلسلي مختلف محفور عليه بشكل غير مرئي، ولا يمكن التعرف عليه إلا من خلال وضعه على الكرة السحرية التي تتحقق من الرقم التسلسلي.

 

“هنا…….”

 

تحدث بهدوء والتقط خنجرًا.

 

ربما لأن كيليان كان يمسكه بيديه العاريتين ولم يكن يرتدي قفازات، شاهدتُ هالة نارية رائعة التفت حول الخنجر مثل الثعبان.

 

“!”

 

سالت الدماء الحمراء على الطاولة بينما كنتُ أحدق في الهالة.

 

قطع كيليان راحة يده بخنجر، وكان الدم يتدفق داخل الفيرميتا.

 

“م-ماذا فعلت؟”

 

“عندما تندلع الحرب، يجب على النبلاء الوقوف في المقدمة مع العائلة الإمبراطورية. ولهذا السبب غالباً ما يعودون كجثث ميتة. ونتيجة لذلك، في كثير من الأحيان هناك أوقات يجب أن يتزوجوا فيها على عجل. في بعض الأحيان، بسبب ظروف لا يمكن تجنبها، يتعين عليهم تخطي العملية وإثبات الزواج أولاً.”

 

سالت دماء كيليان الحمراء وملأت الفيرميتا بسرعة.

 

“هذه أيضًا طريقة لإثبات أن الشخص هو والد الطفل والمطالبة بإعالة الطفل”.

 

“آه…….”

 

“ويتركه بعض الناس على أمل أن تكشف هويتهم عندما يوشكون على الموت.”

 

“هذا مخيف نوعاً ما، أليس كذلك؟”

 

“آمل ألا يحدث ذلك.”

 

أضاف كيليان بشكل هزلي، ومد ذراعه إليّ.

 

“أحتاج إلى قص بعض الشعر.”

 

“أوه، نعم…… نعم.”

 

أومأت برأسي، والتقطت يده الملطخة بالدماء خصلة من شعري بلطف وقص جزءًا صغيرًا باليد التي كانت تحمل الخنجر.

 

عندما دخل الشعر الفضي إلى فيرميتا، الذي كان ملطخًا باللون الأحمر، حدث شيء مذهل.

 

“هاه؟”

 

في لحظة، امتص الشعر الدم.

 

تحول الشعر من اللون الفضي الباهت إلى اللون الأحمر.

 

عندما أغلق كيليان الغطاء بالكامل، أصبحت الطبقة الصلبة، التي أصبحت شفافة مرة أخرى، تحتوي على شعر أحمر.

 

“انتهينا.”

 

ابتسم كيليان ووضع الفيرميتا أمامي.

 

“……أنت تعطيني هذا؟”

 

“يجب أن تأخذيه الآن، إنه لإثبات زواجنا.”

 

“…….”

 

“صاحب السمو، هل يمكنك وضع شعرة أخرى هنا في المرة القادمة؟”

 

“هذا لن يحدث.”

 

أبقيت فمي مغلقا بسبب لهجته الصارمة.

 

كان من الواضح أنني إذا قلت المزيد، فإنه سينظر إلي باستنكار بتلك العيون.

 

ذلك لأن صاحب السمو لا يعرف ما يخبئه المستقبل.

 

حدَّقتُ في الفيرميتا في حيرة من أمري، فالتقطه كيليان ووضعه في كفي.

 

“إنه لكِ الآن.”

 

لف يده حول يدي وجعلني أمسك الفيرميتا بإحكام.

 

“اعتني به جيدًا.”

 

* * *

 

في أعماق الليل، كانت الممرات المؤدية إلى المكتبة الإمبراطورية هادئة.

 

ومع ذلك، قيل إن الإجراءات الأمنية أصبحت أكثر صرامة.

 

لم يتم التعرف على السحر الغريب الذي تم اكتشافه في القصر ، وكانت جميع المناطق  تخضع لحراسة مشددة.

 

“مساء الخير يا صاحب السمو.”

 

في المرة الأخيرة التي كنتُ فيها في المكتبة، سمعت ثلاثة أصوات، والآن أصبحوا خمسة.

 

وبمجرد أن لمحوا كيليان، انحنوا علي الفور، ثم التفتوا لينظروا إليّ وأنا واقفة بجانبه.

 

وبما أنني أتيت معه ولم أكن عضوا في العائلة المالكة، كان من الطبيعي أن يكونوا في حيرة من أمرهم.

 

“يجب أن نذهب إلى المكتبة.”

 

تحدث كيليان بهدوء، فبدا الرجل الأكبر سناً في حيرة شديدة وتكلم بحذر.

 

“آه……. ومع ذلك، يا صاحب السمو، هذه ليست مكتبة مفتوحة للجميع….”

 

“صاحب السمو أعطاني هذا.”

 

“لا، هذا هو……!”

 

ما إن أمسكتُ بالفيرميتا، حتى أصبح الحرس مصدومين، وانفتحت أفواههم مثل أفراس النهر.

 

“إذن، هل هذا يعني أنكما متزوجان؟”

 

اتسعت عيون الحراس الخمسة، الذين تناوبوا بيني وبين كيليان، لدرجة أنهم رفعوا أصواتهم رغمًا عنهم.

 

“صه، صوتك مرتفع.”

 

“يا صاحب السمو، أعتذر. ومع ذلك، هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها أحد إلي هنا بمثل هذه المفاجأة!”

 

بدا وكأنهم سينهارون في أي لحظة.

 

قام جميع الحراس برفع أعناقهم للنظر إلى فيرميتا بوجوه مصدومة، ثم عاد أحدهم فجأة إلى صوابه وصفع نفسه.

 

“صحيح، هذا ليس الوقت المناسب لهذا، اذهبوا واحضروا الكرة السحرية.”

 

” يا صاحب السمو، هلا انتظرت لحظة واحدة!”

 

“اذهبوا”

 

صرخ كيليان مرة أخرى، وأسرع رجلان لإحضار الكرة السحرية من قسم إدارة السحر.

 

“تعالي هنا يا لينيت.”

 

وجذبني من يدي وقادني إلى حيث تم إعداد طاولة وكراسي وجعلني أجلس.

 

حدق الحراس الثلاثة الباقون في وجهي وهم لا يزالون في ذهول.

 

هل هذا حقًا شيء رائع ومدهش؟

 

آه، إنه مرهق للغاية. أريد أن أختبئ في مكان ما.

 

لكن يمكنني القول إن الأمر كان أفضل قليلًا مما كانت عليه عندما كانت آلاف العيون مركزة في الحفلة الراقصة.

 

لقد كنتُ شخصًا خجولًا في حياتي السابقة لم أستطع حتى التحدث أمام مجموعة من الناس، والآن أعتقد أن هذه أقل مشاكلي.

 

نظرتُ إلى كيليان الذي داعب شعري ووقف بجانبي.

 

كانت يده الأخرى مضمدة قليلاً.

 

كيف أمكنه قطع يده دون سابق إنذار هكذا؟

 

“ألا يؤلمك هذا؟”

 

سألت مرة أخرى، غير قادرة على فهم الألم.

 

نظر كيليان، الذي كان يحدق بصمت في الممر، إلىّ.

 

“لا على الإطلاق.”

 

نظرت إليه، فابتسم، وفجأة شد شعري قليلاً.

 

نظرت إليه عابسةً، ورأيت كيليان يبتسم ابتسامة عريضة مع لمحة من التسلية.

 

“آسف لإبقائكم منتظرين!”

 

ضغط  الحارس على صدره وهو يلهث لالتقاط أنفاسه من الركض بأقصى سرعة، وبالكاد تمكن من إنهاء كلامه قبل أن يسلم الكرة السحرية إلى حارس آخر ينتظر.

 

“سأتفقده للحظة إذن، بالطبع، مع وجود صاحب السمو، لسنا مضطرين لفعل ذلك، لكن…….”

 

“لا بأس بذلك”

 

“اعذروني للحظة إذن.”

 

أمسك الحارس بالكرة السحرية السوداء، وظهر رقم كيليان التسلسلي على سطحها.

 

في الوقت نفسه، تفاعل شعري داخل فيرميتا وعاد لونه الأصلي لفترة وجيزة.

 

“واو……!”

 

صرختُ، ولكن عندما أزال الكرة السحرية، امتص الشعر في الفيرميتا الدم الأحمر وتحول إلى اللون الأحمر مرة أخرى.

 

” يمكنني أن أؤكد أن الشعر الموجود  ينتمي إلى لينيت برونهيلد.”

 

وضع الحارس الكرة السحرية علي الطاولة..

 

“لقد تأكدنا من أن لينيت برونهيلد هي إحدى أفراد العائلة الإمبراطورية، لذا علينا أن نحييكي بشكلٍ رسمي.”

 

“أوه، من فضلكم اعتنوا بي أيضًا.”

 

وعندما انحنوا واستقبلوني بأدب، كدت أنحني لهم أيضًا.

 

لو لم يمسك بي كيليان.

 

نهض الحراس وتحدثوا إلى كيليان هذه المرة.

 

“تهانينا على زواجك يا صاحب السمو، ويشرفنا ويغمرنا الشرف والغبطة أن نكون أول من يعلم بهذه المناسبة الهامة. شكرًا لك يا صاحب السمو، وندعو الحاكم أن يكون مستقبلكما مليئًا بالبركات.”

 

رد كيليان تحيتهما بهدوء، تاركًا إياي أحدق فيهما في عدم تصديق، قبل أن يأخذ بيدي ويقودني إلى مدخل المكتبة.

 

أخذت نفسًا عميقًا بينما كنا نخطو على السجادة الرقيقة ذات اللونين الأسود والأحمر المبطنة بشرابات ذهبية على الجانبين.

 

أخيرًا دخلت إلى هنا.

 

على قدميّ الاثنتين.

 

كبشرية!