8
الحياة في نوفا مير
【 منطقة ستريم ريفر النائية/ الساعة 08:45 صباحًا / منزل لولة ويب】
كان الجو لطيفا للغاية، و قرص الشمس يتوسط السماء الصافية التي تتخللها بعض الغيوم المتناثرة، مبشرا ببداية حياة جديدة مجهولة التفاصيل ، و لكن أنيتا حاولت أن تكون متفائلة لأول مرة في حياتها و أن تُقبل على الحياة بصدر رحب…
جهزت أنيتا أمتعتها كلها و أنزلتها إلى سيارة من نوع بيكانتو بيضاء لتضعها في صندوق السيارة و في يدها ظرف بلاستيك يحوي كل الوثائق اللازمة ، ثم وضعت لويس الصغير في كرسيه المخصص في المقعد الأوسط و أقفلت عليه بحزام الأمان ثم قبّلت رأسه و سلمته لعبته المفضلة…
فرفعت رأسها لوهلة تنظر إلى منزل لولة و منطقة ستريم ريفر النائية التي قطنتها لمدة أسبوعان وإبتسمت ممتنة و شاكرة للمكان و للولة على وجه الخصيص بعدما وفرت لها و لي لويس الصغير الآمان المؤقت ،و الآن قد حان الوقت للبحث عن الإستقرار الأبدي …
كانت سيلين ترتدي بدلة بيضاء بمعطف طويل سميك بني.ٍ فاتحٍ و سروالا أسودا و كعبا عاليا …
و بعدها بمدة إلتحق سبارك و لولة، يحمل حقيبة ظهر ثم أغلق الصندوق وعلّق قائلا:
“هل أنتم جاهزون ؟ هل ننطلق الآن؟ لأننا لا نريد العودة في منتصف الطريق بسبب أننا نسينا جوربا أو حفاضة !”
فضحكت لولة وهي تفتح الباب الخلفي للسيارة:
” لا تقلق، لم ننسى شيئا و مستعدون للإنطلاق أليس كذلك يا سيلين “
فابتسمت و أومأت برأسها قائلة :
“بالتأكيد …مستعدون … هيا لننطلق إلى نوفا مير، حياة و بداية جديدة… تنتظرنا هناك” .
فركبوا جميعا على متن السيارة وغادوا منطقة ستريم ريفر النائية…
【الساعة 09:35 صباحًا – في الطريق إلى نوفا مير】
أثناء الرحلة في الطريق، كان الطفل قد غطى في النوم على كرسيه المخصص و هو يحتضن زجاجة حليبه ، و أنيتا بجانبه تحّدق عبر نافذة السيارة إلى الطريق السريع الذي يعرض البساتين الخضراء الواسعة و الأشجار المصطفة على جانبيّ الطريق، بينما كانت لولة تستمع إلى الموسيقى في سماعتها، وسبارك يتولى القيادة . فجأة و من بعيد لاح اللون الأزرق ببطء في الأفق ، مُرخيا نسيما منعشا ملحيا فقال سبارك الذي لمحه بسرعة :” إنه البحر … لقد وصلنا أخيرا”.
ثم أردفت لولة تنظر إلى الخلف محدثة أنيتا:
” يالهي ، كم المنظر بديع و منعش ، يبدو أنكي ستقضين في هذه المدينة أجمل أيام حياتك… و في موسم الإصطياف سوف ننضموا كلنا فيها ” ثم أردفت قائلة لسبارك :” ها، ياسبارك … هل تتوق شوقا لسباحة و الغوص بعيدا في الأعماق … ألم تكن هذه هوايتك المفضلة ؟ قبل أن تصبح قاتلا محترفا
فإنقلب وجه سبارك لوهلة و بدى عليه التوتر ثم قال:” كنا بشرا في السابق ، لنا حياتنا الخاصة … ولكن الظروف هي التي آلت بنا إلى أن نصبح قتلة بدون مشاعر …”.
فجأة جاءت عينا سيلين في سبارك عبر المرآة العاكسة ، فشعر أنه قد إرتكب خطأ من قوله ثم عاد يحدق في الطريق بتوتر ، فحاولت لولة تغيير الموضوع قائلة :” أوه … أنظروا من إستيقظ أخيرا من نومه … إنه لويس الصغير ” فإلتفت أنيتا إلى الطفل، تربت على بطنه بهدوء ثم قالت و هي تنظر إليه :
” لم تكن الحياة يوما بسيطة أو سهلة سواءا للبشر العاديين أو لأمثالنا و من أجلك فقط عزيزي سوف سوف أضحي بكل شيء فقط لتحظى بالآمان و ألا تعيش في الخوف أبدا “.
فأعاد سبارك نظره إلى سيلين دون أن تشعر به ، يفكر في كلامها فإرتسم في عقله لمحات مظلمة من ماضيه القاتم يتبعه صوت نباح كلب شرس فمسح الفكرة من رأسه بألم و همس في داخله :” أتمنى ذلك … حقا “
【 الوصول إلى نوفا مير / الساعة 10:10 صباحًا】
وصلت السيارة إلى المدينة الساحلية أخيرًا ، فكان صوت الأمواج المتراطمة يُسمع عن كثب، و الأطفال يركضون رفقة ذويهم متجهين إلى الشاطئ من أجل السباحة و الهواء منعش يبعث على الحياة ، أما أجواء المدينة والمباني الهادئة والمحال الصغيرة كانت تعج صخبا و حيوية بالناس المارة و المتجهين إلى أشغالهم و وجوهم تعكس أشعة الشمس متراقصة حولهم بفرح و همّة ، فقالت لولة بنبرة مرحة :” هذه هي الحياة أو فلا … ناسٌ لا يشغلها شئ أمام الإستمتاع بأوقاتهم و الكّد و العطاء من أجل عوائلهم”.
فكانت أنيتا تتبع طريق البحر طويلاً، تحتضن لويس بإهتمام و تريه مناظر البحر الخلابة فعلقت محدثة لويس:
” أنظر يا عزيزي لويس هنا…هنا يمكننا أن نبدأ من جديد معا و نبني الحياة الهنية التي نحلم بها حقاً”.
و عند أول إنعطاف وصلوا أخيرا إلى موقع الشقة فقال سبارك معلقا :” أنظروا … لقد وصلنا إلى مكان الشقة ” . فأردفت لولة قائلة : ” أليس … أليس هذا الشخص الواقف على الرصيف هو مالك الشقة ؟” فنظرت أنيتا تلقي نظرة عليه ثم أجابت موافقة :” نعم … نعم إنه هو لنتوقف عنده ”
فإقتربت السيارة من مكان وقوف المالك و توقفت بجانبه، فنزلت أنيتا من السيارة تنظر إليه فإنتبه لها وإقترب سائلا :” هل أنتي هي السيدة أنيتا فيث التي إتصلت بي من أجل إستئجار الشقة؟ “
فأجابت بتردد ثم قالت بصوت عال:” أه… نعم أنا هي “
فإقترب منها و صافحها مُعرفا بنفسه قائلا :” مرحبا بك ، سيدتي أنا إسمي جاكسون سميث … صاحب الشقة ” كان جاكسون سميث في ثلاثينات من عمره
يرتدي قميصا أسودا و معطفا رماديا سميكا غامقا و سروال جينز و حذاءاً شتويا.
فردت عليه قائلة :” سررت بمعرفتك سيد سميث … هؤلاء هم أصدقائي لولة و سبارك و ذاك الرضيع هو إبني … كما تعلم نحن جددٌ في هذه المدينة بيد أننا لوهلة أعجبنا بها كثيرا و عندما وجدنا أنك تستأجر شقة في مدينة نوفا مير الساحلية لم نستطع أن نفوت على أنفسنا فرصة مثالية كهذه” .
فقهق جاكسون قائلا :” نعم أحسنت القول يا سيدتي … فعلاً المدينة جميلة للغاية و خصوصا هذا الشارع ، كما أن الجيران لطفاء للغاية و الحي هادئ جدا … أما الشقة فـ… ولما أصفها لك لنصعد سريعا حتى تلقى نظرة شاملة و تعلقي عليها بنفسكي … ”
فأومأت ثم إلتفت إلى رفقائها ، فحمل سبارك لويس الصغير وصعدوا جميعا إلى الشقة …
【الساعة 10:45 صباحاً / الشقة الساحلية/ الطابق الثالث】
فُتح باب المصعد و وصلوا إلى باب الشقة الواقعة في الطابق الثالث رقم 26 . فتقدم جاكسون و قام بفتح الباب ببطء ، فانكشف أمام مدخل نور مشع يتلألأ من زجاج الدرابزين للشرفة المطلة على الأفق اللامع للمدينة، يدخل إلى الغرفة و ينعشها بالنسيم، فخرجوا كلهم إلى الشرفة ينظرون إلى المدينة و البحر يتلألأ حولها
قال سبارك وهو ينظر إلى أرجاء المدينة :” فقط هذه الشرفة وحدها تستحق العناء “
ثم علقت لولة قائلة و هي تلتقط صورة للمنظر البديع ثم قالت :” لقد أحسنت الخيار فعلا يا سيلين فالشقة جميلة جدا”.
بدأت أنيتا تسير داخل الغرف التي كانت مطلية كلها بالأبيض و فيها بعض الأثاث وتتخيل غرفة لويس و أين ستكون زاوية مطبخ وكيف ستبدو غرفة معيشة بأثاث أبيض…ثم همست بهدوء:
“سوف أصنع ذكريات جديدة لي و للويس بين هذه الجدران…” ففتحت غرفة صغيرة تقع في آخر زاوية فكانت غرفة نوم مخصصة للأطفال الرضع فيها سرير و خزانة و جدرانها مطلية بالأخضر الفاتح و عليها رسومات لطيفة فخرجت تسأل مالك الشقة :” أوه … سيد سميث … هل كان هنالك من سكن هذه الشقة سابقا ؟” فأجابها بينما كان يرتب الأوراق قائلا : ” آه… نعم سكنها زوجان في السابق و كان لديهم طفلة رضيعة في مثل عمر إبنك…” في تلك الأثناء و عندما سمعت سيلين حديث جاكسون حول العائلة السابقة التي سكنت الشقة إنقبض صدرها فجأة و كأنها تذكرت عائلة آل كروز لوهلة و جرفتها مخيلتها إلى أسوء السيناريوهات حول ما يمكن أن يكون قد حدث لهذه العائلة ثم تابع جاكسون قائلا : ” فعاشوا فيها قرابة أربعة سنوات ثم غادروا بعدها …” فإرتاحت أعصابها عندما أكمل جاكسون كلامه ، فإنتبه لها غير مرتاحة فسألها قائلا :” سيدتي… إذا لم تعجبكي هذه الغرفة… فيمكنكي تغيير أثاثها كيفما تشائين وكذلك الشقة كاملة ” .
فإلتفت إليه بسرعة و أجابت قائلة :” لا إطلاقا الغرفة جميلة جدا و هادئة … مناسبة جدا لإبني ” فسُّر جاكسون من كلامها ثم إنضما إليهما سبارك و لولة ، فحملت أنيتا لويس من سبارك ثم إلتفتوا إليها ينتظرون رأيها حول الشقة و إذا كانت ستستأجرها فقالت لولة قائلة :” إذا ما رأيك؟ …هل ستأخذينها ؟
فظلت صامتة ثم نظرت إلى لويس الصغير الذي بادلها النظرات هو أيضا و كأنه موافق عن قرارها فأومأت و سَعد كل من في الشقة فقال جاكسون قائلا: ” جيد…، إذا لنجلس في غرفة المعيشة و نبدأ بالإتفاق على تفاصيل الإستئجار…
و بعد مدة من معاينة الشقة و الإتفاق على التفاصيل وقعت سيلين على وثائق ملكيتها للشقة و تم تسليمها المفاتيح و هكذا تصافحا و سعد الجميع و إحتضنت أنيتا إبنها لويس و إقتربت لولة منهم تحتضنهم أيضا بينما ظل سبارك ينظر عن كثب و في عينيه شيء من السعادة و الإرتياح من أجل سيلين و إبنها لويس…
【 في المنزل سيلين / على الساعة 15:30 مساءا】
بعدما تم رفع الأمتعة إلى الشقة و إعداد الغرف ،و الخروج من أجل التبضع و شراء الأطعمة و مواد التنظيف ، كان لايزال المنزل ينقصه العديد من المستلزمات ، فأرادت أنيتا التريث و إعمار بيتها على المهل و الأهم من ذلك هو الإلتحاق بالدورة في الحضانة التي سوف تبدأ بعد يومين ، جلسوا بهدوء في غرفة المعيشة بعدما قام سبارك بطلب طعام جاهزٍ ، وبدأوا بالأكل ، قرروا في المساء أنهم سوف ينزلون إلى الشاطئ من أجل الاستجمام ، فقالت سيلين لرفقيها بينما كانت تطعم لويس:”لأول مرة في حياتي، أشعر أن كل شيء… بخير … شكرا لكما كثيرا لوقوفكما بجانب طلية هذه المدة … كيف لي أن أكافأكما ؟” .
فإلتفت إليها سبارك قائلا :” لا تقولي هذا أبدا…” ثم أردفت لولة قائلة:” نعم … فنحن فريق واحد و تهمنا مصلحة بعضنا البعض “
ثم قالت سيلين بصوت حازم و هي تنظر إليهما :” سوف يصلكما مني مبلغ جيد إلى حسابكما كتقدير و إمتنان مني إليكما و أرجو أن تقلبوه مني “
فتبادلا سبارك و لولة النظرات بإستياء ثم قال سبارك :” لن آخذ شيئا منكي … يكفيني أنكي و لويس بخير ” ثم نهض و خرج إلى الشرفة ليدخن سيجارة ، فظلت سيلين تنظر إليه و هو يستند على الحائط الزجاجي للشرفة فهمست لولة قائلة:” هل أنتي مجنونة … تريدين أن ترسلي مبلغا من المال إلى سبارك ؟… من يسمعكي تقولين هذا بيننا يقول أنكي لا تعرفي سبارك جيدا … و كما قال يكفينا أنكي بخير “
فظلت سيلين صامتتا ثم نهضت و إتجهت إلى الشرفة ووقفت بجانب سبارك تنظر إلى الأفق ثم قالت :” أنا … آسفة جدا … طلية حياتي كنت كتمثال يتلقى الأوامر الصارمة و أخذ التعويض عن ذلك ، لم أكن أدرك إطلاقا أنه يوجد في هذا العالم أيادي دافئة و قلوب رحمية تضحي بالغالي و النفيس من أجل الآخرين “
ثم أردفت قائلة: ” أسفة جدا … يا سبارك و يا لولة …فقد عاملتكما كشريكين في صفقة و نسيت أنكما صديقيَّ … بل أقرب من ذلك” فإتسعت عينا سبارك لوهلة ثم إقتربت منها لولة و أسندت يدها على كتف سيلين قائلة بنبرة مرحة:” الآن لقد عدتِ إلى صوابك … إذا ألن نخرج إلى الشاطئ أريد أن ألعب في ماء البحر رفقة لويس ” و بإبتسامة خفيفة قام سبارك برمي طرف السيجارة و إتجاه إلى الباب قائلا :” سأنتظركما في الخارج عند السيارة … لا تتأخرا “
فإنطلقت لولة تحمل لويس الصغير و كاميرتها ثم تبعتها سيلين تهمس مبتسمة :
“أظن أنني سأبدأ نوعًا آخر من القتال
… قتال من أجل ألا أخسر هذا الطفل و لا القريبين من قلبي”…
يتبع
.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 8 - الحياة في نوفا مير 2025-08-06
- 7 - تخطيط جديد...بداية جديدة 2025-08-05
- 6 - رماد الإنبعاث 2025-08-04
- 5 - الإنفجار 2025-08-03
- 4 - المهمة C 23, C 24 2025-08-03
- 3 - طفولة مكسورة 2025-08-03
- 2 - المهمة 095 2025-08-03
- 1 - دفتر على الرمال 2025-08-03
التعليقات لهذا الفصل " 8"