قبل بضع ساعات، عندما سأل فيكتور عن حالة إيلينا، كان جوابه كالتالي.
“في البداية، كنتُ أشكُّ في سعادة الأرشيدوقة، لذا أرسلتُ شخصًا لمراقبتها.”
“هذا طبيعي.”
أومأ بنديكت برأسه. كان فيكتور جنديًا ماهرًا نجا من معارك لا تُحصى. لذا، من الطبيعيّ أن يشعر بالحذر تجاه امرأةٍ غريبةٍ ظهرت فجأة وادّعت أنها الأرشيدوقة، وأن يقوم بالتحقيق في خلفيّتها. كان هناك جوانبٌ مشبوهةٌ في تلك المرأة.
“كانت تزور الطبيب يوميًّا. لذا، اعتقدتُ في البداية أن سعادتكَ قد أُصِبتَ بمرضٍ بسبب قسوة السجن. حتى غرفة الزيارة هذه تبدو مريعة، أليس كذلك؟”
“هذا مستحيل.”
ردّ بنديكت ببرودٍ على فيكتور الذي كان يرتجف وهو ينظر إلى غرفة الزيارة الباردة. كان بنديكت أقوى جسديًّا من الآخرين بشكلٍ عام، وكان جسده مُدرَّبٌ جيّدًا. خلال الحرب، قضى أيامًا وليالٍ نائمًا في الغابات في عزّ الشتاء البارد، لذا لا يمكن أن يمرض في سجنٍ كهذا.
أمام هذا الردّ، حكّ فيكتور رأسه بإحراج.
“لكن الآن يبدو أنّ سعادة الأرشيدوقة هي التي كانت المريضة.”
“……”
“عندما حقّقتُ في خلفيّتها، اكتشفتُ أن والد سعادتها وأخاها وغدان جدًا.”
مع استمرار تقرير فيكتور، لعق بنديكت شفتيه الجافتين دون سبب.
‘هل أخفت ذلك عمدًا؟’
تذكّر آثار الكدمات على بشرة إيلينا الرقيقة. ادّعت المرأة أنها بسبب صيد الحشرات، لكنه كجنديّ، أدرك بشكلٍ غامضٍ أنها آثار ضرب.
كان هناك على رسغها، الذي يظهر قليلًا من تحت الملابس، آثارٌ مشابهةٌ باهتة. في ذلك الوقت، كان في حيرةٍ من أمره، لكنّه تجاهلها معتبرًا أن هذا ليس من شأنه، لكن يبدو أنها آثار اعتداءٍ مستمرٍّ من عائلتها.
‘مع ذلك، كانت تنتظرني يوميًّا في مكانٍ قاسٍ كهذا.’
كانت امرأةً ذات بشرةٍ بيضاء شاحبةٍ تبدو وكأنها مصابةٌ بسوء التغذية، وجسمها نحيل. رغم أنّ جسمها ليس بخيرٍ إلى درجة أن تحتاج زيارة الطبيب يوميًّا، إلّا أنّ إيلينا كانت تأتي إلى غرفة الزيارة يوميًّا.
بالتفكير في أنها كانت تنتظر ساعاتٍ طويلةٍ داخل الجدران الحجريّة الباردة دون أن يظهر، شعر بضيقٍ غريبٍ يغمر قلبه.
“بالإضافة إلى ذلك، كانت تزور متجر الأسلحة كلّ مرّة.”
“متجر أسلحة؟”
رفع بنديكت حاجبيه المتناسقين بحدّة. إذا كان الأمر يتعلّق بالطبيب فلا بأس، لكن إذا كانت تبحث عن سلاح، فالأمر مختلف. هل تخفي نوايا سيّئةً وتخطّط لشيءٍ ما ضدي؟
تابع فيكتور كلامه بوجهٍ مليءٍ بالقلق.
“لقد رأيتُها تبحث عن خنجرٍ في متجر الأسلحة، لذا أعتقد أنها كانت تبحث عن سلاحٍ مناسبٍ للدفاع عن النفس.”
“… للدفاع عن النفس؟”
“في الواقع، سمعتُ أن سمو ولي العهد أظهر انزعاجًا شديدًا منذ أن نُشِرَت المقالات عنكما أنتما الاثنان.”
“……!”
اتّسعت عينا بنديكت بإدراك، ثم ضاقتا مجددًا. كان ذلك طبيعيًّا نوعًا ما. لقد سُجِن بتهمة قتل والد زوجة وليّ العهد، ومن منظور وليّ العهد، لن يكون سعيدًا بإيلينا التي تقوم بأعمالٍ تُخالِف إرادته.
“في الواقع، كان فرسان الإمبراطوريّة يتبعون سعادة الأرشيدوقة. في النهاية، غيّرتُ المراقبة التي وضعتُها إلى مرافقة.”
“……”
“من الواضح أن سعادة الأرشيدوقة تحبُّكَ حقًا، سيدي. برؤيتها وهي تقود أمورًا قد تعرِّضُها للخطر، هذا مؤكّد!”
“……!”
اهتزّت عينا بنديكت بصدمة. بالتفكير في الأمر، كانت إيلينا كريستي غريبةً قليلًا منذ البداية.
«أنا واثقةٌ من أنّني يمكنني إثبات براءة الأرشيدوق.»
كانت هي الأولى، باستثناء مرؤوسيه، التي قالت إنّه بريء.
تذكّر بنديكت اللحظة التي اتُّهِم فيها بقتل ديفون هايدين، والد وليّة العهد. في اللحظة التي اكتشف فيها الجثّة النازفة ورفعها ليساعده، أصبح قاتل ديفون.
كان الأمر مثاليًّا جدًّا. حقيقة أنه أوّل مَن اكتشف الجثّة، وكون أداة الجريمة مرتبطةٌ به، وأن هناك خلافاتٍ بينه وبين ديفون قبل أسابيع من الحادث. كلّ الظروف تشير إليه كمجرم.
في البداية، كان الناس يشكّكون في صحّة الأمر، لكن عندما نُشِرت تفاصيل الواقعة في الصحافة، انقلبوا عليه. في الواقع، كان هذا حتميًّا. أثناء التحقيق، عندما نظر إلى الأدلّة المقدّمة من الشرطة، شكّ حتى هو نفسه فيما إذا كان قد قتله فعلًا تحت تأثير شيءٍ ما أم لا.
أحيانًا، يتدخّل مجلس النبلاء لإنقاذ نبيلٍ ارتكب جريمة، لكن ذلك لا ينطبق عليه. وُلِد كابنٍ غير شرعيٍّ للإمبراطور، وطُرِد مع مربّيته إلى قلعةٍ نائية، حيث كان دائمًا وحيدًا.
لم يرَ وجه أمّه التي توفّيت أثناء ولادته، وعامله أبوه، الإمبراطور، أسوأ من الغرباء. لم يكن من النوع الذي يتردّد على المجتمع ليبني علاقاتٍ وصداقات، ومع رفض أخيه غير الشقيق، وليّ العهد لورانس، له علنًا، لم يكن هناك نبلاءٌ قد يدعمونه.
لذا، في هذه الإمبراطورية، كان الوحيدون الذين آمنوا ببرائه وأنه مُتَّهم زورًا هم ثُلَّةٌ من الجنود الذين هُم تحت إمرته. وحتّى هؤلاء بعيدون عن المجتمع والسياسة.
عندما بدأ يستسلم تدريجيًّا، ظهرت إيلينا واقترحت العقد. الآن، كانت تخاطر بنفسها من أجله.
هل فعلت كلّ ذلك حقًّا للدفاع عنّي؟ فقط بسبب العقد؟ لا يمكن أن يكون الأمر كذلك.
“ربّما … لهذا السبب اقترحت الزواج؟”
لمعت عينا بنديكت قليلًا عند هذا الإدراك.
«قاعدتي أن لا أعمل دون دفعةٍ أولى. لكن بما أنكَ الأرشيدوق، فسأجعلكَ استثنائنًا وأعمل دون دفعةٍ أولى وآخذ أتعابي عند النجاح فقط.»
منذ البداية، لم تُخفِ المرأة أنّه خاصٌّ بالنسبة لها. الشيء الوحيد الذي أخفته إيلينا هو أنّها تعرّضت للاعتداء من عائلتها.
“ربّما فعلت ذلك لأنها خشيت أن أشعر بالقلق.”
تنفّس بنديكت بعمق. عندما أعاد التفكير، ربّما كانت الكلمات القاسية التي قالتها له عندما ذكرت فيفيان غير مقصودة. لابدّ أنها شعرت بمشاعر معقّدةً عند ذِكر المرأة التي يُشاع أنّه يحبّها. ربّما كانت غاضبةً بسبب غيرتها.
“لكن لماذا بالضبط …”
لم يكن هناك شيءٌ بينهما. لقد رأى إيلينا لأوّل مرّةٍ في غرفة الزيارة ذلك اليوم. فجأة، تذكّر محتوى مقالة الصحيفة التي جلبها فيكتور.
«لإنقاذ حياة شخصٍ عاديٍّ مثلي، لم يتردّد سعادة الأرشيدوق في القفز وسط نيران العدو. لقد وقعتُ في حبّه من النظرة الأولى عندما رأيتُه.»
ربما لم يكن المحتوى كلّه كذبًا. فقد أنقذ مواطني الإمبراطورية في معارك كثيرة. عندما أعاد قراءة مقالة مقابلة إيلينا، كانت التفاصيل دقيقةً جدًّا بحيث لا يمكن لشخصٍ لم يكن حاضرًا أن يتذكّرها.
خَلَصَ بنديكت أخيرًا إلى أن محتوى مقابلة إيلينا كان قصّةً حقيقيّةً مؤثّرة.
حتى وهو يقرأ المقال، ظانًّا أنه كذبة، شعر بوخزة حزن، لكن حدسه الحادّ كجنديٍّ كشف الحقيقة.
“لهذا السبب ردّت على شرطي بهذه الطريقة.”
الآن أصبح كلّ شيءٍ واضحًا. طوال سردها للشروط لإنقاذه من السجن، كانت عيناها تتلألآن بالحماس، لم تكترث للشرط الإضافي الذي أضافه ‘لا مشاعر شخصية تجاه بعضنا البعض.’ كما لو أنها لا تهتمّ بهذا الشرط.
‘لأنّها كانت تحبّني بالفعل.’
افترضت أنه كان شرطًا لن تُحافِظ عليه منذ البداية. مسح بنديكت وجهه بشعورٍ غريب.
“لا. في النهاية، سيكون سُمًّا فقط.”
الحبّ يجعل الإنسان ضعيفًا ويصبح نقطة ضعفٍ في النهاية.
أمّه التي تخلّى عنها الإمبراطور، وليّ العهد لورانس الذي أضحى يفتقر للحِكمة بوضوح، كلّ المآسي كانت بسبب الحبّ.
بالإضافة إلى ذلك، بعد انتشار الشائعة الكاذبة بأنّه يحبّ فيفيان، اتُّهم زورًا بشيءٍ لم يرتكبه وها هو على وشك مواجهة موته.
لهذا السبب تحديدًا وضع هذا الشرط في العقد. لتجنّب خلق نقاط ضعفٍ لا داعي لها.
“يجب الوفاء بالعقد، مهما كان الثمن.”
شدّ بنديكت قبضته كأنّه يؤكّد على نفسه.
∗∗∗
في اليوم التالي.
اليوم أيضًا، انتظرتُ الأرشيدوق ريتشارد في غرفة الزيارة. حتى بالأمس لم يُقابلني، فما الذي سيتغيّر اليوم؟
“هاا، هل هناك طريقةٌ لعقد مُحاكمةٍ بدون حضور المُدّعى عليه؟”
أسندتُ رأسي للخلف، مُتخبطةً في افتراضاتٍ سخيفةٍ وأنا أُشعِّثُ شعري.
جلجل-.
في تلك اللحظة، رفعتُ رأسي فجأةً عندما سمعتُ صوتًا معدنيًّا حادًّا في أذني.
“……!”
انفرجت شفتاي عند رؤية الرجل المُرحَّب به الذي خرج من الباب. كان موافقة الأرشيدوق ريتشارد فجأةً على زيارتي غير متوقع، لكن كان ذلك أيضًا بسبب التغيير المُلفِت في مظهره.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"