6
6
الفصل السادس
رماد الإنبعاث
[ منطقة ستريم ريفر النائية/ منزل لولة ويب / الساعة 03:00 صباحا ]
كان الرضيع نائمًا في غرفة النوم على ضوء خافتٍ، ملفوفًا ببطانية رمادية و محاطا بوسادتين بين الجانبين، حتى دخلت سيلين الغرفة يتبعها سبارك و لولة ،فجلست سيلين بهدوء على السرير بجانب الرضيع ، وعيناها تحدقان فيه بإهتمام.
فإقترب سبارك ممسكًا بقارورة المشروب الغازي وبخطى هادئة، إنحنى ينظر إلى الأسفل ليلمح وجه الطفل الرضيع ، فإتسعت عيناه ثم قال وهو يقف أمامها:
“لا أصدق أنكِ فعلتها… أحضرتِ طفل الزوجين معكِ.
هل رأيتِ الانفجار؟؟ ، كم كان مروعا؟! ، هل كنتي مدركة بوجوده أصلا في المنزل ؟! “
لم ترد سيلين مباشرة…و ظلت تحدّق في الأسفل و هي واضعت يدها على جسد الرضيع برقة، ثم تمتمت بصوت واهن:” لم أكن أعلم بوجوده في المنزل أثناء المهمة حتى سمعت صوت بكائه الشديد ، وحين طلب مني جاك… أن أقتله …دون شفقة…دون تفكير…كأنّه لا شيء .”…
ثم رفعت رأسها، تنظر إليه بشيء من العناد والحنان معًا في عينيها ، وأردفت:
“فلم أستطع… لم أستطع تركه يعاني كما عانيتُ أنا.
وما كنتَ أنتَ لتسمح بذلك لو كنتَ في مكاني… أليس كذلك؟”
فظل سبارك صامتًا لثوانٍ… ثم اقترب، جلس على السرير بجانب الطفل النائم، يتأمله قليلًا ثم مدّ يده ولمس رأسه بلطف، وقال بنبرة دافئة نادرة:
“يا لك من محظوظ، أيها المُميز الصغير…لقد كُتب لك عمر جديد… ولن يُنتزع بسهولة، صدّقني.” ثم نظر إليها بقلق قائلا : ” ماذا لو عرفت المنظمة بشأنكما، ماذا ستفعلين حينها، وهل تعتقدين أنه سيعيش حياة آمنة معك؟” .
فنظرت إليه سيلين بقلق، ثم هزت رأسها بخفة و كأنها تزيح القلق من رأسها ، فتنهدت بعمق قائلة:
” أنا… أختار ألا أركز على هذا حاليا ،نحن أحياء الآن… وهذا يكفيني لليلة …”
ثم نهضت من السرير و قالت بنبرة منخفضة حازمة :
“و هذا الطفل الصغير سوف أحميه مهما كان الأمر “.
فرفع سبارك حاجبيه و هو ينظر إليها ثم إبتسم إبتسامة خفيفة و نهض من السرير متجها نحو الباب قائلا:
” حسن… ياسيلين ، كما تشائين”
و تركها وراءه في الغرفة ، فتبعته لولة خارج المنزل
و قالت له :” ألن تبقى معنا ؟”
فأجابها بهدوء و هو يركب دراجته النارية
” لدي عمل في المرآب سأنهيه… ثم سأرجع في الصباح”.
ثم أردف قائلا :
” كونا حذرتين…حسنا”
فأومت لولة موافقة ثم غادر مسرعا يشق الضباب خلفه…
كانت سيلين مستلقية على السرير بجانب الرضيع تريح بدنها المرهق و تحدق في سقف الغرفة غير قادرة على النوم ، والرياح تداعب الستارة البيضاء الخفيفة ثم إستدارت إلى الطفل النائم بجانبها و رفعت البطانية بهدوء لتكشف عن شعره الأشقر الذهبي، و بينما يلوح الأفق بلون رمادي باهت مشيرا بإقتراب مجيئ فجر يوم جديد ، نظرت تتفقد ملابسها الداكنة التي تفوح منها رائحة ذكريات القصر البارد و المظلم
ثم تلمست خصلات شعرها الأسود الطويل وهي تفكر في فعل شيئ مختلفٍ.
فجأة نهضت من السرير ،خارج الغرفة إلى الحمام لتستحم ،و بعد مدة من الزمن . وقفت تنظر إلى نفسها على مرآة الحمام و إلى شعرها الرطب المجعد الطويل يقطر ماءاً ، الذي كان يحمل ماضياً أسوداً ثقيلاً و قاتماً، ثم فتحت الدرج الصغير أسفل مرآة الحمام، فوجدت مقصا و عبوة صبغة شعر بلون أشقر ذهبي فتسعت عينيها ثم أخرجتهما و حملت المقص تتأمله طويلاً ثم قربته من أطراف شعرها ، فترددت… ثم عزمت على القص بحزم و كأنه قرار لا رجعة فيه… و مع كل خصلة شعر تسقط على المغسلة بهدوء كانت تحكم قبضتها في قصّ شعرها و كأنها تزيحه من ذاكرتها، فقصّت ماضيها… و قصّت أبناء موريارتي و المرأة التي كانت تدعى “سيلين موريارتي”.
بعد الانتهاء نظرت إلى نفسها . و هي تدير رأسها يمينا و يسارا و كأنه أصبح أكثر خفة و حرية مما كان عليه…
[في الصباح على الساعة 06:00 صباحا ]
إستيقظت لولة من على الأريكة التي كانت نائمة عليها فأمسكت بهاتفها تنظر إلى الساعة،و تفرك عينيها ثم نهضت من الأريكة متجهة إلى الحّمام لتتفاجئ بسيلين التي خرجت من غرفتها بشعرها الجديد القصير الأشقر ينسدل على وجهها، مرتدية فستانا بسيطا أبيض بدون أكمام
فقهقهت بخفة ثم إقتربت منها وهي تنظر إليها قائلة:
” ماذا !!…لا أصدق … لم أعرفكي لوهلة ، كم تبدين جميلة و كأنك إنسانة جديدة “
فردّت سيلين بابتسامة خفيفة، قالت بهدوء:
“وجدت علبة صغبة الشعر في الحّمام … أتمنى… ألا تمانعي إستخدامي لها دون أخذ إذنك “
فضحكت بخفة قائلة:
” لا أمانع البتة ، فقط… فاجأتني حقا ، إنتظرني حتى يرى سبارك مظهرك الجديد … مؤكد سوف يفقد عقله ” ثم إتجهتا إلى المطبخ معا …
[ في الصباح على الساعة 10:00 صباحا]
كان البيت يعبق برائحة الصابون وطعام الغذاء الذي تحضره لولة وهي تضع سماعتها على أذنيها، و تدندن بمرح أنغام الموسيقى المفضلة ، بينما سيلين كانت تمسح أرضية غرفة المعيشة
حتى دق على الباب فذهبت سيلين لتفتح الباب بنفسها و عندما فتحته و نظر إليها سبارك و دخل بسرعة إلى المنزل و قال بدهشة بادية على وجهه:
“سيلين ؟! هل هذه أنتي … ماذا حدث لشعرك ؟
فأجابته بخجل بنبرة هادئة:
“إعتقدت أنه من الأفضل أن أغيّر ملامحي قليلًا.”
فظل يحدق فيها بإنبهار و إعجاب و كأنه سُحر لوهلة
فلم تمر لحظات حتى إنضمت إليهما لولة و أسندت يدها على كتف سيلين ثم قالت بمرح :
” قلت لكِ أنه لن يصدق الوضع ، تبدو أقل رعبًا الآن ، أليس كذلك يا سبارك ؟”.
فجلس سبارك على الأريكة ثم نظر إليها بصمت، ثم قال:” جيد أنك فكرت بفعل هذا ، هكذا لن يتعرف عليك أحدٌ”
ثم أردفت لولة قائلة بابتسامة هادئة :” ليس هذا فقط بل كذلك صبغت شعرها بنفس لون شعر الرضيع..”
فتنطقت سيلين قائلة :
“هذه هي الفكرة… لأنني قررت أنه أصبح أما له …”
فتفاجأ كل من سبارك و لولة من قرارها ثم أكملت سيلين كلامها قائلة :
” أحتاج إلى مساعدتك يا سبارك بتجهيز وثائق جديدة خاصة بي و بلويس…”
فتبادلا سبارك و لولة النظرات ثم قالت لولة بنظرة حائرة : آآ … لويس ؟! من يكون لويس ؟”
فأجابت سيلين بحزم قائلة :
” إنه الطفل الرضيع …إسمه … لويس “
ثم أضافت هي تنظر إلى سبارك :”إذا هل ستساعدني ؟ لأنني أريد أن أبدأ من جديد مع معه و أعيش حياتي كأم له ، فأنا كل ما تبقى له في هذه الدنيا…”
فظل سبارك هادئا ، ينظر إليها لمدة ثم قال مبتسما :
” بطبع سوف أساعدك و أعرف من سيساعدنا في هذا…” .
[في الليل على الساعة 10:45 مساءاً]
جلست سيلين أمام مهد خشبي صغير صنعه سبارك في مرآبه من أجل الرضيع وحفر في خشبه في أحد جوانبه :
“L O U I S”
ثم نظرت إلى الطفل و هو مستلق على بطانية ناعمة ينظر إليها فهمست بإسم الرضيع بهدوء الذي لم يكن من اختيارها، بل من اختيار والدَيه الحقيقيين . ثم نظرت إلى المنبه على المنضضة بجانب السرير
التي يشير على إقتراب موعد حضور مختص التزوير ليتكلف بتجهيز أوراق لها و للويس.
فجأة دق على الباب ، و تولى سبارك فتحه ليستقبل صديقه ريو من أجل الإتفاق للبدأ في تجهيز الوثائق
فجلس كل من سبارك و ريو في غرفة المعيشة وبعد مدة من الزمن دخلت عليهم سيلين و هي حاملة الطفل و تحتضنته بهدوء رفقة لولة، و جلستا على الأريكة أمامهم ، في تلك الأثناء و عندما وقعت عينا ريو على سيلين و الطفل الرضيع ، إقشعر بدنه و هو يحدق في عيني سيلين الحادتين و كأن وراءهما قصة لا يعرف بشأنها إلا الرب فقط .
أما سيلين فكانت تحدق في تفاصيل معينة فيه مثلا ملابسه البسيطة، لا توحي بأنه كسب ثروة وراء عمله الخفي ولا حتى ساعته الواقفة عن العمل. ليس لأنه ليس خبيرا بل لأنه لا يريد لفت الإنتباه و إثارة الشكوك حوله و خصوصا أنه يعيش في شقة في مبنى بسيط في المدينة و يعمل كعامل توصيل ، و لكن ما أمسح كل شكوكها كان آثار الحبر على أصابع يديه ما أكد أنه يجيد إستخدام كلتا يديه .
“… إنه ليس خبيرا فحسب … بل سريع خارق ” قالتها سيلين في نفسها حتى ، إستفتح سبارك الحديث قائلا :
” إذا ، يا ريو نحتاج منك أن تجهز جميع الوثائق الشخصية الخاصة بها و بالطفل كإبن لها ، فأخبرني كم سيستغرق منك الوقت حتى تنهي كل الأوراق “
فظل ريو صامتا لوهلة يفكر ثم قال بصوت حازم
” شهر بالكثير !”، فإنتفض سبارك بجانبه قائلا :
” ماذا؟! ، هذا كثير من الوقت ، ألا يمكنك إنجاز الوثائق بسرعة أكبر ؟”
ثم أردفت لولة قائلة:
” إن كان الأمر يخص المال فسندفع بتأكيد !” ثم قال ريو و هو ينظر إلى سبارك :
” إسمع يا صاح ، كنت أتمنى أن أنجز الوثائق في أقل وقت ممكن و لكنكم طلبتهم العديد من الأوراق و جوازات السفر و بطائق التعريف بالشخصية هي الأعقد و تستلزم الدقة و الوقت ” و عندما أراد سبارك أن يلغي الإتفاق غاضبا و أن يطرد ريو خارج المنزل بعد تلقينه درسا، قاطعته سيلين لتتحدث الي ريو قائلة بنبرة منخفضة:
“تعلم، لا تبدو لي من النوع الذي يستغرق شهرا كاملا في إنجاز الوثائق ، مما يؤكد أنه لا يهمك المال و لا صعوبة العمل إطلاقا بل ضيق وقتك لكثرة زبائنك ،أليس كذلك يا سيد ريو؟ … “
فظل ريو يحدق فيها بصمت ثم إنفجر ضاحكا قائلا :
” من أول نظرة ، كنت متأكدا من أنكي لست إنسانة عادية …” ثم تنهد و ارتشفَ قليلا من الشراب يفكر للحظة ثم أردف قائلا:
” حسن إذا…لأجلكم فقط… أسبوعان… هل هذا جيد سيدتي ” .
فإبتسم سبارك و هو ينظر إلى سيلين التي أومأت برأسها موافقة ثم قالت بصوت عال:
” نعم ، إتفقنا !” فضرب سبارك كتف ريو مازحا ثم قال :
” لماذا لم تقل هذا من البداية ؟ يا صاح ، هل كنت تتعمد إغضابي؟!”
فقهقه ريو بخفة و هو ينظر إلى سيلين قائلا :
” آهه، كنت أريد تجربة حظي معها … إذا ماهو إسمك الجديد يا سيدة ؟”
فأنزلت رأسها تنظر إلى الرضيع ثم قالت بحزم:” أنيتا فيث… و الرضيع سيكون إسمه لويس فيث…”
وهكذا، دُفنت “سيلين” في رماد الماضي،وولدت “أنيتا فيث”،وبرفقتها… الطفل الذي لم يكن لها … بل جمعهما القدر…
[في مدينة ستون وول/قصر موريارتي/الساعة 12:30منتصف الليل /غرفة إيلارا ]
كانت إيلارا تراقب بهدوء عبر شق باب غرفتها جزئيا تنتظر خروج جاك للإتمام مهمة ألصقها سيباستيان به،و بعد مرور مدة من الزمن ، هدأت الممرات القصر أخيرا و أصبح المكان آمانا ففتحت باب غرفتها و بخطٍ ثابتة تسللت عبر الممرات و وقفت عند باب غرفة جاك تراقب بصمت فضاء القصر ثم بعدها فتحت الباب بمفتاح جاك بعدما إستطاعت نشله من معطفه المعلق أثناء الإجتماع .
فإنسلت داخلها بسرعة كأفعى داخل الجحر ، ثم نظرت إلى أركان غرفته المظلمة و إقتربت من حاسوبه الذي كان مفتوحا و ليس مطفأ ثم بدأت تبحث في الملفات الخاصة المشفرة ، فوجدت ملفا بعنوان “مصدر الاختراق – عملية C24/العنكبوت” و بعدما أدخلت فلاشة إختراق سوداء ، سُحبت كل المعلومات من الملف المغلق و إمتلأت في الفلاشة ، و عندما قاربت على إنتهائها بلحظات سمعت فجأة صوت خطوات مررت بجانب الغرفة كرعدة إنذار فأطفأت الحاسوب بذعر و بإرتباك سقطت الفلاشة من يدها على السجادة القرمزية فانحنت تلتقطها ثم زحفت و إختبأت في الشرفة و ظلها يرتعد و تنظر إلى أضواء البعيدة ريثما يهدأ الوضع ثم بعدها طلت على الغرفة و إتجهت إلى الباب فتحته ببطء ثم ألقت نظرة في المرر الفارغ و إندفعت بسرعة راجعة إلى غرفتها و هي تتلفت خلفها…
و في تلك الأثناء كان جاك في سيارته السوداء من نوع فولزفاكن راجعا من المهمة و هو ينظر إلى هاتفه الذي إهتز بإشعار تلقي إنذار بإختراق ملفات حاسوبه و صورة إيلارا المذعورة كشبح في الغرفة،
فإبتسم بخبث و ضغط على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصله راجعا إلى القصر يتمتم قائلا :
“أخيرًا… وقعت الثعلبة.” …
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 8 - الحياة في نوفا مير 2025-08-06
- 7 - تخطيط جديد...بداية جديدة 2025-08-05
- 6 - رماد الإنبعاث 2025-08-04
- 5 - الإنفجار 2025-08-03
- 4 - المهمة C 23, C 24 2025-08-03
- 3 - طفولة مكسورة 2025-08-03
- 2 - المهمة 095 2025-08-03
- 1 - دفتر على الرمال 2025-08-03
التعليقات لهذا الفصل " 6"