3
حدّق بي الأرشيدوق ريتشارد، ممسكًا بالعقد بين يديه، بصرامة قبل أن يقول بسخريةٍ لاذعة.
“تطلبين نصف ثروتي بعد تبرئتي واستعادة الأموال المصادرة؟”
“نعم. للتوضيح، هذه ليست هِبة بل تقسيمٌ للأصول بعد الطلاق. الهِبة تخضع لضريبة الهِبة، أما تقسيم الأصول فليس كذلك.”
“ها! هذا سخيف.”
هززتُ كتفيَّ. لماذا، هل هذه أوّل مرّةٍ تلجأ فيها إلى محامٍ متخصّصٍ في توفير الضرائب؟
“قاعدتي أن لا أعمل دون دفعةٍ أولى. لكن بما أنكَ الأرشيدوق، فسأجعلكَ استثنائنًا وأعمل دون دفعةٍ أولى وآخذ أتعابي عند النجاح فقط.”
“أتعلمين كم يبلغ نصف ثروتي؟”
بالطبع كنتُ أعلم. فقد قرأتُ بوضوحٍ في الرواية كيف عرقلتَ مشاريع البطل وانتزعتَ فرصًا استثماريةً رائعةً لجمع ثروةٍ طائلة.
“بالتأكيد. وبدوني، سيتم مصادرة كلّ تلك الثروة.”
أليس من الأفضل إنقاذ نصفها؟ نظرتُ إليه بعينين تقولان هذا بوضوح. أخذ الأرشيدوق نفساً عميقاً ثم ضيّق عينيه نحوي.
“كيف ستثبتين براءتي؟”
“آه، لا أستطيع إخباركَ بذلك الآن. إنه سرّ مهني.”
إذا أخبرتُكَ بذلك هنا، ستقوم بالدفاع عن نفسكَ وحدكَ وتستغني عني، أيّها الماكر! هل تظنّني سأقع في فخّ هذه الخدعة السطحية؟ هززتُ رأسي رافضة.
خرجت نقرة لسانٍ من حلقه عند سماعه الإجابة القاطعة. ابتسمتُ.
“حسناً، حسناً … إذًا أيّها العميل … أقصد سعادتك … كل ما عليكَ فعله الآن هو أن توقّع هذا العقد.”
“انتظري، أريد إضافة شرطٍ آخر للعقد.”
على عكس قلقي الطفيف من أنه قد يُخفِض أتعابي، اقترح ببساطةٍ أن نحتفظ بمشاعرنا الشخصية لأنفسنا. وقد كان هذا في مصلحتي. عادةً ما يكنّ المُوكِّلون الخاسرون في المحكمة مشاعر سيئةً تجاه محاميهم. هناك سببٌ لحرصي الشديد الجنوني الذي دفعني للحذر في حياتي الماضية.
“نعم … هذا جيد … لنفعل ذلك.”
على عكسي، الذي أجبتُ بفتور، راقب الدوق الأكبر بعينين واسعتين شرطه المُقتَرح وهو يُضاف إلى العقد. بصراحة، كان شرطاً لا فائدة منه، لكن تعابير وجهه كانت جادّةً أكثر من أيّ وقتٍ مضى. أظهرتُ ثقتي ولطفي، محافظةً على روح الخدمة حتى النهاية، وسلّمتُه الوثيقة الثانية من صدري.
“هنا أيضاً، رجاءً وقِّع هنا.”
“هل أعددتِ عقد الزواج بالفعل …؟”
اتسعت عيناه مندهشتين. فهززتُ كتفي بلا مبالاة.
“أنا شخصيةٌ مستعدّةٌ دوماً.”
بينما كان يملأ عقد الزواج، نظرتُ إلى العقد الذي سيجلب لي ثروةً كبيرةً وابتسمتُ بسعادة.
“إيلينا كريستي.”
“نعم؟”
رددتُ غريزيًّا على نداء اسمي المُفاجِئ ونظرتُ إليه.
“حتى لو كان زواجاً تعاقدياً، عليّ معرفة اسم زوجتي المستقبلية قبل التوقيع.”
“آه …”
يبدو أنه كان يقرأ معلوماتي الشخصية المسجّلة في استمارة عقد الزواج. أدركتُ أنني لم أذكُر اسمي من قبل واقترحتُ الزواج مباشرة، فخدشتُ خدي بإحراج. منذ وقتٍ ما، بدا أنه فقد إرادة الدهشة أو الاعتراض على هذا الموقف السخيف، فظهر على وجهه تعبيرٌ مستسلم.
“حسناً، إيلينا كريستي. ماذا ستفعلين الآن؟”
بعد أن وقّع على جميع المستندات، بدا عليه الارتياح. وكأنه قرّر أن يترك الأمور تسير كما تشاء.
“الآن، سعادتك …”
ابتسمتُ ابتسامةً منتشيةً ببطءٍ وأخرجتُ ورقةً من جيبي. حان دوره لتوقيع الوثيقة الأخيرة.
∗∗∗
بعد أن أعددتُ جميع الأوراق بشكلٍ مثالي، غادرت السجن وأنا اشعر بالانتعاش وتوجّهتُ نحو المتظاهرين الذين يقودهم الملازم فيكتور جينوا. كانوا يتمتمون وكأن شيئاً ما كان خطأ. عندها أشار أصغرهم سناً بإصبعه نحوي.
“أيّها الملازم! أليست تلك المراة؟”
توجّهت أنظار المتظاهرين كلّها نحوي، واقترب مني فيكتور جينوا بخُطًى غاضبة.
“أنتِ يا آنسة! هل سرقتِ بطاقة هويتي سابقًا؟”
“أتقصد هذه؟”
عندما ناولتُه بطاقة هويته بلا مبالاة، انفجر فيكتور غضبًا.
“ها! أتتجرّئين على السرقة ثم تتبجّحين بكلّ وقاحة؟ اقبِضُوا عليها بسرعةٍ وأبلِغُوا الشرطة…”
“انتظر لحظة!”
نبستُ، ومددتُ ذراعي لأمنع الفرسان من الاقتراب. ثم ابتسمتُ ابتسامةً مشرقة.
“كان لديّ ما أقوله لكم جميعًا، لذا أشكركم على مجيئكم إليّ أولاً.”
“…..؟”
نظروا إليّ كما لو كنتُ مجنونة. لكن مَن أكون؟ تجاهلتُهم، وتابعتُ.
“من هذه اللحظة فصاعدًا، يجب عليكم أن تطيعوني.”
“مـ ماذا قلتِ؟”
“هل جُنَّت هذه المرأة؟”
طنّ الفرسان بكلماتٍ قاسية. انحنى فيكتور مُقتربًا، وتحدّث بصوتٍ مُهدد.
“يا آنسة، إذا استمررتِ بقول الهراء فقد تواجهين مشكلةً كبيرة.”
“إذا كنتَ لا تصدِّقُني، فتحقق من هذه الوثيقة.”
أخرجتُ من جيبي ورقتين وفتحتُهما بكلتا يديّ ووضعتُهما أمام أنف فيكتور. عبس فيكتور وتفحّص الأوراق في يديّ، ثم شحب وجهه تدريجياً.
إحداهما كانت شهادة الزواج، والأخرى كانت تلك الوثيقة الأخيرة المثيرة للمشكلة التي وقّعها الأرشيدوق بنديكت ريتشارد.
『أنا الأرشيدوق بنديكت ريتشارد، أُفوِّض كامل صلاحياتي إلى دوقة ريتشارد، إيلينا ريتشارد. آمر كلّ مَن يخضع لريتشارد أن يعامل الدوقة كما يعاملونني.』
رمش فيكتور بنظره مذهولاً. وتجمّد بقية الشباب في أماكنهم، صامتين.
“ما … ما هذا …”
“حسناً، من الآن عليكم أن تتبعوا أوامر الدوقة بإخلاص، أليس كذلك؟”
بعد أن حصلتُ على الوثيقة الأكثر فعاليةً التي يمكن لمُحامٍ أن يحصل عليها – تفويضٌ بخط يد المُوكِّل – بدأتُ بتنظيم الموقف خطوةً بخطوة.
كان أوّل ما يجب فعله هو تفريق المتظاهرين، الذين بدوا للجميع كـ ‘حشدٌ من الأشرار’ أو ‘عصابةٌ خفيّة’.
“هذا النوع من الاحتجاجات سيؤثرسلبًا على المحاكمة. ابتداءً من الغد، ستفعلون ما آمركم به.”
حاول الجنود ذوو الوجوه الغاضبة الاعتراض، لكن بعد رؤية التفويض، استجمعوا ما لديهم من صبر وانحنوا بأدب. على أيّ حال، لم تكن أفعالهم حتى الآن ذات فائدةٍ تُذكَر في المحاكمة أو الرأي العام.
“سنطيعُ أوامركِ، صا … صاحبة السعادة الدوقة.”
بعد إعطاء بعض التوجيهات لمرؤوسي الأرشيدوق، عدتُ إلى المنزل. صرخ والدي، وهو ثملٌ كعادته، في وجهي.
“إيلينا! إيلينا، أيّتها العاهرة الملعونة! كيف تجرؤين على التغيّب عن العمل اليوم؟”
ثم سمعتُ صوتاً ساخراً من الجانب.
“كنتُ أقول أنه لا داعي للإبقاء على حشرةٍ مثلها في هذا البيت.”
كان شقيق إيلينا، كين، حاضراً أيضاً هذه المرّة. وبالنظر إلى عودته إلى المنزل بعد أيامٍ بهذه الطريقة، لابد أنها قد نفدت أمواله للمقامرة. سحب زاوية فمه بخبث.
“لقد راهنتُ بكِ بدلاً من المال هذه المرّة.”
“ماذا؟ ماذا قلت؟”
“إنه مبلغٌ لن تستطيعي جمعه حتى لو عملتِ خمسين سنة، لذا اتبعيني بصمت.”
ضحك كين ضحكةً مكتومةً وأمسك بمعصمي بقسوةٍ. سرعان ما ظهرت كدمة زرقاء على معصمي النحيل أصلًا. صرختُ ودفعتُ يده بعيدًا عني بقوّة.
“لماذا يجب أن أكسب المال لأجلكُما؟”
“ماذا؟ هل جُننتِ؟”
بدا أن الاثنين تفاجآ لأن إيلينا التي لم تعصِ لهم أمراً من قبل لم تتحرّك كما يريدان الآن. أشار إليّ والد إيلينا، بوجهه المحمرّ.
“لقد ربّيتُكِ، لذا بالطبع يجب عليكِ أن تردّي الجميل!”
“أيّ تربيةٍ هذه! من المثير للاشمئزاز أن أكون مرتبطةً بكم في رابطةٍ فظيعةٍ كالعائلة.”
في البداية، كانت كلماتي لاستفزازهم. لكن بطريقةٍ ما، تداخل وضعي مع حياتي السابقة، فغمرني غضبٌ عارم.
“كيف يُمكن لرجالٍ الأصحاء كهؤلاء أن يعيشوا على فتاةٍ صغيرةٍ عاجزة؟”
كانت هذه الكلمات هي التي لم أجد وقتًا لأقولها في حياتي الماضية بينما أهرب من المنزل. صرختُ بصوتٍ حادٍّ على الرجلين، اللذين قد استهلكهما الحقد والجشع.
“أتمنى أن تختفوا إلى الأبد من حياتي!”
“أيتها الحقيرة!”
صفع!
انطلقت شرارات أمام عيني.كانت قبضة كين قد لاحت نحو وجهي بلكمة.
“آه.”
صفع!
بينما كنتُ أئنّ، أمسك بي ذلك الأب من شعري وصفعني على وجهي.
“يا لكِ من شقيّةٍ وقحة، تتحدّثين دون تفكيرٍ بهذا الفم. سأضربكِ ضربًا مُبرحًا الآن حتى تعودي إلى صوابكِ.”
التقط مقبض المجرفة المكسور من مكان قريب. مسحتُ خدّي المتورم بيدي، ثم ارتعشت زاوية فمي.
“أنتم من تحتاجون إلى العودة إلى صوابكم.”
في نفس الوقت، مع صوت ارتطام، انفتح الباب الخشبي القديم، واقتحم رجالٌ يرتدون الزي الرسمي إلى المنزل. كان لديّ خطة. كنتُ قد استدعتُ رجال الشرطة قبل العودة إلى المنزل. بعد تقييم الموقف، تقدّموا وحاصروا الرجلين.
“لا تتحرّكا! جريج كريستي، كين كريستي. أنتم رهن الاعتقال بتهمة الاعتداء على النبلاء.”
شددتُ شفتي المجروحة وابتسمتُ.
عبارة ‘الضربة الأولى تفوز دائمًا’ هي عبارةٌ خاطئة. في الواقع، ‘الضربة الأولى تخسر دائمًا’. مَن يضرب أولًا سيواجه إجراءاتٍ قانونيّةٍ وتعويضاتٍ مالية.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 3"