3
3
الفصل الثالث
طفولة مكسورة
[على سفح جبل مرتفع يطل على مدينة ستون وول/ بعد ساعات من تنفيذ المهمة 095]
كان الهواء باردًا، ورائحة الأرض الرطبة تعبق في الأفق، و كأنّ الليل بكى طويلاً قبل أن يُسلّم مفاتيحه للفجر.
وقفت سيلين مستندة على غطاء سيارتها، فوق سفح جبلي يطل على المدينة التي لم تستيقظ بعد ، عيناها تراقبان تلاشي أضواء المصابيح الليلية ، وشعاع الفجر الأول يحاول كسر الليل من بين الغيوم بثقل.
وفي يدها اليمنى، سيجارة تشتعل كجمرة تتقد في قلبها ، وتحرقها منذ زمن طويل .
كلما تغمض عينيها ، لا يتبادر في ذهنها سوى لقطات ممحية للقبو الكبير في قصر آل موريارتي ، وكأنه يناديها للتنفس فيه مجددا بعدما خرجت منه منذ زمن بعيد…
“ما عدت أحتمل هذا الثقل بعد الآن ” همست و كأنها تريد التحرر ممن يدفنها .
كان الهدوء حولها خانقا يجبرها على الرضوخ و تفكر فيما عجزت آنذاك عن فهمه ، و مع مرور الأيام و الشهور أصبح هذا الأمر غنيا عن التعريف ، بل أُقنعت على أنه الشئ الوحيد الذي يجب تنفيذه و إلا العقاب سيكون قاسيا … هكذا كانت كلمات إبن عمها سيباستيان، تتردد بين الجدران البهو السفلي اللّعين .
و بصوت جاف من أثر التدخين قالت مقرّة بحقيقةٍ مؤلمة:
” لست منهم… لم أكن يومًا واحدة منهم.”
تأملت يدها للحظة، بعدما فكت زر كمها حيث كانت تخبئ إسوارة سوداء بتفاصيل دقيقة عليها . أهدتها لها إيلارا يومًا… فظلّت هناك، تحتضن معصمها كشاهدٍ وحيدٍ يدفعها على عدم الانهيار و لكن، من تخدع ؟ . لم يكونوا يوما عائلتها …لا الآن ! و لا قبل 20 سنة .
حتى إستسلمت للذكريات….
[ قبل 20 سنة / قصر موريارتي – المدخل الرئيسي]
كانت السماء تمطر مطرًا خفيفًا، والضباب يزحف على الطريق الحجري المؤدي إلى القصر، كأن الطبيعة كلها حزينة لمصير الطفلة الصغيرة.
كانت سيلين تُحاول الوقوف على قدمها و لحاق بخطوات الرجل الضخم السريعة و هو يسحبها من معصمها، مذعورة ترتجف وعيناها العسليتان تحدقان فيه غير مدركة من يكون أو لماذا أمها ذعرت لحظة رؤيته ، إلى أن وصلت إلى أبواب قصر مهيب .
و داخل غرف القصر الشاسعة، التي بدت لامعة فاخرة و مضيئة في بداية… بدأ يتعتم المحيط شيئا فشيء و هي تُسحب أسفل الدرج إلى القبو حتى فتح الباب الكبير، فدُفعت إلى داخل غرفة صغيرة موصدة النوافذ و جدرانها الخشبية لا توحي بالأمان ، و ظلت فيه محبوسة لمدة من الزمن …
كانت سيلين آنذاك تكتم أنفاسها ، إلى أن إشتد بها الحال و إغرورقت عينيها بكاءا ، تصرخ بأمها ليخرجها أحد من الغرفة . و على ذلك كان يُرد عليها عن طريق ركل باب الغرفة الخشبي بقوة لتحبس شهقاتها .
و بعد مدة من الزمن دخل عليها رجل ببذلة سوداء في الأربعينات، يظهر عليه الحزم ، إقترب منها و جلس قرفصاء أمامها و هو ينظر إليها و يتفقد ثوبها البسيط فمد يده و أمسك ذقنها ، يتفقد وجهها يمنة و يسارة فإرتعشت وهي تنظر إليه بذعر شديد ،و بصوت واهن متقطع قالت
” … أين …أمي؟” .
فزمجر في وجهها قائلا :
” صمتا!! ، لا يوجد أمي بعد الآن ، ففعلت أمكي وضعتني في موقف صعب ، و وجب علي أن أُأدبها ، و من الآن فصاعدا ، سوف تبقين تحت عينيّ ، هل فهمتي؟” .
و فجأة وقف شابان و فتاة يراقبون بصمت دون أن يتحدثوا… يحدقون فيها بإستغراب ، فإقترب أكبرهم سنا و بملاحم باردة و ثياب أنيقة ، سأل الرجل :
“من تكون ، يا أبي؟” .
فوقف الرجل مستقيما ثم قال :
“إنها إبنة عمتكم ، سيلين. و من الآن وصاعدا، سوف تعيشكم معكم بصفتها أختا لكم ،حسنا ” .
فوقعت عينا سيباستيان عليها، يقيمها بدون تعبير باد على وجهه ، وكأنه يقيس ملامحها ليحفظها ،كانت عيناه الرماديتان لا توحي بالهدوء ، بل بشئ أعمق و عقلية أعقد بكثير لفهمها.
فنطق الإبن الثاني جاك ،يكتسي السواد متسائلا:
“ما بال وجهها هكذا ، شاحبا ؟”.
فتقدمت الإبنة الثالثة إيلارا و هي ترتدي ثوبا أنيقا قرمزيا و بشعر منسدل رمادي ،قليلاً ثم قالت :
“من إحمرار عينيها يبدو أنها كانت تبكي بشدة “
ثم أضاف جاك متهكما:
“من يهتم بذلك ، هنا لنخرج منها ياأبي!”
ثم جاءت عينا جاك في عينيها فأدارهما وغادر خلف أخيه سيباستيان .
ثم قال لها إيفان موريارتي في النهاية:
“من اليوم، ستكونين واحدة منا… لا دموع، لا أسئلة. هل فهمتِ؟” .
ثم إستدار إلى أبنائه قائلا:
” علموها كل شيء…”
و غادر الغرفة و سحب الباب ورائه.
نظرت سيلين إلى الأسفل بعينين زجاجيتين غارقتين في الحيرة والخوف . فما سمعته من الشابان و الرجل الذي يُعد عمها في هذه الحالة كانت وقعه أكثر فتكا من الرصاص، ثم تقدمت إيلارا بعدما تأكدت من خروج أبيها و أخويها و إقتربت من سيلين لمواساتها ثم أهدتها شيئا صغيرا و إبتسمت إبتسامة خفيفة قائلة :
” خدي…هذي… وإلبسها بسرعة ” .
تفاجأت سيلين حينها و ترددت في أخذ الإسوارة السوداء ، التي نزعتها إيلارا من مجموعتها الخلابة من الأساور السوداء المصطفة في معصمها ، فأمسكت إيلارا بيدها و ألبسها الإسوارة ثم غادرت بهدوء بعدما ناداها أخوها جاك للمجيئ .
فمسحت سيلين الدموع عن خذيها و بدأت تحدق في الإسوارة التي أعجبتها كثيرا…
في اليوم التالي أُستدعيت سيلين برفقة إيلارا بعدما طلبها جاك و سيباستيان للحضور . فإتجها معا بخطوات ثابثة إلى داخل غرفة واسعة في القبو فيها باب . فتحت إيلارا الباب و دعت سيلين للدخول ، كان في الداخل الغرفة جاك واقفا برفقة سيباستيان الذي كان جالسا على الكرسي خشبيّ، فإنتبه جاك لهما وإقترب من سيلين و هو يلف حولها و يضع يده على ظهرها و يقودها إلى وسط القاعة إلى أن وصلا أمام باب خشبي فقال :
“إذا ، كيف قضيت ليلة الأمس في قصرنا ، هل إعتدت على الأمر معنا ؟”.
فأجابت بتردد و خوف باد عليها :
تـ ..تقريبا ، و لكنني إشتقت إلى أمي و أريد الذهاب إليها .”
فجأة توقف عن الحديث و عقد حاجبيه و هو يحدق في عينيها ثم فتح الباب الخشبي بقوة و دفعها داخل غرفة ضيقة مظلمة و أوصد الباب عليها ، فبدأت بالصراخ تستنجد بأحد ليخرجها و تنادي على إيلارا التي تقدمت لتوقف جاك فوقف سيباستيان عن كرسيه و ناد عليها للرجوع و هو ينظر إليها بحزم ثم قالت لجاك : لا ، إنتظر !، ليس بهذه الطريقة ، يا جاك !”
فإستدار إليها و رد عليها مستهزءا
” و لما لا، ألا تتذكرين تجربتكي… جميعنا مر بنفس التدريب “.
فردت عليه بصوت عال:
“صحيح ذلك ، و لكنني إجتزت هذا التدريب عندما كنت في ثالثة عشر و ليس في السابعة !”
فرد عليها ساخرا :
“و إن يكن ، هذا هو التدريب و عليها أن تنجزه و تخرج نفسها بنفسها من الغرفة إذا أرادت النجاة هذه هي أوامر أبي ، فلا تتدخلي ، فهمتي؟
ثم إستدار جاك يصرخ على سيلين خلف الباب قائلا
: ” توقفي عن الصراخ ، لقد أزعجتنا ” .
ثم نظرت إيلارا إلى سيباستيان و قالت :”
“سيباستيان ، أرجوك إنها فتاة صغيرة ، و تخاف من الظلام ، أرجوك ليس بهذه الطريقة “
فظل يتفرج بهدوء و برود . دون أن يجيبها بكلمة واحدة ،ثم قال لجاك :
“إستمر في التدريب “
و بعد مرور ساعة من الزمن و سيلين محبوسة داخل الغرفة تستغيث بكاءا و بعدما سئم منها جاك ،أمر سيباستيان بفتح الباب قائلا :
أخرجوها … و أعيدوها إلى غرفتها ” فتح جاك الباب عليها ، فوجدها جاثية على الأرض و تبكي بشدة ثم زحفت ببطء خارج الغرفة و جاك ينظر إليها إلى الأسفل و يتمتت قائلا :
“طفلة غبية ، أزعجتنا بصراخك ، كيف لنا أن نعلمك كل شيء و أنت بهذا العند و الغباء ؟! “.
ثم إبتعد عنها و غادر القبو ، فنهض سيباستيان و قبل لان يغادر هو أيضا إلتفت إلى إيلارا التي كانت تنظر إلى سيلين بحزن و شفقة عليها و قال بهدوء:
“في المرة القادمة ، لا تتدخلي فيما لا يعنيك ، و إلا العقاب سيكون قاسيا ” فظلت وافقة تنظر إليه مستاءة ثم أخفضت عينها و قالت :
” حسن ، فهمتُ “.
ثم غادر سيباستيان و أشار إلى الرجل الذي كان واقفا خارج الغرفة لإعادة سيلين إلى غرفتها و لحقت إيلارا بأخيها دون أن تقول شيئا أو حتى تنظر إليها . و مرورا بجانب مرآة في الممر ،لمحت إيلارا نظرةً في عينيها لو رآها سيباستيان لقتلها مكانًا ، فنادى عليها سيباستيان في مقدمة المرر فإقتربت منه قائلة بصوت عال يخفي إضطرابا :” نـ..نعم ، يا أخي ؟”
فظل يحدق فيها طويلا ثم قال :” مهما كان ما تفكرين فيه عندما أهديتي هذه الطفلة إسوارتك فمن الأفضل ألا ينسيك من أنت و من نكون نحن”
فارتجفت إيلارا كما لو صعقتها ذاكرة مؤلمة .
و في تلك الليلة الظلماء ، داخل الغرفة موصدة النوافذ لا ينفد منها سوى شعاع طفيف لنور المصباح الليلي في حديقة القصر جلست سيلين في ركن الغرفة تبكي حزنا و حرقة على ما مرت به اليوم دون أن تضع شيئا في فمها بسبب إخفاقها في التدريب
تفكر إذا كان هذا أول يوم لها في القصر عمها بهذا الرعب و الخوف ، فماذا سيحدث لها غد ، ياترى؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
[على سفح جبلي / الساعة 06:14 صباحًا]
كان الضوء الفجر يبدأ بالبزوخ في أفق السماء، فتنهدت عمقا تحاول مسح الذكريات من رأسها وهي تزرف أنفاسها بغضب و كأنها لم ترد تذكرها أصلا
و بينما كانتا عيناها لا تزالان معلقتين في ذلك الأفق الهادئ ، تحاول تهدئت خلجاتها ، إخترق شردان ذهنها صوت هدير المحرك كان كافياً ليجعلها تستفيق.
إقتربت سيارة سوداء من الطراز القديم، الفخم خلفها تصعد الطريق الترابي و أضواؤها الأمامية تخترقت الطريق، إلى أن توقفت بجانب سيارة سيلين و بعد مدة من الزمن ، هدأ محرك السيارة و أُطفأت الأضواء ثم…
انفتحا البابان الأماميان وخرجا شخصان من السيارة ينظران إلى سيلين ثم نطق أحدهم بنبرة تعبة يرتدي معطفا جلديا أسود و يفرك شعره قائلا :
” أتمنى أن يكون الأمر مهما…”
ثم أغلق بابه ، يتبعه الشخص الثاني بشعر قصير يتطاير في الهواء ترتدي سماعتا أذن مُردفة قائلة :
“لا تستمعي إليه ، لأنه لم يحظى بالنوم منذ ليلة الأمس بسبب عمله في المرآب ” .
تقدم سبارك و لولة بخطوات ثابتة بإتجاه سيلين التي إستدارت إليهما قائلة :
” لقد مضى وقت طويلا ، منذ أن إجتمعا معا ، كيف حالكما؟”
فأجابت لولة بنبرة ضاحكة :
” بخير … أما بالنسبة له ، فلا أعتقد ذلك “
فظل سبارك هادئا ، يبتسم بهدوء ثم أشعل سيجارة قائلا :
” ما الجديد ، هل أنتِ بخير ، إتصلت بي لولة تقول أنكي تحتاجيننا ، فماذا هناك ؟”
لم تجب سيلين مباشرة، فقط نظرت إليهما… ثم قالت بهدوء:
“نعم… هناك شيء… أريد فعله … و أحتاج إلى مساعدتكما “.
فقال سبارك و هو يضع يده على رقبته و ينفث الدخان قائلا :
“كما في الأيام الخوالي!؟”
فأومأت سيلين بهدوء ثم تبادل ثلاثتهم نظرات سريعة، ثم أردفت قائلة :
” أعدكما … ستكون الأخيرة … و مكافأتكما عليّ”
فأجابها سبارك ضاحكا و هو يبتسم إليها :
” لا حاجة لذلك … فقط أخبرينا ما الأمر ؟”
استدارت سيلين بهدوء و فتحت باب سيارتها الخلفي، وسحبت حقيبة صغيرة و سلمتها لسبارك
فنظر إلى الحقيبة يتفقدها ثم أومأ موافقا بر
أسه ثم أضافت لولة قائلة :
” و أنا جاهزة أيضا ، ما الخطة ؟”
فقالت سيلين بنبرة هادئة، لكنها مشبعة بالحزم:
” لقد حان الوقت أخيرا ، لنبدأ من جديد.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 8 - الحياة في نوفا مير 2025-08-06
- 7 - تخطيط جديد...بداية جديدة 2025-08-05
- 6 - رماد الإنبعاث 2025-08-04
- 5 - الإنفجار 2025-08-03
- 4 - المهمة C 23, C 24 2025-08-03
- 3 - طفولة مكسورة 2025-08-03
- 2 - المهمة 095 2025-08-03
- 1 - دفتر على الرمال 2025-08-03
التعليقات لهذا الفصل " 3"