“سيسقط فكّكِ.”
ردّ الأرشيدوق ريتشارد، الذي لم أره منذ أيّام، بإيجاز ثمّ جلس بثقلٍ على الكرسيّ أمامي. حدّقتُ في مظهره المقابل لي بذهول.
كان شعره، الذي الذي كان أشعثًا في السابق، مشذّبًا وممشّطًا للخلف بدقّة، ووجهه المغسول حديثًا يتألّق بأشراقةٍ أنيقة. أبرزت جبهته الناعمة وحاجباه الكثيفان اللذان كانا مخفيّين بين خصلات شعره الطويلة، ملامحه القويّة والجميلة.
“آه … إ- إذًا …”
أصابتني الصدمة البصريّة المُفاجئة بالذهول. لقد رأيتُ كلّ أنواع المشاهد في المحكمة، لذا عادةً لا أفقد الكلمات بسهولة، لكنّ مظهره بعد الاستحمام جعلني أنسى ما أريد قوله.
“في الأيّام القليلة الماضية، أصبحت معاملة الحارسات النساء ودودةً بشكلٍ غريب.”
“هـ هذا أمرٌ جيّد.”
الأمير التعيس المولود كابنٍ غير شرعيّ، بطل الحرب الذي الذي سُرِق حبّه من قِبَل أخيه غير الشقيق. حبٌّ جديدٌ تغلّب على الفروقات الطبقيّة. حتّى محنة كونه في السجن.
كانت قصص الحب عن رجلٍ سيئٍ يقع في حبّ امرأةٍ عاميّةٍ ويعيش حياةً محرومة، تحظى بشعبيةٍ لا تقل عن الروايات الرومانسية. بفضل ذلك، ارتفعت شعبية الأرشيدوق بين نساء الإمبراطورية مؤخّرًا.
بينما كنتُ أُحدّق في الأرشيدوق بنظرةٍ فارغة، أدار رأسه فجأةً ليتجنّب نظراتي، كما لو أن قلبه لم يلِن بعد.
“لا داعي للنظر إليّ هكذا. جاء فيكتور وقال إنّ الظهور بمظهرٍ أنيقٍ ونظيفٍ سيمنح انطباعًا جيّدًا في قاعة المحكمة، لذا فعلتُ ذلك. لا تظنّي أنني ارتديتُ ملابس أنيقةً من أجلكِ أو أيّ شيءٍ من هذا القبيل.”
“بـ بالطبع! نعم، نعم! المحاكمة، هذا بالضبط ما أردتُ قوله.”
أومأتُ برأسي بسرعةٍ بوجهٍ أحمق. ثمّ نظر الأرشيدوق إليّ وتحدّث.
“أكرّر، لم أحبّ فيفيان قط.”
على عكس المرّة السابقة عندما كان صارمًا وباردًا، بدا هذه المرّة وكأنه يراعي مشاعري. بدا وكأن خلافنا السابق كان يثقل كاهله. رغم أنه الشرير، إلّا أن رقيق القلب بشكلٍ مفاجئ.
أنا أيضًا أدركتُ أن الحرب الباردة معه ليست مفيدة، لذا ابتسمتُ بابتسامةً عمليةً واسعة.
“أصدّق كلام سعادتكَ بأنّكَ لم تحبّ ولية العهد يومًا. وأعتذر عن ذلك اليوم. لقد كنتُ متهوّرة.”
بدا الأرشيدوق متفاجئًا قليلًا باعتذاري غير المتوقّع. على أيّ حال، كان الاعتذار صادقًا.
عند الاستماع إلى قصة العميل، يمكنكَ غالباً معرفة ما إذا كان يكذب أم يقول الحقيقة. كانت عينا الأرشيدوق وصوته صادقين. مع ذلك، ذكرت الرواية بوضوح أن الأرشيدوق كان يحبّ فيفيان. في تلك اللحظة، شعرتُ بغرابة. فجأة، خطر ببالي افتراضٌ مفاجئ. رُوِيت الرواية من منظور البطلة. لا يظهر منظور الأرشيدوق ريتشارد، الذي هو مجرّد شرّير، في أيّ مكان في الرواية.
بمعنًى آخر، حُكِي عن قصة أن الأرشيدوق ريتشارد يحبّ البطلة فقط من منظور فيفيان. في هذه الحالة، ماذا لو كانت فيفيان مخطئة؟ الآن، مواطنو الإمبراطوريّة يؤمنون إيمانًا راسخًا بحبّي وحبّ الأرشيدوق بناءً على محتوى المقالات المرويّة من منظوري فقط.
“وأيضًا …”
ارتسم على وجه الأرشيدوق تعبيرٌ جاد، كما لو أنه حسم أمره أخيرًا. هل يُعقَل أنه سيقترح إنهاء العقد. يجب عليّ منع ذلك فقط. توتّرتُ وتعرّقت راحتا يدي.
“أنا أيضًا لا أحبّكِ.”
“……؟”
ما هذا؟ انكمش الهواء فجأة. لماذا عليكَ قول شيءٍ واضحٍ كهذا بهذه الجدّيّة؟ قلبتُ عيني، وقبل أن أنتبه، قدّم الأرشيدوق ريتشارد مقالة ‘ليدي آريا’ أمامي. كانت نظراته جادّة، كما لو كان يبحث عن شيء.
“أنتِ كاذبةٌ بارعة.”
“حسنًا، ذ، ذاك … ليس كلّه كذبًا …”
باستثناء أنّ الأرشيدوق اتُّهِم ظلمًا بجريمة قتل، كان كلّ شيءٍ آخر كذبة، لكنّني سعلتُ بإحراج. كان أمرًا لا مفرّ منه لقلب الرأي العام.
في الواقع، هناك خطٌّ رفيعٌ بين المحامي والكاذب. هذه هي رخصة المحاماة.
“كما هو متوقع … لم تكن كذبة.”
تمتم بعبارة غامضة، ثمّ أظلمت عيناه الحمراوان قليلًا قبل أن تتّجه مباشرة نحوي.
“سأتعاون معكِ. بهذه الطريقة فقط يمكنني الخروج من هذا السجن الجهنمي وحماية أُناسي.”
“……”
كنتُ جالسةً مقابله، التقت نظراتي بنظراته وتشابكت. خرج صوتٌ حازمٌ من شفتيه.
“لكن يجب عليكِ الالتزام بشروط عقدنا. لدينا علاقةٌ تعاقدية، وهذا كل شيء. لا تتوقّعي شيئًا آخر.”
“… سأفعل.”
شعرتُ ببعض الإحباط وخفضتُ حاجبيّ.
لقد كان رجلاً قاسيًا حقًّا. ليُعلن بصرامةٍ أنه مهما كانت النتيجة جيّدة، لم يكون هناك حوافز خاصّة تتجاوز المكافأة المتّفق عليها. كان بخيلًا جدًّا مقارنة بحجمه الكبير.
أدار الأرشيدوق رأسه ليتجنّب نظراتي اللائمة. تسلّلتا أشعة غروب الشمس القرمزية من خلال النافذة الصغيرة الضيّقة وصبغت أذنيه بمسحةٍ من اللون الأحمر.
***
أخيرًا، جاء يوم المحاكمة.
ربما بسبب التلاعب الإعلامي السابقة، كانت قاعة المحكمة مزدحمةً بالناس. ليس فقط الصحفيّين الذين جاءوا للتغطية، بل أيضًا المواطنين الذين يتساءلون عن مصير الأرشيدوق ريتشارد.
نصف الحاضرين كُنّ نساءً جِئن للاستمتاع بمشاهدة وجه بطل قصة الحبّ التي أثارت ضجةً في الإمبراطورية، الأرشيدوق ريتشارد.
“هل سيُحكم على الأرشيدوق بالإعدام حقًّا؟”
“ربما. لقد قتل والد ولية العهد التي يحبّها صاحب السموّ!”
“صحيح، على الرغم من معارضة جلالة الإمبراطور والإمبراطورة، فقد تزوّجا في النهاية!”
“هناك شائعةٌ أن جلالة الإمبراطور انهار بسبب الغضب.”
نعم. مع انهيار الإمبراطور فجأةً وفقدانه الوعي، أصبح أقوى شخصٍ في الإمبراطورية الآن هو بطل الرواية الأصليّ ووليّ العهد، لورانس. إنها نهايةٌ تليق ببطل رواية.
بالطبع، خروج الأرشيدوق ريتشارد المتّهم بقتل والد البطلة بعد حُكم بالإعدام سيكون نهايةً تليق بالشرير في الرواية.
‘لكن بما أنّني محامي دفاع الأرشيدوق، فلن يحدث ذلك.’
بينما كنتُ أشدّ قبضتي وأُشِعل عزيمتي، دخل الأرشيدوق ريتشارد، مقيّدًا بالحبل، إلى القاعة. ساد الصمت في القاعة الصاخبة في لحظة، ثم انفجرت في اللحظة الأخرى بالهتافات.
“يا إلهي، إنه وسيمٌ للغاية!”
“شخصٌ مثل هذا قاتل؟ لا أستطيع تصديق ذلك. يبدو كأنه يستطيع العيش بانضباطٍ بدون قانون.”
لأنه دخل إلى القاعة في مظهره الأنيق والمرتّب أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وكان جذّابًا جدًّا. على خلفيّة هذه الضجة، تحدّثتُ إليه.
“تبدو رائعًا اليوم. أعتقد أنكَ ستخطف قلوب جميع النساء هنا، أليس كذلك؟”
ابتسمتُ له بارتياح. في محاكمةٍ علنيةٍ كهذه، لا ضرر من كسب تعاطف الجمهور مع المُدّعى عليه. لكنّه بشكلٍ غير متوقّع، مسح وجهه بيده وسأل بتعبيرٍ معقّد.
“أنتِ أيضًا… تفكّرين هكذا؟”
“بالتأكيد؟”
“هااا … أعتقد ذلك. لم أفكّر في ذلك.”
“……؟”
بالنظر إلى كلماته المتفرّقة وغير المفهومة، حتى مع كونه أرشيدوقًا، لابدّ أنه متوتّرٌ بشدّة بشأن المحاكمة.
“هل أنتَ متوتّر؟”
“ليس حقًّا. هل أنتِ متوتّرة؟”
أجاب باقتضاب، وهو يقف مستقيمًا على بعد خطوةٍ منّي، كأنه رسم خطًّا غير مرئيٍّ على الأرض. لقد كان جنديًّا، فتساءلت إن كانت بنيته الجسدية قد أصبحت أكثر رشاقة.
“حسنًا، أنا أيضًا لستُ متوتّرةً إلى هذا الحد.”
رددتُ بابتسامةٍ وهززتُ كتفيّ. بدلاً من التوتر، شعرتُ بالراحة، كما لو كنتُ في منزلي. هذا المكان مألوفٌ جدًّا بالنسبة لي. قاعة المحكمة هذه لا تختلف كثيرًا عن قاعة المحكمة التي وقفتُ فيها في حياتي السابقة. الفرق الوحيد هو وجود مقاعد جمهورٍ فاخرةٍ منفصلةٍ في مكانٍ مرتفع.
كم مرّ من الوقت؟ بدا أن الأرشيدوق، الذي كان يقف مُحدِّقًا للأمام لبعض الوقت، قد لاحظ الحقيبة الثقيلة بجانبي، فتحدّث بهدوءٍ مرّةً أخرى.
“ما هذه الحقيبة بجانبكِ؟”
“إنها لمحاكمة اليوم.”
وبينما أجبتُ بثقة، انفجرت ضحكةٌ ساخرةٌ من الجانب الآخر. كانت تعابير وجوه أولئك الذين خرجوا من مركز الشرطة مُسترخية. بدا عليهم الارتياح. بدا أنهم يعتقدون أن حكم الإعدام على الأرشيدوق في محاكمة اليوم أمرٌ مفروغٌ منه.
“ليقف الجميع!”
أخيرًا، مع صرخةٍ قويّة، دخل ولي العهد لورانس وولية العهد فيفيان إلى مقاعد الجمهور الفاخرة في أعلى مكانٍ في قاعة المحكمة.
‘أخيرًا، ها أنا أرى وجوه الشخصيات الرئيسية.’
رفعتُ عينيّ ونظرتُ إليهما. على عكس الأرشيدوق ريتشارد الذي كان يتمتّع بمظهرٍ قويّ، كان لورانس وسيمًا ناعمًا بشعرٍ أشقر لامع. أمّا فيفيان، فكانت امرأةً نقيّةً بشعرٍ فضيٍّ يلمع كضوء القمر. كانا ثنائيًّا جميلاً حقًّا، جديرين بأدوار البطولة في روايةٍ رومانسية.
بينما كنتُ منغمسةً في النظر إليهما، التقت عيناي فجأةً بعيني ولي العهد.
“……!”
لسببٍ ما، لمعت عينا ولي العهد الحمراوتان فجأة. تأمل وجهي بعينين ضيّقتين. آه، بدا الأمر وكأنه محاولةٌ للقمع محامي الطرف الآخر. بدلاً من تجنّبه، حدّقتُ في عينيه أكثر. لا يمكنني الخسارة في معركة النظرات.
طق-.
انقطعت النظرات المحتدمة في الهواء بسبب يد الأرشيدوق ريتشارد التي جذبتني فجأة. في لحظة، وجدتُ نفسي شبه مختبة خلف كتفيه العريضتين، فنظرتُ إليه بعينين مذهولتين.
“أرشيدوق، هل هناك خطبٌ ما؟”
“أنتِ …”
في تلك اللحظة، ارتعشت عينا الأرشيدوق القرمزيّتان.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"