“ما زال الجو باردًا، لكن يبدو أن تدفئة جناح جلالة الإمبراطور تعمل على أكمل وجه.”
عند كلماتي، حدّق الإمبراطور بي مطولًا. كانت المسافة بيننا قريبة بما يكفي لجعل تلك النظرة المباشرة مثقلة بالحرج.
يزيد الطين بلّةً أن ابتسامته التي تشبه تفتّح الزهور عند طرفي عينيه جعلت قلبي أكثر اضطرابًا.
‘كيف يمكن لوجهٍ أن يزداد جمالًا يومًا بعد يوم؟ كأن الرجل عازم على سحر من يراه.’
وفوق ذلك كله، لم أستطع حتى أن أُخمّن ما الذي يدور في رأسه ليرتدي مثل هذا القناع الزائف أمامي.
ذلك وحده كان كافيًا ليجعل صدري يضيق غيظًا.
“لماذا تحدّق بي هكذا؟ هل عَلِق شيء بوجهي؟”
“أما خطر لكِ يومًا أن طريقتك في الكلام غريبة؟”
“أبدًا…؟”
لقد أشار الإمبراطور إلى طريقة حديثي. لكنني لم أستطع فهم ما الذي يراه غريبًا فيها، فهي في نظري مؤدبة للغاية.
“أتساءل… هل تعبيرك الحرّ يعود إلى موهبتك الفطرية أم لأنك لا ترينني شخصًا صعب المراس؟”
“عذرًا؟”
‘هل يغضب الآن؟’
“أيًّا كان السبب، فكلاهما يعجبني.”
‘لا يبدو غاضبًا إذًا… لكن ما الذي يحدث بالضبط؟ يا للارتباك!’
قررتُ أن أغيّر الموضوع. فكلما تركز الحديث عليّ، شعرت بأن الموقف يميل ضدي دون سبب.
“على كل حال، يبدو أنكِ راضٍية عن بنود العقد. كنتُ أظن أنكِ ستستدعيني في الحال.”
‘هل كان يتمنى أن أهرع إليه غاضبة لأعترض؟’
“هل تملكين الشجاعة لتقضي حياتك كلّها داخل القصر الإمبراطوري؟”
‘إن كان يعلم أنه صعب التحقيق، فلمَ اقترحه من الأساس؟’
“لا أعلم بشأن ذلك، لكن لديّ ثقة تامة بأنني سأُحسن إنفاق الخمسة آلاف قطعة ذهبية.”
فالعقود لا تسير دائمًا بسلاسة، وإن رأى الإمبراطور أنني بلا فائدة، فبإمكانه طردي متى شاء.
وللعلم، لم يتضمن العقد أي بندٍ عن غرامة فسخٍ أو شيء من هذا القبيل.
‘إن أحسنت التصرف، فقد أخرج من هنا حاملة الذهب وبالوقت ذاته أهرب من القصر بسلام.’
“يبدو أنك صريحة على غير ما يوحي به مظهرك حين يتعلق الأمر بالمال.”
“أهنّئ جلالتك على إتقان الطريقة المثلى للتعامل معي.”
صفّقتُ بخفة مبتسمة بابتسامة خاوية الروح، ويبدو أن هذا التمثيل أعجبه، إذ هزّ رأسه مبتسمًا.
“القصر هادئ الليلة.”
عند كلماته نظرتُ إلى الاتجاه الذي كان يحدّق نحوه.
الحرارة التي عمّت المكان في وضح النهار تلاشت، وساد القصر سكونٌ ثقيل.
حتى تلك الفخامة المهيبة التي كانت تبعث في نفسي الرهبة، بدت الآن غارقة في الوحشة.
‘كم من مرة راقب الإمبراطور هذا القصر على هذا النحو، وحيدًا؟’
رَشّة ماء خفيفة.
نظرتُ إلى جانبي فرأيتُه يمدّ يده في ماء النافورة.
كانت أصابعه تشقّ الموج برفق، تتحرك كأنها ترسم خطوطًا على سطح الماء.
“هل تشعر بالحرّ؟”
‘لكن الماء لا بد أن يكون باردًا الآن… هل هو من أولئك الذين يتأثرون بالحرارة بسرعة؟’
تأملته قليلًا، ورأيت أن وجهه لم يعد كما كان، بل بدا عليه مسحة من الاحمرار.
‘وجهه محمّر…؟’
“هل أنت بخير يا جلالة الإمبراطور؟ لستَ مريضًا، أليس كذلك؟”
كنتُ قد شعرت منذ البداية أن هناك شيئًا غريبًا في قوله إنه يشعر بالحر في مثل هذا الطقس.
ومدّت يدي من غير وعي، حتى لامست راحتي جبينه.
اتسعت عيناه قليلًا عند لمستي.
“ما هذا… لديك حرارة فعلًا! لستَ حارًّا من الجو، بل مريض!”
كانت حرارة جبينه تفوق المعدل الطبيعي بوضوح.
لقد كان دافئًا إلى حدٍّ جعل راحتي تشعر بالحرارة المنبعثة منه، فما بالك بما في الداخل؟
“ألا ينبغي استدعاء الطبيب؟”
‘كيف يمكن لرجل بالغ، بل إمبراطور، أن يهمل نفسه إلى هذا الحد؟’
بدأ القلق يتسلل إليّ رغماً عني، كأنني أعتني بطفل مريض.
وفي تلك اللحظة التي كنتُ أتهيأ فيها لإطلاق سيلٍ من التوبيخ، وُضعت يد الإمبراطور فوق يدي.
كانت لا تزال مبللة، ومع ذلك كانت أكثر دفئًا من يدي.
“……منعشة.”
أغمض الإمبراطور عينيه، فتهاوت رموشه الطويلة فوق وجنتيه.
“……”
‘ما هذا؟ هل أصبحتُ كيس ثلج بشري؟’
“أوه، جلالتك… يدي…”
كنتُ أريد سحبها، لكني لم أستطع، فقد كان يضغطها بخفة براحته.
“باردة على نحوٍ غريب.”
‘حرارتي طبيعية تمامًا، شكرًا لك.’
لكن، كما يُقال، الإنسان يبدو أضعف وأقرب للقلب حين يكون مريضًا.
وهكذا بدا الإمبراطور الآن، متعبًا، متورّد الوجه، يترنّح بين الحمى والوعي — مشهدٌ يثير في النفس شيئًا من الشفقة.
‘حقًا… إن كان مريضًا، فلماذا لا يقول ببساطة إنه مريض ويستدعي طبيبًا؟’
في تلك اللحظة، ارتفع جفن الإمبراطور الذي كان مغمضًا بخفة، فارتعبت!
لكن ما صدمني أكثر هو أن عينيه لم تكونا سوداويتين كما كانتا من قبل…
‘حمراء؟’
حين التقت عيناي بتلك الحدقتين الحمراوين بلون الدم، شهقتُ لا إراديًا.
كيف لا أُفاجأ وقد تغيّر لون عينيه بهذه السرعة، بين غمضة عين وانتباهتها؟ كأنه سحر!
سحبت يدي على الفور ونهضت من مكاني دفعة واحدة.
“…….”
“…….”
ظلّ الإمبراطور جالسًا في مكانه، يتابعني بعينيه الحمراوين، وساد بيننا صمت ثقيل.
“أه…”
كان الموقف محرجًا للغاية.حقًا، لم أكن أقصد شيئًا، أردت فقط قياس حرارته! لم يكن في قلبي أي نية خفية أو تفكير غامض.
أنا بريئة تمامًا.
لكن الآن، مع هذا الجو المتوتر، بدا الأمر وكأنني أنا من بالغت في رد الفعل!
“ذاك… لقد تذكّرت أن لديّ عملًا عاجلًا! سأغادر الآن!”
‘لماذا يسخن وجهي هكذا؟ هل التقطت الحُمّى منه في تلك الثواني القليلة؟’
“حسنًا.”
بمجرد أن سمعت إذنه، استدرت وبدأت أجري في الاتجاه الذي أتيت منه.
كانت ساقاي القصيرتان تتحركان بأقصى سرعة حتى خرجت أخيرًا من الحديقة الإمبراطورية.
“ما هذا بحقّ السماء…”
‘هل ركضتُ بسرعة زائدة؟’كان قلبي يخفق بجنون، وكأن صدري يضجّ بالطَرق.
ثم بدأت ملامح عينيه الحمراوين تتراقص أمامي مثل شبحٍ لا يغيب.
“ما هذا فعلًا…”
وفي تلك اللحظة، لم أستطع كبح نفسي من الانغماس في واحدة من نوبات “المحقّق العظيم” خاصتي.
‘هل يمكن أن يكون الإمبراطور… مصّاص دماء؟’
نعم، كان هذا هو مستوى استنتاجي العبقري حتى الآن.
……..
“…….”
في المكان الذي غادرته هيلي، أخذت الابتسامة التي ارتسمت على شفتي داميون تخفت تدريجيًا.ثم رفع يده ليمسح جبينه بأطراف أصابعه.
لقد كان ذلك للحظة فقط، لكنه تذكّر بوضوح…
“لقد كان باردًا فعلًا.”
تحولت عيناه الحمراوان ببطء إلى السواد مجددًا، فيما عاد الدفء يغلي في رأسه بعد أن شعر بانجلاءٍ مؤقت.
—
تلك الكلمات التي قلتها على سبيل المزاح تحولت إلى حقيقة. لم أستطع النوم على الإطلاق.
في مثل هذه الليالي، كنتُ لأقضيها بمشاهدة “نتفليـكس” حتى الفجر، لكن بما أن ذلك مستحيل هنا، قررت أن أفعل شيئًا أكثر إنتاجًا.
“ها أنا أعمل بجدٍّ من غير قصد.”
حضّرتُ بعض الأدوية: منشّطًا حيويًا، ومهدئًا للنوم، وخافضًا للحرارة.الأولان كانا لي دون شك، لكن الأخير…
‘لا، لا، لا! لم أصنعه لأجله! بالتأكيد لا!’
مهما كانت نيتي، لا أريد الاعتراف بأنني صنعت هذا الدواء للإمبراطور تحديدًا.
صحيح أنني سأفعل ما يأمرني به إن طلب، لكن أن أتنازل عن كبدي ومرارتي من تلقاء نفسي؟ هذا غير مقبول.
يجب أن أتمسّك بمبدئي.
“على كل حال، ما زلت عاجزة عن صنع مثبّت الفيرومونات.”
بصراحة، السبب الأكبر الذي جعلني عالقة في وضع “المرؤوس الأضعف” هو أنني لم أستطع بعد صنع مثبّت الفيرومونات الذي طلبه الإمبراطور.
كم كنتُ أرغب أن أقدّمه له بكل ثقة وأقول: تفضّل، خذ ما أردت، وانتهى الأمر!
“على الأقل، إن قدّمت له هذا كحلٍّ مؤقت، فقد يرضى قليلًا.”
بحسب ما درستُه طوال الليلة الماضية، فإن مثبّت الفيرومونات ومثبّت الانفجار (الذي يمنع فقدان السيطرة) لا يختلفان إلا في تركيز المكونات.
بمعنى آخر، إذا نجحت في أحدهما، فالمشكلة كلها تُحل.
لكنّ أبحاث هيلي حول المثبّت لم تكن قد اكتملت بعد.
كانت قد وصلت إلى مرحلة التجارب وهي تبحث عن تركيبة بديلة بلا آثار جانبية… حين وُجدتُ أنا فجأة في جسدها.
‘يبدو أنها كانت تعمل بجدٍّ أكثر مما توقعت.’
ربما لو لم تختفي، لكانت قد طوّرت المثبّت المثالي بالفعل.
على أي حال، من المؤكد أن من بين ما جربته، كان هناك الدواء الأول الذي قدّمته للإمبراطور.
“لو أنني فقط أتذكر ما كان على طاولة التجارب ذلك اليوم…”
لكن ذاكرتي البائسة لم تُسعفني إطلاقًا.
وفي النهاية، وجدت نفسي في موقفٍ لم أستطع فيه إنهاء المهمة في المهلة المحددة — أسبوع واحد فقط.
ورغم ذلك…لسببٍ ما، لم أشعر هذه المرة بالخوف من أن يقطع الإمبراطور عنقي كما كنت أخشى في الماضي.
‘حسنًا، لا أحد يعلم متى سيتغيّر مزاجه ويعود إلى طغيانه المعتاد، لكن لا بأس.’
على أيّ حال، جمعت بعض الأشياء التي أعددتها لإرضاء مزاج صاحب العمل، ثم غادرت غرفة التحضير.
‘الهجوم الوقائي هو دوماً مفتاح النصر!’
إنها استراتيجيتي الجديدة: التملّق المسبق قبل أن تنهال الصواعق.
—
كان الوقت لا هو ليلًا تمامًا ولا صباحًا حقًا — ساعة متأخرة للّيل ومبكرة للفجر.
وقفت أمام باب غرفة نوم الإمبراطور مترددة للحظة.
‘مهلًا، أليس من الوقاحة أن أزوره في مثل هذا الوقت؟’
بدت الأدوية الموضوعة على الصينية وكأنها تهمس لي: لقد تجاوزتِ حدود فضولكِ هذه المرة يا هيلي.
لكن بصراحة، كنت أعتقد أن الدواء كلما أُخذ أسرع كان أفضل.
صحيح أنني ما زلت متأخرة في صنع مثبّت الفيرومونات، لكن… هذا شيء مختلف تمامًا.
“هل سيشربه إن تركته أمام الباب؟ لا، انتظري… ألن يبدو هذا مريبًا بعض الشيء؟”
دواء مجهول يظهر أمام باب الإمبراطور، تمامًا كما في القصص المشؤومة.
وبينما كنت غارقة في أفكاري، رمقني أحد الحرس بنظرةٍ مرتابة من جديد.
“هذه المرة أنا حقًا أفعل هذا بدافعٍ حسن!”
قلت بلهجة تملؤها المرارة.
“رجاءً، توقّف عن النظر إليّ هكذا.”
يا للإهانة… لقد تعبت في تحضير الأدوية بدافع القلق، وفي النهاية لا أحصل إلا على الشكوك!
ما الذي تعرفه أنت؟!
هل تفهم ما أشعر به من تأنيب ضمير تجاه شخصٍ يعاني بسبب عجزي عن صنع المثبّت؟!
“هل الأمر عاجل يا آنسة؟”
سألني الحارس وقد بدا عليه الحرج.
سؤاله جعلني أتردد مجددًا.
إن قلتُ إن الأمر عاجل، فسيبدو وكأنني أتصرف من تلقاء نفسي دون إذن.
وإن قلتُ إنه غير عاجل… فسيبقى الإمبراطور مريضًا حتى الصباح.
“لكن إيقاظه من نومه الآن قد يكون وقاحة، أليس كذلك؟”
تجمّد الحارس، وقد بدا عليه الارتباك من سؤالي المفاجئ.ما به؟ هل من الممنوع مناقشة الأمور بشكلٍ عقلاني؟
“ربما الأفضل أن أعود صباحًا؟”
“ذاك…”
تردد الحارس أيضًا، وكأن الحيرة انتقلت إليه بدوري.
ظلّ كلانا واقفَين، أنا ممسكة بالصينية كالأبله، وهو متجمد في مكانه.
وفي
تلك اللحظة التي ساد فيها الصمت، جاء صوتٌ خافتٌ من الداخل، عميقٌ لكنه ناعس:
“دعها تدخل.”
تجمّدنا كلانا، أنا والحارس، وتبادلنا نظراتٍ مذهولة.من الذي قال ذلك؟!ثم أدركنا معًا من يكون صاحب الصوت.
“يا إلهي!”
“ن-نعم، حالًا، جلالتك!”
إنه هو — الإمبراطور نفسه، الذي ظننت أنه نائم منذ وقتٍ طويل.
التعليقات لهذا الفصل " 15"