أصبحت مقاعد المتفرّجين صاخبةً بسبب الاعتراف العلنيّ الجريء من زوجته ومحاميته.
خاصّةً من حضروا المَحكمة هذه متأثّرين بقصة الحبّ بيني وبين الأرشيدوق ريتشارد. انطلقت آهاتٌ حالمةٌ وشهقاتٌ مكتومةٌ.
تسلّلت ابتسامةٌ إلى وجهي لردّ الفعل الذي كنتُ أتمناه. هنا، كان علينا أن نبدو كزوجين عاشقين القرن.
“..….”
في الوقت نفسه، انفرجت شفتا الأرشيدوق ببطء.
قد يبدو للآخرين تغيّرًا طفيفًا، لكنني التي كنتُ أواجه وجهه يوميًّا في غرفة الزيارة الضيقة مؤخّرًا، لاحظتُ ذلك.
‘لابدّ أنه صُدِم تمامًا.’
ربما كان مندهشًا جدًّا من اعترافي. لم يكن ليحرّك ساكنًا حتى لو تلقّى حُكمًا بالإعدام من القاضي في تلك اللحظة. كان من الطّبيعيّ أن يرتبك بعد سماع اعتراف علنيّ غير المتّفق عليه.
بالطّبع، لم يكن الأرشيدوق هو الوحيد الّذي تلقّى صدمةً في هذه المحكمة.
” أ- أنتِ، هل تهينين هذه المحكمة المقدّسة الآن بمثل هذه الكلمات البذيئة؟”
احمرّ وجه رئيس قسم الشّرطة الّذي سمع اعتراف حبٍّ بدلاً من الاعتراف المتوقّع. صرخ بانفعال، فرمقته بتعبيرٍ وقح.
“إهانة المحكمة المقدّسة؟ هل يوجد في العالم شيءٌ أقدس من الحبّ؟”
“المحامية، إذا استمررتِ في الحديث عمّا لا علاقة له بالمحاكمة، فسأطردكِ من قاعة المحاكمة.”
ضرب القاضي مطرقته بقوّةٍ وصرخ. بالطّبع، سيُكشف لاحقًا أنّه لا يوجد حديثٌ من المحامي في قاعة المحكمة غير ذي صلةٍ بالقضيّة. ابتسمتُ ببراءة.
“مستحيل! سأبدأ المُرافعة الآن، سيادة القاضي.”
حسنًا، هناك طريقتان لتبرئة الموكّل.
١. إثبات البراءة.
٢. جعل كلّ الأدلّة التي تثبت التّهمة عديمة الفائدة.
الطريقة الأولى هي الأفضل لكنّها ليست سهلة. إثبات القتل سهل، لكن إثبات عدم القتل يتطلّب حجّة غيابٍ قويّة. ومع ذلك، أُلقي القبض على الأرشيدوق في مسرح الجريمة، لذا ليس لديه ذريعة.
ثم، لم يكن أمامي سوى اختيار الطريقة الثانية، إتلاف جميع الشهادات والأدلّة التي قدّمها قسم الشرطة.
“أطلبُ استجواب الشاهِد.”
خطّطتُ للتعامل مع الشهادة أوّلاً. ففي شهادته، التي تأكّدتُ منها في مقالات الصّحف وسجلّات التّحقيق، كانت هناك ثغرات.
التفتُّ فجأةً نحو الشاهد، البستانيّ، فارتعش حلقه من التّوتّر.
“هل يمكنكَ وصف حديقة قصر البارون هايدن التي تعمل فيها؟”
“نعم …؟ هـ هذا … تتناوب الأشجار الكبيرة والصغيرة، ووضعنا تماثيل شخصيّاتٍ أسطوريّةٍ عند كلّ نقطة انعطافٍ جديدة.”
“متى كان الوقت الذي رأيتَ فيه الضحية؟”
“أعتقد أنه كان بين الساعة العاشرة والحادية عشرة ليلاً، وهو وقت دوريّتي.”
“هل توجد مصابيحٌ زيتيّةٌ في الحديقة؟”
“لا. ليس لدينا أيٌّ منها لأن جمر المصابيح قد يسقط في الحديقة ويسبّب في اشتعال حريق.”
ابتسمتُ للإجابة المتوقّعة، وواصلتُ طرح الأسئلة.
“لابدّ أن الظلام كان دامسًا، وهو وضعٌ مثاليٌّ لارتكاب الجريمة من قِبَل المُتَّهم.”
“أجل … هذا صحيح.”
ارتفعت همساتٌ خفيفةٌ في القاعة عند سماع السؤال، الذي بدا وكأنه يُعيد ذِكر الجريمة. رفع رئيس الشرطة، كما لو كان يتوقّع مني ارتكاب خطأ، زاوية فمه بابتسامةٍ ساخرة. تجاهلتُه وواصلتُ الاستجواب.
“قلتَ إنّكَ رأيتَ المتهم يقف في الحديقة المظلمة حامِلاً خنجرًا؟ بما أنه يحمل الخنجر، فلابدّ أن ذلك كان قبل أن يطعن الضحية.”
“صـ صحيح.”
أجاب الشّاهد بتردّدٍ قليل، كأن سؤالي يبرز جريمة الأرشيدوق أكثر غريبٌ بعض الشيء. تابعتُ سؤالي المُعَدّ مسبقًا بصوتٍ خافتٍ جدًّا.
“هل الدوريّات جزءٌ من عملك؟”
“صحيح. نتناوب على ذلك بين البستانيّين.”
“ماذا تفعل أثناء الدورية؟ لا أعرف جيّدًا ما هي الدوريات.”
هذه المرّة، انفجرت تنهّداتٌ من هنا وهناك في مقاعد المتفرّجين.
‘قيل إنّها محامية، لكنّها تسأل أسئلةً غير ضروريّةٍ منذ بعض وقت!’، ‘أليست مجرّد حمقاء؟’ كانت هناك شكاوى كهذه أيضًا. اعتقد البستانيّ أن السؤال غير ذي صلةٍ بالقضية، فعبس قليلاً ثمّ فتح فمه.
“التّحقّق من عدم وجود عناصر خطرٍ في الحديقة، أو متسلّلين.”
“ما الإجراءات التي تتّخذها إذا اكتشفتَ وجودًا خطيرًا أو متسلّل؟”
“أزيل عنصر الخطر بنفسي أحيانًا، وإذا كان صعبًا بمفردي، أُبلِغ الآخرين في القصر.”
مع استمرار الأسئلة عن إدارة الحديقة التي لا يهتمّ بها أحد، تردّدت تنهّدات الملل من هنا وهناك.
“المحامية. حلّي فضولكِ الشخصيّ غير ذي الصّلة بالقضية بشكلٍ منفصل. أُكرِّر، يمكنني طردكِ بسلطة القاضي.”
لم يعد بإمكان القاضي تحمّل الأمر، فتقدّم أخيرًا وأصدر تحذيرًا. أومأتُ برأسي ونظرتُ إلى الشاهِد.
“قلتَ إنّكَ شَهِدتَ بوضوحٍ المُتَّهم يقف في الحديقة حاملاً خنجرًا.”
“نعم. يبدو أنّني أجبتُ عدّة مرّاتٍ على هذا بالفعل.”
بدأ البستانيّ، الذي كان يجيب بخنوعٍ، يظهر انزعاجه تدريجيًّا. بالطّبع، لم يكن تعبير رئيس قسم الشّرطة مختلفًا.
كان تعبير فيكتور الذي يشاهد المحاكمة من بعيد مظلمًا منذ زمنٍ بسبب خيبة أمله في مُرافعتي.
“جيّد.”
أخيرًا انتهى تحضير المكوّنات. حان وقت بدء الطبخ. فتحتُ عينيّ على وسعهما ونظرتُ إلى البستانيّ.
“ما الإجراء الذي اتّخذه الشاهِد عندما رأى المُتَّهم ذلك اليوم؟”
“مـ ما الإجراء …؟”
ارتجف البستانيّ مفاجأةً من نبرتي الحادّة المختلفة عن السابق. كرّر سؤالي بحذرٍ كأنّه يحاول فهم مقصدي. لذا، ذكّرته ببيانه السابق مرّةً أخرى.
“الرجل الحامل لسلاحٍ هو عنصرٌ خَطِرٌ بالتأكيد. وهو متسلّلٌ أيضًا. وفقًا لبيان الشاهد، إذا اكتشف مثل هذا الشخص أثناء الدورية، ألم يكن يجب إزالته فورًا أو إبلاغ الآخرين؟”
في لحظة، غمرت المحكمة صمتٌ بارد. بدا الجميع مرتبكين من التحوّل المفاجئ في الجوّ. لم أفوّت تلك اللحظة التي انصبّ فيها تركيز الجميع، ووجّهتُ كلامي إلى الشاهد بنبرةٍ أكثر حدّة.
“لكنّ لا يوجد أيُّ سجلٍّ يفيد بأنّ الشاهد قظ أبلغ عن ذلك. لماذا؟”
“بـ بالتّأكيد في ذلك الوقت… لم يكن هناك أيّ خطبٍ في الحديقة. والبارون لم يكن مُلقىً على الأرض …”
قاطعتُ كلام البستانيّ الذي يبرّر بارتباكٍ وفرقعتُ إصبعيّ.
“لم تكن هناك مشكلة. هذا صحيح. لابدّ أن هذا ما حدث.”
“ماذا؟”
“لأنّ ما رآه الشاهِد لم يكن رجلاً حاملاً لسلاح.”
“…..!”
مع صوتي الحازم الواثق، ثارت مقاعد المتفرّجين وهمس موظّفو قسم الشّرطة. نهض رئيس قسم الشرطة فجأةً من مقعده.
“محامية الدفاع ترفض شهادة الشاهِد باعتبارها شهادة زورٍ دون أيّ سبب!”
“لم أقل أنها شهادة زور. كنتُ أُصحِّح الخطأ ببساطة.”
نظرتُ إلى رئيس قسم الشرطة بوضوحٍ وأجبتُ. وفقًا للمقال، الشخص الذي رأى الأرشيدوق قبل الجريمة هو البستانيّ، والشخص الذي أبلغ عنها بعد اكتشاف الضحية المُلقاة والأرشيدوق بجانبه كان الخادمة.
‘لماذا لم يُبلغ البستانيّ؟’
كان شعورًا غير مريحٍ شعرتُ به منذ بدء التحقيق في القضية. وخلصتُ إلى استنتاج أنه ‘خطأٌ في الشهادة’.
ما لم يكن الجميع يملك قدرة ذاكرةٍ قويّةٍ مثلي، يمكن أن تتلوّث الذّاكرة بسهولة. المعلومات الّتي عُرِفت بعد وقت الشهادة تخلق ذكرياتٍ مزيّفةٍ دون وعي.
هذا هو بالضبط السبب في أن أجهزة التحقيق تُقدِّم صورًا لعدّة أشخاصٍ متشابهين للشاهِد لتحديد المجرم.
“عند النظر في سجلّ شهادة الشاهِد، قال في البداية إنه غير متأكّد، ثم قال أنه رأى رجلاً غريبًا، وبعد نشر الحادث في الصّحف وتلقّي استجوابات قسم الشرطة عدّة مرّات، شَهِد أخيرًا بأنه رأى الأرشيدوق حاملاً الخنجؤ.”
كما كان متوقّعًا، ومع استمرار شهادة البستاني، تزايدت لديه الشكوك حول الأرشيدوق ريتشارد باعتباره القاتل. ومع تقدّم التحقيق واتّهام الأرشيدوق ريتشارد بالذنب، عادت ذاكرة البستانيّ لتُركِّب وجه المشتبه به على مشهدٍ عابر. يتجلّى هذا الميل أكثر مع التقدّم في السن، وكان البستانيّ كبيرًا في السن بما يكفي لفعل ذلك.
“لـ لم أكذب!”
صرخ البستانيّ بصوتٍ مرتجف. فهدّأتُه بهدوء.
“لم أقل إن الشهادة كانت كذبة. أنا فقط أقول إن هناك خللًا في ذاكرتك.”
“مـ مستحيل!”
لقد وقع في الفخّ. ابتسمتُ ابتسامةً واسعة.
“إذن، هل يمكنكَ وصف مظهر المتّهم الّذي رأيتَه ذلك اليوم؟ لون الملابس، أو شكل الشعر.”
“كان المكان مظلمًا جدًّا فلم أرَ جيدًا … لكن أعتقد أنه كان وجه الأرشيدوق …”
«لم ترَ شيئًا آخر على الإطلاق، لكنكَ رأيتَ وجهه بوضوحٍ، لا أستطيع أن أفهم ذلك جيدًا.»
لم أتوقّع أن يعترف الشّاهد بالخطأ بسهولة. لذا، ابتسمتُ بخفّةٍ وفتحتُ المواد المُعدَّة. كان لهذا الخطأ في الشّهادة أدلّةٌ علميّةٌ واضحةٌ بالإضافة إلى الاقتناع الذاتي.
“هذه السجلّات الطبية الشاهد. حصلتُ عليها من العيادة التي يرتادها الشاهد.”
لهذا، زرتُ العيادة الّتي يرتادها البستانيّ يوميًّا. بصراحة، بالكاد حصلتُ على هذه السجلّات بعد أن أخبرتُ الطبيب بطريقة استرداد المال الذي سرقه صديقُه. ومن المفارقة أنني كنتُ متخصّصةً في شؤون الديون والاحتيال في حياتي الماضية.
“تدهور بصر الشاهد بشكلٍ ملحوظٍ مؤخّرًا. يُعاني من صعوبةٍ بالغةٍ في تمييز الأشياء في الظلام. ربما رآه الجميع هنا يُكافح لقراءة كلمات القَسَم للإدلاء بالشهادة سابقًا.”
طنّ الجمهور عند سماع كلماتي. لقد شَهِدوا بوضوحٍ تلعثم البستاني في قَسَمه. تجهّم وجه القاضي بعد مراجعة الوثائق. غيّرتُ نبرتي وحاولتُ تهدئة الشاهِد.
“قلتَ إنّ هناك تماثيلٌ لشخصيّاتٍ أسطوريّةٍ كثيرةٍ في الحديقة؟ معظمها يمسك شيئًا في يده. لذا، في الظّلام، يمكن الخلط بينها وبين شخصٍ بسهولة.”
“……”
اضطرب وجه الشاهد بالارتباك. انتهزتُ تلك الفجوة وسألتُ الشاهد أخيرًا.
“هل أنتَ متأكّدٌ حقًّا من أنكَ رأيتَ المُتَّهم ذلك اليوم؟”
“…لا أعرف.”
مع إجابته، تشوّه وجه رئيس قسم الشّرطة. بدا تعبير القاضي مرتبكًا كأنّه لم يتوقّع تراجع الشهادة. أكّدتُ الحقيقة للقاضي مرّةً أخرى.
“سيادة القاضي. لقد رُفِضت شهادة الشاهِد الدامغة بهذا.”
“لـ لكن الخنجر دليلٌ واضح …!”
ارتجف صوت رئيس قسم الشرطة وهو يحاول إخفاء ارتباكه رافضًا حجّتي. أرسلتُ نظرةً هادئةً نحو رئيس قسم الشّرطة.
حان الوقت لتقديم الأدلّة المضادّة وتدمير أدلّتهم.
“أوه، هذا صحيح. الخنجر الذي فقده المتّهم. لكنّني وجدتُ ذلك الخنجر الذي قيل إنه مفقود.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"