[قصر موريارتي – الطابق العلوي – الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.]
كانت الجدران تتشح بسواد أنيق يخنق كل شعور بالحياة، والستائر القرمزية تنسدِل على النوافذ كظلام لتخنق ضوء القمر خلفها . فقط مصابيح زيتية جدارية تسمح بتسلل النور في الأروقة الواسعة للقصر .
في غرفة الإجتماعات ، على الطاولة الممتدة وسط القاعة، كانت الأطباق الفضية تصطفُّ بانضباط أنيق يوحي بالتحضر و الإلتزام . دخل سيباستيان موريارتي القاعة و جلس في صدر المجلس، كما لو كان العالم بأسره ينتظر مجيئه .
على يساره كان أخوه جاك ، يعبث بولاعة سوداء بين أصابعه بعدما إنتهى من تدخين سيجارته التي تلوى دخانها فوقه مباشرة كسحابة نذيرة بالشؤم .
و بجانبه أختهم إيلارا، أنيقة الثياب تحتسي الشراب و على الجانب الآخر، كانت سيلين إبنة عمتهم تجلس مستقيمة الظهر، تحدق في طبقها دون أن تأكل.
و الهدوء المخيم يخترقه صوت تَكَّة خافت يصدر بشكل متكرر ،و الجميع يترقب بصمت …
وفجأة، انفتح باب القاعة بصوت مزلزل، ودخل رجل يجر قدميه بثقل:
ـ “سيدي… أأمرتني بالمجيء ؟”
رفع سيباستيان عينيه الرماديتين، يحدق فيه بثبات قاتل. ثم أشار له بالاقتراب دون كلمة.
اقترب الرجل الذي كُلف سابقا بقيادة عملية سطو على بنك المدينة بعينين مذعورتين، يشد على يديه و يفركهما قلقا وقلبه يتسارع نبضه بين ضلوع صدره ، ظل سيباستيان موريارتي يحدق بصمت في عينين الرجل الذي كان يمنع أي تواصل بصري ثم أخرج سيباستيان مسدسًا صغيرًا من جيب معطفه و صوبه بإتجاه حتى إنهار قائلا :
ـ “لم أكن أنا … أقسم لك… إنه الشخص الآخر… لا أعلم كيف حدث هذا و لكننا أخطأنا، فقط أعطني فرصة أخرى …”
لم يُجبه سيباستيان بل أخفض عينيه ليمسح فمه بمنديل أبيض . فأطلق عليه رصاصة واحدة أسقطته أرضا قبل أن يتحرك .
لم يكن هناك صراخ، فقط صوت جسدٍ إرتطم بالأرضية
فقال سيباستيان وهو يدخل مسدسه في جيب معطفه :
“في عالمنا… حين تفشل في السرقة، لا تترك ورقة خلفك… ولا حتى شاهداً حيًا.”
شعرت سيلين حينها بتصلب داخل صدرها و صدى صوت ضرب النار يرن في أذنيها مثل الرعد و بينما كانت تحاول تعديل جلستها حتى تخفي أمر رعشتها السابقة أثناء الطلق الناري، كان جاك موريارتي قد لاحظ ذلك بالفعل ، فابتسم نصف ابتسامة دون أن ينظر إليها، وقال بصوت متعجرف
ـ “ما الأمر يا سيلين ؟ لستِ معتادة على مشاهد العشاء؟ أم بدأ الدم يزعجكِ؟”
فأردفت إيلارا موريارتي قائلة بإستهزاء
“ألا تعلمون؟ سيلين أصبحت حسّاسة مؤخرًا، لعلها تحتاج راحةً… من كل شيء.”
ثم أضاف جاك متهكما :
” حقا !؟ ، تريدين عطلة إستجمام يا صغيرتي ؟. “
ضغطت سيلين على قبضتها أسفل الطاولة، وأجابت ببرود:
ـ “أنا فقط فقدت شهيتي و أريد المغادرة إلى غرفتي لأرتاح قليلا ، هذا كل ما في الأمر.”
فنظر سيباستيان إليها فجأة و قال بحسم :
ـ “سيلين، ستقومين بتصفية الهدف الليلة.”
رفعت عينيها بسرعة، وكأنها لم تفهم.
ـ “أي هدف؟”
فأجابها جاك بعدما قذف الملف بإتجاهها على الطاولة، مكتوبا عليه :
(المهمة رقم: 095)
قائلا:
ـ “أحد أعياننا… للأسف قبضت عليه الشرطة منذ يومين و لا يزال قيد التحقيق معه، و لم يرسل إلى السجن بعد . “
فأضاف سيباستيان و هو ينظر في عينيها مباشرة:
ـ “مهمتك: تصفيته قبل أن يفتح فمه. فهمتي ؟”
ثم وقف دون أن يُكمل عشاءه، مغادرا القاعة، يتبعه جاك فناداه في الرواق قائلا :
ـ “آه، بالمناسبة… المحقق الذي حدثتني عنه قرر العبث معنا. إليوت كروز ،محقق من مركز الشرطة… بدأ بنبش ما ليس من شأنه. يبدو أنه لا يعلم ماذا يفعل ، ماذا سنفعل بشأنه ؟ “
فإبتسم سيباستيان للحظة ثم إستدار قائلا بنبرة شيطانية :
” لا تشغل بالك به ، لأن وقته لم يحن بعد و عندما يأتي سوف أكلفك بقيادة المهمة .” ثم غادرا معا .
أُغلقت أبواب القاعة، و كانت إيلارا قد إنصرفت منذ زمن وظلت سيلين وحدها تحدق في الدم الممتد أسفل جثة القتيل، الذي ظل ممددا على الأرض
فهمست تحدث نفسها: كم روحًا ستقتلين بعد؟
ثم غادرت القاعة و إتجهت إلى غرفتها حاملة الملف معها و بداخلها، شيء قد إنكسر بشدة .
[ مدينة ستون وول/الساعة 03:00 صباحًا /قسم الشرطة – جناح الاستجواب السفلي / الزنزانة رقم 04 ] .
المطلوب : تصفية سريعة – ثم الخروج من دون ترك أثر.
في ظلال الفجر المتأخر، تسللت سيلين إلى سور مركز الشرطة عبر الزاوية الخلفية التي درستها مسبقًا… الكاميرات كانت متوقفة عن العمل حينها، بعدما إستطاع جاك كسر شوكة نظام الأمن في المركز ، فدخلت بخطوات ثابثة بسرعة و هي تتنهد بعمق . لكن لم يكن أحد يعلم… أن قلب سيلين لم يكن بنفس الثبات .
و ببذلة سوداء و شعر مشدود و عيون كالفولاذ
وصلت إلى نافذة صغيرة تُطل على ممر الزنزانات، فأخرجت دبوسا شعر كانا ملتصقان في شعرها ،
فقامت بتقويم الدبوس الأول بعدما أزالت الأطراف المطاطية و أدخلته في القفل و بثنية خفيفة إستقام الطرف الثاني من الدبوس، ثم ثنت الدبوس الثاني بزاوية قائمة و أدخلته داخل القفل في الأسفل و ضغطت عليه و بلفة صغيرة إستدار القفل ببراعة و فُتحت النافذة أخيرا .
داخل مركز الشرطة، تحركت بسرعة على الأرضية الملساء بخطوات بالكاد تُسمع. إلى أن وصلت إلى الزنزانة المطلوبة. في تلك الأثناء كان الرجل المربوط إلى كرسيه، منهكا ، مطأطأ الرأس و عينيه مغلقتين.
ففتحت الباب و تقدمت نحوه ببطء تحدق في حالته المزرية و بصوت واهن همست بدون تعبير: “يبدو أنك كنت أضعف من أن تصمد… يالك من مثير للشقفة ، سوف أنقذك من بؤسك ، فورا “
فأخرجت مسدسا كاتما للصوت و صوبته على رأسه المتدلي و قبل أن يُبدي أي حركة ، إخترق الرصاصة جمجمته فهجع كل عصب و وتر ينبض بداخله .
وقفت لحظة تنظر إليه لتتأكد من إنقطاع أنفاسه تماما و بنقرة على سماعة أذنيها قالت :
” تم تصفية الهدف بنجاح ” .
ثم أدخلت مسدسها داخل معطفها ، تشد على صدرها و بتنهيدة عميقة همت بالخروج سريعا دون ترك أي أثر أو صورة أُلتقطت و هي تهمس لنفسها:
“هل كان يجب فعل ذلك من الأساس… ؟” .
و على متن سيارتها السوداء إخترقت الظلام قبل بروز أول شعاع نور.
في غرفة منكتمة الأنفاس ، تكسوها غمامة ضبابية و جدران عُلقت عليها تماثيل لرؤوس حيوانات برية محنطة ، ظهر إشعار تنبيه على حاسوب جاك ينذر بإنتهاء تحميل ملف بعنوان C 24 , C 23 بنجاح ، و بنقرة على فأرة حاسوبه فُتح الملف فظهرت صور و وثائق عديدة و بنبرة خافتة ضحك قائلا :
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات