«إنه شيء كنتُ أحمله منذ الطفولة. أعلّقه فقط من باب العادة…»
دارت الصفّارة بين إبهامه وسبابته، ثم أردف الكلام:
«ليس له معنى كبير على أي حال، فمن الأفضل أن يأخذه الشخص الذي يحتاجه حقًا.»
ارتفعا طرفا فم جوشوا برقة.
«لكن…»
كنتُ على وشك الرفض لأني شعرتُ بثقل ما، لكن جوشوا لم ينتظر أن أكمل جملتي، بل قبض على معصمي بهدوء وسحبني إليه برفق.
في غفلة مني، وُضعت الصفّارة فوق يدي المسحوبة، ولا تزال تحمل دفء جسده الفاتر.
ثم التفّت سلسلة فضية لامعة وتدحرجت حتى استقرت في كفّي فوق الصفّارة.
«إنه مجرد معروف صغير. إذا شعرتِ بالحرج، فاعتبريه ردًا على جولتكِ الإرشادية في القصر الإمبراطوري.»
هززتُ رأسي موافقة على كلام جوشوا.
لم يكن هناك سبب يدعوني لرفض معروفٍ مرة تلو الأخرى.
«حسنًا، سأستخدمها جيدًا.»
لففتُها في يدي بحرص واعتزاز. قد تبدو هدية تافهة من وجهة نظر، لكن القلب كان يغمرني دفء غريب.
البطل حقًا إنسان دافئ.
«يبدو أنني أتلقى منك المعروف تلو الآخر.»
قلتُ ذلك وأنا أعبث بالصفّارة بين أصابعي.
«هذه المرة سأوصلكِ أنا.»
بدأ جوشوا يمشي بخطوات واسعة قوية. أسرعتُ بوضع الصفّارة في جيبي وتبعته.
في طريق العودة لم نتباذل كلامًا يُذكر.
غرقتُ في التفكير بهدوء.
هل يراني جوشوا شخصًا يقبل الرشوة؟ ولماذا أهداني الصفّارة إذًا؟ ظللتُ أفكر في السبب.
* * *
وقف جوشوا ينظر إلى المبنى الذي دخلته هيلي، وأخيرًا تنفّس الصعداء.
في تلك اللحظة، اقترب منه ظلٌّ أسود، ركع على ركبة واحدة احترامًا.
«لماذا تدخّلت بنفسك؟»
لم يستطع جوشوا الإجابة مباشرة. حتى هو نفسه لم يكن قادرًا على تفسير السبب بوضوح.
عندما جاء إلى القصر الإمبراطوري – الذي لا يختلف عن أرض العدو – بقدميه، كان هدفه واضحًا جدًا: أن يبقى حيًا، يقتل الإمبراطور، ثم يعتني بشعبه.
لتحقيق ذلك، لم يكن لديه ترف الشفقة على أحد. كان عليه أن يتجنب أي خطر ويضع سلامته أولوية مطلقة.
لكنه… لم يستطع تجاهل خطر الذي يحيط بهيلي.
«هذه المرة فقط. لن تتكرر أبدًا. ماذا عن الأوضاع هناك؟»
«كما أمرت، نحن نبحث عن الجنرالات الناجين.»
«أبلغوني فور وصول أي خبر.»
«حاضر.»
اختفى الرجل مسرعًا بعد إجابة قصيرة، خشية أن يراه أحد.
بقي جوشوا وحيدًا مرة أخرى. مرّر يده على عنقه الفارغ.
كان شعورًا غريبًا أن يشعر بالفراغ لمجرد فقدان خيط صغير.
«…معروف.»
ث.»
ثم تذكّر كلمته هو نفسه.
معروف من عبد لبلد منهار. سخر جوشوا من نفسه.
ثم تذكّر عيني هيلي الصافيتين الزرقاوين.
عينان تشبهان بحر الياقوت الأزرق، وشعر فضي يشبه الأمواج المتكسرة.
الفتاة التي شعر أنها تذكّره بشيء ما… كانت تشبه أمواج وطنه الأزرق.
«لنقل إن السبب هو… أنكِ تشبهين المكان الذي أشتاق إليه.»
تمتم جوشوا لنفسه كلامًا لن يسمعه أحد.
كان عذرًا أخرق موجهًا إلى شخص قد رحل منذ زمن.
* * *
«هل سمعتِ الشائعة؟ يقال إن الماركيز أجرى اتصالًا سريًا أمس.»
«والسيد سايلك الضابط مساعد لا يفارق الصيدلانية كل يوم.»
«يقال إن حظوته عند جلالته وصلت إلى السماء أصلًا.»
كانت الشائعات بلا أرجل تنتشر آلاف الأميال.
الموضوع الأكثر رواجًا بين الخدم والنبلاء والوزراء والسيدات النبيلات في القصر الإمبراطوري كان بلا منازع: قصة هيلي التي أصبحت الصيدلانية الخاصة الجديدة للإمبراطور.
النبلاء الذين كانوا يمرون في الممر كانوا يسعلون ويحكّون حلوقهم عند سماع ثرثرة السيدات،
لكن اهتماماتهم في الحقيقة لم تكن مختلفة كثيرًا.
«إذا تحرك الماركيز بنفسه، أليس من الأفضل أن نصطفّ نحن أيضًا بسرعة؟»
«بالضبط! في زمن الصيدلاني روبنشيا لم نكن نعرف من هو الداعم في الخفاء فلم يتحرك أحد، أما الآن فيمكننا الاصطفاف سريعًا خلف الخلف الجديد، أليس كذلك؟»
ما إن أشار الكونت برفق حتى ضرب البارون – الذي كان يترقب فقط – على الوتر نفسه فورًا.
التعليقات لهذا الفصل " 35"