السَّبب الذي جعلني أصرخ وأقفز من السَّرير فجأةً كان هذا. لقد رأيتُ للتوِّ كابوسًا مريعًا حقًّا. لقد تعبتُ أسابيع كاملةً وحللتُ القضيّة بجهدٍ جهيد، ثمّ لسببٍ سخيفٍ تمامًا لم أحصل على أجر النَّجاح ولا حتّى بنسٍ واحد…
“……”
أدرتُ رأسي قليلًا، فرأيتُ الأرشيدوق ريتشارد، مؤخرته نصف مرفوعةٍ عن الكرسي، يرمش بتعبيرٍ ذهول. ثم كان هناك مشهد غرفةٍ قديمةٍ تفوح منها رائحة العفن نوعًا ما.
“هذا …”
توقّفتُ عن الكلام، وأضاف الأرشيدوق، الذي جلس منتصبًا وكأن شيئًا لم يكن، شرحًا جافًا.
“إنه قصر الأرشيدوق. صُودرتْ كلُّ ممتلكاتي الأخرى، لكن وليّ العهد أظهر الرحمة وأمر بإعادة الأرض والقصر المرتبطين بلقب الأرشيدوق.”
“ها… هاهاها…”
ضحكتُ ضحكةً فارغةً وغطّيتُ وجهي بكلتا يديّ. لم يكن ذلك كابوسًا، هذا هو الكابوس الحقيقي.
“بفضلكِ أُطلِق سراحي وأصبحتُ حرًّا، لذا سأبيع الأراضي الأرشيدوق والقصر، التي أُعيدت بموجب العقد، وأعطيكِ النصف.”
“……”
لم يسعني إلّا أن أعقد حاجبيّ على عرضه. يبدو العرض رائعًا للوهلة الأولى، لكن مَن يعرف الحقيقةَ يعلم أنه عرضٌ سخيف.
لقد طُرِد الأرشيدوق ريتشارد من القصر الإمبراطوري حال ولادته، وعُزِل مع مرضعته في قلعةٍ مهجورةٍ في أرضٍ قاحلة.
ثم، عندما أحرز إنجازاتٍ في الحرب، منحَه الإمبراطور لقب الأرشيدوق على مضض، وكلُّ ما فعله بخلٍ هو أنه رفع اسم الأرض والقلعة التي كان يعيش فيها أصلًا إلى ‘إقليم الأرشيدوق’ و’قصر الأرشيدوق’ فقط.
الثروة الهائلة التي اشترطتُها في العقد كانت تلك التي جناها بنفسه من استثماراته. باختصار، الأراضي والقصر اللذين أعادهما وليّ العهد متظاهرًا بالرّحمة هما في الحقيقة قشرةٌ فارغة. كان من الواضح أنه لن يكون هناك حتى مالٌ كافٍ لتشغيل القصر.
‘ولي العهد اللعين الوغد! طرد الأرشيدوق من العاصمة عاريًا تمامًا!’
بالطبع، بما أنه الشرير الذي جنى ثروةً بإعاقة البطل بطرقٍ خبيثة، فمن الطبيعيّ أن يرغب وليّ العهدِ في مصادرة كلّ تلك الثروة.
‘ومع ذلك فهذا مبالغٌ فيه!’
صررتُ على أسناني. على أيّ حال، مدَّ الأرشيدوق ريتشارد إليّ بعض الأوراق.
“هاكِ، هنا عقد التصرّف في الممتلكات … ووثيقةُ الطلاق. اكتبي حصّتكِ أنتِ أيضًا.”
على عكس غضبي، كان صوته هادئًا. لم يبدُ عليه أيّ أسفٍ لأن الثروة الهائلة التي جناها بصعوبةٍ بعد سرقة فرص لورانس قد ضاعت إلى الأبد. نظرتُ إلى وثيقة الطلاقِ في يدي ثم قلتُ
“آسفة، لكن لا يمكنني منحكَ الطلاق.”
في اللحظة التي انتهى فيها كلامي، قفز الأرشيدوق من مكانه.
“ماذا الآن؟ هل تعنين أنكِ لن تنفّذي العقد؟”
هززتُ رأسي بهدوءٍ أمام صوته المذهول.
“لا، أقول فقط إن عقدنا لم ينتهِ بعد”.
“ماذا …؟”
“كان عقدُنا أن أحصل على نصف الثروة إذا حُكِم ببراءتكَ يا صاحب السعادة. لكنكَ لم تحصل على حكم البراءة بعد، أليس كذلك؟ لذا لا يمكنني تطليقكَ حتى ذلك الحين”.
لم أكن أنوي أن أُطلِق سراحه من السّجن وأبقى أنا مع القشرة الفارغة في صفقةٍ خاسرة. تنهّد تنهيدةً واضحةً وقال.
“حسنًا. سنؤجّلُ الطلاق حتى تنفيذ العقد. لكنني لا أستطيع إبقاء زوجةٍ على الورق فقط في قصر الأرشيدوق”.
آه، إذًا هكذا ستخرج الأمور. رسمتُ على وجهي أكثر تعبيرٍ بائسٍ ممكن.
“يا لَلْمصيبة! هذا منزلي، فكيف تقول مثل هذا الكلام، حبيبي؟”
“حـ حبيبي … ماذا؟ كما توقّعت، كنتِ تستهدفين هذا منذ البداية عندما وقّعتِ عقدًا معي …!”
احمرّ وجه الأرشيدوق الذي يحدّق بي غاضبًا. ولسببٍ ما، تذكّرتُ في عينيه نظرة عميلٍ سابقٍ كان ينظرُ إلى مطارده. تنهّدتُ تنهيدةً عميقةً أيضًا.
“صاحبَ السُّموّ، نحن مقدَّران أن نكون معًا. تقبّل ذلك”.
“ماذا؟”
نظر إليّ الآن بنظرة حيرةٍ مُطلقة. تجاهلتهُ وتابعتُ.
“لقد صرختُ علنًا بأنكَ تحبّني كثيرًا، فإذا عشنا منفصلين فور خروجكَ من السّجن، ألن يثيرُ ذلك الشُّكوك؟”
رغم أنه أطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، رفض إعادة ممتلكاته بحجّة غريبة، وهي تأجيل البتّ في البراءة. وبالنظر إلى أن ولي العهد لم يكن ينوي ترك الأرشيدوق يعيش حياةً هانئة، بدا أنه سيراقبنا منتظرًا فرصةً سانحةً للهجوم.
في مثل هذا الوضع، لو انكشف زواجنا التعاقدي فقد يُبطِلُ المحاكمة نفسها بحجّة أن شخصًا ليس من العائلة دافع بدون تأهيل، وعندها سأُودّع أجر النجاح إلى الأبد، وربما أدخلُ أنا السجن أيضًا.
“لذا يجبُ أن نبدو زوجين حقيقيين حتى يُقبضَ على المجرم الحقيقي.”
“……!”
فتح الأرشيدوق فمه، الذي بدا عاجزًا عن الكلام، وأغلقه فقط. رفعتُ حاجبي الأيمن قليلًا وقلتُ بهدوء.
“إذا كنتَ لا تحبّ الحياة الزوجية، يمكنكَ تلفيق الأدلّة الآن واتّهام شخصٍ آخر بالذنب.”
“أنتِ! هل جننتِ؟”
تصلّب وجه الأرشيدوق فورًا وصرخ غاضبًا وحدّق بي بحدّة. هززتُ كتفيَّ.
“ألم تقل إنكَ تكره التظاهر بالزواج معي؟”
“آغه …”
كان ردّ فعل الأرشيدوق كما توقّعتُ. حتى بعد أن قضيتُ معه وقتًا قصيرًا، أدركتُ أنه كان عنيدًا لدرجة أنني تساءلتُ إن كان هو حقًا العقل المدبّر وراء هذه القصة، وكان شعوره بالمسؤوليّة قويًّا لدرجة أنه قد يكسر إرادته من أجل مرؤوسيه. لذا، فهو ليس من النوع الذي يضحّي بشخصٍ بريءّ لمجرّد النجاة.
“وأيضًا، سأكون ممتنّةً إن تعاونتَ معي في العثور على المجرم الحقيقي”.
“ستبحثين عن المجرم بنفسكِ؟”
أومأتُ برأسي موافقةً على سؤاله المذهول.
“حتى تحصل على حكم البراءة، سعادتك! هذا أهمُّ شيءٍ بالنسبة إليّ.”
لقد كادت الشرطة أن تحكم عليه بالإعدام بأدلّةٍ سخيفة. لو تركنا التحقيق لهم، فسيبقى محرومًا من ثروته إلى الأبد ولن أحصل على أجري أبدًا. لذا كان الحلُّ الأسرع هو أن أحقّق بنفسي وأُمسكَ المجرم.
حدّق بي بنظرةٍ فارغة، كما لو كان مصدومًا من جديد. ثم عضّ على شفتيه وتحدّث بصوتٍ خافت.
“دعيني أوضّح شيئًا واحدًا، سنتظاهر بالزواج أمام الناس فقط. لا حبَّ بيننا. نحن مجرّد شركاء عقد. هل فهمتِ؟”
“نعم؟ آه، حسنًا، كما تشاء”.
لطالما شعرتُ بهذا، لكن الأرشيدوق كان لديه عادة جعل الأشياء الواضحة تبدو تصريحاتٍ جادةً للغاية. كانت عادةً سيئة.
أومأتُ برأسي شاردة.
“وأيضًا…”
تردّد قليلًا ثمّ فتح فمه.
“أليس من الأفضلِ أن نحاول الإعجاب بشخصٍ آخر خلال فترة العقد؟”
“أمم … أظنُّ أن ذلك صعبٌ قليلًا”.
إن تسرّب أيُّ كلامٍ غير ضروريٍّ إلى الخارج ستصبحُ كارثة. على أيّ حال، ما يهمّني ليس المشاعر الشخصية بل النّقود.
“……”
بعد سماع إجابتي، بدا وجه الأرشيدوق الذي تنهّد متأثّرًا بطريقةٍ غريبة.
***
أوّلُ مكانٍ جرّبنا فيه التناغم كزوجين كان مائدة العشاء. استقبلتنا رئيسة الخادمات التي قيل إنها تعمل في القصر منذ زمنٍ بعيدٍ في قاعة الطعام العتيقة.
“… أنا رئيسة الخادمات هنا، مارغريت بيرونا. يمكنكِ مناداتي السيدة بيرونا. لقد خدمتُ صاحب السعادة منذ زمنٍ طويل.”
ضيّقتُ عينيَّ ونظرتُ إلى السيدة بيرونا التي بدت متقلّصةً ومتوترةً جدًّا، ثم سألتُ الأرشيدوق بلطف.
“يبدو أنّ لصاحب السعادة علاقةً خاصةً مع السيدة بيرونا.”
“نعم.”
جاء الجوابُ القصيرُ والجافُّ فورًا.
“نعم، فقط؟ عزيزييييي؟”
ابتسمتُ ومددتُ الكلمة عمدًا، ثم طعنتُ فخذ الأرشيدوق بإصبعي تحت الطاولة حتى لا ترى بيرونا.
ارتجف الأرشيدوق كما لو أنه تذكّر ما حدث في غرفة النوم.
قبل بضعِ ساعات.
«حسنًا، الآن يجب أن نبدو للناس كزوجين يحبّان بعضهما بجنون.»
«وما الذي تريدينني أن أفعله؟»
نظر إليَّ الأرشيدوق بعدم فهمٍ تامٍّ لمطلبي. عبستُ.
«قلتُ لك، عامِلني كحبيبةٍ حقيقية.»
«حسنًا، وأنا أسألكِ كيف يكون ذلك؟»
«لا تقل لي … ألم تكن في علاقةٍ قطُّ في حياتك؟»
«……»
خفض عينيه وأغلق فمه بإحكام. ثمّ انتشرت حمرةٌ خفيفةٌ على ملامحه المنحوتة بوضوح.
نظرتُ إليه بدهشة.
‘يا إلهي … مع هذا الوجه الوسيم طوال هذا الوقت ولم يستخدمه؟’
لا عجب أنّه كان يتفاعلُ بشدّةٍ مع كلمةِ ‘حبيبي’.
يبدو أن عليَّ تعليمهُ من الأساسيات. بدأتُ أشرحُ له خطوةً بخطوةٍ كما لو كنتُ أُعلِّمُ طفلًا صغيرًا.
«حسنًا. أوّلًا، عندما تنظر إليَّ انظر بعينين مليئتين بالشوق.»
«هل هكذا يكفي؟»
فجأةً اشتعلت عينا الأرشيدوق الحمراوتان وأضاءتا كما لو كانتا تحترقانِ بالعزم.
تنهّدتُ وتابعتُ.
«هذه نظرةُ ما قبل قطع رقبة العدوّ.»
«ألم تطلبي الشّوق؟»
«هذا شوقٌ إلى الموت لا إلى الحبّ»
كما هو متوقّعٌ من العقل المدبّر، كانت نظراته شرسة. قرّرتُ التخلّي عن النظرة المُحبّة والانتقال إلى الخطوة التالية.
«حسنًا، لنفعل شيئًا أسهل. مناداتي بلطفٍ شيءٌ يمكنكَ تعلّمه بسرعة. نادِني ‘إيلينا’ بصوتٍ ناعم.»
«إيلينا!»
«…..»
كان صوتُه كأنه يصرخُ ‘الجنديُّ إي!لي!نا!’ في الجيش.
لم أجد ما أقوله وأنزلتُ حاجبيَّ.
«سأريكَ مثالًا. تابع معي.»
جمعتُ طاقتي من أسفل بطني وأخرجتُ صوتًا ناعمًا جدًّا.
“بينديكت-♡”
«توقّفي!»
احمرّ وجه الأرشيدوق فورًا كأنّه لم يعد يحتمل اللستماع بعد الآن. هكذا انتهى تدريبُنا الزوجيُّ المريعُ وعدنا إلى الوقت الحاضر.
“احمم.”
استعاد الأرشيدوق وعيه فجأةً بعد توبيخي الصامت، فصفّى حلقه. ثم، بصعوبة، تمكّن من إخراج صوتٍ لطيف.
“كانت السيدة بيرونا مربّيتي أيضًا. عملت في القصر الإمبراطوري من قبل”.
انحنت السيدة بيرونا برأسها عميقًا عند سماع ذلك.
“حتى بعد أن لم يعد بحاجةٍ إلى مربّية، سمح لي صاحبُ السعادة بالبقاء هنا كرئيسة خادمات.”
ارتشف الأرشيدوق رشفةً من الحساء المُعدّ وأومأ برأسه بهدوءٍ للسيدة بيرونا.
“لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن تناولتُ طعام مارغريت، لكنه لا يزال كما هو. لطالما كنتِ طباخةً ماهرة.”
طعامٌ لذيذ؟ هذا أجملُ ما سمعتُه اليوم.
لم آكل شيئًا طوال اليوم وكنتُ جائعةً جدًّا، فدفعتُ الحساء في فمي بسرعة.
“أوووك!”
في تلك اللحظة، كانت أنظار الجميع عليّ.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"