4
كانت هذه هي المهمة الثانية، باستخدام توكيلٍ مكتوبٍ بخط يد الأرشيدوق ريتشارد. كانت بالضبط ‘رشّ مبيدٍ حشريٍّ على الحشرات التي تتطفّل على حياة إيلينا’.
“آه، لا، حضرة الشرطي … مـ ماذا؟ اعتداءٌ على النبلاء؟ هذا غير معقول.”
كان يبدو على وجه شقيق إيلينا، الذي كانت ذراعاه متكتّفتين إلى الخلف ومقيّدتين، أنه لا يفهم ما يحدث.
“تلقّينا بلاغًا بأن شخصين من العامّة يعتديان على نبيلةٍ تدعى إيلينا ريتشارد في هذا المنزل.”
“ريـ ريتشارد؟ هذا مستحيل. تلك الفتاة مجرّد عامّية! إنها ابنتي.”
والد إيلينا، الذي كان أيضًا مقيّد الذراعين وغير قادرٍ على الحركة، رمش بعينيه ونظر إليّ وإلى الشرطي بالتناوب. نظر الشرطي إليّ للحظةٍ ثم سأل بصوتٍ مرتبكٍ بعض الشيء.
“أممم … هل أنتِ حقًا إيلينا … ريتشارد؟”
على ما يبدو كان بسبب مظهري الرّث بالنسبة لشخصٍ نبيل. عندما ارتسمت على وجه الشرطي تعابير متشكّكة، اتجه الاثنان نحوه بسرعةٍ بوجوه متذلّلة.
“لابد أن هناك سوء فهم. ريـ ريتشارد… أليس ذلك الشخص الذي في السجن الآن؟”
“من الواضح أن الفتاة كذبت. إنها معتادةٌ على الكذب، لذلك نحن نؤدّبها على ذلك الآن.”
بشكلٍ عبثي، أومأ رجال الشرطة موافقين وحاولوا فكّ قيود الرجلين برفق.
‘يا إلهي! أهؤلاء الشرطة المزعومون!’
اتسعت عيناي دهشة. سواء أكنتُ نبيلةً أم لا، هناك عنفٌ منزليٌّ يحدث بوضوحٍ أمام أعينهم، ومع ذلك يوافقون على أنه ‘تأديب’؟
أخرجتُ من جيبي شهادة الزواج ومددتُها نحو الرجلين المدعوَّين أبي وأخي، وتلوتُ متعمّدةً بصوتٍ صارم.
“المادة 262، الفقرة 1 من القانون الجنائي للإمبراطورية: يُعاقَب مَن يعتدي على نبيلٍ عقابًا شديدًا.”
“…..!”
ثم أدرتُ رأسي فجأةً نحو الشرطي ومددتُ الوثيقة.
“المادة 262، الفقرة 2 من القانون الجنائي للإمبراطورية: يُعاقَب أيضًا كلّ مَن يشهد واقعة الاعتداء ولا يتّخذ إجراءً مناسبًا عقابًا شديدًا.”
فغروا أفواههم مندهشين وهم ينظرون إلى الوثيقة الرسمية التي تحمل ختم الإمبراطورية بشكلٍ بارز.
في سجلّ النبلاء الذي تم تسجيله حديثًا عند تقديم شهادة زواجي من الدوق، كان اسمي ‘إيلينا ريتشارد’ مكتوبًا بوضوح.
لحسن الحظ، بفضل تغيير القانون الذي قام به ولي العهد لورانس، بطل الرواية، عندما تزوّج من فيفيان العاميّة، أصبح بإمكان العاميّ الذي يتزوّج نبيلٍ أن يصبح نبيلاً أيضًا. بفضل ذلك، حصل والد فيفيان أيضًا على لقب البارون.
صرخ والد إيلينا.
“هل تزوّجتِ حقًّا من الأرشيدوق القاتل؟”
“كما تريان. ولديه العديد من الأتباع الأقوياء. سيكون غاضبًا بالتأكيد عندما يعلم أن زوجته تُعامَل بهذه الطريقة.”
تحوّل لون وجههما إلى الشحوب حيث فهما أن هذا تحذيرٌ بأنه سسستخدم أتباعه لقتلهما إذا لزم الأمر. بالطبع، في الواقع، من المستبعد أن يفعل ذلك من أجلي، زوجته المزيفة.
بعد ذلك، توجّهتُ بالحديث إلى رجال الشرطة الذين كانوا يقفون متردّدين لا يعرفون ما يفعلون.
“سميث ليونارد، 27 عامًا، مواليد 4 فبراير، رقم الشرطي 11349، قسم السلامة العامّة، إدارة الشرطة. بيتر ثيودور، 32 عامًا، مواليد 17 أبريل، رقم الشرطي 10447، نفس القسم. اسم مشرفكما جاريد كوبر، رقم الشرطي 9913.”
“مـ ماذا؟ لماذا تعرفين معلوماتنا الشخصية بهذه التفاصيل …؟”
كانت هذه معلوماتهم الشخصية التي اطلعتُ عليها بسرعةٍ عندما ذهبتُ إلى مركز الشرطة. أخيرًا، همستُ الكلمات السحرية التي تدفع الموظّفين العموميين للتحرّك.
“إذا لم تعتقلوهما الآن، سأتقدّم بشكوى. كل يوم.”
مع انتهاء هذه الكلمات، اندفع رجال الشرطة نحو جريج وكاين.
***
في اليوم التالي.
في غرفة زيارات المعتمة ذات الرائحة الكريهة، جلستُ مقابل الأرشيدوق بنديكت ريتشارد، زوجي.
“تم تسجيل الزواج بنجاح. نحن الآن زوجان شرعيان بدون أيّ مشاكل قانونية.”
“…..”
لسببٍ ما، كان يحدّق بي فقط دون أن يتكلّم. ومع ذلك، كانت عيناه تبدوان أكثر رقّةً مما كانتا عليه بالأمس، فابتسمتُ.
“يبدو أننا الآن في نفس القارب للهروب من الجحيم. أرجو أن تعتني بي.”
“ما الذي حدث لوجهكِ؟”
بدلاً من الإمساك بيدي، جاءني سؤالٌ مفاجئ. فركتُ خدّي بإحراجٍ حيث كانت هناك كدماتٌ زرقاء من ضرب عائلتي.
“آه، ليس بالأمر المهم. كنتُ مشغولةً أمس بالإمساك بطفيليات العائلة.”
تهرّبتُ من الإجابة بدلاً من قول الحقيقة. في الأمس، استخدمتُ اسم الأرشيدوق للتهديد أمام الشرطة وعائلتي. لا يمكن أن يكتشف أني استخدمتُ اسمه في شؤوني العائلية التي لا علاقة لها بالمحاكمة. خشية أن يكون ذلك مُخالَفةً للعقد، غيّرتُ موضوع المحادثة بسرعة.
“لنتحدّث الآن عن المحاكمة. أنتَ متّهمٌ حاليًا بطعن والد وليّة العهد فيفيان، زوجة ولي العهد، بخنجرٍ وقتله.”
“ها، تتحدّثين مثل محاميةٍ حقيقية.”
“لأنني محاميةٌ حقيقية.”
“تكذبين ببراعةٍ دون أن ترمش عيناكِ حتى.”
“أنا مُحاميتكَ على الأقل، صحيح؟”
تنهّد تنهيدةً خفيفة، كما لو أنه استسلم. بالطبع، لن يكون من السهل عليه اعتباري محاميةً الآن، لذا بدا وكأنه يفترض أنني أكذب باستمرار.
هززتُ كتفيّ بلا مبالاة. طالما أفوز في المحاكمة، فلا يهمّني ما إذا كان موكّلي يصدِّقُني أم لا.
حرّكتُ القلم بين أصابعي ونظرتُ إلى الأرشيدوق.
“حسنًا. إذن، كمحامية، سأطرحُ عليكَ السؤال الأهمّ أولاً.”
ساد توتّرٌ خفيفٌ فوق الطاولة الصغيرة التي تفصل بيننا. أخذتُ نفسًا عميقًا وواصلتُ حديثي.
“هل تحبّ فيفيان؟”
تسبّب هذا السؤال، الذي ربما كان غير متوقّع، في ارتعاشةٍ على وجه الأرشيدوق بنديكت ريتشارد. حدّقتُ فيه في صمتٍ للحظة، وتذكّرتُ الرواية الأصلية.
‘هم، ربما لمستُ نقطةً حسّاسة.’
وفقًا لمحتوى الرواية الأصلية، عاش الارشيدوق ريتشارد، الابن غير الشرعي للإمبراطور، حياةً وحيدةً دون وجود أحدٍ يلجأ إليه. حينها ظهرت فيفيان في حياته، بطلة الرواية المشعة مثل أشعة الشمس …
كان يشعر بالفعل بعقدة نقصٍ تجاه لورانس، الابن الشرعي للإمبراطور وبطل الرواية، وعندما فقد فيفيان التي أحبّها، قام بإيذائهما، حتى أنه انتهى به الأمر بقتل والد فيفيان في نهاية الرواية.
وكأنه غارقٌ في أفكار عميقة، تحرّكت شفتاه أخيرًا.
“لا.”
نعم، هذه هي الإجابة الصحيحة.
أومأتُ برأسي راضية. سواء كانت الحقيقة أم كذبًا، فالإجابة التي يجب أن يعطيها عندما يُسأل نفس السؤال في قاعة المحكمة هي ‘لا’.
بالطبع، من المرجح أن إجابته كانت صادقة. ما جدوى الحب عندما تكون حياة المرء على المحكّ في السجن؟ حتى حبٌّ عمره ألف عامٍ سوف يبرد على أرضية السجن الباردة.
“جيدٌ جدًا. إذن، دعني أطرح السؤال بطريقةٍ مختلفة.”
طرحتُ سؤالي التالي.
“هل أحببتَ فيفيان من قبل؟”
سبب تأكّدي من حبّه هو ‘دافع الجريمة’.
الدافع مهمٌّ جدًا في الدفاع عن جريمة القتل. تختلف نتائج المحاكمة بشكلٍ كبيرٍ اعتمادًا على ما إذا كان الدافع عفويًا أم مخطّطًا، أو إذا كان هناك دافعٌ يستحق التخفيف.
لا يُمكن مساواة طفلٍ يتعرّض للتعنيف من قِبَل والديه قد قتلهما عن طريق الخطأ بطفلٍ يقتل والديه لمجرّد أنهما رفضا إقراضهما المال للمقامرة.
على أيّ حال، هو متّهمٌ بقتل والد فيفيان. إذا كان لا يزال يحبّ فيفيان وقت الحادث، فيمكن اعتبار ذلك جريمة قتلٍ بدافع العاطفة، مدفوعًا بكراهية رجلٍ على حبّه المفقود. يبدو أن إدارة الشرطة قد استنتجت ذلك مُسبقًا.
“لا.”
عندما سمعتُ إجابته التي تخلو من أيّ تردّد، رفعتُ زاوية فمي برقّةٍ وابتسمت. هذا هو بالضبط سبب حاجته إلى مُحامٍ. يجب أن تكون المُحاكمة مجرّد مسرحيةٍ تَجمع بين الأدلة والتصريحات المتناثرة لخلق القصة الأكثر إقناعًا.
“هذه المرة كنتَ مخطئًا. لا حاجة لأن تكون صادقًا في المَحكمة، لكن الكذب بشكلٍ واضحٍ يترك انطباعًا سيئًا. وقد يُضعِف مصداقية تصريحاتكَ الأخرى.”
بما أن حبّه لفيفيان كان معروفًا جدًا هنا، كان من الضروري الاعتراف ببعض الأشياء حتى لو كانت غير مواتيةٍ بعض الشيء. قدّمتُ له الإجابة الصحيحة بلطف.
“من الأفضل أن تقول ‘كنتُ أحبّها ذات يوم، لكنني تخلّيتُ عنها تمامًا بعد أن تزوّجت من ولي العهد لورانس.’ أي أنكَ لم تكن تحبّ فيفيان وقت الحادث.”
هل فهمت؟ غمزتُ له وكنتُ على وشك الانتقال إلى السؤال التالي، لكن صوتًا حازمًا انبعث فجأةً من فمه.
“لم أحبّ فيفيان حتى للحظةٍ واحدة.”
سقط القلم الذي كنتُ أدوّره من يدي.
أوه، هذا يغيّر الأمور قليلاً.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 4"